ــ
نرفض
تكفيرَ الناس ... فكيف نتَهم
بتبني الإعدام الفقهي؟
رد
على محمد علي الأتاسي
الطاهر
إبراهيم*
ابتداء
لا أجد ما أبدأ به مقالي هذا في
التعقيب على ما ورد في مقال
"محمد علي الأتاسي"
المنشور في قضايا النهار يوم 24
أيلول الجاري تحت عنوان (مَن
يتبنى الإعدام الفقهي كيف يعترض
على الإعدام السياسي؟... مناقشة مع ’’ إخوان
’’ سوريا)، أفضلُ من القول "خلافنا في
الرأي لا يفسد للود قضية".
وقد جاء رد
الأتاسي على مقال لي رددت فيه
على مقال للأستاذ "ياسين
الحاج صالح" نشره موقع
"الرأي" لسان حال حزب الشعب
الديمقراطي السوري بعنوان " قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني"، وقد نشر
ردي في موقع الرأي وأخبار الشرق
أيضا.
أريد أن
أُنَحّيَ جانبا شعوري -من سياق
الكلام - بأن مقال الأتاسي
أُريدَ به أن يكون أكثر من مجرد
رد. نَمّ هذا الشعور من وصفُ
الأتاسي لردي على الأستاذ
ياسين: "بالرد الناري" ،ومن
قولُه في المقال أيضا: "في حين يأتي رد الطاهر إبرهيم كمثال فاقع
على إشكالية الفجوة القائمة لدى
بعض الإسلاميين بين الانفتاح
والبراغماتية في خطابهم
السياسي من جهة، والانغلاق
والتحجر في خطابهم الفقهي من
جهة أخرى".
مقال "الحاج صالح" يقرر حق المسلم في
أن يرتد عن دينه لأن هذا الحق
متضمن في حرية الاعتقاد الذي
كفله الإسلام. وكان ردي أن الآية
القرآنية: (لا إكراه في الدين قد
تبين الرشد من الغي ... 256 من سورة
البقرة)، تمنع أن يكره إنسان على
الدخول في الإسلام ابتداء. أما
الردة فشيء آخر بينتها آيات
قرآنية أخرى وأحاديث نبوية. إلا أن مناقشة
الأتاسي قد ابتعدت عن حقيقة ما
ورد في الرد على مقال الأستاذ
ياسين، ولم تتطابق مع العنوان
الذي عنون به لمقاله: "مَن
يتبنى الإعدام الفقهي كيف يعترض
على الإعدام السياسي" بل
ناقض نفسه أكثر من مرة. فهو يزعم
أني قلت: (أن عقوبة المرتد هي القتل
استناداً إلى الحديث المنسوب
إلى الرسول "من بدل دينه
فاقتلوه" الوارد في صحيح
البخاري)، ثم يعود الأتاسي بعد
سطر واحد من قوله السابق
ليبرئني من زعمه السابق: (وإذا
كان الطاهر إبراهيم لا يفتي
صراحة بقتل المرتد فإنه يضع
البتّ في قتل المرتد بيد الحاكم
المسلم الموكل تطبيق شرع
الإسلام). وفي الحقيقة أني لم
أقل بقتل المرتد لا تصريحا ولا
تلميحا. وكل ما فعلته أني أوردت
حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم الذي في البخاري:"من بدل
دينه فاقتلوه". ثم عقبت على
الحديث فقلت: (لا نريد
هنا أن نفتي كما أفتى الأستاذ
"ياسين" فنحكم بالقتل على
من بدل دينه وارتد. لأن ذلك
مبسوط في كتب الفقه، والأمر
متروك إلى الحاكم المسلم الموكل
بتطبيق شرع الإسلام. فهو الذي
يقرر العقوبة حسب كل حالة. وقد
ورد في الأثر أن عمر بن الخطاب
أُخبِرَ أن والياً له قَتَلَ
مرتداً عن الإسلام، فقال:
"هلا تركه في السجن حتى يتوب
أو يموت". فالإسلام جاء
بالهدى، فقدم عمر أمر التوبة
على العقوبة). وهذا المذكور بين
هلالين قد ذكره الأتاسي في رده
وبالحرف. وإذ ثبت أني
لم أقل بإعدام المرتد ، فإنه لم
يعد من مبرر للعنوان الذي عنون
به مقالته هكذا: مَن
يتبنى الإعدام الفقهي كيف يعترض
على الإعدام السياسي؟
على
أني أحب أن أعقب على إحالتي أمر
المرتد إلى "الحاكم المسلم
الذي يطبق شرع الله". فأقول:
إني أردت أن أسحب الذريعة من
أيدي الذين يبيحون لأنفسهم قتلَ
الناس بحجة الردة .فهم قد وقعوا
في الخطأ مرتين: المرة الأولى
لأنهم اغتصبوا حقا ليس لهم،
والثاني، لأنهم حكموا على
الآخرين بالردة من دون محاكمة. وقبل أن أغادر موضوع الردة،
أصحح: بأن (حديث الآحاد) الصحيح
والحسن يؤخذ به –بخلاف ما ذكر
الأتاسي- بالأحكام الشرعية من
دون العقائد، فكيف إذا كانا
حديثين صحيحين، كما ذكر
الأتاسي.
قضية الطلاق: وإذا كان
الأتاسي قد شرق وغرب في قضية
الردة، ولم يحالفه التوفيق،
فإنه في موضوع الطلاق قد خرج عن
جادة الخطاب المتزن فكتب متهما:
(يقدم الطاهر إبرهيم في رده على
هذه النقطة واحدةً من تلك الحجج المعيبة التي اعتاد الإسلاميون الإتيان بها
لتبرير إبقاء حق الطلاق مطلقاً
بيد الرجل ويقول في هذا السياق:
"المصلحة واضحة في جعل حق
الطلاق بيد الرجل. إذ المرأة
سريعة التأثر تثور وتغضب فتبادر
لإيقاع الطلاق على زوجها لأتفه
الأسباب فيما لو كانت العصمة
بيدها. أما الرجل فهو يَعُدّ
للعشرة- حفاظا على أطفاله أو
لأسباب مادية- قبل أن يوقع يمين
الطلاق") ( ما بين
الهلالان من مقال الأتاسي، وما
بين المزدوجتين مقالي الذي
انتقده الأتاسي). وأنا ما زلت
متمسكا بهذا السبب كواحد من
أسباب كثيرة تنطوي عليها الحكمة
الإلهية من حصر حق الطلاق في يد
الرجل. ولكن! ألا يعتقد الأتاسي
أن كلمة "معيبة" لا تناسب
النقاش الهادئ المتزن. وكان
بإمكانه أن يجد في قواميس اللغة
العربية أي كلمة إخرى تؤدي
الغرض وترتفع فوق هذا المستوى.
كما استغربت
–وهو يفتش في كل كبيرة وصغيرة
وردت في مقالي- أنه تناسى عن عمد
فقرة هامة في مقالي قلت فيها:
"مع ذلك فقد نص فقهاء
الحنابلة على أن للمرأة -أو
وليها- أن تشترط في عقد الزواج
أن يكون لها الحق في طلب الطلاق.
فإذا أرادت المرأة طلاق نفسها
على ما اشترطته، فتذهب للقاضي
وتطلب ذلك منه فينفذه حكما
ويفرق بينهما".
ولو أنه أتى
على ذكر هذه الفقرة في مقاله
لوفر على نفسه وعلينا عناء تكلف
الأمثلة الشاذة ،عندما طالب بحق
الزوجة في الطلاق لأنها قد تكون
"متميزة" ويكون الزوج
"شاذا". وربما ويكون رأي
فقهاء الحنابلة مخرجا مناسبا من
هذه الحالة الشاذة، ولكن على أن
يكون ذلك ابتداء عند تحرير عقد
الزواج.
على أني أضيف
أن هناك مخرجا آخر وهو أن تطلب
الزوجة "المتميزة" –من دون
أن يكون ذلك مشروطا في العقد- من
القاضي أن يفرق بينها وبين
زوجها "الشاذ". وقد طلبت
امرأة من رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يفرق بينها وبين
زوجها، فقال: "أتردين عليه
حديقته؟". وكان قد دفعها مهرا
لها.
أكرر هنا أن
هناك الكثير مما ورد في مقال
"الأتاسي" لا يقف على
قدمين. وقد ضربت صفحا عنه لا
لأني لا أجد الردود عليها، لكني
لا أريد أن أثقل المقال بأكثر
مما يجب، فاكتفيت بمثال عن
العقائد وآخر عن التشريع.
كلمة أخيرة،
وتصحيح آخر، أنا لست مسئولا في
المكتب الإعلامي للإخوان
المسلمين، وإن كان ذلك لا
يسوءني لو كان. ولا أحترف مهنة
الصحافة. وكل ما في الأمر أني قد
فُرِضت علي السياسة فرضا يوم
فُرِضَ علينا الإعدام السياسي
كما ذكر الأتاسي –مشكورا- في
عنوان مقاله، كما فرض علي أن
أعيش مضطرا بعيدا عن وطني، الذي
أحبه، وأنا بحاجة إليه، كما هو
بحاجة لمهندس مثلي تخرج من كلية
الهندسة بحلب منذ حوالي أربعة
عقود.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|