الحركة
الإسلاميّة .. ومعركة المصطلحات
عزّة
النفس .. والمسكنة
عبد
الله القحطاني
أ- " اطلبوا
حوائجكم بعزّ الأنفس
، فإن الأمور تجري
بالمقادير" ..
هذا
أحد التوجيهات النبويّة ، التي
تشكّل عقولنا ونفوسنا، وتوجّه
تصرفاتنا، وتضبط مواقفنا، نحن
أبناء الحركة الإسلاميّة ..
هذا ، عندما يكون
" الطلب " فرديّاً ، يتعلق
" بحاجة " خاصّة للمرء !
(عزّة النفس) أساس
في القول والفعل ! أمّا
المرجعيّة النفسيّة والعقليّة،
أيْ الركيزة التي يستند إليها
المرء ، باطناً وظاهراً ، فهي :
" أقدار الله الجارية في
الكون ، الجارية على الخلق " .
فكيف إذا كان الطلب يتعلق
"بحقّ" لا "بحاجة
" ؟ وكيف إذا كان عاماً ،
يتعلق بشعب ، أو أمّة ، لا بفرد ،
أو مجموعة أفراد !؟
إننا ، ونحن نطالب
بحقوق شعبنا وأمتنا ، في
الحريّة ، والمساواة ، والعدل ،
وحفظ حقوق الإنسان في بلده ..
إنّما نعي هذا المعنى جيّداً ،
بشموليّة وعمق " نطلب حقوق
شعبنا بعزّ الأنفس .. لأن الأمور
تجري بالمقادير " !
أمّا عبارة " تمسكنْ حتى
تتمكّن " وما يتفرع عنها من
مصطلحات ، وينبثق عنها من
دلالات وإيحاءات ، فليست واردة
في قاموس تفكيرنا ، أو تحركنا..
لأن " المسكنة الجماعيّة "
مخالفة لأشياء كثيرة عندنا .. من
أهمّها :
1-
سنّة الحياة نفسها ؛ فليس من
المعقول أن يتمسكن حزب ، أو
تنظيم ، كله، بسائرأفراده ، مخفياً
نيّاته ومقاصده ، عن عيون الناس
المحيطين به ، دون أن تندّ عن
فرد واحد ، من هذا التجمّع الضخم
، عبارة ، أو كلمة ، تشي بحقيقة
الموقف الجماعيّ كله ..!
2-
إن الأفراد الذين يربّيهم
الإسلام على الأنفة وعزّة
الأنفس ، ويتلقون هذه التربية
في محاضن الحركة الإسلامية
صباحَ مساء .. لايمكن إخضاع
نفوسهم ، لقرار " التمسكن "
الجماعي .. مهما كانت قوّة
هذا القرار ، أو الجهة التي
أصدرته ..!
3-
إن " التمسكن " طبع ، أو
تطبّع ، فيه نوع من الخداع
والمكر! وهذا
قد يصدر من شخص فرد ، لحاجة
فرديّة ، قد يحصل عليها طالبها
أو لا يحصل ، لكنه يدفع ثمناً
باهظاً من كرامته وعزّة نفسه ،
حتى قبل تأكّده من حصوله على
الحاجة أو حرمانه منها .. فإن
حرِم منها ، فقد دفع ثمنها
الباهظ دون مقابل .. !
وهذا كله ، لايمكن
أن يصدر عن تنظيم إسلاميّ
جماهيريّ ، يعتزّ بقيَمه
الإسلامية، ويفخر بالتفاف شعبه
حوله ، أو يطمح إلى مثل هذا
الالتفاف ! فماذا تكون نظرة
أفراد التنظيم إليه ، حين يدفع
هذا الثمن الباهظ من كرامته
وعزته ، لقاء مكسب سياسيّ
عرَضيّ ، قد يتحقق وقد لايتحقق ؟
وماذا تكون نظرة الجماهير إليه
، حين تراه يتذلل و( يتمسكن )
ويعطي من نفسه الدنيّة ، لخصومه
، أو حتى لأصدقائه ؟
4-
إن قرار التمسكن الجماعي ،
لا يدخل في مضمون الحديث النبوي
ّ " الحرب خدعة " ..
لأن " الخدعة "
حالة عابرة ، تمارَس ضمن ظرف
عابر، هو (ظرف الحرب) ، وهي عملية
محدودة ضيّقة ، يمارسها فرد ،
جنديّ ، أو قائد ، أو حتى مجموعة
صغيرة من الأفراد ، لكسب جولة
معينة ، أو إخفاء نيّة معينة ،
في ظرف محدّد . وهذه تختلف عن
حالة التمسكن الجماعي ، التي
تشمل حركة إسلاميّة واسعة بسائر
أفرادها ، إذا كان مطلوباً منها
إخفاء أهدافها ونياتها
وطموحاتها وسياساتها.. إخفاءً
تاماً، وإظهارُ ما يخالفها أو
يناقضها.. وعلى مدى طويل من
الصراع الفكري والسياسي
والإعلامي ، ضدّ أفكار الآخرين
وسياساتهم وإعلامهم !
5- بناءً على ما
تقدّم ، فإن ما تعلنه الحركة
الإسلاميّة ، في تصريحات
مسؤوليها ورموزها ، وما تبثّه
في صحفها وأدبياتها ، هو ما
تريده فعلاً. فإذا قالت في دولة
ما ، إنها تريد منابذة الحاكم
المستبدّ ، للحصول على حقوقها
الوطنية والسياسيّة، أو
مصارعته سياسيا أو إعلامياً ،
فهذا هو ما تريده حقا ! لأن هذا
الإعلان يلزِم قواعدها بما تريد
، ويجعل هذه القواعد تكيّف
عقولها ونفوسها مع هذا النوع من
الصراع ، لا تتعداه .. وبالمقابل
لا تتنازل عن حقها في ممارسته ..!
وإذا صرّح قادة
الحركة ، في دولة ما ، بأن
الحركة تنبذ العنف ، أو تسعى إلى
التعاون مع حكومة بلدها لتعزيز
مؤسّساته ، وبنائها بشكل سليم ..
أو أنها تسعى إلى دولة
ديموقراطية مدنية ، يحكمها
القانون ، ويسود فيها العدل ،
وتتحقق فيها المساواة بين
المواطنين ، في الحقوق
والواجبات ٍ .. فهذا ما تريده
فعلاً ، لأن هذه التصريحات ،
إنما تكون أساساً ، مبنية على
فلسفة سياسيّة أقرّتها
المؤسسات ، والتزمت بها القواعد
، وصارت منهجاً ودستوراً
لتفكيرها وحركتها.. ومَن يخرج
عليها، فإنما يضع نفسه تلقائيا
ًخارج الصفّ ، ليبحث لنفسه عن
منهج آخر يلائم مزاجه ، أو طريقة
تفكيره..! فالعمل الإسلامي
متعدّد الصور والجوانب ، متنوّع
الميادين .
6- وتبقى ملحوظات
أساسيّة ، لابدّ من الإشارة
إليها، بإيجاز وتركيز ، من
أبرزها :
أ ) إن الحركة
الإسلامية ليست حقـل تجارب ،
لذوي المغامرات الفكرية ، أو
أصحاب "الهبّات
" العاطفية ، أو عشّاق
البطولات الفرديةّ والنزعات
الانتقامية
..!
إنها عمل حضاري
متمدّن ، مؤسّس على مبادئ سامية
وقيم نبيلة ، وأخلاق راقية .. !
وهو ، في الوقت ذاته
، يطمح إلى تحقيق أهداف جليلة ،
على رأسها بناء الإنسان السويّ
الواعي ، المؤهّل لصنع حضارة
إنسانية كريمة !
وهذا لا يلغي،
بالطبع ، دور الملكات الفردية ،
أو المؤهّلات الشخصيّة للأفراد
؛ و إلاّ لكانت الحركة
الإسلامية ، مجرد تجمّع ضخم
لقطيع بشري متشابه الملامح
والسمات ، عاجز عن تحقيق أيّ هدف
إنساني مُجدٍ .. وهو قابل لأن
يقوده أيّ راعٍ أحمق أو سفيه، حتى
لو كان مندساً عليه ، عازماً على
تدميره !
ب ) إن الحركة
الإسلامية المؤسّسة على
المبادئ ، تختلف بالضرورة ، عن
مثيلاتها المؤسّسة على المصالح
ـ الفرديّة أو الجماعيّة ـ !
فالأولى تَحكم تفكيرَها
وحركتها المبادئ التي تستند
إليها.. ولو خرجت عن إطار هذه
المبادئ ، لخرجت من جلدها ،
ودمّرت نفسها، وفقدت مسوّغ
وجودها ! وهي من خلال حركتها
المبدئية ، تراعي حساب المصالح
العليا ..!
أمّا الثانية فتسير
في رمال متحركة ، لأنها تنطلق ،
أساساً ، من حساب المصالح غير
المحكومة بأيّ مبدأ ! والمصالح
شديدة التغيّر ، لأنها محكومة
بالظروف والأحوال ، المتغيّرة
أبداً ..!
وإذا قاس رجال
الحركة الإسلامية ، حركتَهم إلى
الحركات الأخرى ، واندفعوا
يَسبحون فيما تسبح فيه بعض هذه
الحركات ، من بِرك آسنة، ومياه
ملوثة، لتحقيق مكاسب آنيـّة
رخيصة.. إذا
فعلوا ذلك ، أو استـُدرجوا إليه
، دمّروا حركتهم ، بدءاً بتدمير
مبادئها وأخلاقها ، وانتهاء
بتدميرأهدافها ، التي لن تصل
إليها أبداً ! لأن الأهداف إنّما
وضِعت لخدمة المبادئ ، فإذا
ضاعت المبادئ ضاعت معها الأهداف
. أمّا الأهداف الجديدة ، التي
قد تنشأ بناءً على المصالح
القريبة ، فليست هي الأهداف
الإسلاميّة ، حتى
لو سمّاها أصحابها بذلك !
فالمبدأ إذن –هنا
– هو ميزان الفكر والحركة
والقول والسلوك . ولن يصدّقنا
الآخرون لو قلنا لهم : " نحن
براغماتيون .. نفعيون .. مصلحيون
.. مثلكم " ! لأنهم عندئذٍ
سيضحكون منا ، ويقولون لنا : "
إمّا أنكم أغبياء .. وإمّا أنكم
تحاولون ممارسة المكر والدهاء
بطريقة فجّة ساذجة .. وإما أنكم
تافهون منافقون ، ترفعون شعارات
سامية ، وتلهثون لمنافستنا على
المصالح السياسيّة الآنية ،
والمكاسب العرضية ، التي نبيع
لأجلها كل شيء ، بدءاً بماء
وجوهنا ..! " ( ولا يفوتنا ،
بالطبع ، التذكير هنا ، بالفروق
، بين حزب غير إسلامي ، قائم على
مبادئ من نوع ما ، وآخر مصلحي ..
من الأحزاب العاملة في كل ساحة
من ساحات العمل السياسي ، في كل
زمان ومكان ! أمّا الأفراد
فقلوبهم بين أصبعين من أصابع
الرحمن، أياً كانوا ، وإلى أيّة
فئة ، أو ملّة ، انتموا ..! فربّ
ملحد هداه الله إلى الإيمان ،
فصار زاهداً ناسكاً ، وربّ رجل
آخر، كان على بصيرة من أمره ،
فأضلّه الله على علم ، وخرج عن
دائرة الإيمان ، وطفق يلهث وراء
بريق الدنيا ، بمالِها وشهواتها
ومناصبها .. دون وازع من خلق أو
ضمير! ) .
-------------------------
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|