ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 18/11/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

الدبلوماسية الأميركية ومأزق المتغيرات الدولية

محمد بن سعيد الفطيسي*

إن المتتبع لسياسات الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، وطريقة إدارتها لعلاقاتها الدبلوماسية مع الآخرين، يدرك تمام الإدراك بأن هناك كثيرا من الاستثناءات والمتناقضات الخاصة، التي تتميز بها السياسة الخارجية لهذه الإمبراطورية عن مثيلاتها من دول العالم، ويرجع ذلك بالطبع إلى عدد من العوامل والأسس والقواعد التي تتحكم في طريقة صياغتها لسياساتها الخارجية، بداية من التاريخ والدين، ومرورا بالقوانين الوضعية ولعبة المصالح السياسية، وليس انتهاء بالعادات والتقاليد والأذرع الخارجية (كاللوبي اليهودي) على سبيل المثال لا الحصر، وقد اختصر الكاتب الأميركي نيوت جينجريتش تلك العلاقة بقوله إن (هناك في واشنطن اليوم وجهتي نظر متضاربتين للعالم: ـ النظرة الأولى تركز على الحقائق والقيم والتبعات، والثانية تؤمن بالعملية الدبلوماسية والكياسة والمجاملة)، وهي حقيقة يتلمسها العالم من خلال علاقة التناقض المستمر والدائم في تعاملاتها مع الجميع، باستثناء المستعمرة الإسرائيلية الكبرى، وذلك لاعتبارات استثنائية حظيت بها هذه المستعمرة، نتيجة لأوضاع سياسية وتاريخية ودينية خاصة.

وبالطبع فان ما ذكر من تلك الأسس المحركة لسياسات الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، قد لا يختلف كثيرا من الناحية النظرية عنه في بقية دول العالم، وذلك باعتبار أن اغلبها هو المتحكم الأساسي في عملية إدارة وصناعة القرارات الخارجية للدول، وان اغلبها يشترك في نهج متشابه في عملية بناء وصياغة القرار السياسي الخارجي، مع الأخذ بالحسبان لبعض الفوارق والاعتبارات التاريخية والأخلاقية التي تتحكم بها طبيعة المجتمع وتعاليمه الدينية والاجتماعية، كالفوارق في العادات والتقاليد، والنظرة التاريخية.

وهنا نقف قليلا عند هذه النقطة، والتي تفترق فيها الدول في الإطار الداخلي الخاص لسياساتها الخارجية، رغم اشتراكها في البناء الخارجي، فتتميز كل واحدة من تلك الدول وبدون استثناء ببعض الصفات والموروثات التي لا يشاركها فيها أي من دول العالم الأخرى، وبالتأكيد فان الولايات المتحدة الأميركية هي واحدة من أهم دول العالم اليوم، والتي يتحكم في بناء قراراتها الخارجية وصياغتها، عدد كبير من العوامل الخاصة ـ التاريخية منها والسياسية والثقافية ..الخ ـ والتي تميزت بها عن بقية دول العام، لدرجة أن ذلك الرقم من المتناقضات والاستثناءات قد تسبب لها في كثير من الأحيان بالفوضى وازدواجية المعايير والتناقض، مما افقدها قدرتها على ممارسة السياسة الخارجية بطريقة مفهومة وواضحة ومتزنة، وسبب لها الكثير من الإحراج مع أصدقائها وحلفائها، وافقدها ثقة الآخرين بها، وهو ما أشار إليه الأستاذ والتر.أ. مكدوجال في كتابه (ارض الميعاد والدولة الصليبية) حول أسباب ذلك الارتباك فيقول: إن (الارتباك والتضارب أصبحا القاعدة في العلاقات الخارجية الأميركية، وليس ذلك بسبب افتقادنا للمبادئ التي ترشدنا، ولكن لأننا قننا مبادئ دبلوماسية عديدة منذ عام 1776م تتجاذبنا كلها في نفس الوقت.

هذا بالإضافة إلى عدد من العوامل السيكولوجية والأيديولوجية والتاريخية، والتي لازالت الولايات المتحدة الأميركية واقعة تحت وطأة ضغوطاتها وامتداداتها، كالعقدة التاريخية المتمثلة في التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الهنود الحمر، والانعزالية الأنانية التي مكنت هتلر من ارتكاب جرائمه، والعنصرية المعادية لليابان والتي ساعدت في التحريض على قصف بيل هاربر، هذا بالإضافة إلى استخدام الأسلحة النووية، والاستعمار الاقتصادي الذي أثار الحرب الباردة، والعسكرية التي تسببت في سباق التسلح النووي، وهو ما يؤكده الكثيرون من أساتذة التاريخ والعلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وليس انتهاء بما أطلق عليه سيرجيوليون في نظرته للولايات المتحدة الأميركية بقوله: إن أميركا كانت دائما طيبة وسيئة وقبيحة ـ مثالية منافقة وواقعية غالبا في الوقت نفسه ـ لذلك فإننا مضطرون لإعادة التفكير في أميركا وفي العالم المعاصر ثم في العلاقة بينهما.

لذلك فان كل تلك التناقضات في السياسة الخارجية الأميركية، قد أوقعها في مأزق حرج، وخصوصا في علاقاتها الدبلوماسية مع الآخرين، وعلى وجه التحديد في سياسة ضبط النفس الاستراتيجي، ونظرة الآخرين إلى مصداقيتها الأخلاقية، وطبيعة نواياها المستقبلية، وهو ما نود أن نشير إليه في هذا الموضوع، انطلاقا مما سبق ذكره وغيره الكثير، متناولين بعض الأمثلة التاريخية على ذلك، كعلاقاتها مع روسيا والصين واليابان على سبيل المثال لا الحصر، ففي الوقت الذي تشعر فيه هذه الإمبراطورية بأنها وصلت إلى أوج قدرتها الجيواستراتيجية، والمتمثلة في اتساع رقعتها الجغرافية الدولية وهيمنتها العسكرية لا زالت تواجهها كثير من العقبات الجيوبوليتيكية والمتمثلة في كراهية الكثير من شعوب الأرض لسياساتها الامبريالية والاستعمارية والتوسعية، رغم أن هذه التوجهات الأخيرة لم تضعف من قدراتها الجيواستراتيجية على المدى القصير، ولكن من المؤكد بان استمرار هذه الإمبراطورية في السير على طريق القوة الصلبة، سيؤثر بالتدريج في قوتها الناعمة الطرية على المدى البعيد، مما سيفقدها القدرة في الاستمرار على هرم القيادة العالمية، أو كونها إمبراطورية تدور حول فلكها بقية الأجرام الأرضية.

فها هي علاقاتها مع العملاق الروسي القادم بقوة تتدهور بشكل تدريجي، رغم المحاولات المستمرة من قبل الطرفين لامتصاص تلك الخلافات والاختلافات الواضحة في وجهات النظر، حول طريقة إدارة مصالحهما الجيواستراتيجية في العالم، فبداية من الدرع الصاروخي الذي تعتبره روسيا تهديدا لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، إلى التدخلات الأميركية المستمرة في الشأن الداخلي الروسي، وليس انتهاء بمساعي الإمبراطورية الأميركية إلى اقتصاص ما ينبت من ريش على جناحي الدب الروسي، وذلك بهدف إبقاء هذه الأخيرة في عداد الأموات، وذلك على اعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية تنظر إلى روسيا على أنها التهديد العسكري الوحيد لمصالحها ولأمنها القومي والوطني، (كونها البلد الوحيد الذي يملك قذائف ورؤسا حربية نووية كافية لتدمير الولايات المتحدة الأميركية، ثم أن لروسيا نطاقا جغرافيا هائلا، وشعبا مثقفا، وعلماء ومهندسين مهرة، وموارد طبيعية هائلة)، مع عدم تناسي التقارب الأميركي الياباني الذي لم تخف روسيا قلقها المتزايد منه، وهو ما عبر عنه لافروف في لقائه مع وزيرة الخارجية الأميركية بتاريخ 13/10/2007 م بقوله: إنه ضد (التورط الياباني) في الخطط الدفاعية الأميركية، مشيرا إلى أن التعاون العسكري المتزايد بين اليابان وأميركا وأستراليا سيؤدي إلى (نتائج سلبية) على المنطقة، وعليه فان هذه النظرة السياسية إلى علاقتها مع روسيا، قد أوقعتها في شرك الارتباك والتناقض، وسبب لها نوعا من الفوضى في سياسة ضبط النفس الاستراتيجي مع دولة كروسيا على سبيل المثال.

كما أنها لا زالت إلى يومنا هذا ـ أي ـ الولايات المتحدة الأميركية، غير قادرة على استيعاب القوة الصينية المتنامية في مختلف الجوانب، وامتصاص مخاوف العملاق الصيني من طبيعة النظرة الأميركية إلى تلك القوة، حيث تعتبر الإمبراطورية الأميركية التنين الصيني احد ابرز منافسيها على رقعة الشطرنج الدولية وآسيا على وجه التحديد، في وقت تنظر فيه الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية على أنها واحدة من القوى الدولية التي تشكل تهديدا لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية في مناطق معينة من العالم، وخصوصا من خلال دعم الولايات المتحدة الأميركية المستمر والمتواصل لاستقلال تايوان والتي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من دولتها وسيادتها الوطنية، مما دفع هذه الأخيرة إلى تقوية علاقاتها الأمنية مع اليابان واستراليا وغيرهما من الدول الآسيوية، وذلك على حساب التفاهم الهش أصلا بين واشنطن وبكين حول المسائل الاستراتيجية والجيوبوليتيكية، ويجادل الأستاذ آرثر والدرون في كتابه (كيفية عدم التعامل مع الصين) وهو مختص بدراسة الشأن الصيني بأنه (إذا استمرت الاتجاهات الراهنة، فستصبح الحرب في آسيا محتملة عاجلا أم أجلا.. فالصين اليوم تسعى لإخافة الولايات المتحدة الأميركية كي تبتعد عن آسيا الشرقية، بطريقة تشبه إلى حد ما سعي ألمانيا لإخافة بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى).

وآخر الأمثلة الراهنة والحديثة على تأزم الدبلوماسية الأميركية، ووقوعها في موقف حرج مع بعض حلفائها الاستراتيجيين هو موقفها من اليابان حول قضية تحميل طوكيو الجزء الأكبر من تكاليف إمدادات المياه والمرافق إلى القواعد العسكرية الأميركية في اليابان وتغطية التكاليف المرتفعة لعملية تعزيز القدرات العسكرية الأميركية في آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة كوريا الشمالية والصين، حيث تسعى اليابان في هذا الشأن إلى خفض ما يسمى بـ(ميزانية التعاطف) التي تخصصها سنويا بموجب اتفاقيات ثنائية للمساعدة في دعم نحو 50 ألف عسكري أميركي في اليابان، حيث ان هذه الأخيرة قد عانت كثيرا من ارتفاع التكلفة الناتجة عن ذلك الدعم، والتي تجاوزت ابتداء من سنة 1978 حتى سنة 2006 مبلغ 13 تريليون ين ياباني تقريبا كنفقات تمركز القوات الأميركية داخل اليابان، في المقابل تنظر الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا الحليف موقف الحذر، رغم انه ليس هناك من إرهاصات تدل على تفوق ياباني قريب على الإمبراطورية الأميركية، إلا انه وقبل سنوات مضت كان الأميركيون يخشون أن يتفوق اليابانيون عليهم، وقد ورد وصف بليغ الإيجاز في مقال لمجلة نيوزويك تحت عنوان (ساعة القوة) في سنة 1989م، حول هذه القضية، وهو أن (السؤال المقلق في غرف الاجتماعات والمكاتب الحكومية حول العالم، هو ما إذا كانت اليابان على وشك أن تصبح قوة عظمى تحل محل الولايات المتحدة الاميركية كعملاق المحيط الهادي، وربما حتى الأمة رقم 1 في العالم كله).

وهكذا وقعت الولايات المتحدة الأميركية في عدد من المواقف الدبلوماسية الحرجة والمربكة لسياستها الخارجية، نتيجة لتلك العوامل التي لم تستطع إلى يومنا هذا العمل على التنصل منها بهدف الحياد، أو حتى إيجاد طريقة ما لامتصاص آثارها السلبية على الآخرين، مما حتم عليها في كثير من الأحيان ودفعها للتنازل عن بعض من مكانتها الاستراتيجية وقوتها السيادية الدولية، وذلك بهدف إرضاء حلفائها ومن هي في حاجة إليهم، كما وسبب لها كما سبق واشرنا كثيرا من الارتباك والفوضى، وافقدها ثقة الآخرين فيها، وغيرها من الآثار التي لا زالت الولايات المتحدة الأميركية تعاني منها في علاقاتها الخارجية مع العديد من دول العالم، لذا فان الحل هو بان تتمكن الولايات المتحدة الأميركية ممثلتا بوزارة الخارجية من التوصل إلى نقاط التقاء مع العالم، بداية بانتهاج القوة الناعمة الطرية كبديل للقوة العسكرية، والعمل على إيجاد سياسة خارجية حيادية، وبناء دبلوماسية أكثر مرونة، وهو ما يشير إليه ـ نيوت جينجريتش ـ رئيس مجلس النواب الأميركي في الفترة من (1995ـ 1999م) بقوله: يجب أن تكون لدينا وسائل سياسية فعالة وموثوقة تتجاوز وزارة الدفاع، ولن يحصل هذا إلا إذا قمنا بعملية تغيير جذرية طال انتظارها لوزارة الخارجية، وإلا فان الولايات المتحدة الأميركية ستجد نفسها في موقف دفاعي على كل الأصعدة) في نهاية المطاف.

ــــــــــــــــــ

* كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية - سلطنة عمان

azzammohd@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ