ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هل
نترحم –في 2008- على "النباش
الأول"؟ الطاهر
إبراهيم* في نهاية كل عام
وبداية عام آخر يحتفل كثيرون في
الساعة الثانية عشرة من منتصف
ليلة 31كانون أول بتلك المناسبة.
وتختلف معهم الغاية من الاحتفال
في هذه الليلة، كل حسب ما يريد
أن يكون عليه العام الجديد.
الذين يحتفلون على الطريقة
الأوروبية والأمريكية يأخذهم
الانغماس في ساعة السرور هذه
التي يعيشون صخبها، وربما انطبق
عليهم قول القائل: (ما مضى فاتَ،
والمؤملُ غيْبٌ ... ولَكَ
الساعةُ التي أنت فيها). وهناك
أصناف أخرى يعيشون هذه الساعة،
لا يهمهم كثيرا أكانت هذه
الساعة هي منتصف الليل أو عند
بزوغ الفجر، فلهم آمال أخرى،
ربما كنت منبثقة من أرحام آلام
أخرى عاشوها في عام مضى، وربما
تتوجه عندهم الأحاسيس والمشاعر
نحو الذين تسببوا في تلك الآلام. وإذا ذكر الذين
تسببوا في الآلام لمجموعات ضخمة
من البشر، فربما يأتي الرئيس
"جورج W
بوش" في طليعة من يشعر هؤلاء
بأنه نجم الكراهية عندهم، لما
نالهم على يديه في عام 2007، وما
قبله في باقي سنوات حكمه. وكلما
رأوه يتهيأ لإلقاء خطاب، أو
الحديث في مؤتمر صحفي، كانوا
يضعون أيديهم على صدورهم، خوفا
من مصيبة قد تنطلق من كلماته
التي يتلفظ بها في خطابه أو في
مؤتمره الصحفي. ولعل الأفغانيين
والعراقيين والفلسطينيين هم
أكثر من كان ينتابهم ذلك
الشعور، لما لحق بهم من الأذى
على يديه. كثيرون، كانوا
يتمنون أن يأتي العام 2008، فيرون
في نهايته رئيسا أمريكيا أفضل،
أولنقل أقلَّ عدوانية من الرئيس
"جورج بوش"، إذ لا مفاضلة
بين رئيس أمريكي وآخر! ويدخل في
هؤلاء الفلسطينيون والعراقيون
والأفغان، وآخرون يصعب حصرهم في
هذه العجالة. وربما يأتي نظام
الملالي في طهران – ومعهم حزب
الله في لبنان- في طليعة الذين
يتمنون رئيسا أمريكيا جديدا يغض
النظر عن المشروع النووي
الإيراني. ربما كان النظام
السوري أكثر اهتماما من غيره
بمجيء رئيس أمريكي لا يكون
مهووسا –مثل بوش- بالمحكمة التي
ستحاكم قتلة الرئيس الشهيد "رفيق
الحريري"، بل وربما يتمنى أن
يعمل على إعادة العلاقة بين
دمشق وواشنطن إلى سابق عهدها
أيام الرئيس الراحل "حافظ أسد". لأولئك وهؤلاء وها
أولئك نقول لهم: لا تذهبنّ بكم
الآمال شرقا وغربا. لأنه، وحتى
إشعار آخر، فلم يأت -وحتى الآن-
رئيس أمريكي جديد أقلُّ عدوانية
-على الأقل في حياتي- من سلفه
السابق. الذين عايشوا رؤساء
أمريكيين سابقين، وغشيهم من
الهم ما غشيهم وتجرعوا الأمرين
على يدي الرئيس الجديد، ربما
وجدوا أنفسهم يترحمون على "النباش
الأول". "النباش الأول"،
لمن لا يعرف، ينبش قبور الموتى،
ويخلع أكفانهم ليبيعها. فلما
مات وخلفه "نباش" ثان، ما
كان يكتفي بأخذ أكفان الموتى،
بل كان يضع جثث الموتى على
الخازوق! فلما رأى الناس ذلك
كانوا يقولون: رحم الله النباش
الأول. اللبنانيون –وخصوصا
فريق 14 آذار- ربما تفاءلوا كثيرا
بالإشاعات التي تم تسريبها في
لبنان -خلال شهر كانون أول 2007-
بأن "حسن نصر الله" تم
تحجيمه من قبل القيادة في
إيران، لصالح نائبه الشيخ "نعيم
قاسم". صحيح أن "نصر الله"
خصم عنيد، لا يعرف المشاهدون
ماذا يمكن أن يقول عبر الشاشات
العملاقة، التي كانت تنقل
خطاباته بمناسبة ومن دون
مناسبة؟ وأنهم قد يضعون أيديهم
على قلوبهم خوفا مما تنطلق به
كلماته. وصحيح أنهم كثيرا ما
سمعوه في بعض تلك الخطابات يوجه
كلامه إلى حكومة "فؤاد
السنيورة"، فيقول: لا نريد أن
نشطب أحدا ولا نريد أن نلغي
أحدا، ولا نريد أن ... ثم يتهم
حكومة السنيورة بأنها حكومة "فيلتمان". والصحيح أيضا أن
الرجل سياسي محنك يلوّن خطاباته
بظلال من التهديد والوعيد
والخوف والرعب، حتى يأخذ بألباب
مستمعيه حتى ليوشك أن يقول: إما
أن يكون ما أريد وإلا. لكن
الصحيح أيضا أنه يهمه أن لا تصل
الأمور بين الفريقين المسلمين
–السنة والشيعة- إلى صدام مسلح.
لأنه يعرف أن أي صدام مسلح بين
الطرفين سوف تفقد فيه صواريخه
العابرة للحدود مفعولها. وأن
المعارك إذا نشبت –لا سمح الله-
فستكون محكومة بالأسلحة
الفردية، وهذه ستكون متوفرة
للجانبين، وعلى "قفا من يشيل"،
ويا روح ما بعدك روح. قبل عام مضى اجتمع
الزحف الكبير في ساحات لبنان،
ووقف "نصر الله" خطيبا،
فأرغى وأزبد، وهدد وتوعد، حتى
ظن اللبنانيون أن قيامتهم ستقوم.
لكن مفتي لبنان الشيخ "محمد
رشيد قباني" وهو يعرف أن "الرطل
بدو رطلين"، وقف بعد صلاة
الجمعة ليقول: إن إسقاط حكومة
"السنيورة" في الشارع خط
أحمر، وقد كررها عدة مرات. وقد
التقط "حسن نصر الله"
الإشارة على الفور فسمعنا بعدها
نبرات صوته ترق وتلين، وكأن
الذي يتكلم اليوم هو غير الذي
تكلم بالأمس، وليقول: إن الفتنة
بين السنة والشيعة خط أحمر. "نعيم قاسم" رجل
آخر، وجهه مكفهر عابس لا يضحك
لرغيف "الخبز الساخن" يأتي
التهديد على لسانه بداهة، وكأنه
يتحدث عن درجات الحرارة، لا
يعرف من السياسة إلا أنها أوراق
مكتوبة موجودة في جيب الجنرال
ميشيل عون. نقول هذا الكلام
للذين يراهنون على رحيل السيد
"حسن نصر الله" ومجيء "نعيم
قاسم": اسألوا الله العافية،
فإنه إن حدث ماتراهنون عليه،
فقد تترحمون على "النباش
الأول".
لعل اللبنانيين
الذين كانوا يرون في الرئيس "إميل
لحود" صخرة فوق صدورهم، على
مدى تسع سنوات، كانون يتمنون
عودة الجنرال "ميشيل عون"
من منفاه، ربما ليخلصهم مما هم
فيه. فلما عاد وسمعوا كلماته،
وأنه، في كل يوم، سيضيف بنودا
أخرى، كانوا يقولون: إن النباش
"عون" ربما زاد في الطنبور
نغما آخر فوق أنغام النباش "لحود".
*كاتب
سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |