ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 14/11/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

مبدأ (المواطنة) عند الدكتور مصطفى السباعي

مؤسس الإخوان المسلمين

د. منير محمد الغضبان*

رغم كل ما كتب في المواطنة. فلا يزال الحديث عنها بحاجة إلى تأصيل وتعميق شرعي . والدكتور السباعي رحمه الله رائد كبير من رواد هذا المبدأ، ولرأيه أهمية كبرى إذ يمثل أكبر تنظيم  إسلامي في سورية ؛ الإخوان المسلمون .

وسنعرض لهذا الموضوع ضمن الفقرات التالية :

بعد نزول آية الجزية في السنة التاسعة للهجرة وابتداء الفتوحات الإسلامية في عهد الصديق رضي الله عنه صار كل من  هادن الإسلام ذميا  بحماية المسلمين . ولم يكن الأمر كذلك في الدول التي دخلت الإسلام عن طريق التجارة والدعوة إلى الله .

أولاً : الجذور الأولى لفكرة المواطنة عند السباعي :

وبقي هذا الأمرسائداًخلال التاريخ الإسلامي ، وفي الدولة العثمانية التي تمثل المسلمين في العالم حتى عام 1839 ، حيث صدر مرسومان سلطانيان نصّا على اعتبار المساواة بين المواطنين ؛خلال عهد السلطان عبد المجيد.

أولهما : في عام 1839 صدر  خط شريف همايوني المشهور بمنشور كولخاتة الذي وضعه الصدر الأعظم مصطفى رشيد باشا والذي عرف بخطه المعتدل الإصلاحي في الدولة العثمانية . وقد كفلت هذه التنظيمات مساواة المسلمين والذميين من الرعايا العثمانيين أمام القانون مقابل الحفاظ على الدولة العثمانية بعد أن هددها محمد علي باشا في الفترة  1839-1842 بموجب معاهدة لندن . وقد راح العلماء يشرحون للأمة أن هذا المنشورلايتعارض مع الإسلام ، ثم كان المنشور الثاني في عام 1856 والمعروف بخط شريف همايوني ثم  عرف بمنشور التنظيمات الخيرية  وقد صدر عقب حرب القرم ( 1854-1856 ) والذي أكد كسابقه المساواة في ذلك  بالضرائب   ( إلغاء الجزية ) وتمثيل الطوائف غير الإسلامية بمجالس محلية ومجلس القضاء وقد أخذ شرعيته لكونه صادراً عن الخليفة العثماني الإسلامي أكثر من شرعيته بتبني العلماء له ، (انظر الرجل المريض ، أو السلطان عبد الحميد الثاني . د. موفق بني المرجة / ص 71-72 ).

ثانياً : قانون الدولة العثمانية ، وأخذ مبدأ المواطنة الشرعية الكاملة يوم تجاوز أن يكون بياناً ليكون مواداً في الدستور وتكمن أهمية الدستور العثماني  في أنه هو المرجع الوحيد الذي يعطي الشرعية لهذا المبدا  ولم يصدر هذا الدستور إلا بموافقة مفتي الخلافة .

لقد ألغي الرق في العالم الإسلامي ، وانتهى وجوده في الدول والشعوب الإسلامية لأن الخليفة العثماني وقّع على وثيقة الغاء الرق في العالم .

في الدستور العثماني نعرض مبادئ تغيير العقد مع غير المسلمين من عقد ( الجزية) الى عقد     ( المواطنة ) من خلال المواد التالية

المادة 8-  يطلق لقب عثماني على كل فرد من أفراد التبعية العثمانية بلا استثناء من أي دين ومذهب كان ، ويسوغ الحصول على الصفة العثمانية وفقدانها بحسب الأحوال المعينة في القانون

المادة 9-  إن جميع العثمانيين متمتعون بحريتهم الشخصية ، كل منهم مكلف بعدم تجاوزه حقوق غيره .

المادة 10-  إن الحرية الشخصية هي مصونة من جميع أنواع التعدي . ولا يجوز إجراء مجازاة أحد بأي وسيلة كانت إلا بالأسباب التي يبينها القانون .

 

- 1 -

المادة 11-  إن دين الدولة العثمانية هو الدين الإسلامي ، ومع مراعاة هذا الاساس وعدم الإخلال براحة الخلق ، والآداب العمومية ، تجري  جميع الأديان المعروفة في الممالك العثمانية بحرية حماية الدولة مع دوام الإمتيازات المعطاة للجماعات المختلفة كما كانت عليه ( 1 ) المشروطية العثمانية عام 1976 . (الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد) ( الدكتور موفق بني المرجة . ط مؤسسة الريان للنشر . ط. الأولى 1404-1984 .)

ثالثاً : تثبيت معنى المواطنة في مؤتمر العلماء الأول :

وفي الشأن السوري عاد فتثبت في مؤتمر رابطة العلماء والذي عقد بعد مائة عام من خط كولخانة عام 1839 ، وكان عددهم ينوف عن مائة عالم حيث كان للسباعي الدور الأكبر في صياغة بيانه  ففي القرارات التي بلغت ستة وعشرين قراراً كان منها القرار ( 24 ) الذي يقول: إذاعة بيان من أعمال المؤتمر و في مقدمته إعلان المباديء الإسلامية في المسلمين وبقية المواطنين  وشجب الدعايات الإستعمارية المشوهة لسمعة الإسلام عن طريق إثارة فكرة الأقليات ووصم المسلمين بالتعصب الذميم .

ولم تكتف جمعية العلماء بالنص في هذه المادة على ذلك ، بل تعرضت للموضوع ثانية في الفقرة: (وكلمة إلى رجال السياسة المحترمين ) ، وقدمت التخريج الشرعي لهذه المادة وذلك بقولها : فليكن أقوى سلاح لمحاربة الإستعمار في المراكز الإسلامية هي مجابهة الإستعمار بفضح دسائسه على الدين الإسلامي  ، وبكشف حقائق الإسلام الإجتماعية التي هي خير ضامن للوحدة الوطنية من ابناء البلاد ، فإن الإسلام  كما رأينا لا يأتلف مع هذا الإستعمار الهدام في زمان ولا مكان ، ويأتلف مع الحياة المستقلة مع جميع العناصر ويحترم حرية الأديان وحقوق أصحابها أكثر مما يدعيه المستعمرون لأنفسهم من حماية حقوق الأقليات المستعمرة فإن الإسلام يقول  لمن يعيش الى  جانب ابنائه من المواطنين لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا كما قررته القواعد الاسلامية . بينما لم نر الى اليوم دولة من دول الإستعمار جعلت لمن تدعي حمايتهم لهم مالها وعليهم ما عليها !

( من بيان رابطة العلماء في سورية عام 1938)

 

 وبهذه المواد المذكورة أصبح عقد غير المسلمين مع المسلمين على اساس المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات ، وانهاء عقد الذمة الذي قام  في الأصل على المقاتلة بين المسلمين وغيرهم .

رابعا ً: عبقرية السباعي في التخريج الشرعي لفكرة المواطنة وتغيير عقد الذمة يقول رحمه الله :

" وكانت الجزية قبل الإسلام تفرض على من لم يكن من الفاتحين عرقاً او بلداً او ديناً ، سواء حارب  أم لم يحارب . اما في الإسلام فلا تفرض إلا على المحاربين من اعداء الأمة ، اما المواطنون من غير المسلمين ممن لم يحاربوا الدولة فلا تفرض عليهم الجزية كما فعل عمر بن الخطاب مع نصارى تغلب "

وقال : لو رجعنا الى آية الجزية في القرآن لوجدناها تقول : " قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر. . . " فهي كما ترون تجعل الجزية غاية لقتال أهل الكتاب حين نتغلب عليهم . وليس كل اهل الكتاب يجب علينا أن نقاتلهم ، انما نقاتل من يقاتلنا ويشهر علينا السلاح ، ويعرّض كيان الدولة للخطر . وهذا هو صريح الآية الكريمة :

" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين "

. . . فلاشك في ان  الذين يعيشون في الدولة مع المسلمين من أهل الكتاب ، ويشاركونهم في الإخلاص والولاء لها ، ليسوا ممن يجوز قتالهم . فلا تفرض عليهم الجزية التي هي ثمرة القتال بعد النصر ، وهذا ما يفهم من آيات الجزية من غير تأول ولا تعسف . . . )

مصطفى السباعي : الداعية المجاهد ، والفقيه المجدد – د. عدنان زرزور – مجلد – ص/320-321

 

خامساً : موقفه ضد قانون الطوائف

كان في الثالثة والعشرين من عمره ، واصدرت حكومة الكتلة الوطنية أثناء الاستعمار الفرنسي قانون الطوائف ، فكتب في افتتاحية مجلة الفتح وهو في مصر كلمة هاجم فيها قانون الطوائف قال فيها :

ماذا نقول في بلد دخله أوصياؤه وهو شعب واحد وأمة واحدة . فما لبثوا أن جعلوه موزعاً بين  عرب مسلمين ومسيحيين ويهود ونصيرية ودروز واسماعيليين وشيعة واكراد وتركمان وشركس وداغستان وغجر ثم زادوا عليها الأرمن والآشوريين . . )

فانطلاقه من فكرة الشعب السوري الواحد يجعله يرفض التوزيع الطائفي لأبناء الأمة الواحدة وكان هذا عام 1938 .

سادساً : الوحدة الوطنية :

وقد تحدث السباعي عن هذا الموضوع بمناسبة انتخابات 1949

( وكانت مخططات الوحدة هي الموضوع الأساسي في الإنتخابات ، يضاف الى ذلك مساندة الإخوان المسلمين لمرشحين نصارى . . . وقد ساهمت في احدى اللقاءات الإنتخابية الكبيرة للجبهة الإسلامية الإشتراكية لجنة تمثل أحياء النصارى في دمشق يقودها جورج شلهوب ، وامتدحت الإخوان المسلمين لأجل جهادهم في المجالات الوطنية والدينية والإجتماعية ، وطالب مصطفى السباعي في كلمته بالتضامن بين ابناء الشعب والتعاون بين المسلمين والنصارى ، ويعرض في كلمة انتخابية كبرى للمطالب الأساسية للجبهة الإسلامية الإشتراكية وهي الإصلاحات وذلك من خلال برنامجهم ، وتطرق بإسهاب الى مسألة التعايش بين المسلمين والمسيحيين . . . فإن الدين ليس عصبية أو طائفية )

كتاب الحركات الإسلامية في سورية من الأربعينيات حتى نهاية عهد الشيشكلي ل : بوهانس واسيز ( الماني الجنسية) وهي رسالة دكتوراه ) ص358 .

سابعاً : دفاع السباعي عن النظام الجمهوري

ففي جلسة صياغة القسم للنواب في برلمان 1949 تحدث عن النظام الجمهوري قائلاً بتاريخ 27 كانون أول سنة 1949 :

( إننا دعاة وحدة عربية منذ الصغر . . . ولكن هذه الوحدة تحول دونها مطامع وأهواء . . . إن هذه البلاد أحبت النظام الجمهوري ، واعتنقته واعتقدت بصلاحه ، واننا نعلن بكل ايمان وصراحة ووضوح بأننا لانريد عن النظام الجمهوري بديلاً : إننا نريد لوطننا نظاماً شعبياً ديموقراطياً ، يقوم على ارادة الشعب ، وتتمثل فيه إرادة الشعب ) . . .  ثم أضاف متحدثاً بلسان المجلس كله :  ( وليس هنا  من أحد يكره الوحدة العربية ، ولكننا نريدها وحدة شعوب لاوحدة ملوك ، ولاوحدة عروش ، ولاوحدة تيجان . . ) مصطفى السباعي : الداعية المجاهد ، والفقيه المجدد –  د. عدنان زرزورص 267

ثامناً :  الصيغة التي قدمها السباعي للجنة الدستور ال 23 ووافقت عليها

( كانت المواد المقترحة كما جاءت في بيان السباعي المشار إليه وكما أقرتها لجنة الدستور :

1-       الإسلام دين الدولة .

2-       الأديان السماوية محترمة ومقدسة .

3-       الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية .

4-   المواطنون متساوون في الحقوق لايحال بين المواطن وبين الوصول إلى إعلىمناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة )  -    السباعي ل : د. زرزور / ص 270

 

- 3 -

وهذا نص في موضع النزاع حول القبول بنتائج صناديق الإقتراع ، ولا يفرض أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام وقد علق (وايسنر) على هذه المباديء بقوله :

في 6 نيسان / ابريل أقرت اللجنة الدستورية (المكلفة  بوضع الدستور) بأغلبية 13 مقابل 10 أصوات الموافقة على أن تشمل المادة رقم 3 فقرة  1 من مشروع الدستور أن يكون دين الدولة الإسلام . ربما أن الإخوان المسلمين كانت المنظمة الوحيدة في سورية التي طالبت بأن يكون دين الدولة الإسلام ، ولم يمثلها في اللجنة الدستورية سوى شخص واحد هو مصطفى السباعي . فإن نتيجة التصويت تدل بوضوح على أنهم كانوا يعبرون في ذلك الصراع عما تكنه فئة كبيرة من الشعب . ويبدوأن المناقشات التي تلت تلك النتيجة كانت من الحدة مما دفع بالحكومة إلى منع أي تعرض لتلك المسألة بشكل عام . ( الحركات ل وايسز ص/390 ) .

تاسعا ً : السباعي يرد على الياس دمر الذي هاجم دين الدولة الإسلام :

( أما الزعم بأن النص على دين الدولة تفرقة بين أبناء الشعب ، وإثارة للنعرة الطائفية فهو زعم باطل لأننا لانريد بهذا النص تمييز المسلمين عن غيرهم ولاافنئاتاً على حقوق المواطنين المسيحيين ، وحسبكم أن ترجعوا الى نص المادة كما جاءت  في المشروع ، لتعلموا أنها كتبت بروح نبيلة تشعر بالإخاء بين المواطنين . وليس القصد منها إلا تحقيق أهداف سياسية وقومية واجتماعية هي في مصلحة هذا الشعب مسلمه ومسيحيه على السواء ، ولو كان النص على دين الدولة يؤدي إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد لما جاز لكثير من دول أوروبة وأمريكة أن تنص عليها في دساتيرها ) السباعي ل : د. زرزور / ص 271- عن مذكرات الجمعية التأسيسية ، الجلسة الثامنة والثلاثون بتاريخ 24/7/1950 ص/637.

عاشراً : البيان الذي أصدره السباعي عن ( دين الدولة )

وقد ركز هذا البيان على عدد من الأفكار التي تجلي ( عقد المواطنة ) الذي تبناه

أ‌-     ( القواعد الديموقراطية) :

إن القواعد المتبعة في دساتير العالم وأنظمة الأحزاب ومداولات المجالس النيابية بل في عرف الدنيا جميعاً أن رأي الأكثرية هو المتبع والمعمول به ، فإذا قلنا إن دين الدولة الإسلام وهو دين تسعة أعشار المسلمين ، ودين 98%  من العرب ، أنكون قد تجاوزنا الحق ؟ وأهدرنا المنطق ؟ وخالفنا الديموقراطية ؟ وهذه هي الدول التي نصت دساتيرها على دين معين إنما اتخذت دين الأكثرية دينها الرسمي في كثير من الأحيان . . وليس في الدنيا دولة لايدين شعبها إلا بدين واحد ، بل في كل دولة أكثرية وأقلية ، فهل نكون قد أتينا ببدع من الأمر إذا مشينا على القاعدة التي تمشي عليها دولة واحدة ) السباعي ل : د. زرزور / ص 277.

والسباعي هنا يعتبر كل الطوائف التي تنتمي إلى الإسلام من المسلمين ولذلك قال :

" وهو دين تسعة أعشار المسلمين "

وهذا بالضبط ما قاله المشروع السياسي للإخوان المسلمين .

 وهناك الترتيب الديني والمذهبي حيث ينتمي 90% من سكان الإقليم إلى الإسلام الذي يُعتبر الدين السائد في القطر . . . ) المشروع السياسي للإخوان المسلمين – ص/55

ب‌- وتحت عنوان : اعتراض المسيحيين على دين الدولة الإسلام كان مما قاله :

وأما توهم الانتقاص من المسيحيين وامتياز المسلمين ، فأين الامتياز ؟

أفي حرية العقيدة والاسلام يحترم العقائد جميعاً ، والدستور سيكفل حرية العقائد للمواطنين جميعاً ؟ أم في الأحوال الشخصية ، والاسلام يحترمهاوالدستور يكفلها ؟ أم في الحقوق المدنية

والتساوي في الواجبات ، والاسلام لا يفرق بين مسلم ومسيحي فيها ، ولايعطي للمسلم في الدولة حقاًأكثر من المسيحي ، والدستور سينص على تساوي المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات ؟  إني سأضع أمام القراء ، وأمام أبناء الشعب جميعاً نص المادة المقترحة في هذا الشأن ليروا بعد ذلك أي خوف منها ، وأي غبن يلحق بالمسيحية فيها ؟
1- الإسلام دين الدولة .

2- الأديان السماوية محترمة ومقدسة .

3- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية .

4- المواطنون متساوون في الحقوق ، لايحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة .

إني أسأل المنصفين جميعاً وخاصة أبناء الطوائف الشقيقة إذا كانت المادة التي تنص على أن دين الدولة الإسلام هي التي تتضمن هذه الضمانات كلها فأين الخوف ؟  وأين الغبن وأين الإمتيازللمسلمين وأين الانتقاص لغيرهم ؟)  - السباعي ل : د. زرزور / ص 280.

ج- اعتراض القوميين :

( ويعترض بعض القوميين بأن النص على دين معين للدولة ينفي الوحدة بين أبنائها ، وان سورية ذات أديان مختلفة فلايصح أن يتص على دين معين

والواقع أنه ليس في سورية إلا مسلمون ومسيحيون ، وقليل جداً من اليهود ، أما الطوائف فهي كلها ترجع الى هذين الدينين . وفي النص الذي ذكرناه سابقاً ضمان لحقوق المواطنين جميعاً ، وتساويهم ، وضمان عقائدهم وأحوالهم الشخصية ، فأي تفرقة في هذا النص ؟ وهل في الدنيا

دولة ليس فيها إلا دين واحد ومذهب واحد ؟ فهل منع تعدد الأديان أو المذاهب كثيراً من الدول على أن تنص على دين معين ومذهب معين ؟ )  - السباعي ل : د. زرزور / ص 280-281 .

د – اعتراض العلمانيين :

( وفي هذه الفقرة يعود ليؤكد على فكرة المواطنة ) عند الأمة فكان مما قاله :

وأعود فأقول لهؤلاء : إن الذي تخوفون به بعض المثقفين من أن النص على الاسلام ديناً للدولة يجعل لرجال الدين الكلمة الأولى في البلاد ، هو( بعبع ) لايخيف إلا من خيم الوهم والباطل على عقولهم فليس في الاسلام رجال دين تكون لهم الكلمة  ، ونحن لانريد بهذا النص أن نلغي البرلمان ، ونطرد ممثلي الأمة ، ونمحو القوانين ، كلا ، كونوا مطمئنين ، فسيظل كل شيء على حاله ، سيبقى لنا مجلسنا ونوابنا وقوانيننا وأنظمتنا ولكن . . مع سمو الروح ونظافة اليد ، واستقامة الأخلاق ، وعيش الإنسان الكريم ) - السباعي ل : د. زرزور / ص 283 .

هـ - اعتراض الحقوقيين :

حيث يؤكد أن لاتعارض بين الديمقراطية والمواطنة وبين الاسلام  ، فكان مما قاله :

ويعترض بعض الحقوقيين بأن جعل دين الدولة الاسلام يلغي القوانين الحالية ، ويضطرنا إلى تنفيذ الحدود الإسلامية من قطع يد السارق وجلد الزاني ، فهذا قول خاطيء ، فنحن لانفكر قطعاً بالدعوة إلى تنفيذ الحدود ، لأن الاسلام نظام كامل لايظهر صلاحه إلا في مجتمع كامل ، ومن كمال المجتمع أن يشبع كل بطن ، ويكتسي كل جسم ، ويتعلم كل انسان ، ويكتفي كل مواطن ، فإذا وقعت السرقة بعد ذلك وقعت شراً محضاً لايقدم عليه إلا العريقون في الإجرام ، والاسلام يريد ان يرهب هؤلاء الذين لم يردعهم العلم ولا الشبع ولا العيش الكريم عن الوقوع في الجريمة . .

 

- 5 -

. . . وخلاصة القول إننالانريد انقلاباً في قوانيننا الحالية ، وانما نريد التقريب بينها في التشريعات المدنية وبين نظريات الاسلام الموافقة لروح العصر ، ولأصدق النظريات الحقوقية السائدة فيه ، فإذا  اتفق التشريع الإسلامي مع النظريات الحديثة ، فهل تجدون حرجاً في الأخذ به تراثاً قومياً تعتزون به وتفاخرون ) السباعي ل : د. زرزور / ص 281- 283 مقتطفات .

حادي عشر :المجلس النيابي يرفض مادة دين الدولة الاسلام
يقول يوهان وايسر حول هذا الموضوع :

( الحل السياسي : . . . وجاء في جريدة المنار أن الجرائد الأخرى أوردت أن الكتل البرلمانية قررت إلغاء المادة المتعلقة بدين الدولة ، وفي 6 تموز / يوليو تم فعلاً تغيير المادة رقم 3 المتعلقة بدين الدولة لتصبح كما يلي :

1- دين رئيس الجمهورية الاسلام ، 2- الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع ، 3- حرية الإعتقاد مصونة والدولة تحترم جميع الأديان السماوية ، وتكفل حرية القيام بجميع شرائعها على أن لايخل ذلك بالنظام العام ،4- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية . . وتعهدت الدولة بالإضافة لذلك في مقدمة الدستور الجديد بالتمسك بالإسلام إذا كانت أغلبية الشعب من المسلمين ، وبالصداقة والتعاون مع شعوب العالم الإسلامي والعربي ، واقامة دولة حديثة على الأسس الأخلاقية للإسلام والأديان التوحيدية الأخرى ، ومكافحة الإلحاد وتحلل الأخلاق .  ص/ 390 .

( وكان رد الاخوان المسلنين بأنهم توصلوا من خلال تلك المقدمة والمادة رقم 3 إلى أكثر مما كانوا يرجون ، وصوتوا أخيراً في جلسة الهيئة التشريعية بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر 1950 بالموافقة على الدستور الجديد . إن هذا الموقف من الإخوان المسلمين مثير للإستغراب ، إذ أن هيئة العلماء أكدت في تصريح لها بتاريخ 28تموز/ يوليو 1950 قناعتها بضرورة إعلان الإسلام كدين للدولة وربط الدستور بالشريعة الإسلامية ، ولاشك بان ماجاء في تلك المقدمة إضافة للمادة الثالثة من الدستور ذهبا الى أبعد مما كانوا يرنو له الإخوان بمطلبهم الرمزي .

كتاب الحركات الإسلامية في سورية من الأربعينيات حتى نهاية عهد الشيشكلي ل : بوهانس واسيز ص/390.

ثاني عشر :حرص السباعي على الاسلام وحربه للطائفية :

والفضل ما شهدت به الأعداء .

إذ ندع الكلام في هذه الفقرة للسيد أكرم الحوراني (الخصم الألد للسباعي ويمثل التيار القومي في المجلس النيابي )  في وصف هذا الموقف :

(وبعد أن انتهت المناقشة العامة لمشروع الدستور أقرت لجنة الأحزاب المشتركة ولجنة الدستور المادة الثالثة . . . وتقرر أن يضاف غلى مقدمة الدستور النص التالي :

ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام، فان الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا ويعلن الشعب عزمه على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي وبناء دولته الحديثة على اساس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الاسلام والأديان السماوية الأخرى وعلى مكافحة الإلحاد والتحلل الخلقي ، فقام الخلاف بين جبهة المشايخ ( رابطة العلماء ) بدمشق أذاعت بياناً بتاريخ 28 تموز جاء فيه :

إن رابطة العلماء ويؤيدها الشعب السوري الكريم رأت أن المادة الثالثة من مشروع الدستور ، دين الدولة الاسلام ، التي فازت بتأييد الأكثرية . . جاءت وفقاً لدساتير الدول المجاورة ، ومماثلة لدساتير الدول الأجنبية الكثيرة في النص على ارتباط الدولة بدين الأكثرية . . وكانت مؤيدة بألوف العرائض التي قدمتها الأمة ووفودها الكثيرة من جميع هيئاتها الكثيرة وطبقاتها أصبحت التزاما لا يصح انتزاعه ولا تعديله ، فأذاع الشيخ مصطفى السباعي عميد الجبهة الاشتراكية اللاسلامية بياناً معاكساً جاء فيه :

حينما أعرب جمهور الشعب بمختلف طبقاته عن رغبته في النص على أن يكون دين الدولة الاسلام ، انما كان يقصد الإستفادة من التشريع الإسلامي وتوجيه الشعب توجهاً أخلاقياً، والحفاظ بعلائق الأخوة والتعاون مع شعوب العالم العربي والإسلامي وإن النصوص الجديدة التي أقرتها لجنة الأحزاب المشتركة للمادة الثالثة تضمنت هذه المباديء.

وطلب الشيخ مصطفى في بيان إلى الرأي العام الواعي أن يدرس هذه النصوص الجديدة بهدوء وتجرد وعلى المتدينين خاصة أن يحكموا عليها بعد دراستها النزيهة المتجردة إلى أن يقول :

"إ ن هذه النصوص حققت ودفعت عن الوطن كارثة انقسام طائفي لايرضى به كل متدين عاقل وكل وطني مخلص "

أما رجال الدين المسيحي فقد وافقوا على النص الذي أقرته لجنة الأحزاب المشتركة، وهكذا تمكنت الجمعية التأسيسية باجتماع 29/7/1950 أن تقر بما يشبه الإجماع النص الذي اتفقت عليه لجنة الأحزاب المشتركة لصيغة المادة الثالثة كما أوردتها بالنص ، وعلى ما ورد في مقدمة الدستور بالحوار والمناقشة مع الأساتذه النواب أعضاء اللجنة ، معروف الدواليبي ومحمد المبارك والشيخ مصطفى السباعي المرشد العام للإخوان المسلمين في سورية وهم من المتضلعين بالفقه الإسلامي ، وحاملي أرقى الشهادات وكانوا أساتذة في معهد الشريعة الإسلامي في دمشق ، هذا المعهد الذي تحول فيما بعد الى كلية الشريعة في الجامعة السورية وأصبح الشيخ مصطفى السباعي عميداً لها . مذكرات أكرم الحوراني في المجلد الثاني ص/ 1211-1212

ثالث عشر : والفضل ما شهدت به الأعداء .

وكان السباعي رحمه الله يرفض أن يسمي من يحاربه من الشعب بفكره عدواً ، إنما يسميه خصماً:

 ولعلنا نقدم فقرة من تأبين الدكتور محمد الفاضل ( الذي ينتمي الى الطائفة العلوية ) وعميد كلية الحقوق للدكتور مصطفى السباعي توضح هذه المعاني بعد وفاته

( السيد وزير التربية والتعليم ، السادة الوزراء والسفراء ، أيها الحفل الكريم :

إن الشعور بمرارة الفجيعة وفداحة الخطب يزداد على الزمن عمقه واتساعه وامتداده كلما كانت شخصية الفقيد عميقة الإتصال بجذور المجتمع ، واسعة الإتصال بآفاق الحياة ، ممتدة الجنبات في رحاب المعرفة . والفقيد الراحل من هذا الطراز الإنساني الرفيع : كلي النظرة ، قوي الإحاطة والشمول ، متعدد الجوانب ، متشعب المواهب ، رائد من في الطليعة من رواد الإصلاح الديني والإجتماعي والسياسي في العالمين العربي والإسلامي ، حمل زنده راية الدعوة الإسلامية زهاء ربع قرن دون أن يميل الزند أو يلتوي ، رفع ساعده راية محمد صلى الله عليه وسلم فلم يضعف الساعد ، وبقيت راية محمد خفاقة تزحم النجوم ، ودعا لسانه الجريء المتدفق الى الوحدة تحت علم القرآن ، فنديت العربية بالحق على لسانه ، واعشوشبت المنابر بالمعين الثر من بيانه . . .

وثمة عقيدة ثانية ما حاد عنها السباعي في كل ما عرفته من حياته وهي : أن الإنسان ما خلق إلا ليكون حراً. فمن أقدس واجباته أن يجاهد في سبيل حريته بغير هوادة ولا ملل ، لاسيما حرية التفكير والضمير . بيد أن هذه الحرية في رأي السباعي يجب ان تمارس في إطار من القيم الخلقية والفضائل الروحية ، فشرف الكلمة يجب أن يقدم على حريتها . . . .

 

ثم اذكروا أيها السيدات والسادة فوق كل هذا وبعد كل هذا ، اذكروا رجلاً سار في مقدمة الرعيل الأول من فرسان اليقظة الحديثة في دنيا العرب ، حيث المسالك وعرة ، والعقبات في وجه المصلحين أكثر من أن تحصى . فما لوى عنان جواده يمنة ولا يسرة ، ولا ارتدّ منهوكاً من المقدمة إلى المؤخرة بل ظل فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي طيلة حياته ضميراً حراً لايسخر وجبيناً عالياً لا يعفر - ) مصطفى السباعي بأقلام محبيه وعارفيه. اعداد محمد مصطفى السباعي/ ص64-69- مقتطفات . دار الوراق ط. الأولى 1421-2000

    وأخيراً ، فتبني السباعي رحمه الله لمبدأ المواطنة ، وتخريجه الشرعي له ، وموقفه العملي معه رفعه من مصاف المصلح المحلي الى مصاف القائد العربي والإسلامي . فوحدة الأمة العربية كلها هي التي تشغل باله ، وتؤرق وجدانه ، وكما قال استاذنا الدكتور الفاضل :

( لقد اعتنق السباعي في رايي ، وهذا ما يجعله عظيماً في عيني عقيدة وظل أميناً لها بلسانه وبقلمه حتى آخر نسمة من نسمات حياته ، عقيدته : أن دعوة القومية العربية التي بعثت من جديد لتلم شتات العرب في كل قطر ، وتجعل منهم أمة موحدة الرغائب والقوة ، يجب أن تقوم على أساس من قيم الإسلام الروحية ، وتعاليمه الأصيلة ، وتراثه الحضاري الخالد .

إن الاسلام كان وسيبقى . . . ويجب أن يبقى ظئراً للعروبة ، حماها حماه ، وقيمها مشتقة من قيمه ، مستلهمة منها ، متسارفة منسجمة معها . . . ) السباعي بأقلام محبيه وعارفيه. / ص-69 .

ـــــــــــ

*باحث إسلامي سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ