ــ
من
الإعدام الفقهي إلى السجن
الفقهي ...
بين
الإتاسي والطيار
الطاهر إبراهيم*
عند ما رددت على مقال الأستاذ
ياسين الحاج صالح الذي نشر في
موقع "الرأي" لسان حال حزب
الشعب الديمقراطي السوري
بتاريخ 12أيلول الجاري، تحت
عنوان "قضية محمد حجازي وحرية
الاعتقاد الديني"، لم أكن أظن
أن هناك من يفهم كلامي على غير
ما أردته، وقد كتبت ما كتبت بلغة
عربية فصيحة لا لبس فيها.
وكما قيل في المثل العامي
"المكتوب يقرأ من عنوانه".
فلو أن الذين غضبوا تلك الغضبة
"المضرية" انتبهوا جيدا
إلى معاني الكلمات والأسلوب
الذي تناولت فيه الرد، لربما
كان الانفعال أقل بكثير مما
ظهر في الردود.
فقد ذكرت اسم ياسين الحاج صالح
مسبوقا بكلمة "الأستاذ"
ثماني مرات في مقال لا يتجاوز
عدد سطوره 60 سطرا. وكلما ورد
اسمه وضعته بين مزدوجتين. وهذا
إن دل على شيء فإنما يدل على
مبلغ الاحترام الذي أحمله في
نفسي للأستاذ ياسين. وأذكّر
بأني عندما أسبق اسم إنسان
بكلمة "الأستاذ" إنما أقصد
المعني اللغوي الحقيقي للكلمة،
وليس ما تعنيه أنه معلم مدرسة أو
أنه كاتب يكتب في هذه الصحيفة أو
تلك. ولو أني قارنت أسلوبي في
الرد الذي خاطبت به الأستاذ
ياسين مع ردود من انتقدني لوضح
للقارئ: من يحترم من؟
وحتى عند ما نوهت –في مقدمة ردي-
بأن ما جاء في مقاله: "يعتبر
سقطة كبرى، ما كان لمثله أن
يتورط في مثلها" فإن ذلك يشير
إلى المكانة الرفيعة التي أضع
فيها الأستاذ ياسين، لأن الخطأ
من الكبير كبيرة، ولا تظهر
النقطة السوداء إلا في الثوب
الأبيض. وإذا كنت قد وجدت في
مقاله ما ينتقد، فقد قال
المتنبي: "كفى المرء نبلا أن
تعد معايبه". وأعتقد أن الذين
يتابعون مقالاتي في المواقع
الإلكترونية، كانوا كثيرا ما
يجدون فقرات مطولة متضمنة من
مقالات الأستاذ ياسين الحاج
صالح.
نأتي الآن إلى الفقرة الأخيرة من
مقالي حيث قلت: "غير أننا
لانتهمه – أي الأستاذ ياسين-
ولا يحق لنا أن نخرجه عن الإسلام
لأنه كتب ما كتب، لكن عليه أن
يحتاط في كلماته، فإن فيها ما
ليس مقبولا أبدا". فقد فُهِمَ
الأمر على غير ما أردت. فأنا
أعرف الأستاذ من خلال ما يكتب،
وهو من الرقة التي عشت فيها سنة
ونصف 1974 – 1975، وأحمل لأهلها كل
مودة، وهم مسلمون، "وما ليس
مقبولا" أعني من الناحية
العقدية. وإذا كان هناك من قد
فهم كلامي على أنه تهديد، وكتب
ما كتب، فقد أبعد النجعة. لأني
إذ أثبت للإستاذ ياسين الإسلام
في نفس الفقرة، فكيف يفهم كلامي
على غير ما أردت؟ وقد كتبت
مقالات عدة أرفض فيها أن يحجر
على رأي إنسان. على أن نقد الرأي
ليس حجرا عليه على كل حال.
بعد هذا التوضيح أجدني مضطرا
للوقوف مع الأستاذ "أحمد
مولود الطيار" وقفة أوضح فيها
بعض ما التبس عليه في الجزء
المتعلق بي في مقاله الذي نشرته
قضايا النهار يوم 28 أيلول
الجاري تحت عنوان "هل نخرج من
سجنهم –المخابرات- إلى سجن فقهائكم؟".
وقد استعجل في أكثر من قضية.
وسيتسع صدري (ولا أقول صدرنا حتى
لا يقول تفخيم ذات الكاتب، ونرجسية كاتب). فقد التبس عليه
الأمر عندما تساءل عن جملة
حذفها موقع الرأي، وهو يظن أني
جئت "شيئا إدا". ولو أنه قرأ
مقال محمد علي الأتاسي الذي
نشرته النهار 24 أيلول الجاري
تحت عنوان -مَن يتبنى الإعدام
الفقهي كيف يعترض على الإعدام
السياسي- لاتضح له الأمر ولما
كتب ما كتب.
فقد جاء في مقالي الذي نشرته
"الرأي" ردا على الأستاذ
"ياسين" مايلي: (أظن
الأستاذ ياسين يوافقني أنه لا
يليق أن يقال: "الله ذاته مقيد
بهذه العبادة، متعادل معها".
ومثل هذه التعابير المغرقة في
حداثيتها تتنافى مع "كمال
الأدب مع الله" الذي: "ليس
كمثله شيء وهو السميع
البصير"). وقد ظن محرر موقع
الرأي أن جملة " تتنافى مع
كمال الأدب مع الله" فيها خدش
بالأستاذ ياسين فحذفها، ووضع
بدلا منها قوسين وأشار إلى ذلك
في الحاشية. وعندما قرأت
ملاحظته عرفت أن محرر
"الرأي" قد وهم، وخوفا من
أن يهم الآخرون كما وهم، حذفت
الجملة في الأصل وأبدلتها
بجملة: "ثم ماذا يعني بالإسلام
المعاصر......."؟ وأرسلتها إلى
أخبار الشرق. وهذه هي القصة التي
أشكلت على الأستاذ الطيار. ولو
أنه قرأ رد الأتاسي في النهار
بتمعن لوفر على نفسه نقداً ووفر
علي رداً. هذه واحدة!
وهنا لا بد من تعقيب على الجملة
التي حذفها موقع "الرأي".
فلو أني قلت: تتنافى مع الأدب مع
الله، لربما كان الأمر فيه ما
فيه. ولكني قلت تتنافى مع
"كمال" الأدب، وهذا ممالا
يخفى على أهل اللغة أنه لا يعتبر
ذماً للأستاذ ياسين، وإلا فليقل
لي الأستاذ أحمد مولود الطيار:
من منا -ونحن الآن في رمضان- يقوم
"بكمال" الأدب مع الله.
وفي الثانية يقول الطيار:
"فالردّ هنا يُلزم من نطق
الطاهر إبراهيم باسمهم
الاعتذار لياسين
الحاج صالح كي لا نكون أمام
سابقة خطيرة وصفحات سوداء الكل
بغنى عنه". أعتقد أن التوفيق
قد خان الطيار هنا، لأنه إنما
يطالب بما ليس له بحق. فأما
أكتبه لم أنوه مطلقا بأني أنطق
باسم أحد، وحتى لو كان كما ظن
فليس له أن يقول ما قال.
بالمقابل يحق لي أن أسأل فيما
إذا كان الأستاذ ياسين قد كلفه
ليسأل هذا السؤال نيابة عنه؟
وهل كلف الأتاسي بأن يرد عنه؟
إلا إذا كان الحاج صالح يعتبر
نفسه أكبر من أن يرد؟ ولا أظن
ذلك.
ولايقف الأمر بالطيار عند
المثالين السابقين. فهو يزعم
أني أنصّب من نفسي كنيسة أمارس فيها "العماد أو
الإبعاد". وعليه أن يثبت،
وإلا يكون متقولا علي. ولو تتبعت
اتهاماته لطالت القائمة. غير
أني أعتبر ما قاله ومن قبله
الأتاسي –أكثر ما ورد في مقالي
فهم على غير ما قصدت- عتاب
أصدقاء و"فشة خلق".
ويبقى أن هذه العجالة ليست ردا
بقدر ما هي توضيح لبعض ما جاء في
مقالي. وقد كنت ومازلت أنتقي
كلماتي التي ترتفع فوق الشتائم
حتى مع الخصوم السياسيين،
والأستاذ ياسين ،على كل حال،
ليس من الخصوم السياسيين بل هو
من الذين عانوا بسبب آرائهم،
"والحال من بعضه" كمايقال.
وقد كتبت مقالات تزيد على عدة
مئات من المقالات السياسية ولن
يجد فيها إنسان كلمة هابطة. ومن
وجد فليذكرني حتى أعتذر عن ذلك
السهو. وليت الناس الذين
ينتقدون ما نكتب يلتزمون بما
نلزم به أنفسنا.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|