ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/11/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

الخارطة الحزبية في سورية -أمس واليوم- ....

 بين الواقع والتنظير!

الطاهر إبراهيم*

لا أبالغ إذا قلت أنه لم يكن هناك في النصف الثاني من القرن العشرين أي قطر عربي بلغ فيه الاستقطاب الحزبي مثلما بلغه في سورية، خصوصا في العهد الديمقراطي الوحيد ابتداء من استقلال سورية عن فرنسا -باستثناء عهد الوحدة مع مصر 1958،1961- إلى انتهاء هذا العهد الديمقراطي مع استلام حزب البعث للسلطة في آذار عام 1963 .  

ومع أن الأحزاب في تلك الفترة كانت تنافح عن مبادئها بكل ما أوتيت من قوة، إلا أنها لم تكن صريحة مع قواعدها بما يكفي ليتطابق الظاهر مع الباطن، فكانت مسيّسة لأبعد الحدود ،ما جعلها تصاب بنكسة، سواء عندما استلم حزب البعث السلطة فشطبها من المعادلة، أو احتواها ضمن "الجبهة الوطنية التقدمية" كإطار من دون مضمون. كما أنه مع انهيار جدار برلين عام 1989 وتفكيك السوفييتي ومنظومته الاشتراكية الشرقية بعد ذلك، فقد خسرت أحزاب كثيرا من بريقها بسبب انقطاع الدعم المادي والمعنوي عنها.

مع إعلان الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، وافقت الأحزاب السورية على حل نفسها باستثناء الحزب الشيوعي، ماأدى بكوادره إلى الاعتقال والتعذيب والتشرد. جماعة الإخوان المسلمين وافقت على حل نفسها، وترشح بعض قيادييها من الصف الثاني لانتخابات الاتحاد القومي. أما البعثيون فقد دخلوا مشروع الوحدة من بابه الواسع وعين أكرم الحوراني نائبا للرئيس "عبد الناصر"، ثم ما لبث أن دخل معه في خلاف، تبين بعده للبعثيين أن "حساب السوق" –حيث ظنوا أن الأمر سيكون لهم- لم يتطابق مع "حساب الصندوق"، فاستقال من الحكومة وزراؤهم، واعتزل أكرم الحوراني. "عبد الحميد السراج"، رجل "المكتب الثاني" ثم وزير الداخلية في عهد الوحدة، أصبح الحاكم بأمره رغم وجود المشير "عبد الحكيم عامر" -كنائب لعبد الناصر- على رأس السلطة في دمشق.

في 28 أيلول 1961 قام ضباط سوريون بحركة انقلابية أعلنت انفصال سورية عن مصر، ورُحِّل "المشير" بعدها إلى القاهرة على متن طائرة في نفس اليوم. وجرت انتخابات دخلتها الأحزاب القديمة، برز فيها الإخوان المسلمون والبعثيون ككتلتين كبيرتين في مجلس النواب ، وظهر الأستاذ "عصام العطار" المراقب العام للإخوان المسلمين كشخصية سياسية مؤثرة يحسب حسابها، وكخطيب مفوه من على منبر مسجد جامعة دمشق. كما نشطت الأحزاب، يدعو كل حزب لنفسه بين صفوف الطلاب والعمال والمثقفين. وعاشت البلاد في ازدهار اقتصادي، كما عاشت عهدا ديمقراطيا، لكنه كان قصيرا ولم يطل. 

لم يدم حكم الانفصاليين إلا سنة ونصف السنة، استلم بعدها البعثيون الحكم بانقلاب آذار 1963، وبدأت مرحلة جديدة كليا احتكر فيها حزب البعث السياسة فأغلق الصحف، ومنع الأحزاب إلا من انضوى تحت جناحه، ودخلت سورية في حكم الحزب الواحد حتى رحيل الرئيس "حافظ أسد" في حزيران من عام 2000، عادت بعده التيارات "الحداثية" والأحزاب –ما عدا الإخوان المسلمين إذ ما يزال سيف القانون 49 مسلطا فوق رقابهم- للعمل، إنما بخطوط فصل متداخلة فيما بينها، حتى لو أخذت اسم حزب وسميت به حزبا آخر لما تغير من الأمر شيء. هذه الخارطة تعطي للجيل الحالي باختصار صورة موجزة عما كان عليه أمر الأحزاب قبل حزب البعث، فكيف نقرأ خريطة الأحزاب الآن؟

في مقاله التحليلي القيّم تحت عنوان " في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية" نشرته "الحياة" في 28 تشرين أول 2007 ،طلع علينا الأستاذ "ياسين الحاج صالح" بطيف منوع من تيارات أيديولوجية عزا تفكك مشهدها "الحداثي" -مقابل تماسك إسلامي- إلى حكمٍ بعثيٍ محتكرٍ للسلطة واحتلالٍ أمريكيٍ للعراق.

حاول المقال أن يضع إطارا أيديولوجيا لما آل إليه التنوع غير الإسلامي. ولو سلمنا بصحة هذا الإطار من ناحية الكيفية، لكنا لم نجد فيه ما يرسم ما تمثله مكونات الطيف من مساحة عددية حتى يمكننا أن نحدد ما تشكله من فعالية على الساحة السورية، إذ لا خطر من أي تنوع ما لم يشغل مساحة مؤثرة داخل هذا التنوع السوري.

أغلب الظن أن أكثر مكونات هذا الطيف لا رصيد له في الشارع السوري، ولاتشكل خطرا على النظام، ولا ينتظر أن تشكل مساحة مؤثرة في أي تغيير في معادلة الحكم في سورية بعد رحيل النظام، بسبب خضوع الواقع السوري إلى معادلة أو معادلات قد لا تقترب مما قرره الأستاذ ياسين إلا قليلا، بسبب قضايا –غير التي ذكرها- تحكم مكونات المجتمع في سورية. يقول الأستاذ ياسين:

(لم يكن الانقسام هذا ذاته إلا أثرا لإخفاق عملية البناء الوطني في سورية، العملية التي كان من شأنها أن تتمخض عن قيام وطنية سورية تقدمية، تستوعب أكثرية السوريين كمواطنين متساوين، والتي وعت ذاتها بلغة القومية العربية والاشتراكية). وكان قد عزا الإخفاق إلى: (صراع متفجر بين النظام والإسلاميين. صاغ طرفٌ أول موقفَه بلغة المسؤولية عن الأزمة ،وحملها للنظام، وصاغ طرفٌ آخر موقفه بلغة الخطر القادم، وجسده في الإسلاميين).  إذ ليس ما يثبت أن أكثرية السوريين لها توجه اشتراكي، أما القومية فمرتبطة عندها بالإسلام.  

ما نريد قوله إن الطيف "الحداثي" لا يشغل إلا مساحة محدودة من "الطيف السوري العام"، الذي يشكل جسم المجتمع. هذا الطيف العام لم يجد مؤازرة –عندما اشتدت المحنة في كل من حماة وحلب في بداية ثمانينات القرن العشرين- من المجتمع الدولي كما وجدها "الطيف الحداثي" الذي كان يلوذ بالقوى العظمى مثل الليبراليين والعلمانيين، أو التعاطف مع من لا يلوذ بتلك القوى العظمى مثل الديمقراطيين أو اليساريين الذين رفضوا النهج السوفييتي مثل جماعة "رياض الترك" أو حزب العمل الشيوعي.

وإذا كنت لا أعيش –بسبب البعد عن الوطن- حال السوريين في الداخل كما يعيشها الأستاذ ياسين، إلا أنني أستطيع أن أتفهم سبب الأعداد المتواضعة للفئات "الحداثية"، قياسا للجمهور العام العريض غير المنتمي لأي فئة حداثية سورية. ربما كان محدودية عدد كل فئة حداثية على حدة أو مجموع الفئات-مع غياب أي رصد أو استطلاع لذلك-  أتت من عدم تعاطف السوريين مع أفكار الحداثيين وعدم الاستعداد للانضواء تحت رايتهم وما ستؤول البلاد إليه ،فيما لو كان لهم دور في صياغة الحكم فيها. وإن كان السوريون كلهم قد تعاطفوا ووقفوا مع كل من اعتقل –حداثيين وغيرهم- فمن قبيل الوقوف -إلى جانب من داهمته المصيبة- مروءةً ونجدةً وشهامةً وأخوةً في الوطن، ثم بسبب الظلم الذي حاق بهم.

حاولت الابتعاد عن رسم المساحة التي يشغلها الإسلاميون على الخارطة السورية، حتى لا أبدو كمن يسحب اللحاف نحوه. لكني أؤكد وأنا على ثقة: إنه رغم القمع الشديد الذي يلاحق كل من ينضوي تحت راية الإسلام، فما يزال الإسلام يشكل رافعة قوة داخل السوريين، ولا يمكن أن يعطي الشعب السوري قياده وولاءه إلا لمن كان الإسلام قضيته الأولى، سواء كانوا إخواناً أو غيرهم، كما لا تنفك العاطفة القومية العربية عن العاطفة الإسلامية.

يبقى أن نقول: إن كل التيارات السورية تعرف هذا الامتداد الأفقي للإسلاميين. ولذلك نشط البعض في التخويف من أي انتخابات حرة ونزيهة، فيما لو دعي الشعب السوري لممارسة حقه الديمقراطي في اختيار ممثليه من خلال صناديق الاقتراع. لذلك استجابت بعض القوى الحداثية، وليس كلها، إلى الدعاية التي تخوف من دمقراطية صناديق الاقتراع، وكأن هؤلاء البعض ينشد: "نار الديكتاتورية ولا جنة الديمقراطية مع الإسلاميين".

*كاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ