ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فريدمان
و إعادة تعريف الديمقراطية !! د.
ياسر سعد توماس
فريدمان ليس كاتبا أمريكيا
عاديا, فهو واحد من أشهر
الكتاب الصحافيين في الشؤون
الدولية, ولأسمه بريق خاص في
الدوائر الأميركية والعربية
الرسمية، يعتبر خبير في شؤون
الشرق الأوسط، وهو المبشر بـ"العولمة"
ومنافعها على امتداد العالم وهو
من يدعوا دائما لدور أميركا
القيادي والفعال. هناك
شعورا عاما وإحساسا طاغيا بأن
فريدمان يعبر عن وجهة نظر
الإدارة الأميركية ويطرح
أفكارها ويسوقها، كما يقوم
بتوصيل رسائل غير مباشرة إلى
أصحاب القرار في الدول الأخرى،
وتردد هذا الاعتقاد عندما لجأ
فريدمان في التسعينيات إلى
كتابة رسائل مفتوحة لبعض الحكام
العرب. كتب
فريدمان في عموده في "نيويورك
تايمز" والذي تنشره أيضا
صحيفة عربية مقالا بعنوان "الشرق
الأوسط: الترويج للتعددية بدلا
من الديمقراطية" استهله
بفكرة طرحها عليه مسؤول فرنسي
رفيع, تقول: نحن في الغرب ربما
نتمكن بدلا من الترويج
للديمقراطية في الشرق الأوسط ـ
وهي فكرة ظلت مشوهة بسبب
ارتباطها بالقوى الغربية التي
كانت ذات يوم مستعمرة للمنطقة ـ
أن نركز على الترويج لصالح
التعددية التي تمتلك المنطقة
تاريخاً طويلاً لها. وبالنسبة
لفريدمان فهذه وجهة نظر سديدة,
فجوهر الديمقراطية هو مداورة
للسلطة بشكل سلمي، بغض النظر
عمن خرج من السلطة سواء كان حزبا
أم عشيرة, لكن هذا الأسلوب لا
وجود له في العالم العربي-
المسلم اليوم حيث يظل المبدأ
السياسي التالي قائما دائما: «السلطة
أو الموت» حسب رؤية الكاتب
الأمريكي. ويعتبر فريدمان في
طرحه بأن الديمقراطية هي ليست
حول حكم الأغلبية بل هي حول حقوق
الأقلية, وإذا لم تكن هناك ثقافة
تتعامل بروح متسامحة مع
الأقليات وتمنحها حقوقها بشكل
متساو مع غيرها فإنه لن يكون
ممكنا للديمقراطية أن تمد
جذورها في مجتمع كهذا. ويزعم
فريدمان بأن الأمريكيين وإن
كانوا قادرين على إجراء
انتخابات نزيهة في العراق لكنهم
لا يستطيعون زرع ثقافة التعددية,
ويعتبر الحروب الأهلية التي
وقعت في الغرب ضرورة للسماح
بولادة الثقافات المتعددة فيها,
ويبشرنا بأن العالم العربي-
المسلم سيمر بمرحلة صراع
الأفكار نفسها التي سادت في
الغرب من قبل. مكانة
فريدمان وعلاقته المتشعبة
وترويجه لفكرة مسؤول فرنسي رفيع
المستوى في وقت يشهد تقاربا
وثيقا في السياسات والعلاقات
بين فرنسا ساركوزي وإدارة بوش,
تفرض علينا أخذ أطروحاته بشيء
من الجدية. فبعد أن كانت الذريعة
الأولى لحروب أمريكا المدمرة في
العراق وأفغانستان نشر
الديمقراطية و"فرضها",
وبعد مشروع باول الشهير فيما
يخص الديمقراطية والتنمية في
الشرق الأوسط ثم تسويق وترويج
النظريات التي كانت تربط بين
انتشار الإرهاب والحكم
الدكتاتوري إبان التمهيد لغزو
العراق. من بعد كل هذا يأتي طرح
تبني التعددية عوضا عن
الديمقراطية, بحجة أن
الديمقراطية مرتبطة في منطقتنا
بالقوى الغربية واستعمارها
القديم. أليس غريبا أن يروج
فريدمان بأن هناك ربط بين الغرب
الاستعماري والديمقراطية
ويتجاهل الربط والرابط بين هذا
الغرب الاستعماري وبين هيمنة
العولمة والشركات العملاقة
ومشاريع الخصخصة وصفقات السلاح
الضخمة وشركات الأمن الخاصة
والاحتلال وويلاته؟ يبدو
أن الديمقراطية والتي جاءت
بحماس للسلطة في الأراضي
الفلسطينية, والتي يمكن أن تأتي
بالجماعات والأحزاب المعارضة
للهيمنة الأمريكية والغربية في
المنطقة وتقف حجرة عثرة في طريق
مطامعها, لم تعد أمريكا
وحلفاؤها بقادرين على التعايش
معها ولو بحدودها الدنيا.
المصالح الأمريكية لم ولن
تستطيع التعايش مع ديمقراطية
حقيقة أو مع مؤسساتها.
فالولايات المتحدة لا تتحمل أن
يكون تواجدها العسكري
واتفاقيتها الأمنية
والاقتصادية والتعاون الأمني
مرهونا بموافقة برلمانات
منتخبة أو بنتائج استفتاءات
شعبية نزيهة وشفافة؟ أمريكا
تعلمت من الدرس التركي, فكلما
زادت جرعة الحرية ونزاهة
الانتخابات, كلما تعززت القدرة
على قول لا للمطالب والرغبات
الأمريكية. ولعل العديد من
استطلاعات الرأي لشعوب المنطقة
والتي يظهر من خلالها السخط
البالغ على السياسة الأمريكية
تشير إلى أن الأكثرية لو حيل
بينها وبين حرية الرأي والتعبير
لعبرت عن رفضها للسياسات
الأمريكية وتجاوزاتها. من
هنا يبدو أن ما يطرحه فريدمان
ويحاول تسويقه هو تعريف جديد
للديمقراطية المقترحة والتي لا
تدور حول مفهوم حكم الأغلبية بل
مدارها حقوق الأقلية, والتي
يمكن من خلالها للمصالح
والمطامع الأمريكية أن تتجاوز
الكثير من العوائق التي تنشأ من
خلال تمتع شعوب المنطقة بحرية
التعبير والاختيار. فريدمان
يبشرنا بطريقة ضمنية بحاجتنا
إلى حروب أهلية دامية كالتي
حصلت في أوربة وأمريكا ,وربما
كالتي تسببت بها سياسات التحريض
الأمريكية في العراق, حتى نصل
إلى مرحلة القبول بتعدد
الثقافات. اللعب
بورقة الأقليات, العرقية
والمذهبية والدينية كان المدخل
الأمريكي في أفغانستان والعراق
وفي المحاولات المستمرة في
تفكيك السودان وتفتيته. التدخل
في المنطقة وتعميق الانقسامات
الاجتماعية تحت ذريعة حماية
واحترام الأقليات, إستراتيجية
أمريكية تراعي وترعى مصالحها
أكثر من حكم ديمقراطي يسعى
لتحقيق عموم مصالح الأمة, فيما
تتطلع الأقلية أو بعض مكوناتها
–خصوصا مع حملات التحريض
الخارجية- للخارج لحمايتها
وللاستقواء به. ومن خلال مقياس
التعامل مع الأقليات يمكن إعطاء
شهادات حسن سلوك للطغاة
والدكتاتوريين والفاسدين والذي
يتشكل جل حلفاء أمريكا منهم. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |