ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 08/12/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

قراءة مكررة للموقف الأميركي من إيران

صبحي غندور*

المسألة الإيرانية كان لها الأولوية في العقل الباطني للإدارة الأميركية الحالية منذ مجيئها للحكم، تماماً كما كان موضوع غزو العراق، وقبل أحداث أيلول/سبتمبر 2001.

إنّه لمن السذاجة التسليم بأنّ إدارة بوش ارادت الهيمنة على العراق وعلى الشاطئ العربي في الخليج دون الشاطئ الفارسي منه. بل إنّه يمكن القول حتى بأن السيطرة العسكرية الأميركية على أفغانستان أولاً، ثمّ على العراق، ما كان إلا مدخلاً للصراع الحقيقي في المنطقة. فلا نظام "طالبان"، ولا نظام صدام حسين بعد حصاره لعشر سنوات، كان يشكّل أيٌّ منهما خطراً فعلياً على مشروع الهيمنة على منطقة الخليج كلّها وما في هذه المنطقة من ثروات النفط والغاز والأموال. فهذه الإدارة الأميركية كانت تدرك أنَّ الخصم الحقيقي في الصراع على الخليج سيكون إيران وليست أيّة دولة أخرى إقليمية أو أممية.

ولم تكن الإدارة الأميركية مقتنعة بالتسهيلات التي قدمتها طهران لواشنطن في حربها على نظام "طالبان" وجماعة "القاعدة" ثمّ في الحرب على العراق، ولا أيضاً بوجود التيّار الإصلاحي الإيراني في السلطة قبل وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد، فالمطلوب أميركياً كان التسليم الإيراني بالهيمنة الأميركية على عموم منطقة الشرق الأوسط إضافةً للنفوذ المباشر في منطقة الخليج.

هذا هو الصراع الحقيقي الذي يدور في المنطقة بعد تداعيات سبتمبر 2001، وبعد أن وضعت إدارة بوش العراق وإيران في "محور الشر" الواجب محاربته، كما أعلن ذلك الرئيس الأميركي بمطلع العام 2002.

ولقد كان سهلاً سقوط نظام طالبان، ثمّ نظام صدام حسين، بينما تعثّرت إدارة بوش في صراعاتها المباشرة وغير المباشرة مع إيران، كما هي تعاني من بدائل الأوضاع في أفغانستان والعراق. فإسقاط الأنظمة كان أمراً يسيراً، الهدم هو دائماً كذلك، بينما فشل "المهندس" الأميركي في بناء تصاميمه المعلّبة والمصنوعة أميركياً في مجتمعات لا تستهلك كثيراً من "المعلّبات"!.

وقد أخرج جورج بوش صراع إدارته مع إيران للعلن بعد تجديد انتخابه رئيساً للمرّة الثانية في نهاية العام 2004، حيث تميّزت تصريحاته ومواقف أركان إدارته الثانية بالتركيز على إيران وعلى الخطر النووي الإيراني، رغم أنّ التعاون الروسي/الإيراني في هذا المجال عمره سنوات ولم تكن له في الأجندة "البوشية" أولوية قبل ذلك. وإذا بإيران تصبح في العام 2005 وما بعده، هي الدولة الأشدّ خطراً على السلام العالمي وعلى المصالح الأميركية على حدّ تعبير كبار المسؤولين الأميركيين.

هكذا يمكن فهم الكثير من التطوّرات التي حدثت ولا تزال، وفي الموقف الأميركي والأوروبي من سوريا وإيران، وفي الحرب الإسرائيلية/الأميركية المستمرّة على "حركة حماس" وعلى "حزب الله"، وفي تداعيات الأوضاع السياسية داخل لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلّة.

بل إنّ الصراع الأميركي مع إيران استقطب الأطراف العربية بشكل حاد، تماماً كما حدث في فترة الصراع الأميركي/الروسي خلال الحرب الباردة بين المعسكرين. بالمحصّلة، فإنَّ البلدان العربية، ولمصالح مختلفة، أصبحت ساحات لهذا الصراع!

الإدارة الأميركية تسعى الآن إلى ترميم فشلها الكبير في العراق الذي جعلها عاجزة عن تحقيق مكاسب في قضايا أخرى بالمنطقة. وهناك استحقاقات سياسية داخلية في الولايات المتحدة تضغط على إدارة بوش من أجل تغيير المسار الفاشل لسياستها في العراق.

وكما فشلت إدارة بوش في حربها على العراق، فشلت إسرائيل أيضاً في حربها الأخيرة على لبنان، إذ عجزت آلة التدمير العسكرية الإسرائيلية عن تحطيم المقاومة اللبنانية وعن إضعاف حزب الله، رغم كل الوحشية العدوانية الإسرائيلية التي استمرّت لخمسة أسابيع وشملت معظم المناطق والمرافق اللبنانية.

أيضاً، لم تنجح إسرائيل حتى الآن، رغم الدعم الكبير من إدارة بوش، في استثمار حربها على لبنان من أجل إحداث فتنة داخلية لبنانية تضعف المقاومة سياسياً، وتدفع بلبنان وبالمنطقة إلى حروب أهلية طائفية ومذهبية تستند إلى ما حدث وما زال يحدث في العراق، وإلى ما هو سائد من أجواء مسمومة لإعادة رسم خريطة المنطقة.

أمّا على الجانب الفلسطيني، فإنّ الفشل الإسرائيلي قد تكرّر أكثر من مرّة في السنوات الماضية. فلا خطة تدمير المقاومة الفلسطينية، ولا ثمّ سياسة العزل والاغتيالات والتهجير والتدمير قد حقّقت أيٌّ منهما أهدافها.

ولقد أسقطت الانتخابات الأميركية الأخيرة في نهاية العام الماضي احتمالات حروب أخرى كانت إدارة بوش تسعى لها أو تهدّد بها، وتحوّلت سياسة الإدارة من نهج يدعو إلى تغيير أنظمة إلى دعوات لتغيير "السلوك"!

فقد اضطرّت إدارة بوش بعد سنوات من سياسة العزل والتهديد لكوريا الشمالية إلى أن تتفاوض معها وأن توقّع معها اتفاقيات كانت لا تقبل بها سابقاً.

ثمّ فجأةً شجعت واشنطن على إحياء "عملية السلام" في الشرق الأوسط وعلى التعامل مع الملف الفلسطيني بشكلٍ أكثر جدّية!

أيضاً، أسقطت واشنطن الكثير من المحظورات في كيفية التعامل مع الداخل العراقي، فإذا هي ترحّب بعودة ضباط وعسكريين من الجيش العراقي السابق، وتتراجع عن قرار اجتثاث "حزب البعث"، وتقيم اتصالات ومفاوضات مع مجموعات من المقاتلين العراقيين المقاومين لها، كما تدعو إلى مشاركة وطنية عراقية أوسع في الحكم!

وكذلك تراجعت التهديدات العسكرية ضدّ إيران ليسود مكانها دعوات للتفاوض ولحلّ أزمة الملف النووي الإيراني بشكل دبلوماسي!

فما هو سائد الآن من خط انحدار وتراجع في نهج إدارة بوش غير قابل للصعود مجدداً في الأشهر المتبقية من فترة هذه الإدارة.

إنَّ إدارة بوش سارت في سنواتها الماضية على طريق مسدود، وهاهي الآن تختار التراجع البطيء لحفظ ماء الوجه، ولمراعاة مصالح داخلية أميركية تقف مع هذه الإدارة وتخاف على مستقبلها بعد انتهاء حقبة بوش. فالضغط الداخلي الأميركي هو ليس من الحزب الديمقراطي أو الرأي العام الأميركي فقط، بل أيضاً من داخل أوساط الحزب الجمهوري ومن مراكز فاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية الأميركية.

فلم يعد أمام هذه الإدارة سوى خيار التراجع والمراهنة على نتائج إيجابية من هذا التحوّل الاضطراري. فإدارة بوش تأخذ الآن بتوصيات مجموعة بيكر/هاملتون بأسلوب التقسيط والجرعات بعدما رفضت في نهاية العام الماضي تناول هذا الدواء المرّ دفعة واحدة.

الحرب في العراق هي حرب الصراع على النفط والهيمنة على مصادر الطاقة في منطقة الخليج وعلى التحكّم برقاب الاقتصاد العالمي وشرايين الحياة في الدول الصناعية الكبرى. لذلك، فإنّ الحرب في العراق كانت وستبقى أولوية الإدارة الأميركية ولن يكون سهلاً الانسحاب الأميركي منها أو التخلّي عن هدف التحكّم بنتائج تداعياتها.

وسيكون محور هدف التحرّك الأميركي القادم هو تحسين الأوضاع السياسية والأمنية في العراق، وتسهيل سحب عدد كبير من القوات الأميركية دون إعلان جدول زمني، وإنّما ربط الانسحابات المبرمجة بتحسين الأوضاع في العراق، ممّا سيسمح للإدارة قبل صيف العام 2008  بادّعاء أنّها حقّقت إنجازاً في العراق وفي السياسة الخارجية الأميركية ككل اعتماداً على ما سيرافق الأوضاع العراقية من مفاوضات مع كل الأطراف المعنية أو المجاورة للعراق.

إذن، إدارة بوش مضطرّة الآن (وبفعل ضغط داخلي أميركي وخارجي أوروبي وعربي) إلى التفاوض مع إيران وسوريا بعدما سقطت أو تعذّرت الخيارات الأخرى.

والمحصّلة من ذلك كلّه الآن، أنّ هناك تراجعاً في السياسة الأميركية يُعبَّر عنه حالياً في المراجعة لهذه السياسة على أعلى المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية في واشنطن.

خلال هذه الفترة الزمنية من "المراجعة الأميركية"، فإنّ الصراعات مستمرّة في "الشرق الأوسط" لكن بأسلوب "عضّ الأصابع"، لا قطع الرؤوس أو كسر الرقاب. فلا حروب جديدة بالمنطقة خلال المدى القريب المنظور رغم التهويل الذي حصل على أكثر من ساحة ومع أكثر من طرف، بما في ذلك الصراع الأميركي/الإيراني، وآفاق الصراعات المحلية في لبنان وفلسطين والجبهة الإسرائيلية مع سوريا ولبنان.

هي فترة زمنية يتغلب عليها محاولات تحسين "الأوراق التفاوضية" للأطراف المحلية والخارجية ريثما تضع "المرجعية" الأميركية الوحيدة الآن لأزمات المنطقة، خلاصات جديدة لمراجعاتها وتراجعاتها السياسية، بعدما ظهرت ملامح هذه الخلاصات في تقرير لجنة بيكر/هاملتون. فواشنطن تدرك أنّ المشكلة مع إيران لا تُحلّ بمزيد من القرارات في مجلس الأمن، بل بأحد طريقين: الحرب أو التفاوض. وتتجنّب إدارة بوش خيار الحرب على إيران بسبب محاذيره العسكرية والسياسية والاقتصادية على أميركا وعلى المنطقة والعالم عموماً، وتجد إدارة بوش نفسها أمام الخيار الآخر (أي التفاوض) دون جاهزية بعد من الطرف الإيراني الذي ما زال يحاول تحسين أوراقه التفاوضية رافضاً حتى الآن القبول بتجميدٍ مؤقت للتخصيب النووي.

فالطرف الإيراني لم يلمس بعد أي تحوّل عملي في الموقف الأميركي رغم "رسائل التحية" التي وردت من واشنطن.

طبعاً، يدرك المستهدفون سلباً من قبل إدارة بوش في منطقة الشرق الأوسط (وهم رباعية: إيران، سوريا، حزب الله، وحركة حماس) أنّهم في حالة "دفاعية"، وبالتالي، فإنّ حركتهم المعارضة للسياسة الأميركية تتوقّف على طبيعة هذه السياسة وأهدافها وأساليبها، وبأنّ المتغيّرات إن حدثت في الجانب الأميركي، فإنّها تستدعي متغيّرات في المواقف أيضاً.

إنّ تعذّر خيار الحرب الأميركية ضدّ إيران الآن يعني أنّ واشنطن مستعدّة لخيار التفاوض معها. إنّ واشنطن تحتاج لطهران ودمشق في ترميم الأوضاع السياسية والأمنية في العراق، وفي معالجة الملفّين الفلسطيني واللبناني. لكنّ ذلك لا يعني إنّ إدارة بوش سوف تقيم صفقات مع حكومات دعت لإسقاطها، بل سيعني ذلك أسلوب التفاوض ب"المفرّق" على القضايا الساخنة وليس الحساب ب"الجملة" على كل الأمور العالقة.

 

إذن، يبدو من واقع حال إمكانات وظروف الإدارة الأميركية، والأطراف التي تستهدفها هذه الإدارة في منطقة الشرق الأوسط، أنّ التفاوض هو الخيار الأفضل المتاح الآن أمام الجميع من أجل تحقيق تسويات تحقّق "سلاماً مؤقتاً" بينها، في إطار مناخ دولي وإقليمي مناسب لتراجعات متبادلة ولتنازلات ومكاسب على مستوى كل طرف.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

 E-mail: alhewar@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ