ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المأزق
الوجودي للعلوي السوري لا
يوجد شخص أدعى إلى الشفقة وأحوج
إلى مسك اليد من المواطن العلوي
في سوريا. ولا أقصد بذلك حديثا
طائفيا أبدا. وما أقصده من مصطلح
( المواطن العلوي ) هو كل شخص
سوري ينتمي إلى الطائفة العلوية
ويتمسك بهذا الانتماء ولو كان
على حساب الانتماء الوطني.
وأقول كل شخص وليس كل مواطن على
اعتبار أن مفهوم المواطنة غير
متحقق ، وإنني ممن يرون أن مفهوم
( الدولة ) لم يقم حتى تاريخه في
بلاد العربان. ما علينا : العلوي السوري ،
يعاني من مأزق وجودي حقيقي. ومن
أزمة ضمير لا يستطيع إنكارها
ولا القفز فوقها . رغم محاولاته
الحثيثة والعديدة ، فإنه يفشل
دائما. يقع ( العلوي ) ضمن
المنظومة الدينية والخطاب
الديني السائد في الأسفل ، فهو
مكفر وعقيدته مزندقة ومتهم في
دينه ، ومطعون في كرامته
ووطنيته ، وهذا الخطاب ، مسؤول
عنه ، تاريخيا ، وتحديدا :
الإسلام السني . وهذه النظرة للعلوي
على أنه " عالة " على البلد
وليس حقيقا به ولا بالتمتع
بخيراته ولا بالمشاركة في
إدارته ، كانت سائدة ، وربما ما
زالت أيضا ، موجودة عند الكثير
من أهل السنة السوريين ، وهو
تصور ناجم عن الموروث الفقهي
الذي يقيم المواطنة على
الانتماء الديني – المذهبي ،
وليس على أساس الانتماء الوطني
– الدولتي - الحقوقي. عانى العلوي السوري
كثيرا من هذه النظرة التحقيرية
له ، والتي اقترنت بسياسة إقصاء
وتهميش واضطهاد علني مشرعن تارة
ومستور تارة أخرى. بوصول شخص علوي إلى
سدة الحكم في سوريا ، انطلق
العلوي من ( قمقمه ) وخرج من
ضيعته بلا خوف من ( سني المدينة )
هذه المرة . ودخل في الدولة
واعتلى المناصب المختلفة ، ودخل
الجامعة ، وتعلم وعلم أولاده ،
وقطن المدينة وأصبح صاحب قرار
في كثير من المواقع الهامة ،
وأصبح محميا وفي مأمن من
الاضطهاد التاريخي الذي عانى
منه ، بل وحتى لو لم يعان منه
شخصيا ، فإن ذاكرته محشوة به من
روايات وذكريات الآباء
والأجداد والأمهات أيضا. هناك مثل يضرب فيمن
( يعلق ) بمشكل لا يستطيع الفكاك
منه وبموقف لا يحسد عليه أو يقع
في شرك كبير ولا يستطيع الخروج
منه ، فكان يقال : مثل علقة نصيري
بالسوق. وهذا المثل مشهور عندنا
في حمص . طبعا ، كما تعلمون ،
فإن الأمثال ، لا تأتي من فراغ ،
فهي تحكي واقعا وتروي تاريخا
وتعكس صورا حقيقية. انطلاق " العلوي
" من قمقمه ومكمن اضطهاده
التاريخي ( الضيعة ) واعتلاؤه
المناصب الهامة ، وتمتعه
بالأمان واستحواذه على وسائل لم
يكن ليحلم بها لولا وصول "
حافظ الأسد " لسدة الحكم في
سوريا. وهذه الـ ( لو لا ) سنقف
عندها لاحقا . هذه النقطة
التاريخية هي مفصلية وهامة جدا
ليس في حياة العلوي وحسب بل هي
ذات أثر كبير في تفكيره وضميره
وسلوكه. فبات هناك اعتقاد
شائع وراسخ أيضا لدى العلوي أنه
لولا حافظ الأسد لكان العلوي
حتى تاريخه يخدم عند الإقطاعي
السني ، وكان يربط في جلابيته
حبل موصول بقطة ليصبح مهزلة
ومسخرة في السوق. هذه القناعة
الراسخة ، سمعتها من أمي وأبي ،
ومن جدي وأعمامي ، وكنت أعتقد
أنها مرتبطة بزمانهم فقط . ولكني
، بقليل من المفاجأة والاستغراب
، ما زلت أسمعها حتى تاريخه من
كثير ، بل من أغلبية ساحقة من
العلويين. : " لولا حافظ
الأسد انت ما كنت تعلمت "
وأصلا " ما كان مسموح انك تسكن
بالمدينة " وما كنت شفت طبيب
علوي أو دكتور بالجامعة علوي
ولا وزير علوي ولا ولا ... هذا الكلام ، أسمعه
حتى تاريخه. بل انتقل أيضا
ليقترن بالمشاعر والتأييد تجاه
ابنه الرئيس الحالي " بشار
الأسد " . نفس المشاعر ،
لولاه ولولاه ... شو بيصير فينا
نحنا العلوية. هل تفاجأتم ، بهذه
الصراحة !!! تابعوا إذن : قد يقول البعض ،
هناك مبالغة في هذا الطرح ،
ومبالغة في تصوير الاضطهاد
التاريخي الذي تعرض له العلويون
في سوريا. فأقول له : لن نختلف
على كم كيلو من الاضطهاد
التاريخي الذي يزن بآلاف
الأطنان. وقد يقول البعض هذا
طرح طائفي ، فنقول له : هو كذلك
بحكم موضوعه وتاريخه ، ولكنه
ليس كذلك من وجهة نظر كاتبه ،
والدليل ما سيأتي من كلام. حسن ، ماذا أريد من
هذا الطرح وما أبغي الوصول إليه
من ورائه ؟ سبب كتابة هذا
الموضوع ، هو المقولة التالية : (( نؤيد هذا النظام ،
أحسن ما نرجع عالضيعة ويرجعوا
السنية يتحكموا فينا هذا إذا
خلونا عايشين )) . فما زال العلوي
يعتقد أن مربط أمانه استقراره
هو وجود نظام يرأسه شخص ينتمي
إلى الطائفة العلوية ، وبسبب
هذه النقطة بالذات ، فإن هذا
الشخص ، يتضخم ليصبح في صورة
حافظ الأرزاق ومانح الأعمار
وضامن الحيوات عند العلويين
وبالتالي ، تصبح معارضة مثل هذا
النظام عند العلوي ، وكأنها
انتحار حقيقي. إن الربط ما بين
النظام ( الرئيس العلوي ) وما بين
ضمان حياة واستقرار ومكاسب
العلويبن ، هو ربط قائم يلعب
عليه ويعمل على تسويقه النظام
نفسه. ولكنه ليس هو ، أي النظام ،
من اخترعه أو أوجده لدى العلوي.
فهو موجود بحكم الظروف
التاريخية كما قلنا ، ومن
المنطق أن نبرر وجوده بداية ،
ولكن من غير المنطق أن نقبل
باستمراره. ومن الطبيعي أن
يستغل النظام الحاكم مثل هذه
المشاعر والقناعات عند
العلويين ويلعب عليها. وللتنويه
، فهو ليس النظام العربي الوحيد
الذي يفعل ذلك. فهذا الأمر يحصل
في كل البلاد العربية على هذا
الشكل أو ذاك. ففي دول مثل الأردن
والسعودية والسودان ، كأمثلة ،
تجد قبائل وعشائر محسوبة على
النظام ، ويرتبط وجودها وقوتها
به وجودا وعدما. ومن المعروف أن
النظام العربي ، وكما قلت في
دراسة لي عن توصيف هذا النظام ،
أنه يقوم ويدوم على استثمار
أمراض المجتمع ومشاكله ، وليس
على حلها!!! والمهم : يعتقد كل
علوي في سوريا ، أنه مدين للنظام
. وأنه مدين له في رزقه ومعاشه
وشهادته بل وبلا مبالغة في مجرد
تمتعه بحق الحياة والوجود. هذه القناعة ،
رسختها أحداث عصابة الإخوان
المسلمين ، وما طرحوه من شعارات
ضد العلويين خصوصا ، وضد كل
مواطن غير سني إسلامي متعصب
عموما . وقد شمل خطابهم
الانتقامي المسيحيين والدروز
أيضا. وقد كانت مسيرات
الاخوان تخرج في شوارع حمص
بشعار : لا طنوس ولا ونوس بدنا
نشوف . يقصدون : لا علوي ولا
مسيحي. هذه الأحداث
والشعارات ، والتي لم تنته
بانتهاء الأحداث الدموية ،
فمازال الخطاب الإسلامي السني
نفسه ، نقول : هذه الأحداث ، أججت
مشاعر الولاء والعرفان للنظام
الحاكم ، وكرست القناعة بأن
وجود وحياة وكرامة العلوي مقترن
بوجود واستمرار هذا النظام ، بل
لعلني لا أستغرب إن سمعت مثل هذه
القناعات من أشخاص مسيحيين
ودروز أيضا. لاشك في أن ظلم
النظام الحاكم واستبداده ، عام.
أي لم يستثن منه علوي ولا سني
ولا مسيحي ولا ولا .. فالمال
العام المنهوب ، ليس له طائفة .
كما أن المعتقلات والسجون تضج
بالعلويين مع غيرهم من أبناء
الطوائف الأخرى. ففي النهاية ،
للنظام مصالحه. والمصالح لا
تعرف الطائفة. ولكن العلوي ، ما
زال يعتقد ، رغم كل شيء ، أن
وجوده مقترن باستمرار النظام. وهذا ما يصرح به
كثير جهرا حين يباغتك بسؤال
استنكاري استهجاني : علوي
ومعارض !!! أي من غير المعقول ,
ومن الأشياء المستهجنة ، أن
تكون علويا ومعارضا لنظام الحكم
في آن معا. فالعلوي ، حكما
وافتراضا ، يجب أن يكون مواليا. ونحن نعرف أن سياسة
القمع والنهب العام والإقطاع
والإفقار التي مارسها النظام لم
تستثن طائفة ولم تخص طائفة ،
والشعب من كل الطوائف عانى منها. طبعا لن أدخل في
مفاهيم الدولة القانونية وحقوق
المواطنة ، وكيف يجب أن تحل محل
ولااءات ما قبل وتحت الدولة ،
حتى نتمكن من الولوج إلى دولة
العدالة والمساواة حكم القانون.
فهذا الكلام رغم الاتفاق عليه
وعلى ضرورته الملحة ، فإننا
نعرف كم من المسافات والعوائق
تفصلنا عنه. ولكن المهم هنا أن
نقول أن النظام نفسه لا يعمل على
تغيير هذا الوضع الشاذ القائم .
فهو يخدم مصالحه واستمراره كما
قلنا. ومن هنا ، أزمتنا مع
النظام ، في أنه نظام أزمات.
وليس نظام حل أزمات. العلوي في سوريا ،
يعاني أزمة وجود ، فهو مقتنع بأن
هذا النظام لم يستثنه من ظلمه
واستبداده ، والمعتقلات تضج
بالمعارضين العلويين ، وهو ، أي
العلوي ، يشعر ، ويشعره البعض ،
بأن وجوده وكرامته ، مقترنة
بالنظام. وعليه ، فالعلوي
السوري ، يعاني من شيزوفرينيا
ضميرية حقيقية. فهو يكره النظام
من جهة ، ولكنه مضطر للولاء له
ومؤازرته والدفاع عنه من جهة
أخرى. ومشكلتنا مع النظام
، أنه يعي هذه الحقيقة ، فلا
يقدم على خلق ثقافة سياسية
جديدة تقوم على حقوق المواطنة
وسيادة القانون والعدالة
والمساواة ، بل إنه يكرس
ويستثمر مثل هذه الأوضاع بكل
خبث. العلوي يخشى
الديمقراطية ، لأنها عددية (
كمية ). والعدد مخيف هنا بالنسبة
لأي أقلية. والعلوي ، في مأزقه
الوجودي والسياسي هذا ، يضطر
أحيانا للنفاق والتدليس ولبس
ألف ثوب وقناع ، كي يداري خوفه
الحقيقي. الخوف من الاخوان
هاجس متأصل في وجدان العلوي.
فنكاية بهم مستعد لتأييد النظام
رغم كل مساوئه ورغم تعرضه
لاضطهاده أيضا. وربما يشارك
العلوي في ذلك المسيحي والدرزي
وسائر العلمانيين من السنة
وغيره. هذه مصيبة حقيقية.
نعاني منها. والمصيبة الأشد : هل
سيبقى النظام هو الضمان ، وهل
سيبقى وجود بلد ومستقبل شعب
مرهونا بشخص أو نظام حكم ، أم لا
بد أن نعمل على مأسسة حياتنا
ودسترها حقوقيا بشكل يضمن
المستقبل والعدالة والحرية
للجميع. ولعل المأزق
الوجودي هذا وتناقض الموقف يعبر
عنه المثل الشائع : ويلي منه ويا خوفي
عليه. أقول قولي هذا ،
وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز
المستغفرين. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |