الساكت
عن التعذيب شيطان أخرس
محمد علي العبد
الله*
على الرغم من أن الدستور السوري (الفقرة
3 من المادة 28) وقانون العقوبات
يجرمان ممارسة التعذيب، إضافة
إلى مصادقة سورية عام 2004 على
إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره
من ضروب المعاملة القاسية أو
اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984،
فإن سوريا تعتبر من الدول التي
يمارس فيها التعذيب بشكل منتظم
في مراكز التوقيف والاحتجاز،
جنباً إلى جنب مع اعتبار
التعذيب جزءاً من سياسة الأمر
الواقع ضمن الإجراءات العقابية
المختلفة.
لا يستوي الحديث عن التعذيب
عموماً دون التعريج على السجون
ومراكز الإعتقال السورية،
فالسلطات السورية تمتلك سجلاً
أسود في مجال إنتهاك حقوق
الإنسان عامة، وإشارات إستفهام
وأسئلة عديدة حول ممارسة
التعذيب خاصة، تتحمل السلطات
السورية وحدها المسؤولية عن
ارتباط اسمها بالتعذيب
وبانتهاكات حقوق الإنسان
لسببين هامين:
الأول: إستحالة مقاضاة مرتكبي
التعذيب وتكريس حمايتهم بنصوص
قانونية:
ان البحث المنظم في القوانين
الناظمة لعمل اي من الاجهزة
الامنية العاملة يقودنا إلى
ملاحظة عدم وجود اي نص قانوني
منشور، حيث ان كل ما يمكن
استخلاصه هو وجود رأي للجمعية
العمومية للقسم الاستشاري
للفتوى والتشريع بمجلس الدولة /
الرقم 654 العام 1997 يشير إلى
قانون ناظم لعمل ادارة
المخابرات العامة، بقي بحد ذاته
غير منشور.
لقد استفتى مجلس الدولة حول ما
اذا كان يجوز ملاحقة العاملين
في ادارة المخابرات العامة
اثناء قيامهم بالاعمال الموكلة
اليهم أو في معرض قيامهم بها.
وقد اعتمد مجلس الدولة في رأيه
الاستشاري على القوانين
الناظمة لعمل ادارة المخابرات
العامة التي كانت ابرزتها له
الادارة المذكورة. حيث جاء في
المادة 16 من المرسوم التشريعي
الرقم 14 بتاريخ 15/ 1 / 1969 (مرسوم
إحداث ادارة المخابرات العامة)
ما نصه: "يشكل في إدارة
المخابرات العامة مجلس لتأديب
العاملين فيها أو المنتدبين أو
المعارين اليها. ولا يجوز
ملاحقة أي من العاملين في
الادارة عن الجرائم التي
يرتكبونها اثناء تنفيذ المهمات
المحددة الموكلة اليهم أو في
معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر
ملاحقة يصدر عن مدير الادارة".
كما جاء في المادة الرابعة من
المرسوم الرقم 5409 العام 1969
الناظم لاعمال ادارة المخابرات
العامة ما نصه: "لا يجوز
ملاحقة اي من العاملين في ادارة
المخابرات العامة أو المنتدبين
أو المعارين اليها أو
المتعاقدين معها مباشرة امام
القضاء في الجرائم الناشئة عن
الوظيفة أو في معرض قيامه بها
قبل إحالته على مجلس التأديب في
الادارة واستصدار أمر ملاحقة من
قبل المدير ويبقى استصدار أمر
الملاحقة واجباً حتى بعد انتهاء
خدمته في الادارة".
وبناء على هذه النصوص أقرت
الجمعية العمومية للقسم
الاستشاري للفتوى والتشريع
الرأي الذي مفاده: "لا يجوز
ملاحقة العاملين في ادارة
المخابرات العامة أو المنتدبين
أو المعارين أو المفرزين اليها
أو المتعاقدين معها مباشرة عن
الجرائم التي يرتكبونها اثناء
تنفيذ المهمات المحددة الموكلة
اليهم أو في معرض قيامهم بها قبل
احالتهم على مجلس التأديب في
الادارة واستصدار أمر ملاحقة من
قبل السيد مدير ادارة المخابرات
العامة".
وعليه يتضح من القانون الناظم
لعمل ادارة المخابرات العامة
بأنه يتضمن نصوصاً تجعل ادارة
المخابرات العامة وافرادها
وملفاتها مشمولة بحصانة مبدئية
يمكن لمديرها ان يتنازل عنها،
مع التذكير بأن أمر ملاحقة واحد
لم يصدر عن أي من مدراء إدارة
المخابرات العامة منذ صدور
المرسوم عام 69 حتى اليوم.
الثاني: رفض السلطات السورية
السماح لمراقبين مستقلين
الولوج إلى سجونها ومراكز
التحقيق لديها:
تستمر السلطات السورية بسياستها
القديمة المتمثلة بالتعتيم على
الموضوع، وإغلاق الباب أمام
المراقبين المستقلين، ومنعهم
من زيارة مراكز الإعتقال
والسجون والتحدث مع المعتقلين
فيها (رفضت السلطات السورية
السماح لوفد منظمة العفو
الدولية الذي زار دمشق في شباط
2006 بزيارة سجن صيدنايا أو عدرا)،
الأمر الذي يعزز المخاوف من
ممارسة التعذيب فيها، إضافة الى
التقاعس عن التحقيق في الحالات
التي يتم كشفها.
ففي 11 أغسطس/آب 2004 اصدرت منظمة
العفو الدولية تقريراً تحت
عنوان "سوريا: يجب على
السلطات السورية التحقيق في
الوفيات أثناء الحجز ووضع حد
للتعذيب والمعاملة السيئة"،
حثت فيها السلطات على فتح تحقيق
ومقاضاة كل من تثبت مسؤوليته عن
التعذيب وإساءة المعاملة، وإلى
التعويض على أسر من توفوا نتيجة
للتعذيب وسوء المعاملة عن وفاة
شخصين سوريين كرديين (أحمد معمو
كينجو، أحمد حسين حسن) خلال
أسبوع واحد، إثر تعرضهما،
كليهما، للتعذيب وسوء المعاملة
على أيدي قوات الأمن.
وفي سنة 2004 وحدها، تلقت منظمة
العفو الدولية معلومات عن وفاة
ثمانية سوريين في الحجز، كان
بينهم خمسة من الأكراد السوريين.
ولم يعرف عن فتح تحقيق في أي من
هذه الوفيات.
وفي 19/11/2005 أصدرت جمعية حقوق
الإنسان في سوريا بياناً أعلنت
فيه عن تعرض الشاب سراج الدين
الخلبوص لتعذيب جسدي أدى
لإصابته بالعجز، حيث نتج عن
تعذيبه أعراض عصبية نتيجة أذى
لحق برأسه خلال التحقيق، وإصابه
بالتهاب رئوي إضافة إلى خثرات
دموية في الأطراف السفلية نتج
عنها عجز خلبوص عن الوقوف على
قدميه.
وفي 21 مارس/آذار 2007 جددت منظمة
العفو الدولية مطالبتها سوريا
بفتح تحقيق جديد ومحايد في
حادثة إختطاف وقتل الشيخ محمد
معشوق الخزنوي الذي اختفى في
دمشق في 10 مايو/أيار 2005، وأُعيدت
جثته إلى أسرته في القامشلي بعد
مرور 20 يوماً على اختفائه، و دعت
المنظمة الحكومة السورية إلى
التحقيق في التورط المزعوم
لموظفين أمنيين رسميين في حادثة
"الاختفاء" القسري للخزنوي
وذلك في ضوء المعلومات التي
تشير إلى ضلوع موظفي الدولة في
الحادثة.
وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2007
أصدرت منظمة العفو الدولية
ايضاً 24/7/2007 بياناً طالبت فيها
السلطات السورية باجراء تحقيق
مستقل وصحيح حول مزاعم سبعة
شبان متعلقة بانتزاع
الاعترافات منهم تحت التعذيب (مجموعة
الطلاب المعتقلين) .
فبالعودة الى البيانات السابقة
الصادرة عن منظمة العفو الدولية
لم يصدر عن السلطات السورية أي
تعليق أو نفي أو توضيح أو أمر
بإجراء تحقيق أو دعوة لأي منظمة
لزيارة السجون وإجراء تحقيقات
مستقلة فيها، الأمر الذي ربط
التعذيب باسم السلطات السورية
وبسجونها في أغلب الدراسات
المتعلقة بالموضوع.
فحتى في موضوع المعتقل الكندي من
أصل سوري ماهر عرار الذي احتجز
في سورية قرابة العام،
والمعلومات التي انكشفت عن
تعرضه لتعذيب شديد (اعترف عرار
تحت التعذيب بتلقيه تدريبات في
أفغانستان بالرغم من أنه لم
يزرها في حياته)، والدعوى
القضائية التي رفعها عرار ضد
المخابرات الامريكية والمباحث
الكندية والتعويض الذي حكم له
القضاء الكندي به، لم تتلفظ
السلطات السورية ببنت شفة عن
الحادثة، وتعاملت معها كأنها لم
تكن، فلا هي اعتذرت من عرار أو
حاولت التعويض عليه، ولا حتى
حاولت أن تلقي اللوم على خطأ
المخابرات الأميركية.
ويذكر أن منظمة العفو الدولية
قامت بتوثيق 38 نوعاً مختلفاً من
التعذيب والمعاملة السيئة ذُكر
أنها تستخدم ضد المعتقلين في
السجون ومراكز الاعتقال في
سوريا. ويعتقد أن معظم أشكال
التعذيب وإساءة المعاملة ما
زالت تستخدم، وفي حقيقة الأمر،
ثمة أساليب جديدة قد أصبحت قيد
الاستعمال وفقاً للمنظمة.
إن استمرار السلطات السورية
بالتكتم على موضوع التعذيب،
ورفض التعاطي مع المنظمات
الدولية المختصة، ورفضها تحمل
مسؤولياتها بالتحقيق في
الحوادث التي تكشف، وإستمرار
نفاذ القوانين التي تحمي عناصر
المخابرات من الملاحقة
القضائية، كفيل بأن يبقي إسم
سوريا مدرجاً على لائحة الدول
التي يمارس فيها التعذيب، وكفيل
بالحؤول بين المواطنين وبين
حقوقهم فيما لو رغبوا مقاضاة من
عذبهم، الأمر الذي لا يترك
أمامهم ـ في ظل غياب مجموعات
العمل الحقوقية خاصة على الساحة
السورية ـ سوى الرضوخ للأمر
الواقع والسكوت.
المصادر:
منظمة
العفو الدولية، المكتبة.
"مسؤولية
الأجهزة الأمنية عن أخطائها في
سوريا في إطار القانون السوري"،
بقلم: د.عبد الحي السيد.
*كاتب
وناشط حقوقي سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|