ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التقرير
الأمريكي حول ايران يغير بيئة
إسرائيل الإستراتيجية صالح
النعامي حوالي
الساعة السادسة من مساء
الأربعاء من الأسبوع الماضي رن
الهاتف النقال الخاص بالدكتور
شلومو سيغف، الطبيب الشخصي
لرئيس الوزراء الإسرائيلي
إيهود أولمرت، على الخط الثاني
كانت سكرتيرة أولمرت الشخصية
التي أبلغت سيغف بتأجيل اللقاء
الذي كان من المقرر أن يعقده
أولمرت معه في بيته وبحضور
زوجته للتباحث حول موعد إجراء
عملية استئصال وررم البروستاتا
السرطاني الذي يعاني منه
أولمرت، لتطور أمني هام. في هذه
الأثناء كان أولمرت يرأس
اجتماعاً طارئاً لقادة الأجهزة
الأمنية والإستخبارية وممثلين
عن هيئة الطاقة الذرية
الإسرائيلية، وخبراء في مجال
الدعاية، بالإضافة الى وزيري
الخارجية والدفاع. على جدول
الأعمال كانت تداعيات تقرير
الاستخبارات الوطنية الأمريكية
الذي جزم بأن إيران قد تخلت منذ
العام 2003 عن مواصلة تطوير
برنامجها النووي للأغراض
العسكرية. الذين حضروا اللقاء
اجمعوا على أن التقرير مثل صفعة
مدوية لإسرائيل، وهناك من وصفه
بأنه " فشل استخباري
ودبلوماسي كبير ". خلال
اللقاء كانت لهجة اولمرت صارمة
وقاطعة، حيث توجه لقادة الأجهزة
الاستخبارية وممثلي هيئة
الطاقة النووية مطالباً إياهم ب
" توظيف كل قدرات اسرائيل
وطاقتها الإستخبارية للتدليل
على أن التقرير الأمريكي
فسرالمعلومات الاستخبارية بشكل
مغلوط. وكما يقول الصحافي
الإسرائيلي بن كاسبيت الذي
يعتبر على علاقة وثيقة بالأجهزة
الاستخبارية، فأن رئيس جهاز
الموساد مئير دجان وعد اولمرت
خلال اللقاء بأن جهازه سيسعى
للإثبات للعالم أنه بالإضافة
للبرنامج النووي العسكري الذي
أوقف في العام 2003 والبرنامج
النووي للأغراض السلمية الذي
تواصل ايران تطويره، فأن هناك
برنامج ثالث سري نجحت إيران حتى
الآن في اخفائه عن أعين العالم.
وكما وعد دجان فأن جهازه
بالتعاون مع الأجهزة الاخرى
سيحاول أن يثبت أن الإيرانيين
من خلال هذا البرنامج السري
يحاولون بأستخدام أدوات خفية
تخصيب اليورانيوم وتحقيق قدرة
نووية عسكرية دون أن يكون
العالم الخارجي على علم بذلك. تسخيف بوش هذا على
الصعيد الأمني، أما على الصعيد
الدعائي، فأنه خلال هذا
الإجتماع تقرر شن حملة دعائية
قاسية ضد التقرير الأمريكي لكن
بدون أن يتصدر هذه الحملة جهات
إسرائيلية رسمية، حيث تم
الاتفاق خلال اللقاء على أنه من
المحظور على المستوى السياسي
والعسكري الرسمي في إسرائيل أن
يظهر أمام الرأي العام الأمريكي
وكأنه يريد دفع الإدارة
الأمريكية لمواجهة عسكرية مع
إيران بكل ثمن. وتقرر أن يشارك
في هذه الحملة خبراء دعاية
اسرائيليين بالتعاون مع
جنرالات متقاعدين وخبراء في
مجال الذرة وقادة اجهزة
استخبارية سابقين، وذلك
بالتنسيق مع قادة الجاليات
اليهودية في الولايات المتحدة
وكل الأوساط الأمريكية التي
وجهت انتقادات للتقرير. وعلى
الرغم من أنه لم يتم الإعلان عن
منطلقات الحملة الدعائية ضد
التقرير، فأنه بعد اسبوع على
انطلاقها بالفعل، فأنه يمكن
الإشارة الى الماكينزمات التي
تتبعها هذه الحملة لتحقيق
أهدافها، وأن بدت متناقضة وهشة.
فالمشاركون في الحملة الدعائية
الإسرائيلية يشككون في مهنية
التقرير،بزعم أن الأمريكيين
قاموا بتفسير المعلومات
الإستخبارية بشكل خاطئ ومجتزأ.
الى جانب ذلك فأنهم يشككون
أيضاً في دوافع قادة الأجهزة
الاستخبارية الامريكية الستة
عشر التي صاغت التقرير، حيث
يدعي الكثير من المشاركين في
هذه الحملة أن هؤلاء القادة
قاموا بإصدار التقرير
استخلاصاً للعبر من الحرب على
العراق، حيث ارتكزت الإدارة
الأمريكية في حربها على معلومات
قدمتها الاستخبارات الأمريكية
تفيد بأن صدام حسين يملك اسلحة
غير تقليدية، وهي المعلومات
التي تبين خطؤها. ويزعم الذين
يديرون الحملة الإسرائيلية، أن
معدي التقرير يريدون من خلال
نشره على العلن منع الرئيس بوش
من شن حرب على إيران. وتارة اخرى
يناقض الدعائيون الإسرائيليون
أنفسهم عندما يزعمون أن التقرير
صدر بتشجيع من بوش نفسه، على
إعتبار أنه كان يبحث عن مسوغ
لتبرير عدم شنه الحرب على
إيران، حيث أنه من الواضح أنه
سيكون من شبه المستحيل على بوش
تبرير شن حرب على إيران بعد صدور
هذا التقرير. وحتى تضفي طابعاً
شخصياً على التقرير
الإستخباري، فقد سمحت حكومة
أولمرت بتسريب خلاصة تقرير أعده
قسم الأبحاث في وزارة الخارجية
الإسرائيلية والذي يجزم أن بوش
اتخذ قراراً بعدم شن الحرب على
ايران بسبب ضعفه، مع العلم أن
وسائل الإعلام الإسرائيلية
ذاتها زخرت بالإقتباسات
المنسوبة لعدد من كبار
المسؤولين الإسرائيليين الذين
يمجدون عزم بوش على وضع حد
لبرنامج طهران النووي. فشل وحرج لكن
الجهد الدعائي الإسرائيلي لم
يفلح في اقناع معظم وسائل
الإعلام الإسرائيلية، فجميع
المعلقون للشؤون الإستخبارية
في الصحف الإسرائيلية امثال
رونين بريغمان ويوسي ميلمان
وأمير أورن وغيرهم يؤكدون أن
التقرير الأمريكي اعتمد بالضبط
على نفس المعلومات المعلومات
الإستخبارية الموجودة لدى
إسرائيل، وأن الأجهزة
الإستخبارية الإسرائيلية لا
تملك أي معلومات لا تملكها
الاستخبارات الأمريكية. في نفس
الوقت يؤكد جميع هؤلاء المعلقين
أن قادة الأجهزة الاستخبارية
الإسرائيلية يدركون في قرارة
أنفسهم أنه لا يمكن الطعن
بالمطلق في مهنية الأجهزة
الإستخبارية الأمريكية. الحرج
الشديد الذي أصاب المستوى
السياسي والأمني في إسرائيل من
صدور التقرير الأمريكي كان
شديداً لأنه أبرز إسرائيل
وتحديداً أجهزتها الإستخبارية
كطرف يبحث بكل ثمن عن توريط
واشنطن في مواجهة مع إيران
بمعزل عن المسوغات الموضوعية
التي تبرر هذه الخطوة. لكن
إسرائيل لم تخسر فقط دبلوماسياً
وإعلامياً في مواجهة إيران بعد
صدور التقرير الأمريكي، بل مثل
التقرير ضربة للإستراتيجية
الإسرائيلية التي كانت قائمة
على محاولة بذل الجهود لإيجاد
إجماع دولي ضد المشروع الذري
الإيراني، برفعها شعار "
إيران النووية خطر على سلام
وإستقرار العالم ". وأن كان
رهان إسرائيل على قيام إدارة
بوش الحالية تحديداً بمحاولة
اجهاض المشروع النووي الإيراني
بعمل عسكري قد تلاشت بعد صدور
التقرير، فأن حكام تل أبيب
يدركون أنه حتى الرئيس الأمريكي
القادم لن يكون بوسعه تجريب
الخيار العسكري في مواجهة إيران
اثر صدور التقرير. في نفس الوقت
تدرك تل أبيب أيضاً أن قدرتها
على اقناع دول العالم بفرض
عقوبات إقتصادية شديدة على
طهران قد ضعفت رغم تعهد بوش
ووزيرة خارجيته رايس بمواصلة
الجهود لفرض مزيد من الضغوط على
طهران. وتعي تل أبيب أن الكثير
من دول العالم التي تقيم علاقات
اقتصادية وتجارية مع طهران قد
تنفست الصعداء أثر صدور هذا
التقرير، لأنه يسمح لها بالتصدي
لمحاولات واشنطن تجنيدها في
المواجهة ضد إيران. بقاء الخطر لكن
معضلة إسرائيل بعد التقرير
الأمريكي لا تقف عند هذا الحد،
فبالنسبة لصناع القرار في تل
أبيب، فأن إيران تشكل خطراً
استراتيجياً عليها حتى بدون
التهديد النووي، وكما يقول
الجنرال بنيامين بن اليعازر،
وزير البنى التحتية
الاسرائيلية فأن إيران تملك
ترسانة ضخمة من الصواريخ
الباليستية التي تغطي جميع
مناطق إسرائيل. تسفي بارئيل
الباحث والكاتب الإسرائيلي
المعروف يشدد على أن التقرير
الأمريكي أفقد تل ابيب " ثروة
استراتيجية هامة "، حيث أن
إسرائيل في أعقاب التقرير لا
تستطيع مواصلة " لعب دور
الدولة العظمى الاقليمية التي
تحدد خارطة التهديدات
الاستراتيجية الدولية ".
ويدرك صناع القرار في إسرائيل
أن ايران في المقابل فقدت في هذا
التقرير المكانة التي اكتسبتها
لنفسها كتهديد استراتيجي، ومن
هنا ستجد اسرائيل صعوبة في
مواصلة تسويق الصورة النمطية
التي حاولت ترويجها عن إيران
لتمرير سياساتها في المنطقة.
وضمن ذلك سيكون من الصعب على
الإسرائيليين بعد الآن على
إسرائيل مطالبة سوريا بقطع
علاقاتها مع إيران كشرط
لإستئناف التفاوض معها. ويرى
المعلق العسكري لقناة التلفزة
الإسرائيلية الثانية روني
دانئيل أن التقرير مثل ضربة
قاصمة لمحاولة إسرائيل التقرب
من الدول العربية، وتحديداً
الخليجية، حيث
قضى التقرير على الحجة
الإسرائيلية القائلة أن
التهديد الإيراني يمثل قاسم
مشترك للطرفين، ويصلح لأرضية
تسوغ التعاون والتفاهم بينهما
وحتى التحالف القائم على
المصلحة. مخاوف اسرائيلية لكن
أكثر ما يثير الفزع لدى الدوائر
الإسرائيلية أن يمهد التقرير
الأمريكي الى مرحلة جديدة في
العلاقات بين طهران وواشنطن. في
تل أبيب سجلوا بقلق شديد حضور
الرئيس الإيراني احمدي نجاد
للقمة الخليجية الأخيرة، حيث
تزعم محافل التقدير
الإستراتيجي في تل ابيب أن حضور
نجاد لم يكن ليتم بدون ضوء اخضر
من واشنطن. في نفس الوقت يشير
هؤلاء بقلق الى تكثيف اللقاءات
بين دبلوماسيين ايرانيين
وأمريكيين في بغداد بدعوة من
حكومة المالكي بغية التوصل
لصيغة تؤدي الى خفض مستويات
العنف في العراق. كما ينوهون في
تل ابيب الى التفاهم المتبلور
في لبنان على رئيس جديد، زاعمين
أن هذا التطور قد يعني أن ثمة
مرحلة جديدة في العلاقات بين
الطرفين توشك على الإنطلاق.
وبشكل عام يعتبر صناع القرار في
إسرائيل أن التقرير الأمريكي
مثل مكسباً دبلوماسياً لإيران. تهاوي صدقية الموساد الى
جانب ذلك، فقد مثل التقرير مساً
بالغاً بمصداقية الأجهزة
الإستخبارية الإسرائيلية التي
ظلت تتصرف كطرف يقدم معلومات لا
مجال للتشكيك فيها والطعن في
صدقيتها. وهذا تطور بالغ السوء
بالنسبة لإسرائيل، لأنه في كثير
من الأحيان اتخذ الغرب وتحديداً
واشنطن قرارات بناءاً على
معلومات استخبارية وفرتها
إسرائيل. وقد وصل التشكيك
بصدقية الاجهزة الاستخبارية
الاسرائيلية الى درجة دفعت يوسي
ميلمان مراسل صحيفة هارتس
الاسرائيلية للشؤون
الاستخبارية الى حد اتهام هذه
الأجهزة ب " طبخ "
المعلومات الاستخبارية لخدمة
المصالح الشخصية لقادتها. وحث
ميلمان حكومته الى الاستجابة
لإقتراح رئيس جهاز " الموساد
" السابق افرايم هليفي
بالحوار مع ايران. لكن على
ما يبدو أن صناع القرار في
إسرائيل مصممين على سياسة
الفرار للإمام. فنائب رئيس
الوزراء الإسرائيلي افيغدور
ليبرمان ألمح في مقابلة مع قناة
التلفزة الاسرائيلية الثانية
الجمعة الماضية الى أن إسرائيل
قد تقوم لوحدها بمهاجمة إيران
بغية القضاء على المشروع الذري
الإيراني. قصارى
القول، الولايات المتحدة في
أعقاب سقوط الإتحاد
السوفياتي،حرصت على البحث عن
عدو جديد يبرر تفردها بالهيمنة
في كثير من مناطق العالم، لكن
إسرائيل لا يوجد لديها عدو أكثر
جدية من إيران، وبالتالي
فالماكنة الدعائية الإسرائيلية
ملزمة بمواصلة حملتها الهادفة
الى شيطنة إيران وحكامها،
ومشكلتها الآن تكمن في أن
التقرير الأمريكي يفرغ الكثير
من الوقود من خزان هذه الماكنة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |