العراق
إلى أين ...؟!
د.نصر
حسن
لقد أحدثت توصية مجلس الشيوخ
الأمريكي حول تقسيم العراق إلى
ثلاث أجزاء )شيعية وسنية وكردية) ردود
أفعال عراقية وعربية ودولية
كبيرة تعكس حالة الإرباك
والإرتباك السياسي حول العراق ,
حالة إرتباك مصدرها عدم قراءة
المشهد العراقي بشكل سليم على
أرضية الخروج من المستنقع
الدامي الذي وصل له العراق , إذ
لابد من مقاربة الحلول الحقيقية
لما يجري على الأرض من حالة تمزق
وطني واجتماعي وسياسي ليس له
وصف سوى أنه حرب أهلية مذهبية
خطيرة تعصف بالعراق وستنتشر
نيرانها لتحرق المنطقة كلها في
دوامة من الصراعات المذهبية, والقرار رغم أنه يسترسل في
فوائد الحل الفيدرالي وأنه ليس
لتقسيم العراق بقدر ماسيحافظ
عليه , رغم ذلك يبقى مقاربة
نظرية خارجية ورغم تناغمها مع
الدستور الذي هو نفسه موضع أخذ
ورد بين العراقيين أنفسهم , لأن
ترجمته الواقعية هو تسكين الوضع
العراقي النازف لمرحلة
انتقالية أصبحت محدداتها واضحة
وهي االحرب الأهلية التي ستفرض
التقسيم في نهاية المطاف .
إن تحديد شكل النظام السياسي
في العراق هو من شأن العراقيين
وحدهم بما هو اختيار حر يضمن
وحدة العراق ومصالح شعبه وإرادة
مكوناته دون إقصاء ودون تسلط
ضعف اللحظة الراهنة التي يعيشها
العراق سياسياً وأهلياً
وبعيداً عن الإستقطابات
المذهبية والطائفية التي تفتك
بالعراقيين جميعاً, واستناداً
إلى أن العراقيين وحدهم يدفعون
ضريبة الفوضى السياسية موتاً
ودماراً وتشريداً
وعذاباً إنسانياً هو الأسوأ
في تاريخ العراق والمنطقة
والعالم لتداخل قوى إقليمية
ودولية سلباً في شؤونه الداخلية
, يبقى مستقبل العراق مرهون
بقدرة أطرافه الداخلية غير
المذهبية والطائفية على العمل
إلى تجديد العقد الوطني للعيش
المشترك على أرضية حقوق كل
الأطراف واعترافهم ببعضهم
والإصرار على إنتاج نظام سياسي
يحل نكبات العراق الراهنة ويحفظ
مستقبل العراقيين على أسس وطنية
وسياسية وحقوقية واضحة غير
مفروضة بالقوة أو الإكراه
أوالإقصاء أوالتمثيل الشكلي
لهذا المكون أوذاك من الشعب
العراقي.
لكن الخطورة هي في تقنين
استباقي لمايجري على الأرض
وصياغته سياسياً بشكل يؤدي إلى
استمرار الصراعات المذهبية
والطائفية التي تطال الشعب
العراقي أفقياً وشاقولياً
وتفتته تعكسها عملية ترحيل
وتطهير مذهبي بالجملة ليس لها
تفسير سوى محاولة رسم خريطة غير
وطنية للشعب العراقي ,والتقسيم
يصبح مجرد تحصيل حاصل, إذ أن
مقاربة التوصية وكما نصت حرفياً
على إقامة الفيدرالية على أساس :
شيعي – سني – كردي , وهو
قانونياً ولغوياً وعملياً على
الأرض يعني تقسيمه إلى أجزاء
على أساس مذهبي وطائفي وليس على
أساس سياسي .
لاأحد يريد سوى خلاص الشعب
العراقي من محنته وعودة العراق
حاضنة وطنية لكل العراقيين ,هنا
لابد من المواقف الموضوعية
للأطراف التي تتصارع داخل
العراق بأن تلتزم القانون
الدولي باحترام وحدة العراق
والكف عن العبث في شؤون
الداخلية ومستقبله , وعلى كل
الأطراف الحريصة على وحدة
العراق وخاصة من دول الجوار أن
تعمل أكثر وأن تكون واضحة أكثر
في مساعدة العراقيين على إطفاء
نار الفتنة التي تدفع العراق
نحو الهاوية وأن تعمل على
تخليصه من صراعات المصالح
والستراتيجيات الإقليمية
والدولية , عليها أكثر من واجب
النقد بأن تقوم بدورها في
الوصول إلى حل يرضاه العراقيون
جميعاً ,
حلاً لايكون تسوية للوضع الشاذ
الراهن بين أطراف محددة من
الشعب العراقي وبتقديم اعتراف
خطير حول صورة العراق الراهنة
وترك مستقبل العراق بيد قوى
احترفت التفتيت وامتهنت قتل
العراقيين وأدمنت على إحداث
الفوضى الشاملة في المنطقة .
وعليه لابد من مساعدة
العراقيين على الحوار على أساس
إنتاج مشروع وطني يجمع
العراقيين حول المشترك الكبير
بينهم المتمثل في وحدة العراق
واحترام العيش المشترك
والتاريخ والحضارة الواحدة,
والقلق وحده على مصير العراق
لايحل المشكلة بل يجب دفع
الأمور نحو المعالجة الجريئة
الصادقة وإخراج العراق من متاهة
المحاصصة إلى دائرة الوحدة
والإعتراف المتبادل بالحقوق
المشروعة , وكل كلام عن وحدة
عراق مقسم الآن ومتصارع ومفتت
بين أمراء المذاهب والطوائف
والأعراق واستئثار ثروته من قبل
أطراف معينة ,هو بالضد من مصلحة
العراقيين جميعاً وهو كلام
لامعنى له سوى المشاركة في
تحريك رحى الموت التي تطحن
العراقيين , وحده الكلام لايكفي
بل يجب أن يكون مشفوعاً بعمل
ميداني للصحوة ووقف هذا الشحن
والإقتتال المذهبي والطائفي
والعرقي بما هو مقدمة لنقل
العراق إلى مستوى جديد تكون فيه
حسابات كل الأطراف مبنية على
صياغة مشروع وطني أساسه العدل
والقانون والإعتراف المتبادل
بالحقوق والحرص عليها وبالشكل
الذي يطمئن له العراقيون
ويوحدهم ويلبي حلمهم بوحدة
وطنهم .
على العراقيين أن يفصحوا في
خراب وطنهم وتمزق حاضرهم عن
الحقيقة التاريخية وهي أنهم
أبناء وطن وتاريخ وحضارة , أي
بالرجوع إلى حقيقتهم الوطنية
وشكل النظام السياسي هو خيارهم
وحدهم وأن سمعة الفيدرالية
الحالية المطروحة على أشلاء
العراق هي على خلاف بين
العراقيين أنفسهم مع تغول
الشعور المذهبي والطائفي
والعرقي على حياتهم جميعاً بسبب
عاملين اثنين : الأول هو التدخل
الخارجي وبالتحديد الإيراني
السوري بماهو المحرك الأساسي
التمزيقي في نسيج العراق ,
والثاني هو سيطرة نهج المحاصصة
وغياب النهج الوطني السياسي
المستقل وضمن حالة خطيرة من
فوضى السلاح , يجب على جميع
الأطراف التوقف عن غرز السكين
في نسيح العراق والتعقل والرجوع
إلى حقيقة العيش المشترك وإنتاج
النظام
السياسي الذي يختارونه بحرية ,وقد
تكون الفيدرالية شكلاً منه أو
غيرها, وحدهم العراقيون يملكون
الحق في تقرير شكل وطنهم
ودولتهم وعلاقاتهم مع بعضهم
لأنهم هم وحدهم يدفعون الثمن
المزدوج الداخلي والخارجي
لصراع مصالح الآخرين على أرضهم .
يبقى خيار العراقيين هو وحده
الحل الذي يطفو مابين نظام
مركزي ومابين التقسيم ومابين
فيدرالية المذاهب والطوائف
ومابين فيدرالية النفظ
والمصالح الضيقة, بين هذا
الخليط يوجد
خيار العراقيين اللذين دفعوا
بحاراً من الدماء وملايين من
الشهداء والمعوقين والمشردين ,
يبقى خيار الحل الديموقراطي
الحقيقي المتناقض مع الأطر
المذهبية والطائفية ومع كنه
العملية الديموقراطية التي هي حق
المواطنة وحق الإختيار وحق
الحياة الذي أصبح مفقوداً في
العراق الجديد , مابين هذا وذاك
يجب تحديد الموقف الصريح بأن
حجم المخاوف التي رافقت عملية
طرح مجلس الشيوخ الأمريكي
توصيته حول مستقبل العراق هي
مخاوف حقيقية لأنها اعتراف رسمي
بتفتيت العراق, والمعادلة ( شيعي
– سني – كردي ) هي خلط مذهبي مع
طرف وطني أي صياغة مذهبية
وطائفية مع مكون قومي هو
الأكراد , هنا الخوف من الضعف
السياسي والقانوني في صياغة
الحل بين الأطراف , وهنا أيضاً
لابد من قول الحقيقة وهي أن
الأكراد عانوا من الظلم الطويل
والمركب ولهم حقوق مشروعة وهم
جزء من نسيج العراق الوطني
والثقافي والتاريخي , ولهم الحق
في المطالبة بحقوقهم وبالشكل
الذي يحترم وجودهم وانتمائهم
ويعمق الروابط بينهم وبين أبناء
العراق الآخرين وتجاوزصفحات
الظلم علىطريق بناء
الدولةالديموقراطية التي تحفظ
حق الجميع...... إنها تجربة مريرة
يخوضها العراقيون بعربهم
وكردهم وكافة شرائحهم باتجاه
خلاصهم وبناء مستقبلهم على أسس
واضحة تقطع نهائياً مع عودة
الظلم ....إنه الصراع بين الحل
الديموقراطي الذي هو في مصلحة
الجميع ,وبين فيدرالية الطوائف
والمذاهب والخمس والنفط الذي
أصبح امتلاكه يشكل " وطناً
" جديداً في حياة بعض
العراقيين , وحده العراق الواحد
هو المظلة الوطنية التي تحمي
العراقيين جميعاً في
وضع
إقليمي مهزوز لم تتضح صورة
تركيبه الجغرافية والسياسية
بعد, وفي عالم اليوم لايكفي أن
يكون أي طرف صاحب حق تاريخي حتى
يناله , ولكن طريقة المطالبة به
والحصول عليه وانعكاسها على
الأطراف الداخلية هي التي تحدد
الحق واحترامه وصيانته على
المدى البعيد, وحدها
الديموقراطية والنظام السياسي
التي تفرزه هو الذي ينقذ
العراقيين .
-------------------------
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|