هيك
(هكذا) أُمّـة بدها (يناسبها) هيك
نبي
الطاهر إبراهيم*
ما تواضع عليه الناس في مختلف
العصور، أن الشعوب تتآلف بينها
على التوافق والعيش المشترك،
وإن تنافرت مكوناتها بعض الشيء.
ولا تخرج عن إطار هاتين
الدائرتين إلا عندما تنهض النخب
الطامحة إلى مكاسب ضيقة فتستولي
على الحكم، يساندها ويروج لها
نخب مثقفة لا تبعد عن واقع النخب
الأولى، فتطاوعها الشعوب على ما
أرادت أو تقف في وجهها فيما لو
قيض لها مصلحون يقفون في وجه كل
ناعق.
وإذا كانت الأمم القديمة التي
تشكلت من أعراق صافية قد تقلبت
بين أطوار الهبوط وأطوار
الارتقاء، مثل أمم آسيا وأمم
أوروبا وبعض من أمم أفريقيا،
إلا أن أمريكا واستراليا لم تكن
على تلك السوية، لأنها تشكلت من
خليط من الأمم والأعراق. وتبعا
لذلك وجدنا في أمريكا مجتمعات
مختلفة وثقافات مختلفة، واختفت
كلمة "عيب" من قاموسها، فما
عاد يحكمها غير المصلحة،
ولأمريكا فقط، ولو كان ذلك على
حساب حياة شعوب بأكملها. وإذا
كان معظم رؤساء أمريكا قد
ساهموا، قليلا أو كثيرا، في
توطيد هذا النهج الثقافي فلأنهم
انبثقوا عن بيئة قبلت هذا
النهج، ولو كان على حساب سلامة
مجتمعات أخرى.
وجاء "جورج بوش" الابن ليضيف
شيئا جديدا ما سبقه إليه أحد،
عندما زعم أنه سيقف في وجه
الإرهاب الذي تشكله القاعدة
وأخواتها، ويشيع الديموقراطية
في البلدان التي يحكمها رؤساء
مستبدون حكموا شعوبهم بالحديد
والنار، فقتلوا وشردوا
واعتقلوا، فأمل البسطاء من تلك
الشعوب خيرا، ولم لا؟ وهم
ينامون على بؤس ويصحون على شر.
وماكان يخطر ببال أحدهم أنه –مع
بوش- سيترحم على "النباش
الأول".
وسواء أكانت أحداث سبتمبر هجوما
قام به عرب مسلمون (آخر تقليعة
لأنصار "المؤامرة" تقول:
إنه لم يكن هناك هجوم بالطائرات
على برجي التجارة، وما رآه
الناس صور فيديو رسمها كمبيوتر،
أما التفجير فكان بعبوات ناسفة
وضعت في القبو أسفل البرجين)، أو
أن الأحداث كانت من صنع "الموساد"
الإسرائيلي، فإن "بوش"
تفنن في استثمار تلك الأحداث،
إلى درجة زعم فيها بأن الله
اختاره ليدفع عن أمريكا شرور
الإرهابيين، وهو لا يبادر من
تلقاء نفسه، بل بوحي من الله،
لدرجة وصف فيها الناشط الأمريكي
المسلم "خليل جهشان" بوش
كأنه "نبي" يتحرك وفق
فاكسات تأتيه من السماء.
وترجم بوش هذه الأجندة "الإلهية"
إلى هجوم منسق على العالم
الإسلامي. فاحتل أفغانستان
واجتاح العراق. وظن البسطاء أن
تقويض طالبان وإطاحة الرئيس
العراقي الراحل "صدام
حسين" هو نهاية "خارطة
الطريق" التي رسمها "جورج
بوش"، وما دروا أنها "الحنجلة"
التي بدأ بها بوش "رقصته"
داخل أقطار العالم الإسلامي ولا
أحد يعرف متى ينهي رقصته.
وبدأنا نرى تطبيقا للديمقراطية
على الأرض العراقية مدهشا عجيبا.
فمن فوضى للنهب في بغداد حتى لم
تبق مؤسسة أو وزارة إلا وتحولت
إلى هياكل فارغة تصفر فيها
الرياح، إلى فضائح سجن أبو
غريب، إلى المجازر التي فتحت
أسواقها في طول العراق وعرضه
عاث فيها الجيش الأمريكي المحتل
فسادا وتقتيلا لم يوفر سنة ولا
شيعة. وما لم تستطيعه قوات "المارينز"
أُوكِلَ تنفيذه إلى شركات القتل
الأمريكية المرخصة الخاصة ( 160
ألف عنصر مسلح من جنسيات مختلفة
تحت قيادة أمريكية أهمها شركة BLACK
WATER التي ذاع وذاع صيتها لأنها تقتل
العراقيين بدون سبب).
وفي خضم سيل الدم المتدفق في
العراق، مرة من جنود المارينز
وثانية بشركات القتل الخاصة
وثالثة على يد الميليشيات
الطائفية التي تحالفت مع بوش
قبل احتلال العراق، وبعد أن يئس
الزعماء العرب من تغيير سياسة
الرئيس الأمريكي الخرقاء في
العراق، أملوا أن تأتي انتخابات
التجديد النصفي الأمريكية
بكونغرس ديمقراطي "يفرمل"
الرئيس وينزله من علياء سمائه
التي يوحى إليه فيها، ويعيده
إلى الأرض لعله يعود إلى صوابه.
غير أن النخب العربية والزعماء
العرب نسوا أن هذا الرئيس هو "منتج
أمريكي"، وأن أي منتج آخر
تأتي به الانتخابات، ديمقراطيا
أو جمهوريا، لن يختلف كثيرا عن
الرئيس. قد لا يكون الأعضاء
الجدد من الذين يتلقون
التعليمات بالفاكسات السماوية،
ولكن الأمة الأمريكية التي
انتخبت "بوش" هي من سيختار
الكونغرس الجديد الذي لن يختلف
أعضاؤه كثيرا عن الرئيس العتيد .
وعند مباشرة الأعضاء أعمالهم
ينسون الهوية الحزبية فلايختلف
ديمقراطي عن جمهوري إلا
بالتفاصيل.
ومع أن الأجندة الانتخابية التي
ترشح الديمقراطيون على أساسها
كانت تدعو إلى الانسحاب من
العراق، وبدلا من أن يوصي
الكونغرس الجديد بالانسحاب
الفوري، وهو الحل الذي لن يجدوا
غيره مهما طال بقاؤهم في
العراق، خرج علينا السناتور
الديمقراطي "بايدن" بمجلس
الشيوخ بمشروع تقسيم للعراق بل
تمزيقه إلى "فيدراليات"
على غرار ما تم في "يوغسلافيا"
السابقة وتم التصويت عليه
واعتمد بأكثرية ساحقة من
الجمهوريين والديمقراطيين،
وكأنهم يصوتون على تقسيم أسهم
شركة أمريكية. للتذكير فقط :
يوغسلافيا السابقة كانت دولا
مستقلة قبل الحرب العالمية
الثانية. بينما لم يكن العراق في
عهد إلا عراقا واحد منذ آلاف
السنين. هذا المشروع الذي أريد
به التخلص أمريكيا من مشاكل
العراق واعتمده الكونغرس -الديمقراطيون
قبل الجمهوريين- كان صفعة لكل من
أمل بأن يكون الديمقراطيون أفضل
من الجمهوريين.
العراقيون الذين كانوا لا يجدون
فرقا بين شهاب الدين وأخيه، وأن
الكونغرس الديمقراطي لا يختلف
كثيرا عن بوش الذي كانت تأتيه
الفاكسات السماوية في كل
المصائب التي نكب فيها العراق،
هزوا رؤوسهم قائلين: " ماكو
فائدة ". أما السوريون الذين
لا يجدون فرقا بين الكونغرس
وبين بوش، فعبروا بلهجتهم
السورية: "هيك
أمة بدها هيك نبي".
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|