ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حتى
لا يقتصر "إعلان دمشق" على
مجرد الإعلان عنه فحسب! الطاهر
إبراهيم* بعد موت "حافظ أسد" في 10
حزيران عام 2000 ، لم يتأخر الحراك
السياسي في سورية سوى بضعة أشهر
حتى أعلن عن نفسه محسوسا ملموسا
في حياة السوريين، بعد أكثر من
ثلاثة عقود كان فيها الحراك
يعيش مواتا شتويا كالذي تعيشه
ذوات الدم المتحول في فصل
الشتاء. فنشطت اللقاءات بين
المثقفين وناشطي المجتمع
المدني، وكثرت في سورية الوثائق
والعرائض، نذكر منها على سبيل
المثال لا الحصر وثيقة ال 99 في 27
أيلول عام 2000 والوثيقة الأساسية
للجان المجتمع المدني وأطلق
عليها اسم "بيان الألف" في
10/ 1/2001، طالب
فيهما موقعو الوثيقتين الرئيس
بشار بالتخلي عن احتكار الحكم
وإطلاق الحريات. كما تمثلت الصورة الأخرى لهذا
الحراك بمنتديات سياسية، مثل
منتدى الحوار الديمقراطي الذي
أطلقه النائب رياض سيف في منزله
بدمشق منتصف أيلول عام2000 . وتم
الإعلان عن منتدى "جمال
الأتاسي" في 16 كانون ثاني عام
2001 ، كمنتدى مستقل عن الأحزاب،
وعيّن المحامي حبيب عيسى ناطقا
باسمه. وبدأت ظاهرة المنتديات
بالانتشار –كما ينتشر الفطر في
يوم ضبابي مطير- في كل المدن
السورية، ما أقلق نظام الحكم. أسدل الستار على هذا الحراك
بالهجمة الارتدادية التي شنها
أعضاء في النظام وفي حزب البعث
على مُوَقّعي البيانات وأعضاء
المنتديات، شارك في الهجمة
وزيرُ الإعلام "عدنان
عمران" ونائب الرئيس "عبد
الحليم خدام" ووزير الدفاع
"مصطفى طلاس"، حتى إن
الرئيس السوري نفسه شارك في تلك
الهجمة الارتدادية. لم يأت خريف عام 2001، حتى سيق عشرة
من قادة الرأي في سورية إلى
المعتقلات كان أشهرهم رياض
الترك ورياض سيف والدكتور عارف
دليلة وآخرون، حوكموا، وحكم على
عشرة منهم بأحكام تراوحت بين
خمسة أعوام وعشرة أعوام. عاش المجتمع المدني السوري بين
مد خفيف وجزر عنيف، وتسخين على
نار هادئة، ربما تخللها مناوشات
خفيفة، مثل اعتصامات لبضعة مئات
من المثقفين وناشطي المجتمع
المدني ،وربما تم تفريقهم
باستعمال عصي وكرابيج. وعندما
قرئت في "منتدى الأتاسي"
رسالة من المراقب العام لجماعة
الإخوان المسلمين "علي صدر
الدين البيانوني" تم القبض
على "علي العبد الله" الذي
تلا الرسالة، ثم شمل الاعتقال
باقي إدارة النادي وأفرج عنهم. لم يواف الربع الأخير من عام 2005
إلا وقد اختمرت فكرة إنشاء تجمع
لقوى معارضة للنظام السوري،
معظمها داخل سورية، وبعضها في
المنفى مثل جماعة الإخوان
المسلمين، حيث استمزج رأيها قبل
أن يتم إشهار ما سمي "إعلان
دمشق"، الذي ضم أحزابا معارضة
داخل سورية وشخصيات مستقلة،
إضافة إلى جماعة الإخوان
المسلمين السورية. لم يستطع تجمع قوى "إعلان
دمشق" أن يصوغ أي هيئة من
الهيئات الضرورية التي يجب أن
تتصدى للمستجدات التي يتعرض لها
القطر السوري ولإبداء الرأي
حولها. وكان أول جديد تطلب إبداء
الرأي فيه، هو إنشاءَ "جبهة
الخلاص الوطني" في بروكسل في
17 /آذار/ /2006 بين كل من المراقب
العام لجماعة الإخوان المسلمين
"علي صدر الدين
البيانوني"، ونائب الرئيس
السوري السابق الأستاذ "عبد
الحليم خدام". وقد تباينت
المواقف التي صدرت عن بعض
مكونات "إعلان دمشق" بين
شاجب وساكت، ومن ترك الباب
مواربا. نتوقف هنا بعض الوقت لنذكّر،
بأنه كان من الممكن الاستفادة
من حضور جبهة الخلاص، -مهما كان
الموقف منها- سيما وأن الإخوان
المسلمين مشاركون في إعلان
دمشق، فينشأ معها علاقة تنسيق:
الجبهة من خارج سورية، وقوى
الإعلان من داخل سورية. كان
إشهار الجبهة مناسبةً للبعض
–وهم قلة- لتصفية حسابات
مزدوجة: مرةً ضد الإخوان
المسلمين، وأخرى ضد عبد الحليم
خدام، وثالثة ضد الطرفين. كانت نقطة الضعف الأهم في قوى
"إعلان دمشق"، هو شعور من
في الداخل السوري أنهم تحت
مراقبة دائمة من أجهزة النظام.
كما أدى عدم الانسجام بين تلك
القوى داخل سورية أن تفشل فيما
بينها حتى باختيار ناطق رسمي
باسم"إعلان دمشق". لقد كان
أهم إنجاز في المرحلة السابقة
هو الإعلان عن "إعلان
دمشق"، ثم ... لا شيء بعد ذلك. الآن وبعد أكثر من سنتين على
إشهاره فقد تم عقد المجلس
الوطني لإعلان دمشق بحضور 163
عضوا في أول كانون أول 2007،
وانْتُخِبَت هيئة رئاسية
للمجلس مكونة من خمسة أشخاص،
كما انْتُخِبت أمانة عامة مكونة
من سبعة عشر عضوا انتخبت رياض
سيف رئيسا لها. وبذلك تكون
مؤسسات إعلان دمشق قد تكاملت،
ينتظر السوري أن تجترح آليات،
فيها من الإحساس بالعزيمة: بأنه
لا بد من التغيير في سورية. وإذا عرفت هذه المؤسسات الطريق
الواجب عليها سلوكه، فربما يدرك
عندها النظام الحاكم أنها
مؤسسات أفعال لا مؤسسات أقوال.
وقد –للتقليل- يعمل على أن
يلاقيها في منتصف الطريق، هذا
إذا استطاعت قوى إعلان دمشق
إفهامه من خلال الجدية في عملها
أن سورية يجب أن تكون لكل
السوريين. هناك كثير من الشعوب
استطاعت –من دون اللجوء للعنف-
أن تجعل الأنظمة الحاكمة تضطر
إلى النزول عند إرادة شعوبها. بعض الجهات والأفراد، وأكثرهم في
خارج سورية، لم يستطيعوا حملَ
أنفسهم على الذوبان في المجموع.
فهم لم يستطيعوا تَفَهّم أن أي
تجمع فيه من التنافر أكثر مما
فيه التآلف. يكفي أن يجتمع
الجميع على هدف مشترك، لا يضرهم
بعد ذلك خلافاتهم في أمور
جانبية أخرى. وأن من ظن أن له
الحق بوضع "الفيتو" على طرف
أو أطراف معينة، فربما كان هناك
أطراف أخرى كثيرة لديها
"فيتو" عليه. البعض الآخر يريد أن يعود بنا إلى
أيديولوجيات ستينات وسبعينات
القرن العشرين، ما كنا نعرفها
قبل الالتزام مع المعسكر
الاشتراكي أوالمعسكر الرأسمالي
فيقسّم العرب إلى عُرْبان
والخطاب إلى خطابات فيها من
اليسار واليمين والليبرالية
والديمقراطية متناسيا أن
السوري لا يعرف هذه التقسيمات
التي فيها من الاختلاف أكثر
بكثير مما فيها من التوافق،
ولاينتمي إلا إلى سورية ضمن
محيطها العربي، خصوصا بعد زوال
الاتحاد السوفيلتي. هناك الكثير من العمل أمام تجمع
قوى إعلان دمشق. والساحة ستحكم
على تلك المؤسسات، المشكّلة
حديثا، فيما إذا كانت قادرة على
الوقوف في وجه التحديات والتصدي
لها؟ أم أنها ستقف عند أول حاجز.
وأنه -وحتى إشعار آخر- لا جديد في
إعلان دمشق إلا مجرد الإعلان
فحسب. *كاتب سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |