ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 12/12/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

هل ينجح مسار "أنابوليس" في تجاوز معضلة القدس؟!

فادي شامية

أن تكون القدس، مدينة المدائن، ومحضن الشرائع السماوية، عقبةً كأداء أمام أي مفاوضات، فلا عجب في ذلك. ثمة ارتباط ديني ـ تاريخي للمدينة في قلوب مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين واليهود. يستحيل على المسلمين أن يقبلوا دولة وفق حدود العام 1967 لا تشمل القدس، ويعتبر اليهود بالمقابل أن لا قيمة لدولتهم من دون "أروشليم"، بل لا قيمة لـ"أورشليم" بدون الهيكل، وهو باعتقادهم المكان الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم، حيث يزعمون أنه لم يبقَ منه إلا حائط البراق (المبكى).

لا قرار التقسيم عام 1947، ولا احتلال كامل المدينة عام 1967، ولا عمليات التهويد المستمرة فيها، أوقف الصراع حولها. بقيت القدس عقبة لم يجد المفاوضون من حلٍ لها إلا بتأجيل الحل إلى أوقات لاحقة، سُميت بمراحل الحل النهائي.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي هندس المفاوضات منذ أوسلو وحتى اليوم، كان يدرك مدى حساسية هذا الملف، لذا فقد شدد في كلمته التي ألقاها في "أنابوليس" على أن "مصير مدينة القدس عنصر أساسي في أي اتفاق سلام نتوصل إليه"، وأردف عباس بإيراد رؤيته لحل هذه المعضلة بالقول: "نحن نريد للقدس الشرقية أن تكون عاصمة لنا، وأن نقيم علاقات مفتوحة مع القدس الغربية، وأن نكفل لجميع المؤمنين من كل الأديان حقهم في ممارسة شعائرهم والوصول إلى الأماكن المقدسة بدون إجحاف وعلى أساس ما يضمنه القانون الدولي والانساني".

بطبيعة الحال لم يكن ينتظر عباس ولا غيره من المفاوضين أو المراقبين أن ترحّب "إسرائيل" بهذه الرؤية، لأنها سبقت وأعلنت "القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل"، وذلك عقب سيطرتها على كامل المدينة بعيد هزيمة العرب في حرب العام 1967، لكن الوفد الفلسطيني أراد أن يرسم أرضية التفاوض ليرى أين سينتهي به الحال مع الجانب الإسرائيلي الذي كان قبل أعوام يرفض مبدأ التفاوض حول القدس.

 

المسيرة التفاوضية حول القدس

صعوبة الملف تتبدى من خلال استعراض المسيرة التفاوضية حول القدس. الأمم المتحدة لم تستطع أن تغض الطرف عن عظيم شأن هذه المدينة عندما أصدرت قرار التقسيم عام 1947 إذ نص القسم الثالث منه على إنشاء "نظام خاص للقدس" بحيث تتولى الأمم المتحدة إدارتها عن طريق مجلسٍ للوصاية. رفض العرب قرار التقسيم بما فيه تدويل القدس، ورحّب اليهود لكنهم رفضوا تدويل "أورشليم".

بعد حرب عام 1948 سيطرت "إسرائيل" على 84% من المنطقة المقترحة للنظام الخاص، وقد جرت مفاوضات غير مباشرة بين العرب واليهود عبر الوسيط الدولي برنادوت لتغيير هذا الواقع لكنها لم تفضِ إلى تغيير، ولم تمض شهور حتى أعلنت "إسرائيل" القدس عاصمة لها.

بعد سيطرة "إسرائيل" على كامل القدس عام 1967 مضت في تطبيق تصوّرها لتهويد المدينة بالكامل، وأعلنتها "عاصمة أبدية موحدة" لها معتبرة أن القرار 242 لا يشمل القدس، ثم شرعت في تغيير معالم المدينة الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية بهدف خلق واقع جديد على الأرض يستحيل معه التفاوض حول القدس. في هذه الفترة باتت مساحة القدس أكثر من 100 كيلو متر مربع بعدما كانت 4 كيلو مترات مربعة فقط. توسيع القدس هدف إلى تغيير واقعها الديمغرافي بالتزامن مع حملة تهويد طالت كل شيء داخل المدينة.

خلال مباحثات كامب ديفيد عام 1978 لم تجر الإشارة إلى مستقبل القدس، ولكن جرت الإشارة إلى الموقف المصري الذي يعتبر شرق القدس جزءاً من الضفة الغربية المحتلة 1967، وعند الشروع في مفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني (1979­ 1981) جرى طرح مستقبل القدس لكن لم يحدث أي تغيير في المواقف.

عندما جرت الدعوة إلى مؤتمر مدريد عام 1991 غابت القدس عن وثائق الدعوة ورُفضت مشاركة مقدسيين في الوفد الأردني بسبب إصرار "إسرائيل" على أن القدس ليست موضوعاً للتفاوض، لكن خلال مفاوضات واشنطن الفلسطينية ـ الإسرائيلية (1991 ـ 1993) طالب الوفد الفلسطيني بفتح ملف القدس للتفاوض لأن تأجيل القضية يعني فرض أمر واقع لا يمكن القبول به. "إسرائيل" رفضت التفاوض كما رفضت تجميد عمليات التهويد والاستيطان، لكنها سمحت لمواطني القدس بالتصويت في الانتخابات دون الترشح لمؤسسات الحكم الذاتي.

في اتفاق أوسلو عام 1993 وللمرة الأولى وافق الكيان الصهيوني على طرح مستقبل القدس للتفاوض ضمن ما عُرف حينها بقضايا الحل النهائي، وقد تطرقت محادثات بيلين­ أبو مازن عام1995 إلى القدس مجدداً، وقد استمر التفاوض حول القدس إلى أن تفجّرت انتفاضة الأقصى في العام 2000.

 

رؤيتان للحل

"الرؤية العربية" لحل معضلة القدس عبّر عنها أبو مازن في "أنابوليس". ما رفضه العرب في قرار التقسيم باتوا يطالبون به بعد ستين عاماً من الحروب والدماء والدموع. أقصى أماني الجانب الفلسطيني المفاوض اليوم هو أن ينال شرق القدس المحتلة عام 1967 لتكون عاصمة لدولته. ثمة إشكالية في هذا المطلب لأن البلدة القديمة للقدس تقع في هذا الشطر وهي جوهر الصراع. لحل هذه العقدة طرحت في مفاوضات سابقة سيناريوات عديدة منها تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، أو جعل ما هو أسفله لليهود، أو تقسيم البلدة القديمة إلى مربعات ثلاثة، تتبع سيادة كل منها إلى جهة، على أن يكون الحي الإسلامي الذي يضم المسجد الأقصى تحت السيادة الفلسطينية. بالمقابل فإن الرؤية الإسرائيلية في مراحلها المتقدمة لم تتجاوز فكرة القبول بعاصمة فلسطينية تقوم على بلدة أبو ديس القريبة من القدس، أي أن تكون هذه البلدة هي القدس البديلة. بدورها ستكون مساحة القدس موضع تفاوض كجزء من ملفي الحدود والمستوطنات الشائكين أيضاً.

لا تقل "آلام التفاوض" عن "آلام الحروب" في بعض الأحيان. ثمة تداعيات خطيرة سيتركها التفاوض على الجانبين على الصعيد النفسي والقومي بعد سنوات طويلة من العداء والدماء. الرئيس المصري السابق أنور السادات دفع حياته ثمن التفاوض، وكذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحاق رابين. وكثير من الزعماء في الجانبين "انتهوا" بسبب التفاوض ولا سيما حول القدس.

 

مصير القدس مثار جدل لا ينتهي

ثمة مواقف يهودية موافقة على التنازل في ملف القدس إذا تطلب الحل النهائي ذلك، وبالمقابل فإن الفريق الأكبر على تشدده. ثمة من هاجم شارون على خلفية تضمّن خطة الفصل ـ التي بنى عليها رؤية حزبه كاديما ـ جانباً غير معلن يتعلق بالموافقة على تقسيم القدس، لكن سرعان ما أكد الحزب الذي يرأسه إيهود أولمرت اليوم بأن أساس برنامج الحزب أن تبقى القدس موحدة. أولمرت نفسه قال في 8 تشرين الأول من العام الماضي: "إن القدس عاصمة موحدة وغير مقسمة وهي عاصمة إسرائيل إلى الأبد وليس من قوة قادرة على تغيير هذا الواقع". في الحقيقة فإن رؤية أولمرت تقوم على إبقاء القدس موحدة على أن تكون بلدة أبو ديس القريبة من القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة، وبالمقابل يتعهد أولمرت بأن تبقى البلدة القديمة للقدس ـ مساحتها أقل من كيلو متر مربع ـ التي تضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق (المبكى) في متناول المؤمنين تحت السيادة الإسرائيلية.

المتابعة الدقيقة للمزاج الإسرائيلي تظهر أن اليهود باتوا أقرب إلى "تقبـّل" تقسيم ما، وقد وصل أحد الاستطلاعات التي أجريت في 19كانون الثاني من العام الماضي إلى نتيجة مفادها أن 95% من الإسرائيليين مستعدون للتنازل "عن أحياء عربية في القدس لصالح بقائها عاصمة لدولة إسرائيل ذات غالبية يهودية". لم يكن هذا الاستطلاع معزولاً فقد سبقته استطلاعات عديدة تؤكد هذا التوجه وإن بنسب أقل.

 

القلق الديموغرافي والتلاعب الجغرافي

رغم السيطرة والتهويد ثمة قلق في "إسرائيل" حول نسبة تزايد العرب داخل القدس. معطيات معهد القدس للدراسات الإسرائيلية تشير إلى أن نسبة اليهود في القدس قد انخفضت إلى 66%، ومن المتوقع أن تصل إلى 56% في العام 2020. بطبيعة الحال فإن الأغلبية في الشطر الشرقي طاغية لصالح العرب. المعهد نفسه يؤكد أيضاً أن مؤشرات الهجرة السلبية من المدينة مقلقة، ويذكر في تقرير له منتصف العام 2005 إلى أن من جاء إلى القدس خلال العام المذكور أقل ممن هجرها من اليهود، وأن نسبة الزيادة السكانية السنوية بين العرب هي أكثر من 3% بينما هي عند اليهود قريبة من 1%. رئيس بلدية الاحتلال في القدس أوري لوبوليانسكي كان قد قال في 25 ـ 5 من العام الماضي: "إن أورشليم في خطر، وخلال 20 عاماً لن تكون عاصمة للشعب اليهودي".

لقد زاد الاحتلال من المحفزات الاقتصادية لجذب اليهود إلى المدينة. أعطى المنح التعليمية لليهود المقيمين في القدس. قدّم المساعدات المختلفة، افتتح الكُنس وأقام المشاريع، واشترى المزيد من العقارات، لكن الخطة السحرية للاحتلال تمثلت بالتلاعب الجغرافي بحدود القدس بحيث يجري إخراج الأحياء العربية من الحدود البلدية الجديدة وضم الكتل الاستيطانية القريبة منها، وهو ما يجري حالياً من خلال الجدار المسمى غلاف القدس، ومن المتوقع أن تصبح مستوطنة "معاليه أدوميم" في الشرق و"جفعات زئيف" في الشمال وجزء من مستوطنة "غوش عتصيون" في الجنوب ضمن الحدود الجديدة للقدس، بحيث تصبح نسبة الفلسطينين بحدود 20% فقط.

 

خلق البيئة الطاردة

لمواجهة الهجرة السلبية في الجانب اليهودي تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بممارسات قمعية وأعمال اضطهادية في الجانب العربي بهدف خلق بيئة طاردة للفلسطينيين كي يتركوا المدينة أو على الأقل أن لا يفكّر أولئك الذين يقطنون حولها ـ وقد عزلهم الجدار عنها ـ باتخاذها مسكناً لهم.

الضرائب الباهظة وعلى رأسها ضريبة "الأرنونا". منع المقدسيين من توسعة أو إصلاح بيوتهم ومحالهم. السطو على الأملاك وفق "قانون أملاك الغائبين" العجيب. فرض رسوم التأمين الصحي على الفلسطينيين رغم عدم استفادة العديد منهم من خدماته. فصل الناس عن بعضهم وعن أرزاقهم ومدارسهم ومستشفياتهم بواسطة الجدار، وغيرها كثير من الوسائل المذلة التي يلجأ إليها الاحتلال اليوم في القدس كلها تهدف إلى تيئيس الفلسطينيين من تمسكهم بقدسهم، وهي سياسة يأمل الاحتلال من خلالها حسم ملف القدس على أرض الواقع وليس على طاولة المفاوضات.

واقع القدس اليوم أنها مدينة مطوقة بغلاف اسمنتي طوله 181 كلم، يتخلله 26 حاجزاً عسكرياً، من بينها حاجز قلنديا الذي بات معبراً حدودياً بين الضفة والقدس، ويتعين على من يعبره من الاتجاهين أن يحصل على تصاريح عبور اعتباراً من آذار 2006 الماضي، ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن مساحة الاستيطان في محافظة القدس بلغت 44 كلم أي ما نسبته 13% من أراضي المحافظة موزعة على 26 مستوطنة. أما داخل القدس فإن السلطات البلدية تصنف أكثر من 20.000 منزل فلسطيني على أنها غير شرعية وهي قابلة للهدم، فيما تشير الإحصاءات إلى أن 70% من أهل القدس دون خط الفقر. هذا الواقع كان قد شكّل أساس مظاهرة إنسانية عالمية شهدتها اسطنبول الشهر الماضي بدعوة من مؤسسة القدس الدولية وعدد كبير من الهيئات والاتحادات والشبكات التطوعية في العالم تحت شعار "فلنحم وجه الحضارة".

بعيداً عن مدى التفويض الشعبي للتفاوض لدى الطرفين، إلا أن هذه الحيثيات مجتمعة ستجعل من القدس أصعب الملفات التي سيجري التفاوض حولها، وسيزيد من ثقل هذا الملف على المفاوضين أن القدس ومقدساتها ليست شأناً فلسطينياً فحسب، وأن القدس ليست كعواصم العالم. إنها عاصمة بلا حدود.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ