لبنان
وأسطورة ظهور
الرئيس المنتظر...!.
د.نصر
حسن
مضت سنوات على الأزمة
السياسية العاصفة بلبنان , ومع
وصولها الآن إلى مشارف استحقاقاتها القانونية,لازالت أطرافها
حائرة تلف وتدور في مدارالأزمة
ولم تستطع الخروج منه , وتاريخ
لبنان الذي عود اللبنانيين على
أن يفرز في لحظات عصيبة كهذه
الرئيس العتيد في آخر لحظة , لكن
هذه اللحظة يبدو أنها غائبة
اليوم ,بحكم مسببات الأزمة
ومسارها ونتائجها على الساحة
اللبنانية , ودرجة الإستقطاب
الحاد بين اللبنانيين بفريقين
واضحين , وفريق آخر ثالث غامض
منتظر في الظل على غير مضض
ولايعيرأهمية لزمن لبنان
الحالي , ومع هذه العطالة
السياسية وعقمها ,يبدو أنه هذا
الآخر هو الذي يمثل بيضة القبان
في المعادلة السياسية
والدستورية في لبنان اليوم , إذ
رغم كل المشاورات والإتصالات
والوشوشات بين وسطاء الأطراف
المختلفة , ورغم أن الزمن هو
الآخر أصبح طرفاً في الضغط على
كل الأطراف اللبنانية , رغم ذلك
لازالت الأزمة تراوح مكانها
برسم الإنتظار المجهول ,
ولازالت سحب الدخان الأسود تلبد
سماء بكركي ومعه لبنان كله , إذ
مع معرفة كافة الأطراف لماتبقى
من زمن الإستحقاق , توحي الصورة
السياسية بأنهم عاجزين عن
الوصول إلى حل , حل بين محطتين
فقط في زمن لبنان اليوم هما 23
تشرين أول الحالي, و24 تشرين
الثاني القادم ,وبينهما لبنان
يتأرجح بين الوقوف على رجلين
لرئيس شرعي جديد ,أو التشقلب إلى
المجهول في أعاصير الصراعات
الإقليمية , فهل هناك من مخرج ما
ينقذ لبنان ؟
وماهي احتمالاته؟ وبكل
الأحوال ماهو مستقبل لبنان ؟!.
تقول الوقائع الماضية من
تاريخ لبنان بهذا الصدد ,بأن
معادلة اشتقاق الرئيس في لبنان
هي خليط من الديموقراطية
المحلية التوافقية مع إشارة
خضراء عربية دولية , هذا في
الماضي عندما كان لبنان يعيش
حالة استقرار أهلي , ينتج عنها
وفاق سياسي ينتج بدوره الرئيس
والمؤسسات الدستورية , وخلال
وصاية النظام السوري لم تشذ
القاعدة سوى بتأثير أكبر للنظام
السوري في تحديد الرئيس , لكن
الخطير في الوضع الحالي هو دور
النظام السوري الإيراني الجديد
في خربطة استقرار المعادلة
الأهلية الداخلية في لبنان ,وهو
تعدى شكله السياسي ليأخذ بعده
الأهلي بتأسيس تنظيم مسلح يملك
حريته الكاملة في العبث بكل شيء
,وحتى تحديد الحرب والسلام,وأولى
أهدافه هو تغيير ديموغرافية
الوضع الداخلي مدعوماً من
النظام السوري خلال وصايته على
لبنان ,وتم تقويته بالسلاح
والعقيدة المذهبية ,وكأنه طرفاً
أهلياً جديداً في النسيج
اللبناني ( وهنا نتكلم بواقع
الأمر ,وشكله الشيعي هو لايعبر
عن حقيقة الشيعة في لبنان ,بقدر
ماهو من صناعة النظام السوري
وبهذا الشكل ليكون له امتداد
ثابت في لبنان يتاجر به مع إيران
وإسرائيل والخارج ) ,وهنا يفسر
الكثير من عمليات الإغتيال في
صف الأكثرية, بدءاً من الراحل
رفيق الحريري وصولاً إلى أنطوان
غانم ومابينهما وماسيتبعهما
على طريق الحرية والسيادة,
والهدف بمحصلته هو فرض تغيير
المعادلة الأهلية الداخلية,وإعطاء
حزب الله دوراً أكثر مما يستحق
على خلفية السلاح الذي يملكه,
باختصار صمم النظام السوري هذا
الإخراج الأهلي الجديد; ليبقى مشكلة مستعصية يدور لبنان فيها
ومفاتيحها هي في جيب النظام
الأمني في دمشق , وهذا مايفسر
العطالة السياسية والدستورية
في لبنان لسنوات ,وعدم قدرة كافة
الأطراف على اختراق حالة
الإستعصاء السياسي التي تحاصر
لبنان.
ولبنان الآن على مشارف مرحلة
قلقة, وهي انتخاب رئيس جديد ,فماهي
احتمالات الحل التي يملكها
لبنان؟! ,بكل أسف نقول لازال
الغموض هو سيد الموقف, مع
احتمالات أفرزها عامل الوقت,الأول
هو مايشتغل عليه بكركي ورئيس
المجلس النيابي ومعهم بقية
الأطراف , وهو الإتصالات
والإجتماعات مع كافة ممثلي
الأزمة ,لإقناعهم بالإتفاق على
رئيس يحظى برضاهم, وهذا
الإحتمال يعرقله الشحة في أسماء
الرئيس الجديد من جهة ,وعدم قبول
المعارضة له من جهة أخرى , وإذا
لم تتزحزح الأطراف من قواعدها
,سيكون حصول نجاح هذا
الإحتمال أعجوبة كما قال
البيطريك مار نصر الله صفير,
والثاني هو
تشكيل حكومة وحدة وطنية في حال
عدم التوافق على الرئيس , أي
حكومة انتقالية مهمتها القيام
بانتخابات نيابية على أساس
قانون انتخابي جديد،يسمح
بانتخاب رئيس للجمهورية، وإذا
تم سحب كافة الأطراف أزمتهم
ومتاريسهم إلى الحكومة
الإنتقالية ,سيكون نتيجتها
الوحيدة هي تأجيل انتخاب الرئيس
,أي مط الأزمة ومرحلة القلق وعدم
الحسم والإنتظار ,وكأن كافة
الأطراف أصبحت أسيرة عقدة عدم
الحل ، وعليه سيبقى لبنان معلق
على مجهول المفخخات والأوضاع
المحلية والإقليمية، هذا إذا
تجاوزنا أصلاً إمكانية هذا
الإحتمال ,كونه أساساًهو من
مطالب المعارضة, التي تلعب
بالوقت وكأنها على موعد "إلهي"
ما , أسدي إيراني يخربط
المعادلات من جديد.
والثالث هو خيار الأمرٌين ,بأن
تقرر الأكثرية انتخاب رئيس
للجمهورية على قاعدة (النصف + واحد)
من النواب،والمشكلة هنا هذا
الواحد , الذي عملت عليه قوى
التعطيل المجهولة المعلومة
بالتصفيات على تغييبه , ومع كون
أن هذا الواحد قد يتم تأمينه من
خلال انتخابات جزئية لكن غير
ممكنة الآن , أو عن طريق آخر يتم
العمل عليه داخل لبنان وخارجه ,لكنه
يبقى خياراً محفوفاً بالمخاطر ,
وكل مايستطيع هذا الإحتمال عمله
هو نقل الأزمة إلى البرلمان
ورئيسه كونه الطرف الوحيد الذي
يجمع على حبه كل العاشقين
السياسيين في لبنان , وهويملك
الشرعية الدستورية للإستمرار
في تنفيذ هذا الإحتمال , لكن
المفاجأة ستكون في موقف الرئيس
إميل لحود ,أي موقف النظام
السوري ,الذي طالما ألمح وأفصح
أنه لن يسمح للأكثرية بنقل
الأزمة إلى هذا المستوى
الدستوري , وأن النظام السوري
بشٌر لبنان بمستقبل مجهول ,بدايته
هو دفع أدواته إلى تفويت فرصة
الوصول إلى ذلك من جهة ,ومن جهة
أخرى سيتحرك الرئيس لحود
المتشبث لسنوات في كرسيه ويتصرف
ضمن صلاحياته الدستورية أو
ماتبقى منها ويأخذ زمام
المبادرة, وهنا يتفرع عن هذا
الوضع عدة خيارات, أولها هو
تشكيل حكومة انتقالية ,وثانيها
تسليم السلطة للجيش ,وثالثها أن
يركب إميل لحود رأس النظام
السوري ويقرر البقاء في قصر
بعبدا في انتظار انتخابات يراها
هي الشرعية التي تحدد الرئيس
الذي سيخلفه .
والرابع وهو الأخطر ,هو
احتمال الصدفة التي يعيشها
لبنان وهو أكثر الإحتمالات حظاً
,والذي يراهن عليه النظام
السوري الإيراني ومعهم أطراف
أخرى إقليمية ودولية , تشد وترخي
الخيوط المخفية ,التي بدورها
تهز لبنان بفوضى قد تتناغم مع
الفوضى الإقليمية التي تضرب
أطنابها طولاً وعرضاً , صدفة أو
هكذا يراد عرضها , قد تغير من
معطيات الأحداث وأولوياتها
ويدخل لبنان بوضعه الحالي
المقسم فيها وينزلق من أزمة إلى
أخرى ,تفقد كل الأطراف قدرتها
على الحل ,وتصبح أدوات في إدارة
أزمات مستعصية لاتملك مفاتيح
حلها.
بصراحة , المشهد في لبنان
لايوحي بالإطمئنان ولاحتى
بأدنى مستوى له , إذ لازالت
محددات الأزمة قائمة ,وفاعلها
لازال يملك القدرة على المزيد
من العبث في حياة لبنان ,ويبدو
أنه لن يتراجع ولن يتنازل ولن
يتخلى عن دور أصبح مستقبله كله
مرهوناً فيه ,أمام هذا الحال,
الجميع في لحظة انتظار ظهور
الرئيس المنتظر ,الرئيس الذي
خرج من حسابات السياسة
اللبنانية الداخلية , وأصبح
حلماً بل أسطورة في حياة
اللبنانيين.
-------------------------
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|