ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سوريا
بين اعتقالات مؤقتة واعتقال
دائم ! محمد
نجاتي طياره
قامت السلطات الأمنية
السورية خلال الأيام الماضية
بحملة اعتقالات واستدعاءات
واسعة، شملت طيفا واسعا من
الناشطين السوريين بين سياسيين
وحقوقيين ومثقفين من مختلف
المحافظات، تردد أن عددهم تجاوز
الثمانية والثلاثين، وذلك على
خلفية انعقاد المجلس الوطني
الأول لإعلان دمشق في أوائل
الشهر الحالي . بدأت الحملة
المذكورة عشية ذكرى اليوم
العامي لإعلان حقوق الإنسان،
ويبدو من آخر أخبارها أنها
مرشحة للاستمرار نظرا لشمولها
ناشطين جددا بعد الإفراج عن
معظم الأوائل، وهي بذلك تعكس
بصورة صارخة ومتجددة واقع
انتهاكات السلطة السورية لحقوق
الإنسان، التي كانت الدولة
السورية وللمفارقة من أوائل
المشاركين والمصدقين على
إعلانها العالمي الصادر في
العاشر من ديسمبر عام 1948، والذي
نصت مادته التاسعة بصورة صريحة
على أنه لا يجوز القبض على أي
إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا،
بما يعنيه ذلك التصديق الدولي
من أولوية مرجعية قانونيا
وأخلاقيا على أي تشريع وطني . ليس غرضي الآن
الدخول في نقاش حول أولويات
المرجعية القانونية في مسائل
حقوق الإنسان والمواطن،
وتداخلها مع مسألة السيادة
الوطنية بما يعكس العلاقات
المتشابكة بين العامل
الخارجي والعامل الداخلي، إلى
ذلك من حديث تحول جدلا بيزنطيا
شائعا، ولا أسعى أيضا إلى
مناقشة موقف السلطة من الوجه
السياسي لنشاطات ائتلاف إعلان
دمشق، الذي ما زال على الرغم من
كل تعنت وقمع يواجهه، يواصل
الدعوة إلى حوار وطني شامل
ومتكافىء، فذلك له مجال آخر،
لكنني أرمي إلى تفحص جوانب أخرى
في مسألة الاعتقالات الجارية،
وهي جوانب جرى ويجري تجاوزها
بحكم تحول الواقع المستمر في
الأعيان إلى حقائق مستقرة في
الأذهان، وما أعطى العادة قوة
الحقيقة بل وشرعيتها أيضا . تسمي مصادر السلطة
هذه الاعتقالات على أنها
استدعاءات أحيانا، وتسميها
مصادر أخرى على أنها توقيف مؤقت
يتراوح بين بضعة ساعات وبين
أكثرمن يوم وليلة، ويدعى أنها
تحدث بصورة قانونية ومن قبل
سلطة مخولة شرعيا بحكم القانون،
وفي كل ذلك أكثرمن مغالطة . أولا: إن هذه
الاستدعاءات لاتأتي من قبل
السلطة القضائية المخولة بذلك
وحدها شرعيا وفق القانون
والدستور، وتمثلها النيابة
العامة في هذا المجال، وهذا
يتطلب تبليغ الاستدعاء بمذكرة
رسمية عبرها، فيمكن للمستدعى
عندها إخبار محاميه أو إحضاره
معه. وهو أمرلا يحصل بطبيعة
الحال في جميع حالات الاستدعاء
الأمنية السورية الحاصلة، إذ
أنه إما أن يحصل بطريقة شفهية
فقط،، وفي أحسن الأحوال
باستدعاء مكتوب بخط اليد وبلا
توقيع ولاخاتم رسمي، يطلب فيه
من المستدعى التوقيع عليه
إشعارا بالتبليغ ولا تسلم له
أية نسخة. وهذا يعني احتمال أن
تقوم أية جهة ولتكن عصابة ما
باختطاف المواطن المستدعى (والمستسلم
غالبا للطلب تحت تأثيرالخوف
والرعب من التاريخ المظلم
لأجهزة الأمن في الحقبة السوداء
الماضية ) لطلب الاستدعاء
المزعوم والمقدم بتلك الصورة
الخفية . ثانيا: أنها تحصل من
قبل سلطات، أصبحت دولة أمنية
شاملة لا تمثل الدولة الرسمية
إلا بابها الشكلي فقط، واكتسبت
هيمنتها ليس فقط من تاريخها
المتغول في الحقبة المذكورة، بل
من مرجعية تأسيسها أيضا، كما في
حالة إدارة أمن الدولة. إذ احتوى
المرسوم التشريعي رقم 14 الخاص
بإحداثها عام 1969 في المادة 16 منه
على ( أنه لا يجوز ملاحقة أي من
العاملين في الإدارة عن الجرائم
التي يرتكبونها أثناء تنفيذ
المهمات المحددة الموكولة
إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا
بموجب أمر ملاحقة يصدر عن
المدير) وكذلك جاء نص مشابه في
المادة (74) من قانون التنظيمات
الداخلية للإدارة الصادر في نفس
العام. وبذلك منح المرسوم أولئك
العاملين حصانة أشبه بحصانة
النائب البرلماني، التي قد
يرفعها جزئيا أو كليا برلمان
منتخب ورئيسه ، لكن مدير
الإدارة لن يرفعها عن عامليه
هنا لأسباب لا تخفى على أحد،
أقلها أنه غير خاضع لقرار
ناخبين . ثالثا : إن التوقيف
المؤقت لساعات أو لأيام أو
لشهورهو اعتقال تعسفي أيضا،
وحتى لو استمر لساعة واحدة فقط،
فما دام الاستدعاء يحدث على
الرغم من إرادة الفرد المواطن
فهو ببساطة حجز غير شرعي لحرية
ذلك الفرد، إن لم يخضع لشروط
القانون وبعلم القضاء المستقل.فما
أجمل تلك العبارة التي نسمع
رجال الشرطة
في العالم المتمدن يتلونها
على الموقوف حتى لو كان بالجرم
المشهود : من حقك أن تحتفظ
بأقوالك ولا تجيب إلا أمام
محام، وإن لم تكن لديك المقدرة
على اختيار محام ، فستعين
المحكمة محاميا لك. إنها عبارة
تعكس ذلك الاحترام العميق لحقوق
المواطن مهما كانت تهمته . ثم إن الاعتقال
المؤقت إذا تكرر، على الرغم من
أية معاملة لطيفة مصاحبة له، لا
تخرج عن كونها عرضا للقبضة
القوية بملمسها المخملي، ولا
تمنع من استمرار لجوء الأجهزة
الأمنية إلى تجريب السجن في
الأقبية والسواليل ( ج سيلول) ،
مع ما يختلط
بذلك الاعتقال المؤقت من
استدعاءات ووضع تحت الرقابة
الدائمة للبصاصين وكلاب الأثر
كما سماهم شاعرنا الكبير نزار
قباني. فإذا أضيف إلى ذلك
المنع من السفر وتقييد
الحركة والتنقل، وحجب حريات
التعبير والاجتماع والتنظيم،
ألا يغدو كل ذلك أشبه بوضع
المواطنين في حالة اعتقال دائم
، وبذلك أصبحت البلاد كلها
بمثابة سجن كبير، كما صارت حالة
الطوارئ المفروضة منذ أكثر من
أربعة وأربعين عاما حالة اعتقال
مديد لشعب بأسره . أخيرا، أعلم أن
الكلام عن حقوق الإنسان
والمواطن بهذه الصورة سيبدو
ضربا من الخيال والحلم، وسيرد
علي كثيرون بالقول : هل تعيش في
سويسرا، كما فعل أحد المحققين
ذات مرة؟
لكنني سأقول لهم وأكرر دوما
: لم لا، فأنا أحب سوريا وهي
تستحق منا جميعا هذا الحلم ؟ وتلك مقدمة ضرورية
لنزع ذلك الخوف السرطاني المقيم
في قلب المواطن السوري، الذي
سيتوقف عن الانشطار الشائع بين
شخصيتين خارحية وداخلية،
مجاهرا برأيه، ومشاركا بثقة
واطمئنان في صنع مستقبل بلده ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |