ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حماية
الرموز .. بين العزّة والذلّة ! ماجد زاهد
الشيباني حين يـُتخّذ شيء ما رمزاً ، لابدّ
من حمايته ، وإلاّ فقد قيمته ،
وفقد المرموز له به ، قيمته
أيضاً ! قد تـُتخّذ الأشياء رموزاً ،
لأفراد ، أو لقبائل ، أو لدول
وأوطان ، أو لأمم بأسرها .. وتضفى
عليها هالات ، من نوع ما من
القداسة ، تَفرض على أصحاب
الرموز احترام رموزهم ،
وتكريمها ، والدفاع عنها ،
والموت في سبيلها .. إذا اقتضى
الأمر ذلك! من أنواع الرموز ، على سبيل
المثال : _ من الرموز الفردية : كان الشارب
، في مرحلة ما ، يرمز إلى
الشجاعة والأنفة والإباء ،
ويرتبط بكرامة صاحبه ارتباطاً
شديداً ، حتى يصبح الاعتداء
عليه ، أو الاستهانة به ، جريمة
بشعة ، في نظر صاحبه ، لا يهدأ له
بال ، حتى يثار ممّن ارتكب هذه
الجريمة ! - من
الرموز القبلية : كانت القبائل
العربية ، في مراحل متعاقبة ،
تتّخذ لها رموزاً ، تعبّر عن
شخصيتها ، وتنسج حول هذه الرموز
مشاعر خاصّة ، وتصورات معيّنة ،
وهالات من التمجيد والاحترام ،
توجب صيانة الرمز، من كل سوء أو
عبث .. حتى لوأدّى ذلك إلى سيول
من الدماء ! لأن قيمة الرمز
ارتبطت ارتباطاً قوياً ، بقيمة
أصحابه ! فالعدوان على الرمز
هوعدوان صارخ بشع ، على أصحابه
..! وقد يكون الرمز القبلي ، اسم
امرأة ، ذات شأن عظيم ، وقيمة
كبيرة في القبيلة .. كما قد يكون
اسم فرس ، أو ناقة ، أو غير ذلك ..! فيصيح كل فرد في القبيلة ، عندما
ينتخي لحرب ، أو مكرمة ، أو تحدّ
، من نوع ما : أنا أخو فلانة .. أو:
أنا أبو فلانه .. أو يقول : أنا
راعي الحمراء .. أو الزرقاء .. أو
الخضراء .. أو البلهاء .. أو
العوجاء .. إذا كان المنتخَى به
اسمَ فرس أو ناقة ، تحمل صفة من
الصفات المذكورة ! ونحسب بعض
القبائل العربية ، في كثير من
أنحاء العالم العربي ، ماتزال
حتى اليوم ، تمجّد هذه الرموز،
وتربط كرامتها بكرامة رموزها ،
وتصونها من كل عبث وسوء ! ـ من الرموز الحزبية : الرايات
والأعلام ، الخاصّة بكل حزب ،
والتي تُرفع في المناسبات
السياسية والاجتماعية ،
كالانتخابات ، والصراعات بين
الأحزاب ، وغيرذلك! ومعلوم أن
لراية الحزب ، شارة مميّزة ، أو
لوناً مميّزاً ، أوصورة معيّنة
، ترسم على الراية ..! فرمزا
الحمار والفيل ، المعبّران عن
الحزبين الكبيرين في أمريكا ،
على سبيل المثال ، معروفان لدى
كل فرد أمريكي ، ولدى كل شخص في
العالم ، يراقب الانتخابات
السياسية التي تجري في أمريكا .
إذ يرفع أنصار كل حزب ، الراية
المعبّرة عن حزبهم ، بل ترسم
صورة الرمز ، على صحف ومنشورات
خاصّة بالحزب ، وتوزّع على
محازبيه ومناصريه ، والمطلوب
منهم تأييده ، في صراعه السياسي
ضدّ خصومه ! وليست
هذه الظاهرة مقتصرة على أمريكا
، بل هي منتشرة في أنحاء العالم
، ومنه العالم العربي ، وما فيه
من أحزاب ! - من
الرموز الوطنية : الأعلام كذلك .
فالعلم هو أهمّ رمز وطني ، على
الإطلاق ! فهو يعبّر عن سيادة
الدولة وكرامتها ، وقوّة ارتباط
مواطنيها بها ! فهو يحيّى كل
يوم، ويرفع فوق المؤسّسات
الحكومية والوطنية ، داخل
الدولة ، وفوق مؤسّساتها الأخرى
خارجها ، كالهيئات الدبلوماسية
، من سفارات ، وقنصليات ،
وملحقيات ، وغيرها ! • من
المظاهر المألوفة : ـ إهانة فريق حزبي لعلَم خصمه ،
في الصراعات الحزبية ، داخل
الوطن الواحد ! وذلك بإحراق
العلم ، أو وضعه تحت الأرجل ، أو
نحو ذلك ..! ـ إهانة أعلام الدول المعادية ،
من قبل الجماهير، في دولة
معيّنة يشعر شعبها بالكره ، أو
بالتحدّي ، إزاء الدولة الأخرى
، التي يهان علمها ، في
المظاهرات الشعبية الحاشدة ! * من الطرائف التاريخية النادرة : قتِل
كلب ، لإحدى الأسر القبلية
القديمة . فعلم شيخ الأسرة
وكبيرها ، بالأمر. وكان ، بما له
من خبرة ، ومعرفة بشؤون الناس ،
ونفسياتهم .. يدرك أن العدوان
على الكلب ، هو عدوان على أصحابه
، والاستهانة به استهانة
بأصحابه ! فقال لرجال الأسرة ،
من أبنائه وأبناء إخوته وأقاربه
: اقتلوا مًن قَتل الكلب !
فاستهان الرجال بالأمر ، وقالوا
: يبدو أن الشيخ يهوّل الأمر ،
ويعطيه أكبر من حجمه .. أمِن أجل
كلب نقتل رجلا !؟ ولم ينفّذ أحد
أمرَ الشيخ . وبعد شهور قليلة ،
سُرقت فرس من خيل الأسرة ، فجاء
الرجال إلى الشيخ ، يسألونه
عمّا يفعلون .. فقال لهم : اقتلوا
مَن قتل الكلب ! فقال الرجال :
يبدو أن الشيخ فقد قدرته على
التفكير السليم .. نسأله عمّا
نفعل بشأن الفرس المسروقة ،
فيعيدنا إلى قتل الكلب ! ولم
ينفّذ أحد أمر الشيخ ، بقتل قاتل
الكلب . وبعد شهور قليلة ، اعتدى
أحد الناس على حريم الأسرة ،
واختطف إحدى الفتيات ، وهرب بها
.. فاضطربت الأسرة اضطراباً
شديداً ، ولجأ الرجال إلى الشيخ
، يستطلعون رأيه في الأمر ، فقال
لهم بهدوء : اقتلوا من قتل الكلب
! وخرج الرجال ، ونفوسهم مشحونة
بالحيرة والقلق ، والإحساس
بالهوان ..! وتشاوروا فيما بينهم
، وقرّروا قتل قاتل الكلب ،
تعبيراً عن إحساسهم باليأس
والإحباط ، لاتنفيذاً لأمر
الشيخ ، وهجموا على قاتل الكلب
فقتلوه ..! ولم تمض إلاّ أيام
قليلة ، حتى حضر سارق الفرس إلى
بيت الشيخ ، مستجيراً ، طالبا
عفوه ، واضعاً نفسه تحت رحمته،
راضياً بما يفرضه عليه ، من
عقوبة ، على سرقة الفرس ! وبعد
أيّام قليلة أيضاً ، حضر الشابّ
الذي خطف الفتاة ، وقد وضع في
رقبته حبلاً، وجثا بين يدي
الشيخ ، طالباً منه الصفح
والمغفرة ، على فعلته الشنيعة ،
وإهانته للأسرة باختطاف ابنتها
..! لقد علم
كل مِن سارق الفرس وخاطف الفتاة
، بقتل قاتل الكلب ، فقال في
نفسه : إذا كان هؤلاء قد قتلوا
رجلاً من أجل كلب ، فماذا يفعلون
بي ، إزاء جريمتي ، وهي أكبر
وأخطر من جريمة قاتل الكلب ! • والسؤال
المطروح اليوم ، هو : بصرف النظر
عن طرائق الأفراد ، والدول ،
والقبائل ، والأحزاب ، في حماية
رموزها .. هذه الطرائق التي قد
يراها بعض الناس قاسية ، وقد
يراها آخرون غريبة .. نقول : بصرف
النظر عن هذا كله .. هل بقي
لأمتنا الصابرة المسحوقة ، رموز
لم يعبث بها الآخرون ، من قيَم
وأفكار، وأشخاص،
وعقائد ، ومقدّسات ،
ومحرّمات !؟ وبناء عليه : هل بقي
لدى هذه الأمّة من النخوة ،
ما يدفع رجالَها ، أصحاب
النخوة والمروءة ، إلى حركة
تحمي أقدس المقدّسات ـ ولانقول
المقدسات كلها ـ ! ومن باب أولى ،
ألاّ يخطر في بالنا حماية كلب أو
فرس، أو
بئر نفط ، أو متحف آثار !؟ أم ينطبق على الأمّة كلها ، قول
الشاعر : مَن يَهن يَسهل الهوان عليه
ما لجرحٍ بميّتٍ إيلام ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |