هذا
هو الحل يا عقلاء الشعب
الفلسطيني
أ.د.
محمد اسحق الريفي
لقد
سئمنا البكاء والنحيب، ولم يعد
يجدينا نفعاً أن نحوم حول
الأزمة الراهنة دون وضع اليد
على الجرح والتشخيص الواعي
والمسؤول للأسباب والدوافع
والنتائج، ودون تحديد مسؤولية
الأطراف في هذه الأزمة. والحل
يبدأ بوضع خريطة طريق فلسطينية
للإصلاح الحقيقي الشامل الذي
يؤدي إلى شراكة سياسية حقيقية
وفاعلة.
لا
شك أن الشعب الفلسطيني يتوق إلى
الخلاص من الأزمة الراهنة ويسعى
إلى وضع حد للنزاعات الداخلية
وتبعاتها الثقيلة، وقد عبر
الشعب عن ذلك بعد بضع دقائق من
توقيع اتفاق مكة المكرمة بين
حركتي حماس وفتح، حيث انطلقت
الجماهير بشكل عفوي في شوارع
غزة، مطلقين عشرات آلاف
الرصاصات في الهواء، تعبيراً عن
الابتهاج بهذا الصلح.
ولكن
لم تدم هذه الفرحة طويلاً،
فسرعان ما بددت جرائم القتل
التي قامت بها عصابات الإجرام
المنتمية لفتح هذا الحلم
الفلسطيني، محاولة السيطرة على
الشارع الفلسطيني، عبر أقامة
الحواجز العسكرية على مفترقات
الطرق الرئيسة، واعتلاء أسطح
الأبراج والعسكرة في شققها
العلوية، استجابة لخطة أمريكية
صهيونية معلنة لإسقاط الحكومة
العاشرة التي كانت تتولاها حركة
حماس، التي تبنت برنامجاً
للإصلاح والتغيير.
والإصلاح
مطلب شعبي عبر عنه الشعب بطرق
كثيرة، من أهمها الانتخابات
التي أدت إلى فوز حركة حماس.
ولكن، مع الأسف الشديد،
قاومت فتح عملية الإصلاح بقوة،
وعرقلتها بكل السبل، تحقيقاً
لمصالح حزبية دنيئة، وتساوقاً
مع الاحتلال والأمريكان، الذين
يعلمون أن الإصلاح هو الخطوة
الأولى للخلاص من الاحتلال
وإعادة الحقوق التي سلبها من
شعبنا. ولهذا
فلا مفر للشعب الفلسطيني من
الإصلاح الشامل والكامل، ليحقق
طموحاته وينال حق تقرير المصير.
والإصلاح
يبدأ من رأس النظام السياسي
الفلسطيني، وهو منظمة التحرير
الفلسطينية، التي يعترف العالم
بها ممثلاً شرعياً ووحيداً
للشعب الفلسطيني وبلا منازع. ويُفترض
أن تكون منظمة التحرير إطار عمل
للقضية الفلسطينية، يجمع القوى
السياسية الفلسطينية كافة،
ويحقق لها المشاركة السياسية
الفاعلة، وأن تكون هذه المنظمة
حاضنة للمشروع الفلسطيني
التحرري، الذي يقوم على برنامج
سياسي جهادي اجتماعي تتبناه
القوى السياسية كافة، والذي
ينعكس على أجنداتها.
ولكن
هذه المنظمة شاخت وفسدت، ودمرت
القضية الفلسطينية يوم أن خضعت
لإملاءات الأوروبيين الغربيين
والأمريكيين، وتحولت إلى مرتع
للمفسدين والانتهازيين وجماعات
المال السياسي.
كما أنها أصبحت أداة بيد
محمود عباس للإفساد السياسي
والاجتماعي، ولتكريس الانقسام
والتمزق، ولتهميش الشعب وإلغاء
وجوده، من خلال الالتفاف على
خياره، والانقلاب على الشرعية
الفلسطينية المتمثلة في
الحكومة الشرعية والمجلس
التشريعي.
ثم
يلي ذلك إصلاح السلطة الوطنية
الفلسطينية، التي انبثقت عن
منظمة التحرير بعد توقيعها
اتفاقية أوسلو مع الاحتلال
الصهيوني، باشتراطات ومحددات
دولية مذلة ومهينة للشعب
الفلسطيني، وبثمن باهظ قدمته
المنظمة – على حساب حقوق الشعب
– لنيل اعتراف المجتمع الدولي
بها، وهو التنازل عن الأراضي
المحتلة منذ عام 1948م، ومنح كيان
الاحتلال شرعية فلسطينية، وشطب
حق الشعب في مقاومة الاحتلال.
هذه
السلطة مقيدة باتفاقيات مذلة
ومهينة للشعب الفلسطيني،
وتعتمد اعتماداً كلياً على
أموال المجتمع الدولي، الذي
جعلها القناة الوحيدة لإيصال
أمواله لعشرات الآلاف من موظفي
السلطة والحكومة، خاصة أولئك
الذين يعملون في الأجهزة
الأمنية، التي تقتصر وظيفتها
على التنسيق الأمني مع الاحتلال
وقمع الشعب الفلسطيني.
لذلك فإن هذه السلطة فاسدة
ولا تملك من أمرها شيئاً سوى
الانصياع لكل ما يمليه عليها
الاحتلال والأمريكان.
فالسلطة
تضطلع بالتزامات أمنية تجاه
الاحتلال، بل هي إدارة للاحتلال
تعمل على استمراره وتكريسه،
وتعفي الجندي الصهيوني من
الاحتكاك المباشر بالشعب
الفلسطيني، بل لقد اندمجت هذه
السلطة كلياً في المخططات
الأمريكية والصهيونية
والغربية، ويديرها الآن فريق من
السماسرة الذين لا يهمهم من
القضية الفلسطينية غير مصالحهم
الشخصية.
والشعب
الفلسطيني لا يمكن أن يغير
المسار الذي تسلكه هذه السلطة –
في ظل الوضع الراهن لمنظمة
التحرير الفلسطينية – إلا إذا
استغنى عن الأموال التي تقدمها
له، وهذه معضلة كبرى حولت
القضية الفلسطينية إلى قضية
رواتب وأموال وتبرعات ومنح
دولية.
إذاً،
يكمن جوهر المشكلة في الدعم
الدولي والعربي للسلطة
واعتمادها سلطة شرعية يجب أن
تخضع لها رقابنا، فالسلطة
الوطنية الفلسطينية – التي ليس
لها من اسمها أي نصيب – ومنظمة
التحرير الفلسطينية – من وجهة
نظر المجتمع الدولي والنظام
الرسمي العربي وبعض التنظيمات
الفلسطينية الانتهازية – هي
السلطة الشرعية التي لا تتبدل
ولا تتغير.
ولكن
هل يوجد شيء في العالم اسمه سلطة
دائمة إلى الأبد؟ هل بإمكان
الشعب الفلسطيني وقواه
السياسية أن يتخلص من هذا الرق
والاستعباد ويغير طبيعة النظام
السياسي الفلسطيني، الذي تم
فرضه بالقوة على الشعب
الفلسطيني؟!
لا
شك أنه يوجد حل لهذه المشكلة
العضال، وهو إيجاد بديل فلسطيني
لهذه السلطة بعيدا عن الإرادة
الدولية، وبعيدا عن الأنظمة
السياسية العربية، التي أوجدت
منظمة التحرير لتضمن عدم خروج
الشعب الفلسطيني من تحت عباءة
النظام الرسمي العربي الحامي
للكيان الصهيوني والمدافع عنه
والحريص على استمراره.
والبديل
هو التقاء القوى السياسية
الفلسطينية – الحرة والشريفة –
لتأسيس نظام سياسي جديد بديل عن
منظمة التحرير الفلسطينية
ومؤسساتها ولجانها وسلطة أوسلو
التي أفرزتها والمجلس الوطني
الفلسطيني الذي بات في عداد
الموتى.
ويتم
تحديد طبيعة مشاركة القوى
السياسية والعلاقة بينها – في
هذا البديل – من خلال انتخابات
حرة ونزيهة، حيث يختار الشعب
الفلسطيني ممثليه في المجلس
الوطني الفلسطيني الجديد على
أساس البرنامج السياسي للقوى
السياسية المشاركة ومعايير
أخرى متفق عليها، مع ضمان شراكة
سياسية حقيقية فاعلة تؤدي إلى
إصلاح شامل.
وهناك
مصاعب كثيرة تواجه هذا الحل،
وعلى رأسها اعتماد بعض الفصائل
الفلسطينية على سلطة أوسلو
وتمسكها بمنظمة التحرير
الفلسطينية ممثلاً شرعياً
ووحيداً للشعب الفلسطيني، دون
أي محاولة لإصلاحها أو تغييرها.
وكذلك اعتماد الشعب
الفلسطيني على الأموال المسيسة
التي يقدمها المجتمع الدولي
للشعب الفلسطيني، وصعوبة إيجاد
بديل في ظل الحصار الاقتصادي
المفروض علينا بأدوات عربية
رسمية، خاصة في ظل الصمت الشعبي
العربي والإسلامي.
ورغم
هذه الصعوبات الكبيرة، لا مفر
للشعب الفلسطيني وقواه
السياسية من هذا الحل. وعلى
الأقل يجب على هذه القوى
السياسية التفكير جدياً في حل
يضع حداً لعبث محمود عباس
وفريقه بالقضية الفلسطينية
وتعريض مصير الشعب الفلسطيني
للخطر، خاصة في ظل الاستنزاف
الكبير الذي يعاني منه الشعب
الفلسطيني، والذي ينذر بتصاعد
النزاع الداخلي إلى حد غير
مسبوق.
يجب
الإعلان شعبياً ورسمياً عن وفاة
منظمة التحرير الفلسطينية
ودعوة الجميع لحضور مراسم
تشييعها ودفنها.
ويجب إعلان البراءة الشعبية
الكاملة من كل الشخصيات التي
تورطت في الخيانة العظمى
المتمثلة في التنسيق الأمني مع
قادة الاحتلال والجلوس معهم –
الذين لا تزال أيديهم ملطخة
بدماء شعبنا ولا يزالون يسومونه
سوء العذاب ويجوعونه وينكلون به
– وكل الجهات التي تشارك في
حصار الشعب، وتعمل على خنق غزة
وفصلها عن الضفة، وتحارب
المقاومة.
كما
يجب الإعلان عن ولادة إطار
فلسطيني جديد على أسس ومعايير
جديدة تتجاوز أخطاء الماضي
وتتخلص من التبعية للدول
الأجنبية والاعتماد عليها...
وبعدها يمكن الاحتفال بإنهاء
فصل خيانة بدأ قبل نحو 15 سنة.
-------------------------
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|