ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ومضات
محرضة : المسألة
الوطنية ، بين
التطرف الأصولي، والتطرف
الوصولي ! عبدالله
القحطاني •
الأصولية ، عامّة ، هي
العودة بالشيء إلى أصوله.. سواء
أكان فكرة ، أم رأياً ، أم قيمة
خلقية ، أم معتقداً ، أم غير ذلك
! ( وقد ألبِست من سنوات عدّة ،
معنى سياسياً محدداً، يقصَد به
نزعة التمسك بالأصول العقَدية ـ
الدينية حصراً ـ والتشدّد في
ذلك، بصرف النظرعن حسابات
المصالح ، والموازنة بين
المصالح والمفاسد ، وغيرذلك !) • والوصولية
، بمعناها الدارج المتعارف عليه
، هي سيطرة النزعة المصلحية
النفعية ، على إنسان ما ، إلى
درجة أنها تدفعه إلى التضحية
بكل قيمة معنوية ، في سبيل
الوصول إلى هدفه المادي ! • لو
سئل إنسان ما ، يَعرف معاني هذه
المصطلحات ، عن نفسه : هل أنت
أصولي أم وصولي !؟ فسوف يجد نفسه
أمام واحد من أجوبة ثلاثة : ـ أصولي .. ـ وصولي .. ـ رفض الأمرين معاً .. (
وقد استبعدنا الخيار الرابع ،
وهو أن يصف الشخص نفسه ، بأنه
وصولي وأصولي معاً ! لأنه حالة
نادرة ، يصعب تصوّر صدورها عن
شخص متوازن ، يعرف دلالات
المصطلحات !) .
= ونحسب
أن أيّ إنسان لديه نوع من
التفكير السليم ، سيرفض الخيار
الثاني ، لما فيه من معنى
الدونية والابتذال ! وحتى لو كان
هذا الإنسان من أشدّ الناس
نفعية وانتهازية ووصولية .. فإنه
يحرص على أن يظهر بمظهر الإنسان
المبدئي ، صاحب الخلق النبيل ! = ويبقى الخياران الأول والثالث ..
يوازن بينهما كل شخص على حسب
مستواه ، وطريقته في فهم الأمور
وتفسيرها ! بعضهم يختار
الأصولية ، وبعضهم يرفضها كما
يرفض الوصولية ، دون أن يصنّف
نفسه ضمن أيّ صنف من الأصناف
الأخرى ، التي لم تطرح عليه ! • الناس
على أرض الواقع ، يندرجون ضمن
أصناف عدّة ، يضمّها صنفان
كبيران : 1ـ أصوليون : بمعنى أنهم أصحاب
مبادئ ، يرجعون إليها في
تعاملهم مع الواقع ومايقتضيه من
مواقف .. وهؤلاء أصناف :
=
بعضهم يَعي جيداً ، الأصول التي
يؤمن بها ، ويعي الواقع الذي
يحيط به ، ويسعى إلى المواءمة
بين الأصول والواقع ، دون أن يدع
أياً منهما يطغى على الآخر !
ويحسب مصالحه عبر المواءمة
بينهما ؛ فلا تجمّده الأصول عن
التعايش الجيّد مع الواقع ، ولا
يجرفه الواقع بعيداً عن الأصول
، فيقع في دائرة الوصولية
المتدنية ، وهو يحسب أنه يخدم
مبادئه السامية !
=
بعضهم يجهل الأصول التي يدعي
التمسّك بها ، ويعي واقعه جيداً
.. فلا يستطيع المواءمة بينهما ،
ويحدث خلل في تعامله مع الأصول ،
ومع الناس الذين يشتركون معه في
الأصول ذاتها ، ومع الآخرين
المخالفين له ! ـ
بعضهم يعي جيداً ، الأصول
التي يؤمن بها ، لكنه يجهل
الواقع ، فيعجز كذلك عن
المواءمة بين واقعه وأصوله ،
وينشأ خلل كبير في تعامله مع
الواقع ، ومع الناس ، المؤمنين
معه بأصوله ، والمخالفين له !
وغالباً ما ينشأ التطرف الشديد
، من هذه النقطة لديه ! =
بعضهم يدّعي أنه أصولي ، ويجهل
الأصول التي يدّعي الإيمان بها
.. ويجهل الواقع المحيط به ! وهذا
من أكثر الناس تخبطاً ، في
تعامله مع أصوله ، ومع الواقع ،
ومع الناس من حوله ..! 2ـ مصلحيون أو براغماتيون أو
نفعيون : وهؤلاء يتدرجون في
درجات عدّة ، في سعيهم إلى تحقيق
مصالحهم وجريهم وراءها ، بحسب
طبيعة كل منهم وأخلاقه ! منهم
العقلاني المعتدل المتوازن ،
ومنهم من هو في أعلى درجات
النفعية ، بحيث يضحّي في سبيل
الوصول إلى مصلحته الخاصّة ،
بكل قيمة معنوية ، من مبادئ
وأخلاق ..! حتى لو دمّر أقرب
الناس إليه ، في سبيل الوصول إلى
كرسي رئاسة أو وزارة ..! وحتى لو
باع جزءاً
من أرض بلاده لعدوّه ، أو رهن
قرار بلاده للغرباء ، لقاء منصب
رئاسي في دولته..! وبين الصنفين
درجات عدّة . *
أكثر الناس قدرة على
التفاهم والتعايش ، في الإطار
الوطني ، هم الناس المصنّفون
ضمن الفريقين المعتدلين : (1) الأصوليين
، الذين يدركون أصولهم جيداً ،
ويدركون واقعهم جيداً ،
ويستطيعون المواءمة بينهما ، في
حركة إيجابية سليمة مرنة ،
متفاعلة مع الحياة والناس ..
أياً كانت طبيعة أصوليتهم ،
وأياً كان منبعها ! (2) المصلحيين
العقلانيين المعتدلين ، الذين
لديهم ضوابط عقلية وخلقية ،
تمنعهم من الإسفاف ، والسقوط في
حمأة الوصولية المفرطة ، التي
تدمّر أصحابها نفسياً وخلقياً
واجتماعياً ، قبل أن تحقّق لهم
الأهداف التي يلهثون وراءها ! *
إذا اختلّت الموازين
الاجتماعية والسياسية والخلقية
، في مجتمع ما ، هيمن عليه
الفريقان الأكثر إيذاء له ،
وللوطن الذي يضمّه ، وهما :
الفريق الأصولي المتطرّف الذي
يجهل أصوله وواقعه ، والفريق
المغرق في الوصولية ! *
الحال في سورية ، مطروحة على
صيغة أسئلة مختصرة ، هي : (1)
هل الأصولية القومية الشوفينية
، التي سادت في الستينيات من
القرن الماضي، وهي بدايات
استلام حزب البعث السلطة في
سورية .. هل كان لها تأثير عكسي ،
في نشوء الأصوليات الدينية
المتطرفة ، على سبيل ردّ الفعل
..!؟ وفي نشوء شوفينيات قومية
أخرى ، من الأعراق غير العربية ،
التي تشكّل جزءاً من نسيج الوطن
!؟
(2)
هل الوصولية المدمّرة ، التي
تهيمن على نفوس صناع القرارات
في البلاد ، من آل أسد وأعوانهم
وأزلامهم ، والتي يستبيحون من
خلالها كل شيء ، ويدمّرون كل
قيمة سامية نبيلة .. هل تدفع
الأصوليين المتطرفين ، إلى
الوقوف في أقصى الطرف المقابل ،
وتبدأ عملية التمزيق الاجتماعي
والوطني ، عبر الشدّ والجذب بين
الفريقين ، دون أن يكون
للمعتدلين أيّ هامش مناسب ،
للتدخل العقلاني الذي تُحفظ من
خلاله البلاد والعباد !؟ (3)
هل يعي أصحاب العقلانية والحسّ
الوطني ، من قوى الاعتدال
الفكري والسياسي ، من سائر
الأطراف المؤتلفة والمختلفة ..
ضيقَ الهامش المتاح أمامهم ،
اليوم ، لتدارك البلاد ، قبل أن
يجرفها طوفان الفوضى ، في ظلّ
حكم أسرة أسد ، التي اتّخذت
لنفسها شعاراً واحداً خالداً :
نحن في السلطة وسنظلّ فيها !
وإلاّ ، فـليذهب الوطن ، بمَن
فيه وما فيه ، إلى الجحيم !؟ ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |