ــ
التغيير
المنشود في سوريا:
المهمة
صعبة والتعقيدات كثيرة!
صالح
القلاب
مع أن المؤتمر
الأخير الذي عقدته «جبهة الخلاص
الوطني السورية» في برلين في
ألمانيا ليس المؤتمر الأول، ومع
أن هذه الجبهة تم الإعلان عنها،
بدعوة من نائب الرئيس السوري
السابق عبد الحليم خدام ومن
المراقب العام لجماعة الإخوان
المسلمين في سوريا علي صدر
الدين البيانوني، قبل نحو عام
ونصف عام من بروكسل، إلا أن
اهتمام وسائل الإعلام العربية
والغربية بها بقي شبه معدومٍ،
والسبب هنا يعود إلى أن النظرة
إليها ربما أنها لا تزال غير
جدية.
في صبيحة يوم الأحد
الماضي بثت هيئة الإذاعة
البريطانية، القسم العربي،
لقاءً مع السيد خدام، الذي كان
أقرب المقربين للرئيس السوري
السابق حافظ الأسد والذي لعب
دوراً في ما سُمي «الحركة
التصحيحية» في عام 1970، رفض فيه
الإجابة عن بعض الأسئلة التي
وجهت إليه ولكنه أكد أن إسقاط
نظام الحكم الذي كان الرجل
الثاني فيه سيكون بدون اللجوء
إلى العنف والسلاح ومن خلال
انتفاضة شعبية عامة وعصيان مدني.
وكان القائد الكردي
السوري صلاح بدر الدين، الذي
كان غادر سوريا منذ أكثر من
أربعين عاماً، قد كشف النقاب
وهو في طريقه لحضور هذا المؤتمر
لأصدقاء التقاهم في عاصمة عربية
إن نحو سبعة تنظيمات سوف تشارك
في مؤتمر برلين لكنه لم يذكر
أسماء هذه التنظيمات، التي
معظمها عربية وبعضها كردية،
والتي قال إنها كلها توجد في
الداخل وتعمل بصورة سرية ولها
ممثلون في الخارج كلهم يعيشون
كلاجئين سياسيين في عدد من
العواصم الأوروبية الغربية.
وقال بدر الدين،
مما قاله، إن الدعوة وجهت لعدد
من البرلمانيين الأوروبيين
وممثلين عن بعض الأحزاب
الأوروبية، التي تؤيد التغيير
المنشود في سوريا وتدعمه، لحضور
هذا المؤتمر لكنه نفى نفياً
قاطعاً أن تكون مثل هذه الدعوة
قد وجهت إلى أي شخصيات وأحزاب
عربية: «إن هذه المسألة حساسة
جداً وإننا لا نريد توريط بعض
الأشقاء والأصدقاء العرب الذين
يتعاطفون معنا وتعريضهم لبعض
الإشكالات والمشاكل الأمنية».
ولعل ما يمكن
إدراجه تحت عنوان «مجرد صدفة»
أنه بينما كان مؤتمر برلين
المذكور قد عقد أولى جلساته أو
أنه كان على وشك الانعقاد أعلن
الناطق باسم «التجمع الوطني
الديموقراطي» المعارض من
الداخل في سوريا حسن عبد العظيم
أن المعارضة المتمثلة بـ«إعلان
دمشق» لا تعترف بما أعلنه
المعارض السوري المعروف
والشهير مأمون الحمصي بالنسبة
لإنشاء أمانة عامة لـ«إعلان
دمشق» في العاصمة اللبنانية
بيروت.
و«إعلان دمشق» هذا
الذي صدر في العاصمة السورية في
خريف عام 2005 والذي حمل تواقيع
عددٍ من المعارضين السوريين
معظمهم من الوسط الثقافي ومن
بينهم بعض أعضاء مجلس الشعب
وبعض أساتذة الجامعات كان دعا
إلى تغيير النظام السوري البعثي
القائم «تغييراً ديموقراطياً
جذرياً» بالوسائل السلمية
وبعيداً عن ظاهرة الانقلابات
العسكرية وهذا هو ما تقوله جبهة
الخلاص الوطني السورية التي
عقدت مؤتمرها الثاني في برلين
في ألمانيا قبل أيام قليلة.
وكتطوير لـ«إعلان
دمشق» المذكور آنفاً ومن قبيل
الدعم والمؤازرة للمعارضة
السورية السلمية والديموقراطية
(الداخلية) فقد صدر في الحادي
عشر من مايو (أيار) 2006 إعلان
«بيروت دمشق» الذي حمل تواقيع
نحو 134 مثقفاً سورياً و166 مثقفاً
لبنانياً والذي طالب هؤلاء فيه
بالسيادة والاستقلال للبنان
وسوريا وطالبوا باعتراف سوري
«نهائي» بالدولة اللبنانية
كدولة مستقلة وترسيم الحدود بين
«الدولتين الشقيقتين» وبتبادل
التمثيل الدبلوماسي بينهما.
في كل الأحوال تجدر
الإشارة إلى أن «جبهة الخلاص
الوطني السورية» كانت قد أكدت
في برنامجها «التنفيذي للعمل
الوطني» على أنها تنوي تشكيل
حكومة انتقالية مدتها ستة أشهر
وبحيث «تبادر القوى السياسية
والمجتمعية والاقتصادية
والفكرية إلى تشكيل هذه الحكومة
الانتقالية لتكون جاهزة لتسلم
إدارة البلاد في اللحظة
المناسبة».
فهل يا ترى أن هذا
المؤتمر الأخير الذي عقدته
«جبهة الخلاص الوطني السورية»
خلال الأيام القليلة الماضية في
برلين في ألمانيا سيكون، على
الأقل، بمثابة الخطوة الأولى
على طريق الألف ميل وسيكون
بداية نهاية نظام أصبح عمره
بكافة محطاته وحلقاته نحو خمسة
وأربعين عاماً وأكثر..؟!
حقيقة أنه على
المراهنين على هذه الجبهة أي
«جبهة الخلاص الوطني السورية»
أن يتريثوا قليلاً وأن يعدُّوا
ليس للعشرة وإنما للألف قبل أن
يصدروا أحكامهم النهائية فنظام
دمشق الذي يصفه البعض بأنه نظام
«البعث»، وهو ليس كذلك، يبدو
قوياً ومتيناً ومتماسكاً رغم
الهزة العنيفة التي تعرض لها
عندما أجبر إجباراً على سحب
قواته من الأراضي اللبنانية
وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي
المعروف رقم 1559.
وهنا فإنه لا بد من
الإشارة إلى أن هذه الجبهة لم
تستطع حتى الآن، ورغم أن عمرها
تجاوز العام والنصف، من إثبات
وجودها في الداخل السوري نفسه
فهي لا تزال معارضة منافٍ
بعيدة، وهي لم تستطع استقطاب
شخصية قوية لها احترامها الكبير
في القوات المسلحة السورية مثل
الجنرال حكمت الشهابي، المقيم
حالياً في الولايات المتحدة،
وهي لم تستطع استقطاب رفعت
الأسد الذي اختلف مع شقيقه
الراحل حافظ الأسد في بدايات
ثمانينات القرن الماضي ولجأ إلى
الخارج رغم أنه كان يحتل موقع
النائب الأول لرئيس الجمهورية
السورية وهي، أي هذه الجبهة، لم
تستطع، وربما لم تحاول، استقطاب
أهم رمزين من رموز جماعة صلاح
جديد التي أطاحت نظامها الحركة
التصحيحية في عام 1970 وهما
الدكتور يوسف زعين الذي كان
رئيساً للوزراء والمقيم حالياً
في بودابست في المجر، والدكتور
إبراهيم ماخوس الذي كان وزيراً
للخارجية والمقيم الآن في
الجزائر.
ثم وبالإضافة إلى
هذه المعضلات التي هي فعلية وفي
غاية الأهمية بالفعل فإن هناك
معضلة أن كثيرين، عرباً وغير
عرب، من الذين يريدون التغيير
الجذري في سوريا ويدعمونه
يتوجسون خيفة من كوْن أن
التنظيم الأقوى في هذه الجبهة،
الذي له وجود تنظيمي في الداخل
بغض النظر عن حجم هذا الوجود، هو
تنظيم «جماعة الإخوان» الذي كان
قد حملت بعض أجنحته السلاح ضد
الرئيس حافظ الأسد ونظامه والذي
تعاون طويلاً مع نظام صدام حسين
ونفذ سلسلة طويلة من عمليات
الاغتيال التي طالت عدداً من
كبار المسؤولين السوريين من
الطائفة العلوية لحساب هذا
النظام في مرحلة كان فيها
الصراع محتدماً وعلى أشده بين
دمشق وبغداد.
لا يزال الأميركيون
يخشون التغيير الجذري في سوريا
لأنهم يعتقدون أن البديل سيكون
حتماً الإخوان المسلمين
والحركة الإسلامية ولا يزال
معظم العرب الذين لديهم رغبات
دفينة بالتخلص من هذا النظام
الذي انحاز لإيران وأدار ظهره
للعرب كلهم يخشون خشية حقيقية
من أن يؤدي أي تغيير في هذه
الدولة العربية إلى وقوعها في
قبضة المتطرفين الإسلاميين،
الأمر الذي ستكون له انعكاساته
الخطيرة على المنطقة كلها من
تطوان في الغرب وحتى حَوَليِّ
في الكويت في الشرق!! إنها عقدة
العقد، فحتى إسرائيل كانت أبدت
رغبتها أكثر من مرة في بقاء هذا
النظام لأن بديله المعتدل
والمأمون الجانب غير متوفر ثم
وإن المؤكد وهذا يعرفه الأستاذ
عبد الحليم خدام، الذي يعرف هذا
النظام القائم حالياً في دمشق
أكثر من أهله الفعليين
والحقيقيين، إنه لا يمكن أن
يكون هناك التغيير المطلوب بدون
مشاركة الشرائح «العلوية» التي
تم التخلص من رموزها مبكراً
باغتيال محمد عمران في طرابلس
في لبنان وبقتل صلاح جديد بسيف
الزنازين المعتمة والتي تم
التخلص من رموزها لاحقاً وفي
الفترة الأخيرة كتغييب غازي
كنعان بالطريقة المحيرة التي لا
تزال غير معروفة.
ليس سهلاً أن تراهن
«جبهة الخلاص الوطني»، التي لا
تزال لم تستطع إثبات وجودها في
الداخل ولو في الحدود الدنيا،
على الانتفاضة الشعبية العامة
العارمة فهكذا أنظمة لا تفيد
معها الانتفاضات الشعبية،
والمؤكد أن الأستاذ عبد الحليم
خدام يتذكر ويذكر كيف كانت
نهاية انتفاضة «حماة» الشهيرة
وكيف كانت نهاية المغامرة
الحمقاء التي قام بها جاسم
علوان بعد نحو خمسة أشهر من حركة
«آذار» في عام 1963.
لكن ورغم كل هذا
فإنه لا مستحيل في عالم السياسة
والمفاجآت الاجتماعية ولعل ما
يمكن اعتباره «كعب أخيل»
بالنسبة لنظام الرئيس بشار
الأسد هو أن سوريا غدت ملحقة
بمعادلة إقليمية معادية للعرب
هي المعادلة التي تشكل إيران
عمودها الفقري.. وهذا معناه أن
أي اهتزاز لهذه المعادلة سيبدأ
بدمشق لأنها الحلقة الأضعف..
وهنا فإن أغلب الظن أن «جبهة
الخلاص الوطني» تراهن على حدوث
مثل هذا الاهتزاز في فترة قريبة!!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|