ــ
الإسلاميون
والتجربة الديمقراطية التركية
غسّان
النجّار**
أجد واجبا عليّ أن
أكتب عن التجربة الديمقراطية
التركية منذ بداياتها ،كيف لا
وقد عاصرت الصحوة الإسلامية في
تركيا وفساد الحكومات
العلمانية المتعاقبة وصراع
الأحزاب السياسية هناك منذ
منتصف الخمسينات من القرن
الماضي ، حيث كنت طالبا أدرس
الهندسة في جامعة استانبول
التقنية العريقة ، ثمّ قدّمت
رسالة الماجستير عام 1962 بإشراف
أستاذ المحركات البروفيسور نجم
الدين اربكان ، وذلك قبل أن
تسرّحه الحكومة العسكرية عام 1963
مع مجموعة من الأساتذة
الجامعيين بلغ عددهم مائة وسبع
وأربعون أستاذا جامعيا، ولقد
ذّكّرني هذا بتسريح أساتذة
جامعيين عندنا في جامعة حلب
منهم الدكتور المهندس نبيل سالم
والدكتور المهندس جلال الخانجي
والدكتور المهندس عبد الكريم
الحلبي وغيرهم عام 1980..،لقد
انشقّ عدنان مندريس وبعض رفاقه
عن حزب الشعب الجمهوري ؛ حزب
مصطفى كمال (أتاتورك) الّذي
استأثر بالسلطة بمفرده مايقارب
ثلاثين عاما حيث خلفه بعد موته
عام 1938 عصمت انينو ، وأسّس
مندريس ورفاقه ( الحزب
الديمقراطي ) وخاضوا الانتخابات
البرلمانية منحازين إلى خيارات
الشعب الثقافية والدينية ،
فحصدوا النتائج بأكثرية
برلمانية ؛ ومن هنا بدأت
التعددية النيابية ، ولقد وفى
مندريس بوعوده ؛ فأسس عشرات من
المدارس الثانوية الشرعية
والتي تسمى مدارس الأئمة
والخطباء (Imam hatip okulu) ، كما أنشأ المعهد
الإسلامي العالي ) Yuksek
Islam Instutusu ) ، وأعاد الأذان في المساجد
إلى نصّه باللغة العربية ، ورفع
الضغط عن الجمعيات الإسلامية
والدينية وخاصة (جماعة النور )
ومرشدها العالم الكردي
الإسلامي : الملاّ سعيد النورسي
، والّذي يعود له ولبعض
الجنرالات المتديّنين أمثال
فوزي جاقماق وكاظم قره باكير
يعود لهم الفضل في مناطق
الشرق خاصة إلى شن حرب العصابات
في مواجهة قوات الحلفاء
الأجنبية وطردهم
، لكنّ مصطفى كمال الّذي
لقّب نفسه أتاتورك أي ( أبو
الأتراك ) استطاع أن يحوّل
انتصار المجاهدين الأتراك
والأكراد إلى نصر لشخصه ، بعد أن
تظاهر بداية بالتديّن فقضى على
زملائه وزجّ بالشيخ سعيد
النورسي في السجن ، ثمّ قام
يفاوض الحلفاء بعد أن تمكّن من
السلطة ، وساهمت دول الحلفاء في
جعله رمزا إذ قامت جيوشها
بالانسحاب أمام مليشياته في
الغرب وفي مناطق أزمير تحديدا
بعد أن فرضوا شروطا سرية تتفق مع
أفكاره اللادينية ، وكان من أهم
الشروط المتفق عليها مقابل
انسحاب جيوش الحلفاء ما يلي :
1-إلغاء الخلافة
العثمانية وتمّ له ذلك عام 1924
2-قيام جمهورية
تركية على أساس علماني واستبعاد
الشريعة الإسلامية
3-القضاء على
الجماعات الإسلامية والزج بهم
في السجون بعد محاكمات صورية
4-إلغاء الأحرف
العربية من اللغة التركية
المكتوبة واستبدالها بالأحرف
اللاتينية
5-فرض نزع الحجاب
قسرا على النساء ، وقد حدّثتني
صاحبة المنزل الّتي أسكن عندها
أنّ الجاندرمة التركية ( الشرطة
العسكرية ) ،هجموا عليها في
الشارع في منطقة ( كاراكوي )
بمدينة استانبول ومزّقوا لها
حجابها وملاءتها ، وهذا يذكّرني
بمليشيات رفعت أسد وقوات سرايا
الدفاع الّتي
حاولت عام 1980 إثارة فتنة نزع
الحجاب بالقوة ففشلوا إزاء صمود
وشجاعة أخواتنا الدمشقيات ، وقد
استشهد البعض منهن ومرافقيهم ،
ثم خرج الرئيس حافظ الأسد بعد
ذلك يعتذر إلى الشعب.
6-إلغاء ارتداء
الطربوش العثماني واستبداله
بالقبعة الأوربية0 7-أجرى مصطفى
كمال اتّفاقا سرّيا مع حكومة
فرنسا التي كانت تحتل سورية ومن
ضمنها لواء اسكندرون ويتضمن
إجراء استفتاء صوري مزوّر يتم
على أثره تسليم اللواء إلى
الحكومة التركية عام 1938.
بعد النجاح الّذي
حققه الحزب الديمقراطي بزعامة
عدنان مندريس في إدارة دفّة
الحكم ،
والتحامه مع الشعب المتعطش إلى
تراثه وأمجاده ، طاش عقل العسكر
العلمانيين وافتعلوا مواجهات
في الشارع ،
فاستغلوا ذلك وقاموا بانقلابهم
العسكري على السلطة الشرعية
الديمقراطية
واعتقل رئيس الوزراء عدنان
مندريس وبعض أركان السلطة وتمت
محاكمتهم أمام محكمة عسكرية
وبموجب قرارها تمّ تنفيذ حكم
الإعدام بحق مندريس ووزير
خارجيته فؤاد كوبرولّو ، وقد
أدينوا بتهمة مخالفة الدستور ،
وكان من وثائق الإدانة ضده هو
تنصت المخابرات على خطوطه
الهاتفية !!ويعتقد أنّ الغرب كان
متواطئا في هذه الجريمة،
ومن هنا بدأت الصحوة
الإسلامية تنتشر في الجامعات
وبدأالصراع مع العلمانيين
المتزمتين في تركيا الذين يرون
في أتاتورك إلها
وأن قبر مصطفى كمال الكائن
في منطقة ( جنكايا ) في أنقرة
كعبة لهم حيث يقول شاعرهم : (
لتكن الكعبة للعرب وتكفينا
جنكايا ) .
كان التيار
الإسلامي في تركيا مستضعفا في
البداية فوقعوا تحت عسف واضطهاد
الطرف الآخر ، وأذكر أنّ هؤلاء
الغلاة العلمانيون قد أوثقوا
أحد طلبة جامعتنا من الإسلاميين
ورموه من الطابق الخامس للجامعة
فوقع صريعا على الأرض ، وفي عام
1962 قام العلمانيون الأتراك
بنشاط واسع لتشويه سمعة العرب
في الصحف التركية الموالية لهم (
حريّات – جمهوريات ) فنشروا
أنباء عن سرقة
الحجّاج الأتراك من قبل
عصابات عربية ، وكان أستاذي نجم
الدين أربكان قد عاد لتوّه من
أداء فريضة الحج وزرته في مكتبه
للسلام عليه واستشارته في أمور
رسالة الماجستير فوجدته وسط
مجموعة من الأساتذة وقف يردّ
بكل حرارة على أكاذيب الصحف
التركية ويصفها باليهودية
ويفنّد تلك المزاعم ويثني على
العرب وجهودهم الفائقة في خدمة
وفود الحجيج من كل أنحاء العالم
.
قام البروفسور نجم
الين أربكان بعد تسريحه من
الجامعة بتشكيل
حزبه الأول ( مللي كروش ) وشكّل
تحالفات مع قوميين يمينيين ثم
افترق عنهم وسرعان ما
انتشرت شعبية هذا الحزب ،
وتكررت الصدامات بين الأحزاب
اليمينية واليسارية العلمانية
مما اقتضى
تدخل الجيش بانقلابات عسكرية ،
وكانت كلما عادت الحياة
الدستورية والبرلمانية ثانية
ترتفع شعبية حزب أربكان وتزداد
مقاعده في البرلمان وقد غيّر
اسم حزبه من
(مللي كروش) إلى : ( مللي سلامات )
ثمّ ( حزب الرفاه ) إلى ( حزب
الفضيلة ) الحالي ، وفي
السبعينات من القرن الماضي أصبح
القوة الثانية في البرلمان
واضطر الحزب اليساري بزعامة
أجاويد للتحالف معه لتشكيل
الوزارة فتشكلت وزارة ائتلافية
شغل البروفسور أربكان منصب نائب
رئيس الوزراء وخلال هذه الحقبة
ارتفعت حدة الصدامات بين
القبارصة اليونانيين والقبارصة
الأتراك مما اضطرت الحكومة
التركية وبتأثير مباشر من
أربكان لنصرة الأتراك في قبرص
فاجتاحوا القسم الشمالي
للجزيرة وفرضوا قيام كيان مستقل
للأتراك تحت مسمّى ( جمهورية
شمالي قبرص التركية ) التي لم
تحظ باعتراف دولي ، في عام
1979 زرت أستاذي أربكان في
المقر الرئيسي للحزب في أنقرة
بعد أخذ موعد مسبق ، وكانت
الحراسات مشدّدة عليه من قبل
أتباعه بسبب عودة الصدامات
واستهداف الغلاة العلمانيون
لليمينيين والمحافظين من
الأحزاب التركية وتصفيتهم
بعملية اغتيالات واسعة
، وطاش عقل العسكر ثانية
فقام بانقلاب عسكري بزعامة
الجنرال كنعان ايفرن عام 1980
واعتقل زعماء الأحزاب ومن بينهم
البروفيسور نجم الدين أربكان
زعيم حزب (مللي سلامات ) وحكموا
عليه بالسجن وتجريده من العمل
السياسي ، وإزاء الضغط الأوربي
اضطر الجيش للعودة إلى الحياة
البرلمانية الدستورية
وعاد الحزب ثانية تحت مسمّى
( حزب الرفاه ) وتم إجراء استفتاء
للشعب لعودة زعماء الأحزاب
السياسية والسماح لهم بالعودة
للعمل السياسي ودخل حزب الرفاه
الانتخابات وحصل على عدد كبير
من المقاعد لكنّه لم يتمكن من
الحصول على الأغلبية النسبية ،
وقام بتشكيل حكومة بزعامته
وبالتحالف مع حزب تانسو جيلر ،
ضغط الجيش مرة
ثانية على الائتلاف الحاكم
بزعامة أربكان
واستعملت وسائل غير شريفة
في إغراء استقالة بعض النواب من
الأحزاب مما فقد التحالف
الأكثرية في مجلس الشعب
واستقالت الوزارة بعد مرور عام
على استلامها السلطة ، كان عبد
الله غول في هذه الأثناء نائبا
لرئيس الحزب ومستشارا شخصيا
للبروفيسور أربكان وكان
رجب طيّب أردوغان رئيسا
لبلدية استانبول فاكتسب شعبية
كبيرة بالقضاء على الفساد
المعشش في أكبر بلدية في تركية
وكانت شخصية اربكان الكاريزمية
هائلة ، ولذلك كان يطلق عليه من
قبل أتباعه لقب ( الخوجة ) أي
الأستاذ واستمر الجيش في تدبير
المكائد له ومرّت فترة هدوء
وإنعاش للتيار الإسلامي
باستلام تورغوت
اوزال اليميني
المعتدل منصب رئيس الجمهورية
الّذي أعطى فسحة ونشاطا للتيار
الإسلامي فزاد نفوذه في
المؤسسات والجامعات
وقد جرت محاولة لاغتيال
ترغوت اوزال من قبل المتعصبين
العلمانيين لكنّها فشلت .
استمرت الدسائس
والتحريض على حزب الرفاه من قبل
أتباع أتاتورك الغلاة
العلمانيين وصدر قرار من
المحكمة الدستورية العليا بحل
الحزب ومصادرة أمواله
وممتلكاته ، وتشكّل الحزب من
جديد برئاسة رجائي قوطان بسبب
عزل أربكان سياسيا وأطلق عليه (
حزب الفضيلة ) وهنا كان فريق من
الحزب بقيادة
رجب طيّب أردوغان وقد حكم عليه
بالسجن ستة أشهر- بالادّعاء على
بعض تصريحاته الّتي اعتبرت
مخالفة للعلمانية وتعاليم
أتاتورك - وكذلك صديقه عبد الله
غول – وهما من الصف القيادي
الأول - قد استوعبا تجربة الحزب
السابقة ومكائد الغرب والعسكر
فقررا مع مجموعة كبيرة الانفصال
عن الحزب للتخلص من الإرث
السابق و مع وجود بعض الخلافات
في وجهات النظر حول السياسة
الحزبية الداخلية فأنشأوا حزب
العدالة والتنمية ( AKP
) بنفس جديد وروح شابّة
وعملت سمعة أردوغان وعبدالله
غول العطرة ونظافة يدهما وكذلك
عدم تواجد اربكان على رأس حزب
الفضيلة على اكتساح حزب العدالة
والتنمية للانتخابات
البرلمانية بأغلبية مطلقة وذلك
في دورتي المجلس لعامي 2003 و2007 ،
بعد أن حقق الحزب نجاحا رائعا في
تقليص التضخم وزيادة معدل نمو
الاقتصاد القومي
والقضاء على الفساد
والمحسوبية وبذلك تغلغل
الإسلاميون في المجتمع التركي
وانتشروا انتشار النور في
الظلام واكتسبوا ثقة
المحافظين بل حتّى
المترددين من العلمانيين
المعتدلين .
ونظرا لأنّ الدستور
العلماني في تركيا يعاقب كل من
يخالف تعاليم أتاتورك فكان لابد
للحزب المحافظ الوليد من سلوك
الطريق الديمقراطي والاعتماد
على خيارات الشعب التدريجية في
إحداث التغيير المنشود مع تخفيف
الاحتكاك مع المؤسسة العسكرية
إلى الحد الأدنى
، وهكذا اجتاز عبد الله غول
حاجز رئاسة الجمهورية
على الرغم من زوجته المحجبة
وبعيدا عن التوتر والعصبية بعد
محاولة إقصاء شرسة من قبل
التيار اليساري والعلماني .
لقد ساعد على صمود
ونجاح حزب العدالة بزعامة
أردوغان سياسته الداخلية وخاصة
في ملف حقوق الإنسان والتطابق
مع معايير المجتمع الأوربي وان
كانوا هم يعتقدون أن هذا من صلب
عقيدتهم الّتي تربّوا عليها
وخاصة في ملف حقوق الأكراد
ولولا وجود حزب العمال
الكردستاني واستخدامه القوة
والعنف ووجود المؤسسة
العسكريّة التي تتربص به لكان
قد قطع شوطا أكبر مع مواطنيه
وإخوانه الأكراد في ملف حقوقهم
الثقافية على الأقل ومع ذلك فقد
نجح في جميع الولايات الكردية
في الانتخابات النيابية
الأخيرة مع بعض المستقلين
الأكراد .
إن سياسة حزب
أردوغان وضغوطاته للدخول في
عضوية الاتحاد الأوربي قد نجحت
في "فرملة " الجيش عن
القيام بأية مغامرة انقلابية
حتى الآن .
لقد استفاد حزب
اردوغان (العدالة والتنمية )
المنبثق من رحم حزب الفضيلة
من دروس وتجربة زعيمهم التاريخي
نجم الدين اربكان شيئا عظيما
وأبيّن فيما يلي الاتفاق
المشترك بين الحزبين
الإسلاميين وأوجه الافتراق
بينهما :
1- الانسجام مع طبيعة الشعب التركي
المحافظ واعتزازه بأمجاده
وتاريخه مع تفسيرهم للعلمانية
المقننة حسب رؤيتهم وفهمهم،
ومجاراة كلا الحزبين المحافظين
في احترام( الزعيم التاريخي)
للدولة التركية أتاتورك فان هذا
من البرتوكول السياسي.
2- إتباع الأساليب الديمقراطية مع خصومه
من الأحزاب العلمانية الأخرى ،
بل رأينا كيف سمح لتيار اليسار
الغاضب في احتجاجاته ومظاهراته
في معارضة ترشح عبدالله غول
لانتخابات رئاسة الجمهورية ولم
يردّ عليها وكان بإمكانه أن
يؤمن حشودا أكبر في الشارع من
قبل أتباعه لتأييد ترشح غول
لكنّه بإتباع الطريق
الديمقراطي والصبر والنفس
الطويل قد
حقق له في النتيجة
ما يريد
3- محاربة الفساد بكل أشكاله لكون أيديهم
نظيفة من منطلق عقيدتهم و
مبادئهم .
4- إعطاء الأولوية لنمو الاقتصاد التركي
والتركيز على عملية التصنيع
الّتي بدأ بها حزب أربكان عند
استلامه حقيبة وزارة الصناعة مع
حكومة أجاويد الائتلافية.
5- يختلف الطرفان في العلاقات الدولية
الخارجية ، ففي حين ركّز أربكان
على تمتين علاقاته مع الشرق
الإسلامي وتأسيسّ شراكة
اقتصادية من ثمانية دول إسلامية
هي الأكبر مثل اندونيسيا
وباكستان وماليزيا وإيران ومصر
ونيجيريا ، كما لم يخف صداقته مع
العقيد معمّر القذافي طمعا في
الحصول على أفضلية تعاقدية
للشركات التركية في ليبيا ،
بينما ركّز حزب أردوغان على
الاستجابة لمطالب الاتحاد
الأوربي طمعا في الحصول على
العضوية الّتي تفيد في تحسين
التبادل التجاري مع دول الاتحاد
وكذلك في
استقرار الحكم وتحييد الجيش
وإضعاف شوكته في التدخل في
السياسة الداخلية للدولة ، مع
عدم إهمال حزب أردوغان من فرص
تحسين علاقاته مع دول الجوار
ومثال ذلك مع سوريه ، وقد تحاشى
الحزبان المحافظان الإشارة إلى
الشريعة الإسلامية لأن القضاء
العلماني المنحاز لهم بالمرصاد
.
6- شخصية أربكان شخصية كاريزمية آسرة ولها
جذور صوفية حالمة وهذه الصفات
تقلل من فرص التعاطي الديمقراطي
داخل الحزب بينما يعتبر حزب
أردوغان ( العدالة والتنمية )
حزب مؤسساتي بمعنى أوضح .
7- يعوّل حزب أردوغان على عامل الزمن في فك
عقد بعض الأمور المعلّقة والّتي
تمسّ عادات المجتمع وقيمه
وعقيدته مثال ذلك معالجة مسألة
الحجاب فهو يحاول من خلال تعديل
الدستور عن طريق البرلمان
تخفيف آثار العلمانية على
المجتمع التركي المحافظ وبشكل
تدريجي وبأسلوب ديمقراطي .
8- حافظ حزب أردوغان على علاقات دولية
ممتازة دون أن يتنازل عن سيادته
في صنع القرار فنراه يرفض
السماح للجيش الأمريكي- من خلال
تصويت البرلمان- من استخدام
أراضي الجمهورية التركية كمعبر
لشن الهجوم على العراق ، كذلك
دعمه للقضية الفلسطينية وتراه
مرة يرفض استقبال رئيس الوزراء
الإسرائيلي أثناء مروره من
تركيا عائدا من روسيا ولولا
الوضع الدولي الإسرائيلي ودور
الجنرالات في الجيش التركي لكان
ربما خفّف العلاقات مع إسرائيل
إلى أدنى درجة أو زاد من ضغوطه
على إسرائيل للاستجابة لمطالب
الشعب الفلسطيني .
9- في آخر زيارة لي للبروفيسور نجم الدين
أربكان عام 1994
في مقر (حزب الرفاه ) عبّر لي
عن قناعاته من
أن الإسلام سينطلق من تركية
، وقد استغرب كيف أنّ النظام
السوري اعتقلني مدة اثني عشر
عاما على خلفية مطالب نقابية في
الحرية والديمقراطية مع
توصيفه لي أنني إنسان مسالم
وهادئ
لقد ثبت أخيرا أنّ
العلمانيين المتعصبين في دول
العالم الثالث هم الشموليون
والاقصائيون ، وأن المسافة
بينهم وبين الديمقراطية بون
شاسع ، ولقد جرّبنا ذلك مع حكّام
الدول العربية ، وهاهي تركية
تحاول فيها القوى العلمانية
عرقلة مسيرة الديمقراطية فهذا
زعيم حزب الشعب الجمهوري
العلماني دنيز
بايكال يحاول أن يغري الجيش
للانقضاض على الديمقراطية كي
يحول دون ترشيح عبد الله غول
للرئاسة لكنّه فشل فيما أراد ،
إن التيار الإسلامي في سورية
يرون في سلوك
حزب أردوغان وتجربته
الديمقراطية مثالا يحتذى به وان
كان ليس بالضرورة تطبيق
برنامجهم بحذافيره نظرا لأن
طبيعة الشعب السوري المتجذرة في
المحافظة وثقافته الإسلامية
المتأصلة تمكّنه من حرق المراحل
بطريقة ديمقراطية أسرع من دون
الاصطدام مع العلمانيين
المعتدلين فهؤلاء يقتربون جدا
من المسلمين المحافظين ذو
المرجعية الإسلامية ، ولابد أن
يلتقوا في منتصف الطريق ، بينما
يعتبرغلاة العلمانيين
نخب قليلة جدا وسمعتهم
محروقة .
إن الإسلام الوسطي المعتدل
أينما كان وحيثما حل تسري في
مبادئه حرية الرأي والرأي الآخر
وأسلوب التعامل مع الواقع
بطريقة عقلانية دون الاستعجال
في قطف الثمرة لأنّ منهجهم سلمي
وحضاري دون إفراط أو تفريط ودون
غلوّ أوتسيّب ، كما يسلكون منهج
العدالة مع المخالفين لهم بل
حتّى مع العدو لأنّ قرآنهم يقرر
في الآية الثامنة من سور ة
المائدة قوله سبحانه وتعالى:
" يا أيّها الّذين آمنوا
كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط
ولا يجرمنّكم شنآن* قوم على ألاّ
تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى"
ما أريد إلا
الإصلاح ما استطعت وما توفيقي
إلا بالله عليه توكلت واليه
أنيب.
*
يجرمنّكم :يحملنّكم
، الشنآن :العداوة والبغضاء
**نقابي
– إسلامي
Ghassan-najjar@maktoob.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|