ــ
العلاقات
الإيرانية- الفرنسية فصول من
التحسن والتوتر
لكن
ماذا بعد تصريحات كوشنير؟؟؟؟
علاء
مطر*
شهدت
العلاقات الإيرانية -الفرنسية
منذ انتصار الثورة الإيرانية
إلى الوقت الراهن
فترات من التحسن والتوتر ،
لكنها بشكل عام ُنظر إليها على
أنها الأفضل من بين العلاقات
إذا ما قورنت بعلاقات إيران مع
الدول الأوربية الأخرى . حيث تعد
الإقامة القصيرة للخميني في
فرنسا قبل انتصار الثورة
الإسلامية والدور الفعال الذي
قام به من خلال وجوده في هذا
البلد للمطالبة بحق الشعب
الإيراني في نيل استقلاله
وإستعادة كرامته ، ذات أثر طيب
في وجدان الإيرانيين وذاكرتهم .
فلقد استطاع الخميني أن ينشر
خمسين بيانا موجها للشعب
الإيراني خلال فترة نضاله .
وكانت فرنسا كغيرها
من الدول الأوربية سحبت سفيرها
وذلك نتيجة للأزمة المتعلقة
بقضية سلمان رشدي، حين أصدر
الخميني فتوى بإهدار دم الكاتب
البريطاني الهندي الأصل "
سلمان رشدي " باعتبار أن
كتابه " آيات شيطانية " قد
انطوى على إهانة للإسلام
والمسلمين.
ومع
تزايد حاجة إيران للقروض
والاستثمارات وتأثير موقفها
المحايد في حرب الخليج الثانية
، حسنت العلاقات الإيرانية
الأوربية بما فيها فرنسا، وعبرت
عن هذا التحسن بمظاهر مختلفة ،
حيث اتخذ الاتحاد الأوربي في 1992
سياسية " الحوار النقدي "
مع إيران ،
ولم يتبع السياسة الأمريكية
التي كانت تهدف إلى عزل إيران
. في عام 1995 وبالرغم من الحظر
الاقتصادي الأمريكي على إيران ،
أبرمت شركة " توتال "
الفرنسية مع إيران اتفاقية
تتعلق بآبار البترول والغاز
الإيرانيين بقيمة إجمالية 600
مليون دولار من هنا جاء الموقف
الفرنسي كموقف الدول الأوربية
الأخرى رافض لقرار الولايات
المتحدة الأمريكية بفرض الحظر
التجاري على إيران وضربت به عرض
الحائط .
أيضا
نال هذا الرفض أيضا قانون
داماتو " الذي يقضي بحرمان
الشركات التي تتعاون مع إيران
من دخول السوق الأمريكية أو
الحصول على ضمانات تزيد على
عشرة ملايين دولار في السنة من
بنك الاستيراد والتصدير
الأمريكي، وكذلك حظر الاشتراك
بالعقود الحكومية أو الاتجار
بالسندات التي تصدرها الخزانة
الأمريكية،
فقد عقب جاك شيراك الرئيس
الفرنسي على هذا القانون قائلا
" إن الحظر الأمريكي أمر
مرفوض ، وذلك لكونه قراراً
أمريكياً مفروضا على أوضاع خارج
الحدود الأمريكية مما يتنافي مع
القوانين الدولية " وبهذا
تكون فرنسا أول الدول الأوربية
التي اعترضت على قانون داماتو
على لسان رئيسها . كما أبرمت
اتفاقية في عام 1996 بين كل من
فرنسا روسيا وماليزيا مع إيران
للاستثمار في مجال البترول .
وفي عام 1998 تحفظت
إيران على بعض المواقف الفرنسية
حيث انتقدت إيران فرنسا لمحاكمة
الكاتب الفرنسي المسلم "
روجيه جارودي " بتهمة التشكيك
في عدد اليهود الذين قتلوا في
الحرب العالمية الثانية على يد
الألمان . فلقد
صرح رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص
مصلحة النظام في خطبة
الجمعة في 23/1/1998 " بأنه
أمر مخجل وأن فرنسا انما تشكك
بشرفها وقال إن محاكمته تعد
تحدياً للإسلام ". كما استاءت
إيران من موقف فرنسا المؤيد
للإمارات تجاه ملكية جزر أبو
موسى وطنب الكبرى والصغرى ، وقد
وعد "فيدرين " وزير
الخارجية الفرنسي خلال زيارته
إلى إيران في 20/8/1998 بتعديل موقف
فرنسا في هذه المشكلة. و بالرغم
من التحفظات الإيرانية ، إلا أن
العام 1998 يعد بداية وضع الأسس
اللازمة للشراكة المتميزة
بين باريس وطهران ، فنهاية
العام فتحت أبواب الاستثمار
لرجال الأعمال الفرنسيين في
إيران ، وتعد فرنسا أكبر
المستثمرين في إيران بفضل العقد
التي حصلت
عليه شركة توتال بقيمة مليار
دولار للاستثمار في مجال الطاقة
كما أن هناك أكثر من أربعين شركة
فرنسية تعمل في مجالات مختلفة
في إيران بدءاً من المشروعات
البيئية إلى مشروعات توليد
الطاقة الكهربائية .
بعد ذلك حصلت شركة
ألف النفطية على مشروعين لتطوير
حقلين في إيران حقل "دورود"
بالمشاركة مع شركة أجيب
الإيطالية في مارس 1999 وحقل بلال
بالمشاركة مع شركة بوفل الكندية
في أبريل 1999.
وكدلالة أخرى على
حسن العلاقة بين البلدين ، رحبت
الخارجية الفرنسية في 21/2/2000 عن
ترحيبها بنتائج الانتخابات
التشريعية الإيرانية التي فاز
فيها الإصلاحيون
بنسبة كبيرة . فقد أعرب وزير
الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين
عن الثقة في إرادة التغيير
والانفتاح لدى الناخبين
الإيرانيين التي تستحق
المساندة وفي عام 2001 قام وفد
برلماني إيراني مكون من ثمانية
نواب إلى فرنسا في 6/2/2001 تلبية
لدعوة الجمعية الوطنية
الفرنسية " البرلمان الفرنسي
" . وتأتي هذه الزيارة في إطار
تعزيز العلاقات بين البلدين
خاصة بعد الدور الذي كان يلعبه
البرلمان الفرنسي وساهم في
التطبيع بين باريس وطهران عبر
لقاء عقد بين " فورتي " رئيس
البرلمان الفرنسي ومهدي كروبي
رئيس البرلمان الإيراني في
سبتمبر 2000.
هذا وقد جاء الموقف
الفرنسي والإيراني متقارب تجاه
الحرب على العراق والتي تم
رفضها وادنتها من قبل الدولتين،
حيث عارضت فرنسا الحرب بشدة،
واعترى البرود والفتور
العلاقات الأمريكية الفرنسية،
بل وارتفعت أصوات في الولايات
المتحدة الأميركية بمعاقبة
فرنسا على موقفها الرافض للحرب.
كما تزعمت فرنسا حملة
الانتقادات والمعارضة السياسية
الدولية للحرب على العراق، ثم
أبدت تخوفها من إعادة انتخاب
الرئيس جورج دبليو بوش لولاية
ثانية، لكن موقف فرنسا بدأ
بالتغير بعد احتلال العراق، حيث
بدأت باريس بتغيير لهجتها
ومواقفها. وعليه بدأت الإدارة
الأميركية بسلوك طريق كسب ود
باريس ورضاها، وبعثت إليها أكثر
من رسالة في هذا الصدد. وأخذ
الدفء طريقه إلى مشهد العلاقات
الأميركية الفرنسية ليدشن
مرحلة جديدة من التقارب بين
البلدين. وبلغ التعاون إلى حد
كبير في مجمل قضايا الشرق
الأوسط التي كانت تشكل نقاط
اختلاف بين الدولتين، بدءاً من
احتلال العراق وصولاً إلى الملف
اللبناني والموقف من القضية
الفلسطينية والموقف حيال الملف
النووي الإيراني، هذا الملف
الذي ألقى في البداية لمسة من
التحسن على العلاقات الإيرانية-
الأوربية ، نتيجة لتعليق إيران
العمل على دورة الوقود النووي
في عام 2003 وكذلك في عام 2004. ومنذ
فوز أحمدي نجاد في الانتخابات
الرئاسية تراجعت إيران بشكل
تدريجي عن التعليق المؤقت للعمل
على دورة الوقود النووي ،
وتمسكت بحقها في التخصيب ، ما
حدا بالدول دائمة العضوية في
مجلس الأمن
إضافة إلى ألمانيا إلى
إصدار القرار 1737 الذي فرض
عقوبات محددة على إيران تطاول
برنامجيها النووي والصاروخي،
ما دفع العلاقات الأوربية
الإيرانية ومنها فرنسا باتجاه
التوتر.
ومع صعود ساركوزي
إلى الرئاسة في فرنسا، شهدت
العلاقات الفرنسية مزيدا من
التوتر نتيجة للسياسة الفرنسية
التي أصبحت تنسجم بشكل كبير مع
السياسة الأمريكية، حيث أصبحت
باريس تناصب إيران العداء أكثر
من ذي قبل، كما أنها لا تمانع
فرض عقوبات على إيران خارج
الأمم المتحدة، بعد أن كانت
تعارض ذلك بشدة وهذا ما ظهر جلي
في خطاب ساركوزي الشديد اللهجة
أمام السفراء الفرنسيين نهاية
آب حيال إيران «. كما من شأن
التصريحات النارية التي أطلقها
وزير الخارجية الفرنسية برنارد
كوشنير ضد إيران ، والتي دعا
فيها العالم إلى «توقع الأسوأ....
أي احتمال اندلاع حرب».
أن تلقي مزيد من التوترات
على العلاقات بين البلدين بل
أنه من المرجح أن تصبح هذه
التوترات السمة الرئيسية التي
تهيمن على هذه العلاقات.
*باحث
وكاتب
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|