ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ومضات
محرضة : حكماء
الأوطان .. وليلى الحائرة ! عبدالله القحطاني
(جميل أن تكون ليلى ، رمزاً
للحكمة التي يتنافس على وصلها
ساسة الأوطان)! قال الشاعر : وكلّ يدّعي وصلاً بليلى
وليلى لا تُقِرّ لهمْ بذاكَ ومن الطريف أن ليلى أصبحت رمزاً
لأشياء كثيرة ، يتنافس فيها
الناس ، أو يتنافسون في
ادّعائها ! منها حبّ الأوطان ،
على سبيل المثال ! ومنها الحرص
على المصلحة العامة ، ومنها
الحكمة .. وغير ذلك من ليلياتٍ
تغنّى بها المتنافسون . (ولا
نقول : تغنّى بهنّ .. لأن نون
النسوة لاتدخل على غير النساء ..
إلاّ على سبيل المجاز ! وواضح أن
الحديث هنا، ينصبّ على رموز،
لاعلى بشر!) . وإذا
كان حبّ الأوطان ، مثلاً ، أمراً
طبيعياً فطرياً ، يستطيع كل
إنسان أن يدّعيه لنفسه ، دون أن
يتّهم بالكذب ، بدايةً ..
ويستطيع كل مواطن ، في أيّة
دولة ، أن ينافس الآخرين فيه،
حقيقةً أو ادّعاءً ، فتختلط
أصوات المنافقين الذين يتاجرون
بحبّ الأوطان لخدمة مآربهم
الخاصّة..بأصوات المخلصين الذين
يبذلون نفوسهم دفاعاً عن
الأوطان ، ويصعب على المرء،
بدايةً ، التمييز بين
الصادق والكاذب منهم ، إلاّ بعد
تجارب قد تكون طويلة ومريرة ..! نقول : إذا كان هذا هو الشأن في
مجال التنافس في حبّ الأوطان ،
فإن التنافس في الحكمة وادّعاء
الحكمة ، يختلف ، قليلاً أو
كثيراً .. لأسباب عدّة ، من
أهمّها : أن الحكمة يمكن كشفها بسهولة ..
لأنها تصعب تغطيتها ـ وجوداً أو
عدماً ـ بالأصوات المرتفعة
والشعارات الرنانة ! فيكفي
مدّعيها أن يقول كليمات قليلة ،
تكشف مالديه من حكمة أو حماقة !
ولا يحتاج الناس إلى أن يسلموه
مقاليدها ليجرّبوه ، كما يفعلون
مع مدّعي حبّ الأوطان ! والوطني
العاقل الذي يحرص حقاً على
مصلحة وطنه وشعبه ، يسَرّ
كثيراً ، حين يرى ساسة وطنه
يتنافسون في ادّعاء الحكمة ..
وذلك لأسباب عدّة ، أهمها أيضاً
، هنا : • إنّ
ادّعاء الحكمة ، يعني أن
المدّعي شخص لديه نوع من
العقلانية ، ومن معرفة قيمة
الحكمة ، التي قال عنها الله عزّ
وجلّ : (ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد
أوتيَ خيراً كثيراً). فالتنافس
في ادّعاء الحكمة ، أهمّ من
التنافس في ادّعاء أيّ شيء آخر
يمكن أن يتنافس فيه الناس ، من
صفات يزعمون التحلّي بها ، أو
أشياء ثمينة يدّعون ملكيتها ! • التنافس
في ادّعاء الحكمة ، يجعل المرء
يترفّع عن كثير من الصفات التي
تناقضها ، من سفاهة ( وأنواعها
كثيرة ) أو انحطاط خلقي ( وأصنافه
عدّة ) أو نحو ذلك .. كيلا يكشف
نفسه إذا كان مدعياً للحكمة !
أمّا إذا كان يملك شيئاً من
الحكمة حقاً ، فهو سيجتـنب
مايناقضها بداهةً ؛ لأن الحكمة
التي لديه تمنعه من الوقوع فيما
يناقضها ..! • إذا
كان بعضهم وصفَ التواضع ، بأنه
الصفة الوحيدة التي لايمكن
المفاخرة بها ( لأن من يفاخر
بتواضعه ينسفه من أساسه!) فإن
الحكمة تدخل في هذا الباب ، في
أكثر الأحيان ؛ إذ يصعب على
الناس أن يصدّقوا دعوى إنسان
بأنه حكيم ، إذا ظلّ يسمِعهم ،
بمناسبة ، وبغير مناسبة ، أنه
حكيم .. يصرّح بها مرّة ويلمّح
مرّة .. يَصرخ بها مرّة ، ويهمس
مرّة ..! لأن أيّ عاقل يعرف شيئاً
من معاني الحكمة ، سيدرك ببساطة
، أن مدّعي الحكمة هذا ، كذاب أو
أحمق ، يدّعي الحكمة بما
يناقضها؛ وهو التظاهرالفجّ بها!
• احتكار
الحكمة ، وتجريد الناس منها ،
والتعالم عليهم بها.. كل ذلك من
المصائب العقلية، التي تكشف
حماقة صاحبها ! لأن الله ،
الحكيم العليم ، لم يَنفِ
الحكمة عن بعض عباده ، وأثبتها
لأناس منهم ، وصفَهم أنهم من أهل
الحكمة التي آتاهم إيّاها !
فأنّى لمخلوق ، أياّ كانت درجته
من العلم والفهم والحكمة ، أن
يستطيع الادّعاء ، بأنه هو وحده
، يملك الحكمة دون سائر البشر !؟
إن هذا مظهر بشع من مظاهر
الحماقة ، التي تتضمّن هنا،
فيما تتضمّن ، السخف والابتذال
، وضعف الاتّزان النفسي والعقلي!
(ولعلّ من أسرار الله في خلقه ،
أن المرء ، كلما ضعف عقله ،
ازداد إحساساً بقوة ملكاته
العقلية ، من ذكاء وحكمة ،
وحصافة وفهم ..! حتى إذا بلغ
مرتبة الجنون المطبق ، رأى نفسه
العاقل الوحيد في العالم ، ورأى
الناس كلهم مجانين !). • ينبغي
التذكير بأن الملكات العقلية ،
ليست شديدة الارتباط فيما بينها
دائما ؛ فقد يكون الرجل حادّ
الذكاء ، ويمتلك مع ذلك ، قسطاً
ضخماً من الحماقة ! كما قد يكون
الرجل قليل الذكاء ، ويكون ، في
الوقت ذاته ، على قدر من الحكمة !
والحكمة هِبة من الله ، قد
يملكها أميّ لايعرف القراءة
والكتابة، ويُحرم منها شخص مثقف
واسع الاطلاع والمعرفة، أو يحمل
درجات علمية عالية ! وكثيراً
مايرى المرء ، إنساناً بليد
الذهن ، أو ضعيف الذكاء ، يتصرف
بهدوء ، وبمزاج مستقرّ متّزن ،
في حياته ، وفي تعامله مع الناس
.. دون سفاهة أو طيش ، أو حدّة
انفعال .. ممّا يَظهر لدى أذكياء
مثـقّفين حمقى ! ومن هنا جاء قول
الشاعر:
لكلّ داءٍ دواءٌ يُستَطبّ
به إلاّ
الحماقةَ .. أعيتْ مَن يداويها! ومن الطريف أن تصنيف المتضادّات
، جعل العاقل ضدّ المجنون وضدّ
الأحمق ، وجعل النبيه ضدّ
المغفّل ، وجعل الذكيّ ضدّ
الغبيّ .. وهكذا ! * الدافع إلى هذا البحث كله ،
مانراه على الساحة السياسية
السورية ، من حِكم متناقضة،
يلوي بعضها أذرع بعض ، ويمسك
بعضها بخناق بعض ، بين السلطة
والمحسوبين عليها، وبين بعض
المعارضات ، القريبة من تفكير
السلطة والبعيدة عنه ! وأكثر
ماتتناقض الحِكم ، فيما بينها ،
عند الحديث عن الطائفية ، التي
باتت تشكّل عقدة فكرية، قبل أن
تكون عقدة سياسية ! ومن ذلك ، على
سبيل المثال :
ـ ترى الأطراف السياسية
السورية ، جميعاً ، في السلطة
والمعارضة .. ضرورةَ تجنّب
المسألة الطائفية في العمل
السياسي ! ـ
يرى بعض الأطراف ، أن مجرّد
الإشارة إلى ممارسات السلطة ،
في توظيف شرائح من
الطائفة الفلانية ، هو
مساوٍ للممارسة ذاتِها ! فلا فرق
عند هذا الفريق ، بين يَفعل
الفعلَ الطائفي بشكل صارخ فجّ ،
وبين من يشير إليه مجرّد إشارة ،
مستنكراً له ، أو محذّراً من
عواقبه ! ( مع التأكيد ، على أن
الفريقين هنا ، كليهما ،
يشدّدان على ضرورة التمسّك
بالحكمة في معالجة المسألة !) ـ تقِرّ
بعض الأطراف المعارضة ،
المحسوبة على الطائفة التي
يتاجر بها آل أسد ، بأن الأسرة
الأسدية ، توظّف المسألة
الطائفية لمصلحتها ، ولإطالة
عمرها في الحكم ! ومع ذلك، قلّما
يوجّه واحد من هؤلاء ، خطاباً
جاداً ، إلى أبناء طائفته ،
يحذّرهم من عبث الأسرة الحاكمة
، بهم وبحاضرهم ومستقبلهم ! وإذا
أشار كاتب من المعارضات الأخرى
، إلى هذا التوظيف الأسدي ،
تصدّى له بعض الكتاب المعارضين
، المحسوبين على الطائفة ،
يذكّره، بلطف ، أو بغيره .. بأن
الحكمة تقتضي عدم إثارة المسألة
الطائفية ! لأن الإثارة ، بمجرّد
الإشارة ، تفكّك الوحدة الوطنية
.. وقد تؤدّي إلى تمزيق الوطن !
فهي ، بالضرورة ، منافية للحكمة
! * وتبقى أسئلة قصيرة ، لابدّ من
طرحها ، في نهاية هذه السطور ..
هي : ـ مَن المستفيد الأول ، من تشابك
الحِكم المتناقضة المتصارعة ،
الحريصة كلها ، على الوطن
والشعب ، وعلى حاضر البلاد
ومستقبلها !؟ ـ كيف يتمّ فضّ الاشتباك ، بين
الحِكم المتصارعة ، ضمن أطراف
المعارضة !؟ وهل ثمّة حكمة
محايدة ، تَدخل حكَماً بين هذه
الحكم ، وتمحّصها ، وتبيّن
مافيها من حكمة مخلصة مجرّدة ،
ومن مصلحة مغلّفة بحكمة .. ومن
خطأ في حساب الواقع ومعادلاته ،
ملبّس بلبوس الحكمة .. ومن خيوط
خفيّة تربط بين بعض الحِكم
المعارضة والحِكم المتربّعة في
كراسي السلطة !؟ ( ولن نتحدث هنا
، بالطبع ، عن السفاهات ، وحالات
النزق والطيش ، التي تَظهر في
أقوال بعض/الحكماء!/ فتلك حالات
خارجة عن السياق ؛ إذ الحديث هنا
، عن الحكمة وأشكالها
ومقتضياتها . أمّا تلك ، فلها
سياقات أخرى !) . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |