ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حكومة
ثانية في لبنان! .... أي ريحٍ
عاتية أطاحت بها؟ الطاهر إبراهيم* يوم 22 تشرين ثاني، كان يوم الخميس
الكبير في لبنان. وزيرا خارجية
اسبانيا وإيطاليا وصلا إلى
بيروت لينضما إلى الوزير
الفرنسي كوشنير، الذي كان ينتقل
من عين التينة إلى قريطم إلى
الرابية إلى السرايا إلى بكركي
إلى.... في حركة مكوكية، كأنه أمٌ
فقدت وليدها. حتى إذا ما كان يوم
الخميس مساء، عقد مع الوزيرين
الآخرين مؤتمرا صحفيا، ليعلنوا
فيه فشل مساعيهم، التي أرادوا
منها إحداث اختراق في مواقف
الفرقاء اللبنانيين، وفجوة في
جدار العناد اللبناني. وبدا
وكأنهم ينعون في حديثهم
المبادرة الفرنسية ويقرأون على
جثمانها المسجى فصلا من إنجيل
يوحنا، وليقول لسان حالهم: لك
الله يا لبنان. ونام اللبنانيون ليلتهم تنتابهم
الكوابيس عما سيحصل في اليوم
التالي يوم الجمعة 23 تشرين وهو
اليوم الأخير في المهلة
الدستورية، وقد حبسوا أنفاسهم
خوفا مماسيكون في غدٍ بعد أن
أعلن تجمع 14 آذار مساءَ الخميس
من فندق فينيسيا، رفضَهم القاطع
لمبادرة الجنرال عون ،وأوصوا
النواب بالتوجه إلى مبنى
البرلمان، من دون تنويهٍ عما
إذا كانوا سينتخبون أم أن ذلك
إثباتا لوجودهم مُتَحَدّين
الذين هددوا بأنهم لن يعترفوا
برئيسٍ انتخب بأقل من الثلثين.
ظهر يوم الجمعة توافد الصحفيون
إلى مبنى البرلمان، وقد وضعوا
أيديهم على قلوبهم خوفا مما لا
تحمد عقباه ومما سيحصل. غير أن
المشهد في مبنى مجلس النواب
اللبناني لم يكن كما توقعه
المراقبون الدوليون، بل كان
لقاء عاديا لا يختلف عما يحصل في
كل مرة. فقد دخل نواب الموالاة
قاعة المجلس، وحضر لفيف من نواب
حزب الله وحركة أمل، لكنهم لم
يدخلوا قاعة المجلس، وقاطع نواب
الجنرال عون، وتم تأجيل جلسة
الانتخاب. وإذ لم تحصل المواجهة في مجلس
النواب، فقد توجهت الأنظار إلى
قصر "بعبدا" حيث كان الرئيس
"لحود" يجمع أوراقه. مع أن
البعض كان يؤكد أن لحود لن يعلن
عن تشكيل حكومة ثانية فإن البعض
الآخر خشي من مفاجآت اللحظة
الأخيرة حيث كان يعتقد أن عزل
"لحود" داخليا وخارجيا،
ربما يجعله يقدم على انتقام من
نوع ما. ومرت المهلة بسلام، إذ
لم يُعتبَر تكليفُه للجيش
بالقيام بمهمة حفظ الأمن وكأن
البلاد في حالة طوارئ أمراً ذا
بال، بل اعتبر ذلك تحصيل حاصل
حيث كان الجيش قد اضطلع بهذه
المهمة من قبل. أحداث يوم الخميس ويوم الجمعة
يرجعها بعض نطاسي الأزمات
السياسية إلى صفقاتٍ قد عقدت من
وراء ظهر لحود ومن وراء ظهر
الجنرال عون، وربما بعيدا عن
أنف "كوشنير" الذي أزكمته
رياح باردة هبت على لبنان. فما
هي هذه الصفقات، ومن اضطلع بها؟ أحد نطاسي الأزمات أكد أن
السيناريو الذي جرت فصوله يوم
الجمعة في بيروت تم ترتيبه
بموافقة واشنطن ودمشق، وبرضا
الموالاة والمعارضة، بعيدا عن
الجنرال. فقد كانت دمشق ترفض أن
يأتي الجنرال "عون" رئيسا
للجمهورية، وربما أكثر من رفضها
مرشَّحَيْ الموالاة بطرس حرب
ونسيب لحود، لأنه لا ينطلق إلا
من قناعته وهو أمر لا يخدم مصالح
سورية في لبنان والمنطقة. وإذا
كان حزب الله أصر على ترشيح "عون"
فلأنه يدرك أن الموالاة لن
توافق عليه، وكفى الله المعارضة
شر الخجل مع عون. ليس سرا أن أكثر من جهة إقليمية
ودولية مؤثرة أرادت تأجيل
الاستحقاق الرئاسي إلى ما بعد
مؤتمر الخريف في "أنابوليس".
ففي مؤتمر وزراء الخارجية العرب
الأخير في الجامعة العربية،
علقت دمشق اشتراكها في مؤتمر
"أنا بوليس" على إدراج قضية
انسحاب إسرائيل من الجولان على
طاولة البحث في المؤتمر. وإذا
كانت دمشق لم تتخل يوما ما عن
قضية الجولان، إلا أنها كانت
تهدف بالدرجة الأولى من
مشاركتها إلى إعادة المياه إلى
مجاريها مع واشنطن، ولم تكن
تخفي هذا الأمر. ولذلك كانت
وزيرة الخارجية الأمريكية تصر
على أن إصلاح ذات البين مع دمشق
متوقف على تركها اللبنانيين
ليختاروا الرئيس بعيدا عن ضغوط
دمشق في فرض رئيس موالٍ لها. وبما أنه قد تم التوافق على حضور
سورية مؤتمر الخريف، فقد أوعزت
دمشق إلى الرئيس اللبناني "لحود"
بصرف النظر عن تشكيل حكومة
ثانية في لبنان، الأمر الذي كان
من شأنه أن يحبط مسعاها في ما
تريده من وراء حضورها "أنا
بوليس" فيما لو أعلن تشكيل
حكومة ثانية. وغني الذكر أن دمشق
كانت تريد من حضورها أنا بوليس
–بالدرجة الأولى- إبعاد شبح
المحكمة الدولية عنها والخروج
من عنق الزجاجة، ولن يكون ذلك
إلا برضا واشنطن. وإلا فإن إعادة
الجولان لن تتم إلا باتفاق
وتسوية شاملة مع إسرائيل، لن
تكون في أنابوليس ،فالجميع يعرف
أن المؤتمر مجرد علاقات عامة
تخدم الرئيس "بوش"، لا أكثر
ولا أقل.
هذا السيناريو أكده تأجيل مؤتمر
الفصائل الفلسطينية المقرر
عقده في دمشق بالتزامن مع مؤتمر
"أنابوليس"، وربما إلغاؤه
نهائيا إذا هبت الريح كما تريد
دمشق. كما تسربت أخبار عن عرض
طهران استضافة هذا المؤتمر
وتمويله. صَرْفُ النظر عن تشكيل حكومة
ثانية في لبنان، إنما يعني –حكما-
أن حكومة "السنيورة" باقية
في السراي مع اضطلاعها بمهام
رئيس الجمهورية حسب ما ينص عليه
الدستور اللبناني واتفاق
الطائف. وإلا فإن حزب الله كان
يريد رحيل حكومة "السنيورة"
اليوم قبل الغد. وبما أن دمشق
رضيت فالأمر عند حزب الله
مختلف، لأن مواقفه من وراء رضا
دمشق، وكما يقول المثل: "إذا
القاضي راضي، فلا شأن للمستنطق".
وإذا لم يسفر مؤتمر "أنابوليس"
عن نتائج مرضية، "فإن لكل
ساعة ملائكة"، ولكل حادث حديث.
لا أوهام عندي بأن الخارطة
اللبنانية يمكن أن تبقى على
حالها. فمما لا شك فيه أن
الجنرال "ميشيل عون" كان
يعلق آمالا واسعة على مبادرته.
فإن قُبِلت فذلك الذي أراد، وإن
رفضت ،فقد كان يظن أن حزب الله
سيكون له شأن. المبادرة لم ترفض
فحسب، بل وُضِعَ الجنرال في
موقع من يخرق الدستور. وكانت
النتيجة أن "لحود" رحل عن
قصر "بعبدا"، وبقي "فؤاد
السنيورة" في "السراي"،
مع مهام رئيس الجمهورية، ولم
يحرك حزب الله ساكنا. ليس لي قبعة، ولا أضع "غترة"
فوق رأسي. ولو كانت لي واحدة
منهما، لرفعتها عن رأسي احتراما
للبنان ولسياسيي لبنان. صحيح
أنهم يختلفون، وكثيرا ما يكون
ذلك بصوت مرتفع، إلا أن عندهم
دستورا يحتكمون إليه مهما كانت
عيوب هذا الدستور. بينما حكام
أكثر الدول العربية عندهم
دساتير، ولكن لا ليحكمون
بموجبها، بل ينظرون إليها على
أنها مواد تدرس في كليات الحقوق
والاقتصاد السياسي، وليس
بالضرورة أن يعمل بها، إلا فيما
ندر. *كاتب سوري
------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |