ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
برابرة
القوة وتقسيم المنطقة بقلم
: محمد خليفة / كاتب من الإمارات الأمة العربية تعاني التفكك
والاحتضار على ساحة الحياة
الجغرافية ، جسد مسجى على طاولة
التشريح كالفريسة المغمورة
بالدم بعد الذبح والطعن
والتنكيل والتدمير ، بسبب طغيان
البرابرة رعاة البقر الظالمين
الذين جاءوا من أقصى الأرض بقصد
التسلط واستغلال ونهب
اقتصاديات المنطقة ، وامتهان
مشاعر أبنائها ، وتقسيم أرضهم
حتى تموت الحياة في وجدانهم .
وكانت خاتمة المطاف قرار
مجلس الشيوخ الأمريكي القاضي
بتقسيم العراق إلى ثلاث دول
طائفية كردية وسُنية وشيعية ،
الذي تقدم به السناتور
الديمقراطي جوزيف بيدن المرشح
للبيت الأبيض .
وجاء هذا القرار المأساوي
في حقبة العبث واللامعقول ،
استناداً إلى منطق اللا منطق
واللا قانون ، وتعامل مع
اللامكان بدلاً من المكان
والزمان ، وأسقط الحق والعلة
والمعلول . فهذا
المشروع المريب عبارة عن مسرحية
تنتهي من حيث تبدأ ، هدفها تفتيت
هذه الأمة ، ولا تقدم حلاً
للعراق ولا يبررها دافع ولا
يفسرها منطق حتى ، ولو كان توفير
أرضية سياسية لانسحاب القوات
الأمريكية .
والواقع أن هذا القرار يفصح
عن جوهر التوجه السياسي
الأمريكي في المنطقة العربية ،
وهو توجه قائم على أساس إعادة
صياغة هذه المنطقة وتقسيمها على
أساس طائفي وعرقي لتوفير الغطاء
لتواجد أمريكي طويل الأمد فيها
، ومن أجل حماية أمن ووجود
إسرائيل . والمشكلة
الأدهى والأمرّ أن المشروع
العربي بات غائباً بالكلية بعد
تنازع الدول العربية حول
الأولوية في الصراع .
فهل الأولوية هي محاربة
إسرائيل ، أم الأولوية هي الحرب
المذهبية ؟.
وتعمل الولايات المتحدة على
تعميق الانقسام في وجهات النظر
بين العرب لتسهيل تمرير مشروعها
التدميري الذي لن تسلم منه ولا
دولة عربية واحدة .
فمنذ أن غزا العراق الكويت
عام 1991 ، تنبّهت الولايات
المتحدة إلى وجود دولة كبيرة
وقوية مثل العراق على مشارف
منطقة الخليج المهمة جداً
بالنسبة للولايات المتحدة ،
ولذلك قررت تحطيم هذه الدولة .
وبعد إخراج القوات العراقية
من الكويت بالقوة عام 1991 ، طبقت
الولايات المتحدة خطة لتقسيم
العراق حيث فرضت منطقتي حظر
طيران في جنوب العراق وشماله ،
ومنعت الحكومة العراقية من
ممارسة سيادتها الكاملة على
هاتين المنطقتين من خلال تنفيذ
الطائرات الأمريكية
والبريطانية طلعات وهجمات
يومية ضد المؤسسات والمنشآت
التابعة للحكومة العراقية في
المنطقتين ، حتى تم إضعاف سيطرة
الحكومة العراقية على شمال
العراق وجنوبه ، مما أسس لخطة
التقسيم القادمة بتهيئة نفوس
العراقيين لتقبلها .
وعندما شنّت الولايات
المتحدة عدوانها الشامل على
العراق عام 2003 ، بدأ التنفيذ
الفعلي لخطة التقسيم . وتجلّى
ذلك في القرارات التي اتخذها
الحاكم الأمريكي بول بريمر
والمتعلقة بحلّ الجيش العراقي ،
وحلّ حزب البعث ، وتشكيل ما كان
يسمى "مجلس حكم" على أساس
طائفي وعرقي .
ومن ثم أُطلقت عصابات
مجهولة راحت تعيث فساداً ،
وتقتل الأبرياء من الشيعة
والسُنة والأكراد في الأماكن
المختلطة ، ولاسيما في بغداد
ومحيطها ، بهدف إحداث الفصل
الطائفي والعرقي داخل الأقاليم
الثلاثة . وقد
أصبح في العراق اليوم ، وبفعل
نشاط تلك العصابات المجهولة
الهوية ، نحو ستة ملايين نازح عن
أرضه وبيته . وهؤلاء
النازحون من الشيعة والسُنّة
والأكراد ، يقدمون أوضح مثال
على أن خطة التقسيم قد قطعت
مرحلة طويلة وأن الراعي
الأمريكي لها قد أجاد التنفيذ .
وعندما أصبح التقسيم واقعاً
يعيشه العراقيون بشكل يومي ،
كان من المفترض أن تُصدر
الولايات المتحدة قراراً
بالإعلان عن ولادة الدول الثلاث
التي ستقام مكان دولة العراق .
ومن هنا جاء هذا القرار
الخاص بالتقسيم عن الكونجرس
الأمريكي . ولكن
طالما أن الذي تقدم بهذا القرار
هو السناتور جوزيف بيدن من
الحزب الديمقراطي ، فإن ذلك
يعني أن الولايات المتحدة
ستستمر في وجودها العسكري في
العراق إلى حين انتهاء حكم
الرئيس جورج بوش ، ومن ثم سيأتي
بعده رئيس من الديمقراطيين
يتولى تطبيق قرار الكونجرس
بالتزامن مع سحب الجيش الأمريكي
من العراق ، كما فعلت بريطانيا
مع الهند . فمع
إعطائها الاستقلال عام 1947 ،
قامت بريطانيا بشقّ الهند إلى
دولتين ، واحدة للهندوس ، وأخرى
للمسلمين بدعوى أن الطائفتين لا
تستطيعان العيش سوية ، مع أنها
استعمرت الهند نحو مئتي عام ،
وخلال هذا الاستعمار الطويل لم
تكن تجد مشكلة في التعامل مع
الهندوس أو مع المسلمين.
وبالتالي ، فإن تقسيمها
للهند كان بهدف إضعافها وخلق
عداء دائم بين الدولتين
الوليدتين ، وهذا ما حدث وما
يزال يحدث إلى اليوم .
والآن وتحت مسمى الخوف من
الحرب الطائفية والعرقية بين
أبناء الشعب العراقي ، تقوم
الولايات المتحدة بتدمير
العراق وإنشاء ثلاث دول طائفية
وعرقية فيه .
فهل يعتبر العرب مما يجري ،
أم يصدق عليهم المثل القائل :"ما
أكثر العبر وما أقلّ الاعتبار"
. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |