ــ
المحافظون
الجدد".. منظرون لخراب العالم
علي
عبدالعال
إنها قصة طائفة
ثقافية تقيم في واشنطن، لا
يتجاوز عددهم المائة أو
المائتين، ومجموعة من المخططين
الذين يريدون أن يبنوا
إمبراطوريتهم الأمريكية على
الدم والقتل والتنكيل وإرهاب
الدولة.. وإنها أيضاً قصة عقائد
الغابات، والأفكار التي
استعارها بعض المنتسبين إلى
الإنسانية من الحيوانات، حينما
يصبح القتل والنهب والتدمير
مذهب الإنسان وديدنه، لا يكاد
ينتهي من فريسة حتى يفكر في التي
تليها والدم بين أنيابه.
1ــ من هم المحافظون
الجدد ؟
2ــ منطلقاتهم
الفكرية
3 ــ الفوضى الخلاقة
4 ــ تحالفات
المحافظين
5 ــ الإعلام وسيلة
المحافظين
6 ــ المحافظون في
معية بوش
7 ــ إسرائيل في وعي
الجدد
8 ــ المحافظون
والعالم الإسلامي
9 ــ هجمات الـ 11 من
ستمبر
10ــ "العراق"
محطة على طريق التدمير
11 ــ إيران الذبيحة
المرتقبة
من هم المحافظون
الجدد.. ؟
"المحافظون
الجدد".. مجموعة سياسية
أمريكية، تميل إلى اليمين
المسيحي المتطرف، آمنت بقوة
أمريكا وهيمنتها على العالم.
وهم ليسوا ساسة فقط بل كتاباً
نافذين، ومفكرين استراتيجيين،
ومحاربين قدامى، وجمهرة من
المثقفين أكثر تطرفاً من كل
ألوان الطيف الفكري والثقافي
الأمريكي الحالي.
وهم أيضاً جماعة
ذات ميول صهيونية مغلفة بعداء
شديد للعرب والمسلمين، حددت
مسار السياسة الخارجية
الأمريكية في عهد جورج دبليو
بوش، وعملوا على بلورة سياسة
تجيز استعمال قوة أمريكا
العسكرية للوصول إلى أهدافها،
من دون النظر إلى أية اعتراضات..
إذ يعتقد المحافظون الجدد أنهم
يملكون الحقيقة وحدهم، وأن قوة
الأسلحة التي يملكون تفرض
نفوذها على الجميع.
ويصنف تيار
المحافظين الجدد بأنه لصيق
الصلة بإسرائيل، وحليف متعصب
لها، إذ أن أكثر قادة ومنظري
(الجدد) من المثقفين اليهود.
ويعرف بعض المتخصصين هذا التيار
بأنه نتيجة صراع نشب بين اليهود
الليبراليين واليهود المحافظين
حول السيطرة على وجهة يهود
أمريكا الأيديولوجية.
والمحافظون الجدد
ليسوا جدداً إلاّ في إعادة
ممارسة دورهم وتوجهاتهم، لأن
الفكر المحافظ هو لب القيم
الأمريكية منذ تأسست الولايات
المتحدة، وقد عادت هذه الخلايا
النائمة إلى الظهور المتطرف من
جديد بفضل النهج السياسي الذي
اعتمده جورج بوش الابن.
وكان منشأ هذه
الحركة مع خروج مجموعة كبيرة من
المفكرين اليهود واليمينيين من
الحزب "الديمقراطي" إبان
ولاية جيمي كارتر، الذي تبنى
أجندة اليسار الجديد، وعارض
التصعيد ضد السوفيت، ورفض مطالب
المحافظين بتوظيف بعضهم في
إدارته. ومن ثم تحولوا ــ متبنين
سياسة متشددة تدعو إلي تعزيز
القوة العسكرية ومواجهة
السوفيت ــ إلي الحزب
"الجمهوري" وزادت هيمنتهم
علي السياسة الخارجية
الأمريكية في عهد رونالد ريجان،
الذي آمن بفكرة التصعيد، ورفض
نقد اليسار اللاذع للثقافة
الأمريكية.
وقد عُرف المحافظون
مع ريجان ــ كمجموعة منشقة عن
الحزب الديمقراطي ــ باسم
"ديمقراطيو ريجان" Reagan's Democrats ، حيث تفرقوا في المراكز
الأكاديمية والبحثية
والإعلامية من دون أن ينتظموا
في حزب أو يشكلوا جسماً سياسياً
يمكن أن يشار إلى أدبه السياسي
المكتوب أو إلى عقيدته الفكرية.
وكانت هذه هي المرحلة التي
تبلور خلالها تيار
"المحافظين الجدد"، إذ
ساعدت الحركات ــ أو بمعنى أدق
ــ التقلبات الفكرية والسياسية
التي مر بها المجتمع الأمريكي،
على تشكيل بيئة خصبة لنمو
أفكارهم وتبلور تيارهم الفكري
والسياسي.
منطلقاتهم الفكرية
يؤمن المحافظون
الجدد بدور "القوة
العسكرية" كأداة أساسية
لمواجهة التحديات والنزاع في
العالم. والعلاقات الدولية
بالنسبة لهم تقوم على القوة،
كما أن السلام الحقيقي إنما
يأتي فقط نتيجة للانتصار في
الحرب، وليس بالدبلوماسية أو
العدالة.
وخلال السنوات
الأخيرة ساند المحافظون الجدد
عدداً من الأفكار التي اكتسبت
رواجاً واسعاً في واشنطن، وعلى
رأس هذه الأفكار "الإيمان بأن
أمام أمريكا فرصة غير مسبوقة
لإعادة صياغة النظام
العالمي" نابعة من حالة
الفراغ التي يعشها العالم بعد
سقوط الإتحاد السوفيتي، وهو
فراغ يجب أن تملأه أمريكا من
خلال الدور "الرسولي"
الحتمي الذي يجب أن تضطلع به.
إذ يرى هؤلاء أن
العالم يبحث عن قائد، وأن
أمريكا هي حتماً هذا القائد،
فسيطرة أمريكا وسيادتها
المطلقة على العالم هي مصدر
الاستقرار. لذا فهم يرون أن من
الطبيعي أن يتوحد الغرب وغيره
من دول العالم تحت القيادة
الأمريكية لإعادة تشكيل النظام
العالمي الجديد.
ويكن المحافظون
الجدد قدراً كبيراً من الرفض
لدور المنظمات الدولية،
والقانون، وجهود الحد من
التسلح، وبشكل خاص يناصبون
"الأمم المتحدة" العداء،
حيث يرون أن القوة العسكرية يجب
أن تبقى أساساً رئيسا للسياسية
الخارجية.
وقد آمن الجدد
بأنهم قادرون على التدخل
العسكري لإعادة تشكيل الدول
كالعراق وأفغانستان ولبنان
وإيران، وجعلها نموذجاً لقدرة
أمريكا على التدخل ومساعدة
الأصدقاء والتغيير، ولهذا جرى
الترويج لمبدأ السيادة الوطنية
المحدودة، أو حتى إلغاؤها عندما
تتعارض مع المصالح
الإستراتيجية الأمريكية. وفتح
الأمريكيون الباب لحملات
عسكرية تأديبية على دول مستقلة
وأعضاء في الأمم المتحدة، كما
وصل بهم الحال إلى تهميش دول
كبرى ذات دور أساسي وفاعل في
العالم كالصين، وروسيا.
ومن بين ما يؤمن به
المحافظون الجدد أن من واجبهم
التعجيل بعودة "المسيح"
إلى الأرض، لتحقيق نبوءة الكتاب
المقدس "بشن الحرب على
المسلمين والاستيلاء على كل
الأراضي المقدسة". وهم ينظرون
بعين التطرف إلي الآخر ويرونه
ــ أياً كان ــ عدواً يجب
استئصاله.
وحول المكونات
الأساسية لفكرهم، يقول (ستيفن
هلبر) و(جوناثان كلارك) ــ مؤلفا
كتاب "المحافظون الجدد
والنظام العالمي" ــ إنها
تشمل الإيمان العقدي والصراع
بين "الخير" و"الشر".
إذ دعا مفكرهم ليو شتراوس ــ
الذي هاجر من ألمانيا هرباً من
النازية واستقر في أمريكا ــ
إلى بناء أمريكا كقوة كبرى
تحارب الشر في العالم.
وفي مجال الاقتصاد،
تبنى المحافظون الجدد
"الليبرالية الجديدة" التي
تستند إلى فرض (الأمركة) على
نظام العولمة، وما تتضمنه من
تدويل واسع على صعيد الإنتاج
والتبادل، وتداول الخدمات
والمال والاتصالات والمعرفة
ومنظومة القيم والأفكار. كما
تبنوا سياسة اجتماعية منحازة
لصالح الأثرياء والشركات
الرأسمالية الكبرى، على حساب
مصالح الفقراء وشرائح واسعة من
المجتمع.. وكانوا قد رفضوا
الثورة الثقافية التي اجتاحت
أمريكا في الستينات، والتي نادت
بالتعددية الثقافية وحقوق
الأقليات والنساء، إذ رأى الجدد
أن ذلك من شأنه أن يضعف أمريكا.
وكان الرئيس
الأمريكي، جمي كارتر، قد نبه في
كتابه: "القيم الأمريكية
المعرضة للخطر" إلى أن
المحافظين الجدد ــ الذين روجوا
لفكرة أنه إما أن تكون معنا أو
أن تصبح ضدنا ــ أصبحوا
بفلسفتهم الإمبريالية يشكلون
أكبر خطر على سمعة الولايات
المتحدة في العالم.
الفوضى الخلاقة
تمثل "الفوضى
الخلاقة" نظرية المحافظين
الجدد في التعامل مع العالم من
حولهم. إذ تعني الفكرة باختصار :
إغراق الجماهير بالفوضى كيّ
تتمكن الصفوة من ضمان استقرار
وضعها.
وطبقاً لما يذكره
المتخصّصون بفكر ليو شتراوس ــ
أحد أساطين المحافظين الجُدد
وفيلسوفهم ــ فإن السلطة
الحقيقية لا يمكن ممارستها إذا
ما بقي المرء في حالة ثبات، أو
حافظ على الوضع الراهن، بل على
العكس، ينبغي العمل على تدمير
كل أشكال المقاومة.
وهي أيضاً فكرة
تحويل مناطق واسعة من العالم
إلى مناطق غير مأهولة، فبالنسبة
لمنظِّري "الفوضى
البنّاءة" يجب سفك الدماء من
أجل الوصول إلى نظام جديد في
المناطق الغنية بالثروات. وهي
فكرة تم تكريسها باعتبارها
سياسة أمن قومي أمريكية من قبل
مستشار الأمن القومي السابق
هنري كيسنجر في عهد الرئيس
ريتشارد نيكسون. وقدم كيسنجر
دراسة تم اعتمادها عام 1974 من قبل
الإدارة الأمريكية بعنوان
"مذكرة الأمن القومي 200" (NSM 200)، ومن أهم افتراضاتها وتوصياتها هي أن
النمو السكاني خاصة في دول
العالم الثالث يعتبر تهديداً
للأمن القومي الأمريكي وحلفاء
واشنطن الغربيين، لأن تزايد
أعداد السكان في تلك البلاد
سيؤدي إلى استهلاك الثروات
المعدنية هناك من قبل تلك
الشعوب : إما عن طريق التطور
التكنولوجي أو بسبب الحاجة إلى
إعالة الأعداد المتزايدة من
السكان.
وتفترض تلك الدراسة
أن هذا الأمر يعتبر تهديدا
للأمن القومي الأمريكي
وحليفاتها، من الدول الصناعية
التي تعتمد في بقائها وتطورها
مستقبلاً على تلك الموارد
المعدنية في تلك البلدان من
العالم الثالث. وذكرت تلك
المذكرة مجموعة من البلدان
الأفريقية والآسيوية من بينها
مصر التي أوصت بتحديد النسل
فيها.
ومن بين ما تقوم
عليه الفكرة : استبدال الدول
القائمة بدويلات أصغر تتسم
بأحادية الطابع العرقي، وتحييد
هذه الدويلات بجعل كل واحدة
منها ضد الأخرى على نحو مستمر.
وبعبارة أخرى، فالفكرة تتضمن
تدمير الدول القائمة من أجل
إنشاء كيانات ضعيفة يسهل
توجيهها والتلاعب بثرواتها
ومقدراتها.
ولإعطاء صورة واضحة
عن نوايا ومخططات المحافظين
الجدد نشرت مجلة "إكزكتف
إنتلجنس ريفيو" تقريراً حول
اجتماع عقد في واشنطن لمناقشة
"الحرب العالمية الرابعة"
حضره وتحدث فيه أبرز منظري
المحافظين الجدد وأكثرهم
نفوذاً داخل الإدارة الأمريكية
وفي مراكز صنع السياسة في
واشنطن.
إذ شارك ثلاثة من
كبار مسئولي إدارة بوش - تشيني،
وهم نائب وزير الدفاع الأسبق
بول وولفويتز واثنان من دعاة
الحرب من المحافظين الجدد في
مجلس سياسات الدفاع (Defense
Policy Board)
جيمس وولزي وإليوت كوهين،
شاركوا جميعاً في الاجتماع الذي
عقد برعاية إحدى أكثر الجماعات
الصليبية المحافظة الجديدة
تطرفاً، وهي "لجنة الخطر
الداهم" (Committee on Present Danger) وهذه هي نفس
المنظمة التي كانت ناشطة أثناء
الحرب الباردة والتي طالبت بقصف
كوريا الشمالية بالقنابل
الذرية في عام 1949، ومؤسسة
الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for the Defense of Democracies). وكلا المنظمتان أعلنتا من
قبل أن "الإسلام" هو العدو
العالمي الجديد الذي يجب أن تتم
هزيمته من خلال ما يسمونه الحرب
العالمية الرابعة التي بدأت
وتجري الآن حسب وجهة نظرهم.
والمسألة التي تم
عرضها خلال هذا الاجتماع هي أنه
إلى أن يتم القضاء على جميع
"الدول الراعية للإرهاب"
إما عن طريق الحروب أو
الانقلابات أو الأشكال الأخرى
من تغيير الأنظمة، فإن الولايات
المتحدة ستكون في حرب أبدية،
وأهم عامل في هذه المرحلة
"الإرادة لخوض القتال". وفي
خطابات عديدة سابقة وصف كل من
(جيمس وولزي) الذي شغل منصب مدير
وكالة الاستخبارات المركزية
لفترة قصيرة و(أليوت كوهين) وصفا
هذه الحرب بوصف "حرب المائة
عام".
وكان المتحدث
الرئيس في اجتماع "لجنة الخطر
الداهم" هو نورمان بودهوريتز
(Norman
Podhoretz)
ــ الشيوعي السابق الذي انقلب
إلى محارب إمبريالي ومؤسس
مجموعة المحافظين الجدد ــ وشغل
صهر بودهوريتز وهو (إليوت
أبرامز) منصب مستشار الأمن
القومي لشؤون الشرق الأوسط في
إدارة بوش. البروفيسور
بودهوريتز وهو من الجيل الأول
من الشتراوسيين، هو الذي سمى
الاجتماع بهذا الاسم بناء على
مقالة نشرها في مجلة
"كومينتاري" (Commentary) التي تعتبر من أهم مطبوعات
المحافظين الجدد ويشغل
بودهوريتز نفسه رئاسة تحريرها.
وتبرهن أجندة
"لجنة الخطر الداهم" ــ حسب
مراقبين ــ على ما أشار إليه
(ليندون لاروش) المرشح
الديمقراطي السابق للرئاسة
الذي يرأس "لجنة لاروش"
للعمل السياسي. ففي مذكرة
إستراتيجية كتبها، يقول لاروش :
إن هدف الآفة المسماة إدارة بوش
تشيني هو إزالة كل ما يتعلق
بوجود الدولة القومية ذات
السيادة، وذلك باستخدام أداة
"الحروب الأبدية". وكتب
لاروش مخاطبا بشكل خاص أولئك
الذين يعتقدون في دول العالم
وداخل الولايات المتحدة أن
بمقدورهم العيش مع فترة رئاسية
جديدة لبوش وتشيني، ما يلي:
"إن هدفهم هو ليس إخضاع مناطق
معينة سياسيا كمستعمرات، بل
إزالة جميع المعوقات التي تقف
في طريق النهب الحر للكوكب
(الأرض) ككل. إن نيتهم هي ليست
فتح أراضي جديدة، بل تحقيق
إزالة كل بقايا السيادة القومية
وتقليص عدد سكان العالم من
البشر إلى أقل من مليار نسمة…
فهدفهم في أفغانستان والعراق
على سبيل المثال هو ليس السيطرة
على هذين البلدين، بل إزالة أمم
قومية عن طريق إطلاق قوى الفوضى
والدمار. هكذا سيكون من قبيل
خداع النفس بشكل كبير اعتبار
فشل العمليات العسكرية في
العراق كفشل لنية إدارة بوش.
فنيتها هي التدمير الذاتي لآخر
بقايا سيادة الدولة القومية،
وهذا ما يحققون فيه نجاحات
كبيرة في الوقت الراهن".
وتحت عنوان: "كسر
نظيف: إستراتيجية جديدة لتأمين
مملكة (إسرائيل)" تم صياغة
وثيقة في العام 1996، على يد
مجموعة من مفكري المحافظين
الجدد، تضمنت مشروعاً
استعمارياً واسعاً للشرق
الأوسط ، وقد هيئت من قبل فريق
من الخبراء جمعهم ريتشارد بيرل
ثم أعطيت لبنيامين نتنياهو.
وباختصار فإنها تمثل أفكار
وأطروحات الصهيوني فلاديمير
جابوتينسكي، إذ دعت الوثيقة
إلى: إلغاء اتفاقيات أوسلو
للسلام، والقضاء على الزعيم
الفلسطيني ياسر عرفات، وضم
الأراضي الفلسطينية، إلى جانب
الإطاحة بصدام حسين لزعزعة
استقرار سوريا ولبنان في سلسلة
من الأحداث. وتفكيك العراق
وإقامة دولة فلسطينية على
أراضيه. واستخدام إسرائيل
كقاعدة تكميلية لبرنامج حرب
النجوم الأمريكي.
تحالفات المحافظين
الجدد
التقت أجندة
المحافظين الجدد ــ منذ ظهورهم
ــ مع اليمين الأمريكي والتيار
المسيحي المتطرف. إذ تحالفوا مع
"الجناح اليميني" في الحزب
الجمهوري، وجماعات "الأصولية
المسيحية" القريبة جداً من
اللوبيات اليهودية، وهو تحالف
اعتمد عليه المحافظون كثيراً في
الوصول إلى السلطة.
وكان الرئيس
الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر،
قد أشار في كتابه إلى أن ما يزيد
الطين بلة هو توافق أجندة
المحافظين الجدد مع أجندة
متطرفة أخرى، هي أجندة
الأصوليين في اليمين المسيحي
الأمريكي.
ونظراًً لأن
المحافظين الجدد هم في الأساس
تيار فكري سياسي، لا يملك قواعد
جماهيرية انتخابية حقيقية، فقد
اعتمدوا على الجمهوريين،
والجماعات اليمينية، والناخبين
الإنجليكيين، وأثرياء الجنوب
الأمريكي، وقوى المحافظين
التقليديين بولايات الجنوب
والغرب الأمريكي.
ومن خلال تعاون
اليمين الأمريكي مع الجدد في
بناء شبكة واسعة من الجماعات
الفكرية النشطة، نمى تيار
المحافظين الجدد داخل الجامعات
والمؤسسات الفكرية والبحثية
الأمريكية.
إذ لم يكن الجدد
ليسيطروا على مقاليد صنع
السياسة بأمريكا دون موافقة
ضمنية من قوى اليمين, خاصة وأن
تلك القوى كانت تملك أفكاراً
بعضها أكثر تشدداً من بعض أفكار
المحافظين أنفسهم. حيث ينطلق
(المسيحيون المتدينون) في
رؤيتهم للسياسة الخارجية
الأمريكية تجاه الشرق الأوسط
والعالم، من منطلقات دينية
خطيرة، تؤمن بأن العالم وأمريكا
يسيران بسرعة إلى نقطة صدامية
تمثل نهاية العالم، من خلال حرب
تأتي على الأخضر واليابس، يكون
مركزها الشرق الأوسط ، ويقودها
العالم كله ضد أمريكا وحلفائها
وعلى رأسهم إسرائيل.
أما (الإنجليكيون)
فهم لا يثقون في المنظمات
الدولية، ولا يؤمنون بقضايا مثل
الحد من التسلح أو تخفيض
النفقات العسكرية الأمريكية،
لأن أمريكا بالنسبة لهم تستعد
لحرب طاحنة لا راد لها.
أما النخب
الأمريكية (المحافظة التقليدية)
فهي انعزالية بطبيعتها لا تثق
في المنظمات الدولية أو في
العالم الخارجي، ولا تؤمن إلا
بالقوة الأمريكية وزيادتها
المستمرة وبناء المزيد منها.
وبشكل عام يمثل بقاء تلك
المعتقدات والنزعات ضمانة لا
يستهان بها لاستمرار سياسات
وأفكار المحافظين الجدد.
وفي كتابهما "أمة
اليمين: قوة المحافظين في
أمريكا" يركز الكاتبان
(إدريان ولدريدج) و(جون مايكل
ثويت) على أن تيار المحافظين
الجدد هو "تيار ظهر في أمريكا
ليرضي نزعات أطياف مختلفة من
اليمين تشكل نسيج الأمة
الأمريكية من الناحية
السياسية" ويضيفان أن اليمين
الأمريكي ينقسم من حيث الأداء
الوظيفي إلى مجموعتين :
أولا: "مراكز
الأبحاث اليمينية" التي تركز
على إصدار الدراسات التي تنطوي
على أفكار وأطروحات لإدارة
السياسة العامة في الولايات
المتحدة، والسعي لإقناع
الإدارة والكونجرس بتبني هذه
السياسات، حيث تتزعم هذه
المجموعات مراكز بحثية مثل معهد
"أمريكان إنتربرايز"
ومؤسسة "هيريتدج" ومعهد
"كاتو" للأبحاث العامة.
ثانياً:
"المجموعات اليمينية على
المستوى الجماهيري" ومهمتها
حشد أصوات الناخبين اليمينيين
وربطها بالقضايا والسياسات
والترويج لساسة معبرين عن مصالح
اليمين الأمريكي، ويمثل هذا
التيار منظمات مثل التحالف
الأمريكي المحافظ والتحالف
المسيحي.
الإعلام وسيلة
المحافظين
عزز المحافظون
الجدد من معتقداتهم ووجودهم في
المجتمع الأمريكي من خلال:
التغلغل بين اليمينيين
البروتستانت، والاستفادة من
محطات التلفزة مثل "فوكس
نيوز"، والبرامج الحوارية
التي كانت ولازالت تعد من معالم
الحياة السياسية الأمريكية منذ
ثلاثينات القرن العشرين.
وطوال عقد
التسعينيات شرعت هذه البرامج
الإذاعية في بناء قواعد أكبر من
المستمعين، وبناء علي هذا
الاكتشاف الجديد بدأت شبكات
التلفزة في توفير مزيد من
المنابر للمحافظين الجدد لطرح
أفكارهم، لتصبح مع مرور الوقت
بمثابة كفة التوازن في مواجهة
الصحف وشبكات التلفزيون في
المدن الكبرى ومحطات الإذاعة
التي تميل إلي التوجهات
الليبرالية.
كما اتخذ المحافظون
الجدد عدد من المنابر الصحفية
الهامة وسيلة لنشر توجهاتهم،
مثل مجلة "كومنتاري" وهي
مجلة الجيل الأول من المحافظين،
بدأت بالصدور عام 1945 في نيويورك
عن اللجنة اليهودية الأمريكية،
وكانت موجهة بالأساس إلى النخبة
المثقفة.
وأيضاً مجلة
"ويكلي ستاندارد"
الأسبوعية لسان حال اليمين
الصهيوني الأمريكي، مجلة الجيل
الثاني من المحافظين، الممولة
من قبل روبرت موردوخ إمبراطور
الإعلام المعروف وصاحب الميول
اليمينية المتطرفة، أسسها
ويليام كريستول نجل إيرفينج
كريستول، وقد تميزت مقالاتها
ورسوماتها بنزعة أكثر
جماهيرية، ومكتبها لا يبعد
كثيراً عن البيت الأبيض
بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
كما تظهر كتابات
للمحافظين الجدد باستمرار في
مجلة "فورين أفاريز"
المعروفة، ويكتبون بشكل دوري في
ثلاثة من أكبر الدوريات
الأمريكية، حيث يكتب (ماكس باوت)
لصحيفة "لوس أنجلوس
تايمز"، ويكتب (دايفيد بروكس)
لـ"نيويورك تايمز"، ويكتب
(روبرت كاجن) و(تشارلز كروتهمز)
لـ"الواشنطن بوست"، هذا
إضافة إلى سيطرتهم على مقالات
الرأي بصحيفة "وال ستريت
جورنال".
"الفلسطينيون
لهم تاريخ كراود في البلاء
العظيم للإرهاب في عصرنا
الحاضر, ومازالوا نجوماً في
سماء الإرهاب" كانت تلك عبارة
(مارتن بيرتز) التي أوردها في
مقال له بمجلة "نيو رببلك"
وهي إحدى خمس مجلات
تعتبر قلاعاً للفكر اليهودي
المتطرف في أمريكا, أما
المجلات الأربع الآخر, فهي
: "مومنت" و"ناشيونال
ريفيو" و"كومنتري"
و"يكلي ستاندرد" وهذه
المجلات رغم مظهرها المتواضع
إلا أنها من أخطر المنابر التي
تنشر الأفكار المحافظة
المعادية للعرب والمسلمين,
طالما أنهم لم يصلوا إلي حالة
الاستسلام التام وانعدام
الوزن في مواجهة إسرائيل.
وخلال إدارة جورج
دبليو بوش الحالية في البيت
الأبيض استطاع الجدد السيطرة
على أكبر وأهم مؤسسات ومراكز
البحث، وهيئات التحرير في الصحف
الهامة. وقد تبلورت وجهات نظرهم
ومواقفهم قبل أن يصلوا إلى
السلطة، من خلال مراكز الأبحاث
اليمينية التي تضمنت أطروحاتهم
حول السياسة العامة في الولايات
المتحدة، والسعي لإقناع
الإدارة الأمريكية والكونجرس
بهذه الفلسفة الجديدة، التي
تتبنى التدخل الاقتحامي
المنفرد في الشؤون الخارجية،
والضربات الاستباقية.
وقد أضافت مراكز
الدراسات زخما كبيراً لمواقف
المحافظين، مثل معهد
"هدسون"، ومعهد "أمريكان
إنتربرايز" للأبحاث، ومعهد
"المشروع الأمريكي"
و"مشروع العقد الأمريكي
الجديد" ومعهد "ميمري"
وهو الأداة الدعائية التي
أسستها ميراف وورمسر مع عميل
الاستخبارات الإسرائيلية
السابق العقيد ييجال كارمون.
وهو المعهد الذي وصفه المسئول
السابق في وكالة الاستخبارات
الأمريكية (فينسينت كانيسترار)
بالقول إن "المعهد يعمل كأداة
دعائية من وجهة نظر ليكودية
متطرفة".
ويُعدّ معهد
"المشروع الأمريكي" من
أقرب معاهد البحوث السياسية
للإدارة الأمريكية الحالية.
فللمعهد علاقة وثيقة بنائب
الرئيس الأمريكي ديك تشيني الذي
تشرف زوجته علي المعهد مباشرة.
ويتوفّر المعهد علي عشرات من
الباحثين المتفرغين وغير
المتفرغين من كبار أساتذة
الجامعات الأمريكية؛ ويضم
مجلسه الإداري ومجلسه للتوجيه
الأكاديمي خمسة وثلاثين عضواً
من الشخصيات المؤثرة في اقتصاد
الولايات المتحدة وسياساتها
مثل رئيس بنك "تشيس
مانهاتن" والمدير العام
لشركة "تكساس أنسترومنتس"
ورئيس شركة "كوكس" للبترول
والغاز، وعدد من كبار أساتذة
العلوم السياسية مثل صاموئيل
هنتنجتون أستاذ علم الحكومة في
جامعة هارفرد وصاحب نظرية صدام
الحضارات. ونظراً لأن هذا
المعهد هو وكر لمفكري المحافظين
الجدد المقربين من إدارة بوش،
فإنه يمكن القول إن بحوث هذا
المعهد تمثّل توجهات الحكومة
الأمريكية، أو أن سياساتها
تتأثر بشكل كبير ببحوث هذا
المعهد.
المحافظون في معية
بوش الابن
وفي معية جورج
دبليو بوش تحقق حلم المحافظين
الجدد في العثور على الحاكم
الذي يتبنى أفكارهم، فرغم
نشاطهم الدؤوب وسط الدوائر
السياسية المؤثرة في الولايات
المتحدة، فإن الجدد لم يجدوا
فرصتهم المواتية لتأخذ بناصية
القرار السياسي، بصورة واضحة،
إلا في عهد وإدارة بوش الابن،
الذي ضم إلى زمرته أفراداً
مؤثرين من هذه المجموعة النشطة،
وأوكل إليهم مناصب في مواقع
سيادية مثل وزارات الدفاع
والعدل والبيت الأبيض، وفي
مواقع أخرى لها تأثيرها المباشر
بالسياسات الخارجية والدفاعية
والاجتماعية في الولايات
المتحدة.
وقد اعتمد الرئيس
الجمهوري على عشرات من الجدد في
إدارته، وهنأ نفسه باختيارهم،
في حين ظل الباقون موجودون في
أماكن عدة كمستشارين للحكومة أو
في مناصب أممية ومواقع إعلامية
واقتصادية متقدمة. وبالرغم من
أن الرئيس بوش لا ينتمي شخصياً
إلى المحافظين الجدد، إلا أنه
تأثر بهم في سياساته، ومنذ أن
قدم هؤلاء إلى البيت الأبيض في
معيته استطاعوا أن يجذبوا ــ
بتوجهاتهم السياسية والفكرية
ــ اهتمام الدوائر الإعلامية
والسياسية في العالم أجمع،
وأصبحوا القوة الأساسية
المؤثرة في الإدارة والكونغرس.
يقول المنتقدون
لبوش وإدارته من المحافظين: إن
الرئيس الأمريكي لم يأخذ
القرارات، لأن آلية الحكومة
التي يديرها بالاسم كانت هي
التي تديره. وهذا الاحتضان
الرئاسي جعل من وجود مجموعة
(الجدد) السياسي والتنفيذي
ملموساً ومحسوساً، كما أعطى
أفكارهم وفلسفتهم السياسية
متنفساً أخذ يشكل تحدياً للنسق
التقليدي المألوف في إدارة
المجتمع السياسي الأمريكي. وقد
اعتبر هذا التحدي الذي أخذت
تشكله المجموعة للمؤسسة
السياسية التقليدية على أنه
"اختطاف" وقع للسياسة
الخارجية الأمريكية على أيدي
هذه الفئة.
ففي كتابه "أين
أخطأ اليمين؟" يتهم (بات
بيوكانن) مجموعة المحافظين
الجدد بأنهم اختطفوا السياسة
الخارجية في عهد بوش وغيروا
أفكاره، من انتقاده لفكرة أن
تلعب الولايات المتحدة دور
الشرطي في العالم، إلى إتباع
سياسة شن الحروب الإستباقية
الإجهاضية لدعم إسرائيل، ومن
أجل نشر (الأمركة) في العالمين
العربي والإسلامي وإعادة
تشكيلهما.
وعلى رأس إدارة
جورج بوش، وجد صقر صقور
المحافظين الجدد (ديك شيني) في
منصب نائب الرئيس، وأيضاً الصقر
(دونالد رامسفيلد) ــ وزير
الدفاع السابق ــ والمعروف أن
تشيني ورامسفيلد أكثر تأثيراً
بدرجة كبيرة من أهم رموز
المحافظين الجدد، فكتاب مثل
"حالة إنكار" لبوب إدوارد،
يركز بالأساس على رامسفيلد ومن
خلفه تشيني كأكبر المسئولين عن
مأزق أمريكا في العراق، ويكاد
لا يتناول المحافظين الجدد إلا
عابراً.
وهناك أيضاً (بول
وولفويتز) الديمقراطي السابق
ونائب وزير الدفاع وأكثر
المتحمسين لاحتلال العراق،
و(ريتشارد بيرل) الملقب بـ
"أمير الظلام" منظر احتلال
العراق وصاحب نظرية استخدام
القوة الأمريكية لتدمير أعداء
إسرائيل، و(دوجلاس فيث) وكيل
وزارة الدفاع للشؤون السياسية
الذي أقام مكتب الخطط الخاصة
الذي أنشأه بالتلاعب
بالمعلومات المخابراتية حول
أسلحة الدمار الشامل.
ويشكل (بول
وولفويتز) و(ريتشارد بيرل)
و(دوجلاس فيث) الثالوث الجهنمي
الذي سوغ للإدارة فكرة خداع
الشعب الأمريكي بخطورة التسلح
العراقي على الولايات المتحدة
وشعبها، وجرها إلى حرب مكلفة
بشرياً ومادياً وسياسياً
وإنسانياً. وهو الثالوث الذي ما
زال يسعى من وراء ستار إلى جرجرة
أمريكا نحو المواجهة مع إيران.
أما (جون بولتون)
وما أدراكم ما بولتون مندوب
أمريكا السابق بالأمم المتحدة،
في الوقت الذي كان ينفي فيه وجود
تلك المنظمة إلا إذا كانت أداة
للسياسة الأمريكية، ولا يري
مانعا من "تدمير عشرة طوابق
من طوابق مبناها" في نيويورك.
ويقول جيمي كارتر في كتابه
"القيم الأمريكية المعرضة
للخطر" : إن اختيار بوش لجون
بولتون كسفير للولايات في الأمم
المتحدة يعكس تبني حكومته
لفلسفة المحافظين الجدد والتي
تعتمد على تبني التدخل
الاقتحامي المنفرد في الشئون
الخارجية لإعلاء شأن الولايات
المتحدة ومصالحها السياسية
والعسكرية، وخاصة في منطقة
الشرق الأوسط. ومن الجدير هنا
بالذكر، أن جون بولتون ينتمي
إلى صقور المحافظين وكان عضواً
في إدارة المجلس الاستشاري لـ
"المعهد اليهودي لشؤون الأمن
القومي" وبعض أفراد أسرته
ومنهم شقيقته يقيمون في
إسرائيل، وقد عرف عن جون بولتون
احتقاره للشرعية والقوانين
الدولية. نشرت له صحيفة "وول
ستريت جورنال" مقالاً عام 1997،
جاء فيه "إن المعاهدات
الدولية التي توقعها الولايات
المتحدة لا تعتبر قوانين ملزمة،
واجبة الاحترام، ولكن كضرورة
سياسية لا ضرر من التحلل منها مع
تغير الظروف".
إسرائيل في وعي
الجدد
تعد السمة المميزة
التي ظلت تجمع المحافظين الجدد
هي حبهم ودعمهم وولاؤهم
لإسرائيل, واتهامهم من يخالف
مواقفهم في تأييد الدولة
العبرية بالعداء للسامية,
الذي يعني ــ في رأسهم ــ كراهية
اليهود بسبب دينهم أو ثقافتهم
أو أصلهم. فالمحافظون الجدد
الذين نابذوا العالم كله
تقريباً العداء استثنوا منه
إسرائيل الدولة الصهيونية التي
تمحور حولها تفكيرهم، معتبرين
أن المصالح الأمريكية
والإسرائيلية يجب أن تكون
متماثلة.
أجهد المحافظون
الجدد عقولهم في تلفيق الدلائل
لإثبات أن ما هو في مصلحة
إسرائيل هو في مصلحة أمريكا,
وذلك لإخفاء مشاعرهم الحقيقية
التي تقدم الولاء لإسرائيل علي
الولاء للولايات المتحدة. ويخلص
بات بيوكانن (وهو من المحافظين
التقليديين) في كتابه "أين
أخطأ اليمين؟" إلى أن
أيديولوجية المحافظين الجدد
تنطلق من مبدأ أساسي وهو تطابق
مصالح أمريكا مع إسرائيل،
وبالتالي فهم يدفعون الولايات
المتحدة إلى محاربة أعداء
الدولة العبرية.. وقد دفعوا
أمريكا إلى شن الحرب على العراق
وكانت ــ حسب رأي بيوكانن ــ
"أكبر خطأ استراتيجي أمريكي
خلال أربعين عاما".
كتب ستانلي هوفمان
ــ البروفسور في جامعة هارفارد
ــ يقول : توجد مجموعة غير
مترابطة من أصدقاء إسرائيل تؤمن
بتطابق المصالح بين الدولة
اليهودية والولايات المتحدة،
وينظر هؤلاء إلي السياسة
الخارجية الأمريكية من عدسة
اهتمامهم الكبير: هل هي
صالحة بالنسبة لإسرائيل أم
سيئة؟. ويمضي هوفمان قائلاً :
منذ إقامة إسرائيل عام 1948, لم
يكن هؤلاء المفكرون علي علاقة
طيبة بوزارة الخارجية
(الأمريكية) علي الإطلاق,
ولكنهم الآن مستحكمون في
البنتاجون.
وفي مقال نشره
(دانيال بايبس) ــ مدير "ميدل
إيست فورم" ــ بمجلة
"كومنتري" المحافظة التي
تصدرها اللجنة اليهودية
الأمريكية، تحت عنوان "هل
تحتاج إسرائيل إلي خطة؟" يرى
الكاتب المحافظ أن الحل الوحيد
للصراع الفلسطيني ـ
الإسرائيلي، يتمثل في أن يتخلى
العرب عن حلم محو الدولة
اليهودية، ولذلك يؤكد بايبس ــ
بلا تردد ــ أن الصراع لن ينتهي
لا بالمفاوضات ولا بالسور
الواقي, وإنما بقبول أحد
الطرفين بالهزيمة. أما الوصفة
التي يضعها لبلوغ هذه الحالة
فهي أن ما يساعدنا علي تغيير
موقف الفلسطينيين هو الردع
الإسرائيلي, بالإبقاء علي
حضور عسكري قوي وتهديد جدي
باستخدام القوة، إذا تعرضنا
للاعتداء. وتأتي خطورة هذا
المقال من عرضه للأفكار
الصهيونية دون أن تشوبها
المراوغة الدبلوماسية, أو
يموهها طلاء العلاقات العامة.
وقد وطد صقور
السياسة الخارجية الموالين
لإسرائيل ــ من المحافظين الجدد
ــ مراكزهم بقوة داخل إدارة
جورج بوش الابن، فتمكنوا
بمساعدة مؤسسات الأبحاث
اليمينية من رسم سياسة أمريكا
الخارجية ــ وخصوصاً في الشرق
الأوسط ــ بما تقتضيه المصالح
الصهيونية. ولقد تعلَّم جنرالات
إسرائيل والولايات المتحدة كيف
يتعرفون على بعضهم البعض، وذلك
بفضل جهود المحافظين الجدد
واللقاءات المُتبادلة التي
ينظمها "المعهد اليهودي
لشؤون الأمن القومي" (JINSA) وهو مؤسسة تفرض على كبار
العاملين فيها متابعة كافة
الحلقات الدراسية والندوات
المتعلقة بأفكار وأطروحات
فيلسوف المحافظين ليو شتراوس.
العالم الإسلامي في
أجندة الجدد
التركيز على العالم
الإسلامي له جذوره العقائدية
التي يبني عليها المحافظون
الجدد منطلقاتهم الجديدة التي
تتناسب وعالم ما بعد الحادي عشر
من سبتمبر. وذلك ضمن أهداف
إستراتيجية وأسباب عقائدية
وسياسية، من بينها الحفاظ على
بقاء إسرائيل، ووجودها كقوة
مهيمنة ضمن المجال الحيوي
للمنطقة العربية الإسلامية
برمتها.
فبعد الهجوم الذي
استهدف برجي التجارة في نيويورك
أعلن جورج بوش مباشرة أنها
"حرب صليبية"، ولم تكن زلة
لسان ــ مثلما قالوا ــ بل هي
إستراتيجية مؤصلة سلفاً، بدأت
بالحرب النفسية ضد العرب
والمسلمين، من خلال الحملات ضد
الإسلام والعروبة، ثم الحرب
الإعلامية والثقافية ضد
ثقافتهم ومناهجهم التربوية، ثم
الحرب العسكرية باحتلال قسماً
من بلدانهم، ثم بوادر الحرب
الدينية والحضارية التي
يُروجون لها الآن.
ويعتقد المحافظون
الجدد أن العالم الإسلامي
عموماً والشرق الأوسط خصوصاً،
هما نقطة انطلاق أمريكا في
سياستها لإعادة بناء النظام
العالمي الجديد. إذ يربط الجدد
بين النازية، والشيوعية،
والحركات الإسلامية، وهو ما
تجلى في خطب جورج بوش، حين يربط
بشكل تعسفي ومجرد بين هتلر
ولينين وحماس وحزب الله وما
يصفه بـ (الإسلام الفاشي) في
حزمة واحدة.
يرى (ايليوت كوهين)
أحد أكثر أكاديميي المحافظين
الجدد تأثيراً والذي بدأ نجمه
يسطع داخل الإدارة الأمريكية
بعدما عينته وزيرة الخارجية
كوندليزا رايس مستشاراً لها.
يرى كوهين أن العالم يعيش الآن
حرباً عالمية رابعة ضد العالم
الإسلامي.
فهم يتهمون ديناً
كاملاً بأنه يحرض على العنف
ويخلق جواً ثقافياً يقود إلى
الإرهاب، ومن ثم يؤمنون بأن
الخطر الأساس الذي يهدد أمريكا
هو خطر الإرهاب الذي تقوم به
جماعات مسلمة بالأساس. يقول
ريتشارد بيرل :"إن السياسة
الوحيدة الممكنة للغرب
وللولايات المتحدة، في كل حال،
هي سياسة المواجهة طويلة الأمد
ومتعددة الأشكال مع العالمين
العربي والإسلامي".
وفي رده على سؤال
لمراسل صحيفة "هاآرتس"
الإسرائيلية، حول السبب الذي من
أجله شنوا الحرب على العراق،
يقول وليام كريستول ــ أحد
المراجع المؤثرة في عقل جورج
بوش وكان من صناع فكرة غزو
العراق ــ يقول : إن هذه الحرب
تهدف أول ما تهدف إلي تشكيل
وبناء شرق أوسط جديد، فهي حرب
لتغيير الثقافة السياسية في
المنطقة بأكملها.
ويضيف كريستول : بعد
ما حدث في 11 سبتمبر2001
استيقظوا الأمريكيون
ليكتشفوا أن هذا العالم أصبح
مكاناً خطيراً ، ولهذا بحثوا عن
مبدأ أو عقيدة تتيح لهم مواجهة
هذا العالم الخطير، والعقيدة
الوحيدة التي وجدوها هي تلك
التي يتبناها المحافظون الجدد،
وتقوم على تغيير الثقافة
السياسية للمنطقة، وإيجاد نظام
عالمي جديد، والاستعداد
لاستخدام القوة لبناء وتأسيس
هذا النظام الجديد. وعلى هذا
الأساس كانت حرب العراق لبناء
النظام العالمي والشرق الأوسط
الجديد.
ويسأله محرر
"هاآرتس" قائلاً : هل يعني
هذا أن الحرب ضد العراق كانت حرب
المحافظين الجدد؟ فيضحك
كريستول ويقول : هكذا يقولون
لكن الحقيقة أن هذه حرب
أمريكية, والمحافظون الجدد
نجحوا في التغلغل داخل نسيج
المجتمع الأمريكي, وبسبب
مثالية الأمريكيين فقد قبلوا ما
عرضه المحافظون في تبريرهم
للحرب, فالأمريكيون لم
يرغبوا في شن حرب من أجل المصالح
لكن حينما تعلق الأمر بالقيم
والمثل وافقوا علي تلك الحرب،
أي أنها تستند إلي رؤية عقائدية.
ويسأله المحرر : هذه
الرؤية العقائدية تعني أنه بعد
العراق يأتي دور السعودية ومصر؟
فيقول كريستول : إنه بالنسبة
للسعودية فمازال هو والإدارة
الأمريكية مختلفين بشأنها،
لكنه يري أنه لا يمكن السماح
للسعودية بالاستمرار في نهجها
الذي يحض علي كراهية ومعاداة
الأمريكيين.
أما فيما يتعلق
بمصر فيعتقد كريستول أنه لا
يمكن الموافقة علي الاستمرار في
الوضع الراهن إذ يجب أن تتبع
ديمقراطية ليبرالية، ويضيف أن
الاستقرار الذي يعرضه القادة
العرب هو استقرار وهمي وخيالي.
وكان عدد من كبار
المحافظين الجدد الموالين
لإسرائيل نظموا ــ أوائل مارس
من العام الحالي 2007 ــ ما سمي
بمؤتمر "القمة الإسلامية
الإصلاحية" في الولايات
المتحدة، بهدف "علمنة
الإسلام" و"إعادة تفسير
القرآن" بتفريغه من مضمونه.
عقد المؤتمر بمشاركة وجوه
علمانية بارزة، ومسئولي إعلام
ومخابرات غربيين. وفي بيان
صحفيٍ قال المنظمون: إن المؤتمر
سيناقش التفسيرات العلمانية
للإسلام، وأهمية توسيع مساحة
النقد والحاجة لنقد القرآن.
ويقول البيان: إنه يهدف إلى
صياغة "إسلام عصري" من خلال
إعادة تفسير الإسلام بأسلوب
"عصري".
ومن أبرز المنظمين
(مايكل ليدين) الذي ينتمي إلى
معهد "أمريكان إنتربرايز"
الذي يساهم في تشكيل السياسة
الخارجية للإدارة الأمريكية.
ومن المنظمين أيضًا "المؤسسة
الأوروبية للديمقراطية" التي
تعتبر الذراع الأوروبية لمؤسسة
"الدفاع عن الديمقراطيات"
الأمريكية الموالية لإسرائيل
والتي تأسست بعد يومين فقط من
هجمات 11 سبتمبر ويسيطر عليها
اليمينيون الجمهوريون من
المحافظين الجدد. كذلك شارك في
التنظيم (وليام كريستول) رئيس
تحرير مجلة "ويكلي
ستاندرد" الأسبوعية لسان حال
اليمين الصهيوني الأمريكي،
وفرانك جافني رئيس مركز
الدراسات الأمنية، وهما من
الرموز البارزة للمحافظين
الجدد ويتمتعان بارتباطات
عديدة بمؤسسات المحافظين.
وعلى الرغم من أن
موضوع النقاش في المؤتمر هو
"إصلاح الإسلام" فإن أغلب
المتحدثين -وفقًا لقائمة
المتحدثين التي وزعها المنظمون-
من غير المسلمين، بل من
العلمانيين أو ممن تحولوا عن
الإسلام، ثم تخصصوا في مهاجمته.
هجمات الـ 11 من
سبتمبر
يرى العديد من
الباحثين والخبراء أن جزءاً
كبيراً من (النجاح) المرحلي الذي
سجله المحافظون الجدد، في
السنوات القليلة الماضية، يعود
إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر
وتغيراتها على السياسة
الأمريكية والعالم. فالمثقفون
الذين اعتادوا قيادة معارك
الأفكار وجدوا فرصة مناسبة لوضع
نظرياتهم موضع التطبيق. إذ
كانوا المجموعة الوحيدة التي
أوجدت تفسيراً كما اقترحت رداً
في التو واللحظة، فقط بعد أيام
قلائل من الهجمات.
وإذا كان صحيحاً
أنهم لم يتوقعوا حدوثها، أو لم
يسبق شيء إلى علمهم بشأنها،
فإنهم على الأقل كانوا قد
سبقوها بتوجيه الإنذارات:
"علينا ألاّ نترك أنفسنا ننام
عند نهاية الحرب الباردة.. لنبقى
يقظين.. إنه من المبكر، أن يتم
التحدث عن مغانم السلام، لأن
هناك مخاطر جديدة تهددنا".
ولعله مما يستلفت
النظر في هذا الصدد ما يذكره
المراقبون من أن الرئيس
الأمريكي ــ وبعد الهجمات ــ
انقلب من رئيس عادي كانت السلطة
هي التي تستهويه، إلى زعيم
وقائد ومنظر مقتنع بأنه يحمل
رسالة القضاء على ما وصفه
بالشر، ويذكر المراقبون بتصريح
سبق أن نسب إلى جورج دبليو بوش
ذاته، حين سئل مرة إذا كان يتحدث
إلى "أبيه" ــ الرئيس
الأسبق ــ فأجاب بأنه يتحدث إلى
الأب الذي في السماوات.. ولقد
تمكن المحافظون بعد الهجمات من
السيطرة سيطرة كاملة على
السياسة الأمريكية.
العراق.. محطة على
طريق التدمير
من المعروف أن
صياغة جزء كبير من كابوس (الشرق
الأوسط) الحالي، تمت على عين
المحافظين الجدد وحسب رغبتهم
وتوجهاتهم. إذ تعد المنطقة
العربية و(الشرق الأوسط) عامة،
مركز دائرة التفكير الجيوسياسي
لدى المحافظين الجدد، الذي
يعتقدون أنه يجب أن يتبدل طوعاً
أو كرهاً، وأن يأخذ التبدل
المنشود (إسرائيل) في حسبانه.
ويقدم كتاب America
Alone
لمؤلفيه Stefan Hapler و Jonathan Clarke ــ الخبيران في السياسة
الخارجية ــ التفسير وكيف أن
مجموعة الجدد اختطفوا السياسة
في كل من أمريكا وبريطانيا تحت
مزاعم مكافحة الإرهاب ظاهرياً،
في حين كان الهدف هو إعادة تشكيل
منطقة الشرق الأوسط حتى تظل
دائرة في فلك السياسة الأمريكية
ومستجيبة لإيحاءاتها
وتوجهاتها، ومتقبلة لفكرة
التدخل الأمريكي في شؤون دولها
الداخلية ومتقبلة لفكرة حروب
أمريكا الوقائية.
ونشير في هذا الصدد
إلى تقرير "إستراتيجية
الدفاع لعقد التسعينيات"
الذي أعده ديك تشيني وزملاؤه
عام 1992 ــ أي قبل ثماني سنوات من
وصوله إلى منصبه الحالي كنائب
للرئيس ــ واختار هو و زملاؤه من
المحافظين الجدد العراق كهدف
لتطبيق تلك الفلسفة خدمة لأمن
إسرائيل، ولتحويل العراق قاعدة
عسكرية دائمة للولايات المتحدة
في المنطقة.
ولكن الأهم من هذا
كله،هو تحقيق الحلم التوراتي
بالنصر على ملك بابل وتدمير
عرشه، ومن ثم قتله واستباحة
دماء شعبه، ثم تحقيق المشروع
الصهيوني القديم الذي ينص على
تفتيت بابل، والدول المجاورة
لها لتكون على شكل دويلات
وكيانات متناحرة، كي تتحقق
أمنية إسرائيل الكبرى. وبهذا
تتمكن إسرائيل من تحقيق معظم
أحلامها التوراتية والدينية
والسياسية والإستراتيجية، من
دون أن تهدر قطرة دم يهودية
واحدة.
أكد هذه الحقيقة
الجنرال (انتوني زيني) الرئيس
السابق للقيادة الوسطى
الأمريكية، التي نفذت غزو
العراق حين قال : "إن المثقفين
اليهود المعروفين بالمحافظين
الجدد هم من أشعل حرب العراق
خدمة لإسرائيل" وحدد ثلاثة
أسماء بارزة هم (بول وولفوفيتز)
نائب وزير الدفاع الأمريكي
لشؤون التخطيط أثناء غزو
العراق، وقد سبق أن شارك في
صياغة الوثيقة المعروفة باسم
"عقيدة بوش" التي تلخص
الحروب الاستباقية التي تبناها
الرئيس الأمريكي. أما الشخصية
اليهودية الثانية فهو (دوجلاس
فيث) مسئول السياسة الدفاعية
أثناء غزو العراق، والشخصية
اليهودية الثالثة من المحافظين
الجدد الذين ذكرهم الجنرال
زيني، هو (ريتشارد بيرل) وقد شغل
منصب رئيس مجلس السياسة
الدفاعية التابع لوزارة الدفاع
الأمريكية من يوليو 2001 وحتى 2003 ،
وقد ابعد من منصبه على خلفية ما
نشر عن تورطه بتلقي عمولات من
قبل إسرائيل عن صفقات سلاح
بمليارات الدولارات من بينها
تطوير الطائرة الحربية
الإسرائيلية (لافي).
وقد كتب (أري شافيت)
في صحيفة "هارتس"
الإسرائيلية متبجحاً في 15 إبريل
2004 : إن "حرب العراق كانت من
بنات أفكار خمسة وعشرين شخصاً
من المحافظين الجدد أغلبهم من
اليهود" وجاء في مقال للكاتب
وداعية السلام الإسرائيلي أوري
أفنيري تحت عنوان "بعد انقضاء
الليل" يحدد فيه المجموعة
التي بادرت إلى الحرب وغزو
العراق بأنها "خليط من
المتدينين المسيحيين المتطرفين
والمحافظين الجدد من اليهود".
إذ تنادى هؤلاء
للحرب على العراق قبل وقت طويل
من هجمات سبتمبر 2001، حتى أصبحت
مسألة العراق من الأفكار
الثابتة لديهم. فقد كتب وليام
كريستول ولورانس كابلان وهما
مثقفان من صلب التيار الذي يرسم
مخططات إدارة بوش كتاباً قبل
بدء العمليات ضد العراق بعنوان
"طريقنا تبدأ ببغداد" قالا
فيه : "تعتبر حرب العراق
اختبار تحدٍ لما بعد الحرب
الباردة".
وكتب «كينيث أدلمان»
وهو ناشط من المحافظين الجدد
وموظف في البنتاجون عمل مع مجلس
السياسة الدفاعية حتى عام 2005،
افتتاحية شهيرة في صحيفة
"واشنطن بوست" في فبراير
2002، قال فيها : "أؤمن بأن
تدمير قوة صدّام حسين العسكرية
وتحرير العراق سيكون في غاية
السهولة". ولقد رأوا في تبديل
نظام بغداد ظرفاً ملائماً
للبرهان على صحة منطقهم،
فأطلقوا بلاغهم القائل: من الآن
وصاعداً أمريكا هي القوة العليا
على الكوكب، ولها السلطة، ومن
واجبها إعادة رسم خريطة العالم
بعد الحرب الباردة.
وفي إطار العراق،
كانت قناعتهم أن سقوط صدام حسين
سيبدل صورة وأوضاع المنطقة
العربية، ويمكّن النفوذ
الأمريكي فيها بصورة مطلقة. ومن
ثم اتخذوا من أكذوبة "أسلحة
الدمار الشامل" ذريعة ملهمة
رغم أنهم يعلمون أن صدام حسين لا
يملك تلك الأسلحة، ولما كان
عليهم أن يقنعوا الشارع
الأمريكي بأحقية هذه الأكذوبة،
أخرجوا حملة إعلامية صاخبة
جيشوا لها محطات ومؤسسات
ومراكز.
وكان روبرت جوزيف
المسئول في الإدارة الأمريكية
ــ وهو المعروف بعلاقاته
الوثيقة مع مؤسسات الأبحاث
الموالية لإسرائيل كمركز
"فرانك غافني للسياسة
الأمنية" ــ الذي دس
في خطاب جورج بوش
عام 2003 عن حالة الاتحاد الخبر
الكاذب الخاص بشراء العراق
لليورانيوم من النيجر، وهي
الأكذوبة التي أقنعت الكونغرس
والرأي العام الأمريكي بضرورة
شن الحرب ضد نظام الرئيس صدام
حسين.
إلا أنه وبعد سنوات
الدمار التي أصابت هذا البلد
العربي أثبت العراق ــ بفضل
سواعد أبنائه في المقاومة
الوطنية ــ فشل عقائد
المحافظين، كما أثبت أيضاً كم
هؤلاء مغرورون ومثاليون وغير
قادرين على فهم حدود القوة
الأمريكية.. خاصة وأن الحجج
المقدمة لتبرئة هذه الحرب قد
فُضحت أمام الأشهاد وبات الذين
اختلقوها يتبرؤون منها.
يقول وليام كريستول
ــ الذي يعد الأب الروحي للجيل
الحالي من المحافظين الجدد ــ :
"إنه لا مفر أمامنا من إثبات
قدرتنا على النجاح في العراق
لأن فشل المشروع الأمريكي هناك
سيشكل انتكاسة كبرى للمحافظين
الجدد".
في مقابلة مع شبكة
الـ "بي بي سي" في العام 2003
تقول ميراف وورمسر "عندما بدأ
الهجوم على العراق، فتحنا زجاجة
شمبانيا.. كانت لحظة انتظرناها
لسنوات طويلة.. كنا نقوم بعمل
خارق من خلال الدفع نحو هذه
الحرب.. لم يخطف أحد شيئا.. لم
نغسل دماغ الرئيس.. انه يعمل وفق
معتقداته وقناعاته الخاصة".
ولم تمضي بضعة أعوام حتى أعربت
وورمسر عام 2006 عن خيبتها من
الانتكاسات التي عرقلت مشروع
المحافظين الجدد قائلة : "أنا
إسرائيلية ومن العصابة.. هذه
الجماعة تتألف من أكاديميين
أصبحوا جزءا من إدارة بوش لكنهم
فشلوا في تمرير أفكارهم من خلال
البيروقراطية.. هم مجموعة من
المفكرين الذين أتوا بأفكار
عظيمة، لا أزال أؤمن بها، لكنهم
لم يجدوا طريقة للترويج
لمعتقداتهم في ظل تعقيدات
البيروقراطية".
وتشدد وورمسر على
أن "القرار الأخير لم يكن بين
أيديهم. كان هناك الكثير من
الإحباط عبر السنوات في الإدارة
لأننا لم نشعر بأننا كنا ننجح..
(جون) بولتون غادر وكثيرون غيره
يستعدون لذلك.. جميعنا نشعر
بأننا انهزمنا بعد السنوات
الخمس الأخيرة". وتعد وورمسر
أحد أهمّ واضعي تقرير
الإستراتيجية الجديدة لضمان
أمن إسرائيل في العام 1996
بالتعاون مع آخرين من أمثال
ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث. وقد
تمحور موضوع أطروحتها لشهادة
الدكتوراه حول أفكار فلاديمير
جابوتنسكي، منظر اليمين
الإسرائيلي ، الذي يعتبره
بنيامين نتنياهو "أباه
السياسي"، والذي رفع الشعار
القائل "أيها الفتية اليهود،
تعلموا استخدام السلاح".
إيران.. الذبيحة
المرتقبة
لا يكل المحافظون
الجدد في البحث وبشكل دائم عن
مشاريع وأهداف خارجية جديدة
لآلة الحرب الأمريكية. خاصة وأن
الرغبة في إعادة تشكيل الشرق
الأوسط ، وليس فقط العراق،
لازالت في رؤوسهم.
فبعد فترة قصيرة من
غزو العراق، حذّر معاون وزير
الدفاع الأمريكي بول وولفويتز
من أن "هناك حاجة لإحداث
تغيير في سوريا". كما أن
أصدقاء إسرائيل يشيرون بإلحاح
إلى أن إيران هي العدو
"الحقيقي". ولم تتوقف الآلة
الإعلامية بعد عن ترديد مقولات
مثل : إيران تدعم المقاومين
العراقيين وسوريا تسمح
للجهاديين بالتسرب عبر حدودها
إلى العراق، وكل ذلك من أجل
تصوير دمشق وطهران على إنهما
متورطتان بقوة في عمليات
المقاومة ضد الاحتلال هناك.
وفي واشنطن الآن،
يكاد تلاميذ ليو شتراوس يفقدون
صبرهم بتعميم الفوضى إلى
السودان ولبنان وربما مصر. ففي
هذه المرحلة لم يعد أحد يتحدث عن
نشر الديمقراطية، إنما فقط عن
إعادة تشكيل الأقاليم وتأديب
المارقين.
تقول (ميراف وورمسر)
ــ مديرة مركز الدراسات الشرق
أوسطية في معهد "هادسون" ــ
: لم تكن حربنا في العراق إلا
جولة من حرب طويلة الأمد. من
الخطأ الظن أن أهدافنا تقف عند
العراق.. يجب أن نستمر وبسرعة
أكبر". وتعد وورمسر أحد أبرز
المروجين لأفكار المحافظين
الجدد، وأكثر المهتمين برص صفوف
هؤلاء ونفض غبار العراق عنهم
وإعادة إحياء برنامجهم السياسي
الخارجي.
ولازال (روبرت جوزف)
ــ وهو من دعاة الضربات
الاستباقية، بما فيها استخدام
الأسلحة النووية، ضد الدول
المعادية التي تسعى إلى حيازة
أسلحة الدمار الشامل ــ
يردد تصريحات زعماء إسرائيل
بأن "برنامج إيران النووي
يقترب من نقطة اللا عودة وبأن
حيازة إيران للسلاح النووي لا
يمكن قبوله". ويقول أيضاً :
"إن خصوم أمريكا الجدد (إيران)
يسعون إلى الحصول على أسلحة
دمار كافية لابتزازنا بحيث لا
نقدم العون إلى أصدقائنا
(إسرائيل؟) الذين سيصبحون ضحايا
العدوان".
ويقول أليكسيس
ديبات ــ مدير الأمن القومي
والإرهاب بمركز نيكسون ــ : إن
وزارة الدفاع الأمريكية
(البنتاجون) أعدت خططاً لشن
هجمات شاملة تستهدف 1200 موقع في
إيران بغرض استئصال القدرة
العسكرية الإيرانية في غضون
ثلاثة أيام. وفي اجتماع نظمته
مجلة "ذي ناشيونال إنترست"
ــ وهي مجلة محافظة تهتم
بالشؤون الخارجية ــ قال ديبات :
إن المخططين العسكريين
الأمريكيين أعدوا خططاً لشن
هجمات خاطفة ضد المواقع النووية
الإيرانية، وأضاف أنهم
"يتحدثون عن استهداف القدرة
العسكرية برمتها".
ونقلت صحيفة
"صنداي تايمز" 2 ــ 9 ــ 2007
عن مصدر في واشنطن لم تكشف عنه
قوله : إن "الحرارة آخذة في
الارتفاع داخل الإدارة
الأمريكية". ووفقا لمصدر مطلع
آخر قالت الصحيفة إن واشنطن
تعتقد أنه من الحكمة استخدام
قوة سريعة وشاملة للقيام بعمل
عسكري. ونبهت إلى أن إسرائيل
التي حذرت من أنها لن تسمح
لإيران بامتلاك الأسلحة
النووية، قامت باستعداداتها
الخاصة بها لشن ضربات جوية،
وقالت إنها على أهبة الاستعداد
للهجوم إذا ما تراجع
الأمريكيون.
واليوم بات هناك
جماعات منظمة تعمل بنشاط ، لخلق
قضية من أجل شن الحرب ضد سوريا
وإيران معا. فالمنظمات مثل
"فاونديش فور ديمقرسي ان
إيران" (مؤسسة من أجل
الديمقراطية في إيران)
و"مجموعة دراسة لبنان" هي
منظمات تتلقى تمويلها وكوادرها
بشكل رئيس من قبل المحافظين
الجدد وجماعات التأييد التي ترى
في خيار الحرب الطريقة الوحيدة
لإنهاء تهديدات "الأنظمة
المارقة".
كما أن الـ "إف دي
آي" التي يترأسها كينيث
تيميرمان والتي تضم عضو
المحافظين الجدد (جشوا
مورافيشك) و(بيتر رودمان) كأعضاء
مؤسسين، تنشر على موقعها عناوين
مثل "كيف يمكن إسقاط
الملالي" و"هناك خيار بديل
لوثيقة هاملتون ــ بيكر".
وجميعهم يتمتعون بعلاقات وطيدة
مع اللوبي الإسرائيلي، ورودمان
بالذات له صلة قوية مع الموساد.
ويشدد مرشح الرئاسة
الأمريكية الجمهوري المحافظ
كارل شوارتز، على أن
"المحافظين الجدد يسعون إلى
السيطرة الكاملة على إيران،
ضاربين بعرض الحائط معارضة
الرأي العام وبعض الدول النافذة
مثل روسيا". ويضيف شوارتز
"الإرهاب بات عذرا لتغيير ما
يرفض الناس تغييره.. لقد فشلت
السياسة الأمريكية تجاه إيران
والمنطقة نتيجة ارتباطها
بالمحافظين الجدد وإسرائيل".
ويعد مايكل ليدين
أحد أبرز الداعين إلى ضرب إيران
والأكثر بروزاً في مجال الكتابة
والتحليل لدى المحافظين الجدد،
بحيث أصبح في طليعة منظري فكر
هؤلاء ومنبعاً للأفكار
العسكرية التي نتجت عن
سياساتهم، ومن ضمنها دعوته
لتصدير "الثورة
الديمقراطية" والتي تتضمن في
جوهرها دعوة "التدمير
الخلاق".
وإلى جانب ليدين،
يبرز بين المحافظين الجدد
النافذين مستشار تشيني للشؤون
الأمنية جون هانا، الذي يعتبر
مسألة تغيير النظام في دمشق
شغله الشاغل، ومستشار تشيني
الآخر والمسئول السابق عن
الموظفين، ديفيد ادنجتون، الذي
يلقب بـ "الرجل الأكثر نفوذا
الذي لم تسمع عنه من قبل"،
والذي عرف بنظرية "الالتفاف
على الدستور".
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|