ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الشعوب
تعيش في أوطان ... وشعبنا
يعيش في سجون *بقلم
/ عبد الناصر عوني فروانة
يُحكى أن الشعوب تعيش في
أوطان ، ونحن شعب يعيش في سجون ،
بل في مقابر للأحياء تسمى سجون
ومعتقلات ، فقرابة ربع مواطني
الشعب الفلسطيني تعرضوا
للإعتقال المباشر ، ومكثوا في
غياهب سجون الإحتلال لسنوات
وعقود ، ولم يعد هناك عائلة
فلسطينية ، إلاَّ وأن ذاق أحد
أفرادها أو جميعهم مرارة السجن
، وهم بذلك سجلوا قسرياً أعلى
نسبة اعتقالات على مستوى العالم
ودخلوا بها موسوعة جينس رغماً
عنهم .
ولكل من هؤلاء قصصه
وحكاياته ، آماله وأمانيه ،
وحتى دائرته الإجتماعية
تعاني هي الأخرى من آثار
السجن وتبعاته ، وباقي
المواطنين ممن يعتبرون أنفسهم
أحرار نسبياً في الضفة وغزة
والقدس هم الآخرون أسرى ،
ويتعرضون لقيود لم يتعرض لها
شعب من قبل . فمثلاً
نحن في غزة أسرى بكل معنى الكلمة
، و نعيش في سجن هو الأكبر في
العالم ، والأكثر قسوة على مر
التاريخ ، ولم يحدثني والدي
الذي أمضى قرابة ستة عشر عاماً
متنقلاً خلالها من سجن لآخر ، عن
سجن يمكن أن يكون شبيهاً له ،
سجناً لم أقرأ عن مثيله من قبل ،
ففلسطين كلها خلف القضبان ، ومع
ذلك يبقى الأمل حياً فينا ، لم
ولن يموت . ولكن
إذا اعتبرنا أنفسنا أحرار
نسبياً ونتحرك في إطار مساحة
أكبر من تلك التي يتحرك في
إطارها الأسرى في السجون
الإسرائيلية ، وننعم في العيش
بين أحضان أهلنا وبجانب أطفالنا
ووسط أحبتنا ، فانه من الواجب أن
نبذل قصاري جهودنا من أجل عودة
أولئك لذويهم وأطفالهم ، فهم
أحق منا بالحرية النسبية التي
نتحدث عنها ، وبدون شك المستقبل
الفلسطيني سيبقى مشوها ما لم
يَعُد هؤلاء لبيوتهم
. وبدون
أدنى شك فإننا نرحب بعودة أي
أسير إلى بيته وأسرته ، لكن في
الوقت ذاته تعتصر قلوبنا ألماً
لبقاء الآلاف بعيدة عن بيوتها
وتعيش في ظروف قاسية صعب وصفها . نشعر
بالظلم لإستمرار مفعول
المعايير الإسرائيلية المجحفة ونشعر
بالظلم من استمرار مفعول
المعايير الإسرائيلية المجحفة
التي تستند عليها حكومة
الإحتلال في تصنيفها للأسرى ،
وفي تحديد قوائم الأسرى المنوي
الإفراج عنهم ضمن ما يسمى "
حسن النية " أو في إطار "
العملية السلمية " . وهذا
يقودنا إلى الإستنتاج بأن حكومة
اولمرت مصممة على تجريد قضية
الاسرى من بعديها السياسي
والقانوني، وتتهرب من مناقشتها
على هذا المستوى ، وتسعى
لإبقائها في إطار ما يسمى "
نواياها الحسنة " ،
واستغلالها كورقة للمساومة
والإبتزاز السياسي ، ورهينة
لشروطها ومعاييرها الظالمة
والمجحفة المرفوضة فلسطينياً
على كافة المستويات . وجاءت
قائمة الأسرى التي نشرتها إدارة
مصلحة السجون الإسرائيلية
والتي اشتملت على ( 431 أسير )
لتؤكد حقيقة ما نقول ، وتعكس
محاولة حكومة الإحتلال لإظهار
" نواياها الحسنة " أمام
الرأي العام الدولي ، في إطار
العلاقات العامة وكأنها فعلاً
جادة في عملية السلام ، في حين
تمارس على الأرض عكس ذلك تماماً
، فهي لا تزال تحتجز قرابة أحد
عشر ألف أسير بينهم القدامى
والأطفال والنساء والوزراء
والنواب والقادة والمرضى ..إلخ . وهي
أيضاً مستمرة في اعتقالاتها
العشوائية المتصاعدة للمواطنين
العُزل ، وفقط خلال شهر أكتوبر
الماضي أعتقلت ( 520 ) مواطن ،
ومعدل اعتقالاتها اليومية
تتراوح ما بين 20-30 حالة اعتقال ،
وهذا يعني أنها ستعتقل بدلاً من
العدد المنوي الإفراج عنه أو
أكثر منه خلال أسابيع قليلة
قادمة . السلطة
تبذل جهوداً لعدم تكرار أخطاء
أوسلو والسلطة
الوطنية الفلسطينية ممثلة
برئيسها السيد محمود عباس "
ابو مازن " وحكومته ، تدرك
جيداً أهمية هذه القضية ، وهي
غير راضية على الاطلاق على
طريقة التعامل معها من قبل
الحكومة الإسرائيلية ، وطالبت
مراراً بتفعيل اللجنة
الفلسطينية – الإسرائيلية
المشتركة ، إلا أن طلبها هذا
يواجه بالرفض الإسرائيلي ،
مما يُبقي على آلية التعامل
معها على حالها بيد الجانب
الإسرائيلي . وهي -
أي السلطة الوطنية الفلسطينية -
تبذل جهوداً كبيراً من أجل
تجاوز أخطاء أوسلو وعدم السماح
بتكرارها ، وهي تحاول وضع هذه
القضية وبقوة على طاولة مؤتمر
" أنابوليس " لمناقشتها
بجدية ولضمان إطلاق سراح أسرى
نوعيين ، وعلى الأقل في المرحلة
الراهنة ، وفي مقدمتهم الأسرى
القدامى ، وهذه معركة ليست
بالبسيطة في ظل إصرار
الإسرائيليين على التمسك
بشروطهم وآلية تعاملهم مع هذه
القضية واستمرار إخضاعها لحسن
نواياهم ، لكنها معركة ، النجاح
فيها ليس بالمستحيل ، لا سيما
إذا ما أصرت السلطة الفلسطينية
على مطالبها وشروطها وربطتها
بالقضايا الأخرى . وعلى
الجانب الآخر ليس من المستبعد
بأن تكون الحكومة الاسرائيلية
قد أقدمت على المصادقة بإطلاق
سراح قائمة أعدت بشكل أحادي
الجانب وضمت ( 431 ) أسير فلسطيني
عشية مؤتمر انابوليس ، كخطوة
استباقية ، لقطع الطريق على
الجانب الفلسطيني من طرح هذه
القضية بالشروط الفلسطينية ،
وليس من المستبعد أن تعلن وعشية
بدء أعمال المؤتمر وكبادرة حسن
نية أيضاً عن نيتها بإطلاق سراح
قائمة جديدة من الأسرى . وبهذه
المناسبة أناشد السلطة الوطنية
الفلسطينية باطلاق حملة تبدأ
الآن لمساندة الأسرى وابراز
معاناتهم ، واظهار لراعيي
المؤتمر وللعالم أجمع مدي
أهميتها بالنسبة للشعب
الفلسطيني وللعملية السلمية . 73 أسير
مضى على اعتقالم أكثر من عشرين
عاماً ...! ويحضرني
هنا بعض الاحصائيات التي يجب
ذكرها في هذه المناسبة ، وهي
وجود ( 357 ) أسير فلسطيني معتقلون
منذ ما قبل اتفاقية اوسلو ،
وأقلهم مضى على اعتقاله أربعة
عشر عاماً ، بينهم ( 73 )
أسيرا مضى على اعتقالهم
أكثر من عشرين عاماً ، ومنهم ( 10 )
أسرى أمضوا أكثر من ربع قرن في
الأسر ، وأقدمهم الاسير سعيد
العتبة الذي طوى العقد الثالث
داخل السجن في تموز الماضي ،
ويضاف إلى هؤلاء قرابة ( 120 )
أسيرة ، وأكثر من ثلاثمائة طفل ،
والمئات من المرضى وكبار السن ،
والعشرات من النواب والوزراء
والقادة السياسيين . نجاح
أنابوليس مرهون بمدى استجابته
لقضية الأسرى ولا
أشك لبرهة بالجهود الكبيرة التي
يبذلها الرئيس أبو مازن وحكومته
لعلاج هذه القضية الهامة التي
تقف على سلم أولويات شعبنا
بكافة فئاته وشرائحه وقواه
الوطنية والإسلامية ، ومن
الأهمية بمكان التأكيد هنا على
ضرورة وضعها على رأس أولويات
المؤتمر ، ونعتبر مقياس نجاح
" أنابوليس " مرهون بمدى
استجابته الإيجابية لقضية
الأسرى كمقدمة
أساسية لتقدم العملية السلمية . *
أسير سابق وباحث متخصص بقضايا
الأسرى ومدير دائرة الإحصاء
بوزارة شؤون الأسرى والمحررين
– جوال 0599361110 الموقع
الشخصي / فلسطين خلف القضبان
www.palestinebehindbars.org البريد
الالكتروني
ferwana@gawab.com ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |