تقسيم
العراق ومصير
المنطقة
بشارة
مرهج
ان القرار الاميركي
غير الملزم الذي اتخذه مجلس
الشيوخ الاميركي بتقسيم العراق
الى ثلاثة كيانات على اساس
طائفي وعرقي هو قرار خطير ويمس
بالصميم وحدة العراق ومصلحة
شعبه كما وحدة المنطقة ومصالحها.
وهذا القرار
العدواني، الذي يخفف البعض من
وقعه وتأثيره، يذّكرنا بوعد
بلفور اللعين الذي قالوا عنه
يوم أصدروه انه مجرد وعد ولن
يؤدي، باي حال من الاحوال، الى
الاضرار بمصالح الفلسطينيين
وان التزم باقامة وطن قومي
لليهود.
فلما عقدت الحرب
الكونية الاولى أوزارها تولت
لندن وساستها المخادعون تنفيذ
الوعد بالتفاهم مع الوكالة
اليهودية على حساب فلسطين
واهلها فتسببت بتعذيبهم
وتجويعهم وتشريدهم.
واليوم يكرر مجلس
الشيوخ الاميركي التجربة مع قطر
عربي آخر يحتل ارضه وينتهك
سيادته ويضطهد شعبه. ورغم كل هذه
«المآثر» يقول لاهل العراق
والعرب: «اطمئنوا فهذا القرار
غير ملزم». والحقيقة ان هذا
القرار لا يطمئن احداً سوى
اسرائيل في الوقت الذي يثير فيه
الشكوك في مختلف الاوساط
العراقية والعربية.
وما يزيد في هذه
الهواجس الاسلوب الذي اعتمد
لاخراج هذا القرار الى حيز
الوجود السياسي. فلو كان القرار
غير ملزم، كما يدعي اصحابه
فلماذا إذاً صدر؟ ولماذا كل هذا
الجهد في وقت تحتاج فيه
المؤسسات الاميركية للعمل ليل
نهار لبلورة خطة «الخروج» من
العراق وضمان مصلحة واشنطن في
آن؟! لقد علمتنا التجارب ان مجلس
الشيوخ الاميركي لا يصدر قراراً
خطيراً من هذا النوع للتسلية او
لاختبار قدرات اعضائه الذهنية.
الارجح منطقياً ان هذا القرار
صدر كتمهيد لعملية سياسية واسعة
تشمل العراق والمنطقة بأسرها.
لا دخان بدون نار. فعندما يصوت
مجلس الشيوخ على امر معين فمعنى
ذلك ان الامر تم درسه في مراكز
الابحاث، واللجان المختصة،
وامانة سر كل سيناتور اميركي
قبل عرضه للتصويت، في الجلسة
العامة. لكل ذلك لا يمكن القول
ان القرار غير ملزم ولا يستأهل،
بالتالي، كل هذا الاهتمام.
وخطورة هذا القرار
الصادر اليوم عن اهم المؤسسات
الاميركية انه يأتي في ظل
الاحتلال البريطاني الاميركي
المدمر للعراق، وفي ظل اصرار
الادارة الاميركية على استمرار
سياسة الحرب والقهر سواء تجلى
ذلك في طلب 200 مليار دولار
لتمويل الحرب على العراق الجريح
، او في تسليح تل ابيب حتى
اسنانها وتأمين تفوقها على سائر
دول المنطقة، ولو ادى ذلك الى
اهتزاز الدولار والاسواق
الاميركية.
ان هذا المشروع
الذي يستهدف تقسيم العراق
والمنطقة يجب ان يكون حافزاً
لاهل العراق والمنطقة للانتقال
من واقع الشرذمة والتناحر الى
سياسات الانفتاح والتقارب
مقدمة لاحباط هذا المشروع. لقد
انكشفت الاهداف الحقيقية للحرب
على العراق ولم يعد هناك من مجال
للتأويل او التبرير. حتى القوى
الملتحقة بالركب الاميركي بدأت
تستفيق وترى بأم العين كيف
تتحول لوقود للدبابات
الاميركية المرغمة على
الانسحاب غداً من ارض الرافدين.
ولمن تبقى من
اصدقاء السلطة الاميركية في
المنطقة، ينتظرون تأييدها،
نقول لهم حالكم كحال المستجير
من الرمضاء بالنار. فلو كانت هذه
السلطة الامبراطورية صادقة في
سياستها تجاه العراق لما جعلته
فريسة للقتلة، وشركات الامن
المستوردة والاجهزة
الاسرائيلية المختلفة. ولو كانت
صادقة تجاه لبنان لتوقفت عن
التدخل في صميم شؤونه ودعم فريق
سياسي ضد فريق سياسي آخر،
ولبادرت في الضغط على اسرائيل
للانسحاب من مزارع شبعا واطلاق
الاسرى وتسليم خرائط الالغام
والقنابل العنقودية والتوقف عن
خرق حدوده الجوية والبرية.
لا يجوز بعد تسعين
عاماً على اطلاق وعد بلفور
وستين عاماً على اعلان دولة
اسرائيل ان ننخدع مرة اخرى
بالسياسات الاميركية المعلنة.
لذلك فان الحكومات والاحزاب
والهيئات العربية مطالبة
بادانة مشروع تقسيم العراق
ومقاومته بالقول والعمل. كما ان
مجلس الجامعة العربية مدعو
للانعقاد على مستوى وزراء
الخارجية لرفض هذا القرار بشكل
واضح وصريح كي يعلم مجلس الشيوخ
الاميركي ان ارض العراق ليست
معروضة للمزاد. كما ان مجلس
الجامعة مدعو للتحرك باتجاه
تركيا وايران وكل الدول الصديقة
لتنسيق المواقف والعمل على
اسقاط هذا المشروع الاميركي
الاسرائيلي.
ان تقرير مصير
المنطقة هو حق لاهلها. ولا يملك
احد التخلي عن هذا الحق. هذا هو
منطق التاريخ ولو توالت احداثه
محملة بالمرارة والخيبة.
-------------------------
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|