ــ
من
طالب سابق إلى عميد سابق لكلية
الاقتصاد:
عارف
دليلة ستبقى عميداً
عهد
الهندي
مرت الذكرى السادسة لاعتقالك.....تذكرتك
كثيراً، تذكرت زيارتك لي.... لا
يزال حوارنا حاضراً في ذهني،
وسيبقى.
أتذكر؟؟؟
كٌنتُ يومها خائفاً مرمياً في
زنزانة منفردة، مستغرباً هل من
الممكن ان يزج بطالب جامعي في
حبس انفرادي كهذا!!!؟ جائتني هذه
الفكرة ، تلتها قهقهة ساخرة كنت
أنت مصدرها!!!
أتذكر؟؟
يوم وقفت تطل علي وتقول لي: ما بك
ومن تظن نفسك ولم كل هذا البؤس؟
عرفتك سريعاً، مع أني لم أتشرف
بمعرفتك سابقاً، عرفتك ربما من
آثار الدماء المتجمعة على
أسنانك، فقد سمعت بما قام به
رئيس فرع الأمن السياسي من
تعذيب بحقك، عميد في الأمن
يعتدي على عميد كليتي بالضرب،
يا لها من مفارقة!!!
أتذكر ماقلت لي بتواضعك المعروف:
"انا مدرس جامعي وباحث
اقتصادي وفي الستينات من عمري
ويعرفني الكثيرون، ونلت ما نلت
ووضعت في زنزانة منفردة منذ ست
سنوات، أما أنت فما زلت طالبا في
الثالثة والعشرين من عمرك
لايعرفك إلا رفاقك في الجامعة،
فلماذا استغرابك؟؟".
قلتُ يومها: "نعم، الفرق شاسع
يادكتور".
أجبتني"لكن الوطن الواحد
يجمعنا، وبهذا لا يميز حاكموا
الوطن بين مواطن وآخر، فهم
عادلون، سيما وأنهم جلادون
يتعاملون مع مواطنين".
انتهى حوارنا... وتركتتني يومها
ولم تستجب لتوسلاتي بالبقاء.
تركتني في البدء خائفاً، ولسان
حالي يقول: أيعقل هذا؟؟ عالم
بحجم عارف دليلة وسنه يقضي سنته
السادسة في الحبس الانفرادي،
فماذا عني إذن ويا حسرتي علي!!.
عدتني في اليوم الثاني، وبدون
معاد، سألتني أما زلت مستكبراً
على سجنك؟؟ فلم أتيت إلى هنا
أصلاً؟؟
فأجبتك: وكأنك لا تعرف، ألا تقرأ
محاضراتك؟؟ نعم هي السبب!!.
قرأت محاضراتك واستجبت لطلبك!!
"شغلت عقلي"...، لم أكن أعلم
أنها جناية في بلادنا.
غادرتني كعادتك... بلا وداع....
تركتني وحيداً.
فكرت كثيراً وقليلاً، فكرت ملياً
بما قلت!! أعدت قراءة كلامك الذي
دونته على أوراقي وكانت صفحات
الهواء القليل في الزنزانة.
راودني بعدها شعورٌ غريب، كان
أقوى من الخوف، لابل قٌلب الخوف
إلى فخار. أحببت بعدها تلك
الزنزانة التي طالما كانت كريهة...
ولم لا أحبها؟؟ هكذا فكرت. أو
ليست هي المكان الذي لم يدنس
بنَفَس الحاكم وحاشيته، أو ليست
هي المكان الذي تشرف بأن يكون
فيه شخص مثلك، أو لم يقضِ به
الكثير من الأشراف السوريين ممن
مازال عبق رائحتهم يفوح في
الزنزانة، لذا ومَن مثلي إذا
وماهمي بعدها؟؟ أو ليس هذا
شرفاً أبدياً لي؟ أو ليس كل
السوريون بحكم السجناء حين يكون
شخص مثلك سجيناً؟.
بعد هذا يا أستاذي الكبير، صرت
تتجلى لي كل يوم، حتى بعد قضائي
شهراً في الزنزانة، وبعد خروجي
من السجن كنت تعودني دوماً، وفي
غير صدفة عند لحظات الخوف
واليأس شجعني طيفك دائماً، وحتى
حين قررت أن اترك عائلتي
وأصدقائي وجامعتي وهي الأهم،
شجعني أيضاً. ستسألني: كيف هذا
وأنا ممن شجعوا على العلم في
سوريا، وممن حاربوا الفساد في
الجامعات فقط لكي ينعم الطلاب
بتعليم أفضل؟؟ سأجيبك أولست أنت
من ترك أشياءً أثمن؟ أولست انت
من ترك المناصب، ورفض العز
والجاه، وضحى بحريته ليبقى
سجيناً بكرامته؟؟
ولأنك قدوتي وملهمي في فترة
السجن وبعدها، قررت ان أترك كل
هذا، ورفضت ان أرتهن لأجهزة أمن
النظام، وفضلت التشرد من بلد
لآخر على استقرار زائف، لا لسبب
آخر، فقط لأني كنت ومازلت
تلميذك.
ختاماً، أعدك يا أستاذي أن اكون
كما تمنيت أنت لشباب وطننا، وأن
أكمل تعليمي لآتيك أنا وطلاب
سوريا، المساجين منهم
والطلقاء، بل وكل مواطنيها،
لنهديك نجاحاتنا التي كنت أهم
من رسم طريق بداياتها، سنأتيك
في يوم قريب، يرونه بعيداً
ونراه قريباً.
مع حبي
عهد الهندي
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|