ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ما
الذي حققه ملتقى القدس الدولي
في اسطمبول الدخول
من المشترك إلى مساحات الإختلاف معن
بشور[1]* لم تكن ايجابيات ملتقى القدس
الدولي المنعقد في اسطمبول ما
بين 15 – 17 تشرين الثاني/نوفمبر
2007، محصورة بتلك الايجابيات
المباشرة والظاهرة التي لحظها
كل مشارك في ذلك الحشد العربي
والتركي، الاسلامي والمسيحي،
الاقليمي والعالمي الذي ضمه
الملتقى وأدركها كل متابع
لأعماله وجلسات افتتاحه
واختتامه التي تناقلتها بعض
وسائل الاعلام العربية
والدولية، بل شمل الملتقى
ايجابيات عميقة تتصل بالمنهج
والمناقشات و "اعلان اسطمبول"
الصادر عن الملتقى، وهي
ايجابيات لن تخفف منها ثغرات
تنظيمية رافقت عملاً بهذا الحجم
والاتساع. فالايجابيات الظاهرة والمباشرة
كثيرة دون شك وابرزها انعقاد
الملتقى في اسطمبول صاحبة
الدلالة الرمزية العريقة في
تاريخ المنطقة، وجسر التواصل
الجغرافي والنفسي بين قارات
وثقافات وحضارات وأديان،
بالاضافة الى الحشد التلقائي
المتنوع والضخم الذي فاق عدده
الخمسة الآف مشارك جاؤوا من كل
انحاء الدنيا ليلبوا نداء
القدس، فكان احتشادهم "اشبه
بالحج الى القدس في اسطمبول، بل
الى اسطمبول من اجل القدس"
ليعيدوا استئناف مسار حاول
كثيرون قطعه بين اسطمبول "وأُمها"
القدس (حسب قول رئيس بلدية
اسطمبول في حفل الاختتام)، بل
بين تركيا وفلسطين، وبين
الاتراك والعرب وسائر شعوب
المنطقة. اما الإيجابيات الاخرى التي يمكن
استخلاصها عبر التمعن في مسار
الملتقى، فيمكن ايرادها
بالتالي: اولاً: جاء الملتقى انتصاراً
لنهج يكاد يضيع وسط زحمة
الخلافات والصراعات الحادة
التي تغمر مجتمعاتنا، وفي
مقدمها المجتمع الفلسطيني، وهو
نهج التلاقي العقلاني في مساحة
المشترك الذي يوحد، لننطلق منه
الى مساحات الاختلاف لمعالجتها
واخراج مجتمعاتنا من أتون
الصراعات العبثية التي تكاد
تلتهم قضايانا ووحدة مجتمعاتنا
ورسالتنا الحضارية التي نحملها
الى العالم. ان ملتقى القدس الدولي، بهذا
المعنى، قد اثبت قدرة القوى
الحيّة في الامة والعالم على
التلاقي رغم كل انواع الانقسام
حين تتوفر الارادة السليمة
والادارة الحكيمة لتغليب
الرئيسي من التناقضات على
الثانوي من الخلافات، وهو
بالتالي قدّم منهجاً يمكن
اعتماده في كل البؤر المتفجرة
بكل انواع الصراعات للخروج من
أتونها الى رحاب السعي المشترك
الى الحرية والوحدة والاستقرار
النفسي والسياسي والأمني. كما فاجأ نجاح الملتقى ورقي
مناقشاته الكثير ممن راهن أن
حشداً بهذا الاتساع والتنوع
سيحول الملتقى الى ساحة لتفجير
الصراعات المحتدمة، سواء داخل
فلسطين أو بقية أقطار الأمة،
ونقلها من المستويات المحلية
الى المستويات الاقليمية
والدولية، فجاءت النتائج
مخالفة لتوقعاتهم المتشائمة. اما الايجابية الثانية التي كشف
عنها هذا الملتقى فهي في هذا
المشهد الجامع لكل اشكال التنوع
الديني والمذهبي والعرقي
والفكري والسياسي في الأمة
والعالم عبر ملتقى واحد كانت
منصاته المتتالية خير مسرح كاشف
لغناه وتنوعه وقدرته على
التواصل والتفاعل والتكامل. فكبار العلماء المسلمين
والاحبار المسيحيين، ورموز
قومية واسلامية ويسارية
وليبرالية، وعرب واتراك وفرس
وكرد وامازيغ واوروبيون
وامريكيون وافارقة واسيويون،
شاركوا في هذا الملتقى، على
نفقاتهم الخاصة، ليؤكدوا على
قدرة القدس على توحيد ابناء
الامة واحرار العالم، بل على
قدرة الأمة وشرفاء الدنيا على
التوحد حول القدس، وهي ظاهرة
تشتد اهميتها اذا تذكرنا ان
المصطلحات الشائعة في المنطقة
والعالم هي مصطلحات الفرقة
والتمييز على اسس عرقية ودينية
ومذهبية وحزبية. الايجابية الثالثة هي ان هذا
الملتقى الذي انعقد تحت شعار
"فلنحم وجه الحضارة" اكدّ
على ان معركة انقاذ القدس ليست
معركة وطنية وقومية، اسلامية
ومسيحية فحسب، بل معركة حضارية
بإمتياز، لأن القدس، بالمقدسات
الدينية، وبتاريخها العابق
بالتسامح الديني والتفاعل
الحضاري، هي قيمة حضارية عريقة
منافية لدعاة صراع الحضارات،
وتنابذ الاديان، وحروب الأمم،
بل أنها تقدم مثالاً في حاضرها
وتاريخها القديم على قدرة
الانسانية على تحويل الاختلاف
الى غنى، والتنوع الى اثراء،
والتباين الى تكامل. ولعل وجود شخصية يهودية غير
صهيونية، كالمحامي الأمريكي
ستانلي كوهين المعروف بعدائه
للممارسات الصهيونية داخل
فلسطين وخارجها، كان رسالة
حضارية واضحة وقوية من الملتقى،
بان تحرير القدس، ومعها كل
فلسطين، ليست تحريراً لارض
عربية محتلة من اغتصاب صهيوني
فحسب، وليس انقاذاً لمقدسات
اسلامية – مسيحية فقط، بل هو
ايضاً تحرير لاتباع الديانة
اليهودية انفسهم من جور الحركة
الصهيونية عليهم، وهي الحركة
التي كانت في الاساس "اختراعاً
عنصرياً اوروبياً في القرن
التاسع عشر للتخلص من اليهود في
اوروبا، لتتحول مع الوقت الى
حركة عنصرية ارهابية (كما جاء في
مؤتمر دوربان عام 2001 وفي اعلان
اسطمبول عام 2007)، تحول ضحايا
النازية الى جلادين جدد، وتحوّل
اصحاب الحقوق اليوم الى ضحايا. وعلى الرغم من أن غالبية
المشاركين جاؤوا من دول
اسلامية، ومن حركات اسلامية،
وبينهم مرجعيات اسلامية بارزة
كالشيخ رائد صلاح، ومفتي القدس
الحالي الشيخ محمد حسين، وخطيب
الأقصى الشيخ عكرمة صبري، ومفتي
الجزائر الشيخ محمد كركب،
والسيد على اكبر محتشمي، والشيخ
علي التسخيري، والشيخ فيصل
مولوي، وحشد من كبار العلماء في
الجزائر والخليج والمغرب
العربي وأواسط آسيا وشرقها،
وبعض هؤلاء معروف بتشدده، لكن
الحماسة التي قابل بها هؤلاء
كلمات مرجعيات مسيحية
كالبطريرك الكاثوليكي
غريغوريوس لحام، والمطران
الارثوذكسي عطا الله حنا، والاب
الماروني انطوان ضو ممثلاً
البطريرك مار نصر الله بطرس
صفير، والقس الدكتور رياض جرجور
وغيرهم من رموز مسيحية، جاءت
تعبيراً قوياً عن قوة الوحدة
التي تطلقها في الامة والعالم
قضية كقضية القدس وفلسطين. الايجابية الرابعة لقد انعقد
الملتقى في تركيا رغم الضغوط
الكبيرة التي مارستها حكومتا
واشنطن وتل ابيب لمنع انعقاده،
مستفيدين الى حد كبير من دسائس
واكاذيب حاصرت الرئيس
الفلسطيني محمود عباس توحي له
ان غاية الملتقى هو الانتصار
لفريق فلسطيني على آخر، ولجمع
اموال لصالح جهات فلسطينية،
الامر الذي استدعى من اللجنة
التحضيرية للملتقى ان تتصل
بالرئيس عباس، وتعقد اجتماعاً
معه في انقرة، لتوضيح الاهداف
الحقيقية لهذا الملتقى الجامع
الذي لا هدف له إلا نصرة القدس
وابلاغ كل المعنيين بها اجماع
ابناء الامة وأحرار العالم على
التمسك بحقوق المقدسيين
بمدينتهم، والفلسطينيين
بعاصمتهم. وعلى الرغم من ان الملتقى كان
جهداً اهلياً غير حكومي، وان
الاتراك المشاركين في التحضير
له واستقباله يمثلون بعض كبريات
المنظمات التركية التطوعية غير
الحكومية (وقف تركيا للمنظمات
التطوعية التركية، واتحاد
المنظمات الاهلية في العالم
الاسلامي)، وان القدس هي من
القضايا التي يجتمع حولها
الغالبية الساحقة من الاتراك،
ورغم العراقيل والعثرات التي
رافقت عملية منح تأشيرات الدخول
في عدة سفارات تركية في الدول
العربية بسبب تلك الضغوط، لكن
الملتقى في النهاية انعقد في
اسطمبول مؤكداً ان تركيا
الجديدة، رغم حرص حكومتها على
توازنات وعلاقات باتت معروفة،
هي في طريق العودة الى استئناف
دور مهم لها في نصرة القضية
الفلسطينية، وهو دور برز منذ ان
رفض السلطان عبد الحميد الثاني
في اوائل القرن الماضي الموافقة
على الهجرة والاستيطان
الصهيوني في فلسطين، وتجلى بشكل
خاص، كما روى لنا المشاور الاول
لرئيس الحكومة الدكتور احمد
داود اوغلو، حين حمل سفير تركيا
في الكيان الصهيوني انذار
حكومته لحكومة تل ابيب عام 1967،
باعلان الحرب عليها اذا لم
يسارع جيشها المحتل إلى نزع
العلم الصهيوني المرفوع على قبة
الصخرة. اما الايجابية الخامسة فتتصل
بكون هذا الملتقى جاء ثمرة
مبادرة من مؤسسة القدس الدولية
التي يرأسها الشيخ الدكتور يوسف
القرضاوي، ونتاج تعاون من
منظمات تركية، وتجاوب من 27 هيئة
عربية وتركية، اسلامية
ومسيحية، اقليمية وعالمية
بينها مؤتمرات واتحادات ومجالس
وهيئات عابرة للدول والاقطار[2]. لقد قدمت هذه الهيئات مجتمعة،
رغم التنوع الديني والمذهبي
والفكري والسياسي الذي يطبعها،
نموذجاً متقدماً في قدرة هذه
الهيئات على التعاون والتنسيق
فيما بينها لانجاح مبادرة
عالمية، بحجم ملتقى القدس، بما
يشجع على الاعتقاد بقدرتها على
اكمال المسيرة التي انطلقت في
اسطمبول من اجل القدس لتطلق
تحركاً انسانياً وحركة عالمية
تحاصر المشروع الصهيوني، بل
لتطلق مبادرات مماثلة من اجل حق
العودة وتحرير الجولان ودعم
الشعب العراقي في معركة التحرير
والوحدة، واسقاط مشروع التقسيم
في السودان. الايجابية السادسة والاخيرة
التي يمكن استخلاصها من هذا
الملتقى التاريخي تكمن في اهمية
هذا النوع من الاجتماعات "المتخصصة"
التي تختار قضية واحدة من
القضايا المتعددة لتسلّط
الاضواء عليها، وتؤمن الحشد
الضروري لانجاحها. وتكمن اهمية التخصص هنا ليس في
توجيه رسالة محددة للامة
والعالم حول قضية محددة، كقضية
القدس الجامعة فحسب، بل ان
التخصص هنا يفسح في المجال
لتجنيب ملتقى بهذا التنوع من
طرح قضايا سياسية آنية وراهنة
قد تؤدي الى خلافات حادة
وصراعات جانبية مدمّرة تضيع
فيها القضية المطروحة ولا تربح
القضايا الأخرى. ان أحداً لا ينكر العلاقة
الوثيقة بين القدس كعنوان لقضية
فلسطين والأمة، وبين القضايا
الأخرى التي تحاصرنا وهي فائقة
الاهمية، ولكن الملتقى الذي
يحتوي على هذا القدر من
الجماعات المتباينة في
خلفياتها ومواقفها، حاول ان
يقدم نموذجاً يقول دعونا ننطلق
مما نحن عليه متفقون، لنعالج
القضايا المتعددة التي تتعدد
وجهات نظرنا في كيفية التعامل
معها. ولقد جاء "إعلان اسطمبول لنصرة
القدس"، الذي وقف المشاركون
مصفقين طويلاً لمضمونه، محاولة
في الاتجاه ذاته، اي التأكيد
على ثوابت ومبادئ واسس تتصل
بقضية القدس على نحو يجعله
صالحاً لكل زمان ومكان، دون ان
يغفل تحديد المواقف من قضايا
راهنة متلازمة مع المؤتمر. فقد اكد الإعلان مثلاً "ان
المقاومة بكل مستوياتها،
المستندة الى وحدة وطنية جامعة
ومشاركة شعبية حرة هي النهج
الانجع لتحرير الارض، فيما لا
جدوى من مؤتمرات دولية برعاية
امريكية تهدف الى تعميق
الانقسام الفلسطيني –
الفلسطيني، وضرب التماسك
العربي – والاسلامي،
واستدراجنا الى تنازلات جديدة
في مقدمها التطبيع مع العدو".
دون ان يغفل في مقدمته الإشارة
إلى قضايا هامة كتحرير العراق
وافغانستان والجولان ومزارع
شبعا التي تحتاج كل منها الى
ملتقى خاص بها. لقد تجنبنا في اعلان "كإعلان
اسطمبول لنصرة القدس"،
المشكلات العديدة التي ترافق
عملية صياغة البيانات الختامية
لاجتماعات او مؤتمرات متنوعة،
خصوصاً في غياب آليات توافق او
تصويت حول قضايا خلافية، ما
يجعل هذه البيانات تلجأ الى
القفز فوق هذه القضايا او الى
تجاهلها، والصيغتان لا
تتناسبان مع الآلية
الديمقراطية. وفي جميع الاحوال، كان هذا الامر
اجتهاداً من اللجنة التحضيرية
للملتقى، ومن اجتهد وأخطأ فله
أجر، ومن إجتهد وأصاب فله أجران. والى ملتقيات اخرى نوحد من
خلالها رؤانا، ونحدد مواقفنا،
ونوصل رسائلنا الى المعنيين،
متذكرين دائماً ان استراتيجية
اعدائنا تقوم دائماً على
الايقاع بيننا، فلتتركز
استراتيجية المواجهة على تجميع
صفوفنا، انطلاقاً من المشترك
الواسع الذي نجتمع حوله. *رئيس
اللجنة التحضيرية لملتقى القدس
الدولي التاريخ: 26/11/2007 [1]-
رئيس اللجنة التحضيرية
لملتقى القدس الدولي، وقد
ضمت اللجنة ايضاً من الجانب
العربي، نائب الرئيس د. محمد
أكرم العدلوني، والسادة: أ.
سعود أبو محفوظ، أ. محمد حسب
الرسول، أ. منير سعيد. ومن
الجانب التركي: نائب الرئيس
إيهان أوغان، ود. أحمد
اغراقجيا، أ. مراد باشا، وأ.
احمد فارول. [2]
- الجهات الداعية: مؤسسة
القدس الدولية، اتحاد
المنظمات الأهلية في العالم
الاسلامي، وقف المنظمات
التطوعية في تركيا، الشبكة
العالمية للمؤسسات العاملة
للقدس، الاتحاد العالمي
للعلماء المسلمين، المؤتمر
القومي العربي، المؤتمر
القومي – الإسلامي، المؤتمر
العام للأحزاب العربية،
اتحاد المنظمات الإسلامية في
أوروبا، اتحاد المحامين
العرب، اتحاد الأطباء العرب،
اتحاد المهندسين العرب،
الاتحاد الدولي لنقابات
العمال العرب، اتحاد
المعلمين العرب، اتحاد
الشباب العربي، مجلس كنائس
الشرق الأوسط، اتحاد
المهندسين الزراعيين العرب،
الرابطة الدولية للبرلمانيين
المدافعين عن القضية
الفلسطينية، المنتدى الدولي
للبرلمانيين الإسلاميين،
الحملة العالمية لمقاومة
العدوان، الاتحاد العام
للطلبة العرب، منظمة تضامن
الشعوب الافرو- آسيوية،
المؤتمر الدولي لدعم
الانتفاضة، صندوق العون
القانوني للفلسطينيين،
الهيئة الاسلامية العليا في
القدس، الاتحاد النسائي
العربي العام، فريق الحوار
الإسلامي المسيحي. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |