ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 08/01/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية

محمد الشيخ بنان*

banane73@gmail.com

يعد اللوبي الصهيوني AIPAC  ( اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة), من بين اللوبيات الأكثر تأثيرا في السياسة العامة الخارجية الأمريكية, وذلك من خلال دوره الوازن في الجهازين التنفيذي والتشريعي, وكذا الإداري للولايات المتحدة الامريكية, من جهة  ومن خلال تحكمه بمفردات الحوار السياسي المتعلق بإسرائيل, عبر وسائل الإعلام والسينما ودور النشر, التي تؤهله لتعبئة الرأي العام  نحو طروحاته السياسية من جهة أخرى.

1-التأثير على الفاعلين السياسيين:

  لاشك أن كل من يساهم في بلورة القرار العام, يعد فاعلا سياسيا, فالأحزاب, النقابات,  اللوبيات...إلخ. تدخل ضمن دائرة الفاعلين السياسيين, سواء كان هؤلاء داخل الجهاز الحكومي أو خارجه, فالمشكل يكمن في تحديد الحدود الفاصلة بين الفاعلين الرسميين وغير الرسميين, أي أولئك الذين يتواجدون  داخل الجهاز الحكومي وأولئك الذين يتواجدون خارجه. 

فالفاعلين السياسيين –حسبVincent lemieux    - ينقسمون إلى أربعة عينات كبرى, وهم المسؤولون, الوكلاء, المعنيين والخواص.

فمثلا أعضاء اللوبيات والمتخصصين, في احتكاك دائم مع المسؤولين والوكلاء علما أن اللوبيات إلى جانب الخبراء ووسائل الإعلام, باعتبارهم يندرجون ضمن فئة المعنيين Les intéressés  , هم فاعلون كثيروالحضور في مسلسل بروز السياسات العامة . ومادامت هذه الأخيرة تأتي كإجابة على المشاكل والمتطلبات (المدخلاتinput ) الوافدة على صانع القرار . وبالتالي ترتبط بالوضع الداخلي للدولة كما يمكن أن ترتبط بالوضع الخارجي لها. الذي يعد امتدادا لما هو داخلي. فالسياسة العامة الخارجية تدخل ضمن الوضعيات المندرجة في إطار العلاقات ما بين الدول مما يجعلها تتموضع داخل المحيط الخارجي, الذي يعتبر من طبيعة ما فوق مجتمعية extra-sociétale  بالنسبة لنسق سياسي معين ,لذلك فإن السياسية العامة الخارجية تتحدد بطبيعة العلاقات الناظمة بين الفاعلين السياسيين المحليين من جانب وعلاقتهم بالفاعلين الخارجيين المعنيين بهذه السياسة, من جانب آخر.

على هذه الأرضية تتأسس السياسة العامة الخارجية الولايات المتحدة الأمريكية, ويتأسس معها اللوبي الصهيوني في شخص  اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة, التي اعتمدناها كنموذج في هذه الدراسة.

 ذلك أن هذا اللوبي الذي يعد امتدادا موضوعيا لليهود ونوعيا لإديولوجيتهم الصهيونية, أصبح قادرا, بفضل  إمكانياته المعلوماتية والعلائقيةRelationnels   والمالية, على توجيه القرار العام الخارجي الأمريكي, لما يخدم مصلحة إسرائيل وليس أمريكا. وهذا ما يتضح من خلال:

*مؤسسة الرئيس: الصلاحيات الدستورية و السياسية التي يتوفر عليها الرئيس في النظام الجمهوري الأمريكي, والتي تخوله لعب أدوار رئيسية في توجيه القرار العام الخارجي, جعلته عرضة لأنظار اللوبي الصهيوني, الذي يسعى إلى إغراق إسرائيل بالموارد المادية الأمريكية, عبر قناة السياسة العامة الخارجية. وهذا ما يتضح من خلال تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, فالرئيس "ترومان" صرح أمام مجموعة من الدبلوماسيين سنة 1946 م قائلا"أيها السادة إني آسف ولكن علي أن استجيب لنداء مئات الآلاف من الناس, الذين ينتظرون انتصار الصهيونية, في حين ليس لي من بين منتخبي ألف عربي" وفي ذات السياق, أكد الوزير الإنجليزي "كليمنت اتلي" "لقد صيغت سياسة الولايات المتحدة في فلسطين تبعا للصوت اليهودي". وعلى نفس المنوال ذهب"ج.كنيدي" الذي حصل على 500.000 دولار من شخصيات يهودية كدعم لحملته الانتخابية, حينما قال في لقاء له مع "بن غوريون" سنة 1961 بنيويورك:"أعرف أنني فزت في الانتخابات بفضل أصوات اليهود الأمريكيين, إنني مدين لهم بهذا الفوز, إذن أشر علي بما يجب القيام به لصالح الشعب اليهودي".

هذه التصريحات المعترفة بالوزن اليهودي المؤيد لإسرائيل, تحت يافطة.  AIPAC   هي التي دفعت الرئيس "جونسون" إلى تسليم طائرات الفانتوم لإسرائيل , ونفس الشيء قام به "نيكسون" الذي بعث ب45 طائرة فانتوم إضافية. و20 مدمرة من نوع سكايهوك لنفس الكيان. وفي سنة 1980 م انهزم الرئيس "كارتر" أمام "ريغن" لكونه قام ببيع طائرات حربية لمصر والسعودية, أما غريمه "ريغن" فقد فاز مقابل تخصيصه 600 مليون دولار كقروض عسكرية, لفائدة إسرائيل. والمثير للجدل أن AIPAC  أصبح مهددا للمصلحة الوطنية الأمريكية  لكونه يرتكز على المعطى الديني-الإثني, أكثر من استناده على المصلحة المشتركة, فقد صرح بهذا الصدد,"جولدمان" أحد النشطاء السابقين في اللوبي الصهيوني بما يلي:" اللوبي أصبح قوة مخربة بل عائقا أساسيا أمام السلام في الشرق الأوسط" وتأكيدا لهذا الكلام قال سيزور فا نس, أحد النشطاء البارزين في  AIPAC "ولقد اقترح علينا "جولدمان" القضاء على اللوبي, ولكن الرئيس وكاتب الدولة أجابا بكونهما لا يملكان السلطة لفعل ذلك, وربما قد يؤدي   ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه أمام مناهضة السامية .

نخلص مما سبق إلى أن نجاح أو إخفاق الرؤساء الأمريكيين يبقى مرهونا بأموال وأصوات اللوبي الصهيوني. وعلى هذا الأساس يمكن الجزم أن AIPAC  قد حسم الدائرة القرارية الاولى, والتي هي الرئيس ومحيطه, كما هو الحال بشكل جلي, مع الرئيس بوش الابن. الذي يتواجد في دائرته الضيقة كل من "ريتشارد بيرل" و"بول ولفوويتز" و"دوغلاس فيث" وغيرهم, من  الذين ينتمون  للوبي الصهيوني , بل منهم من كان من مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بن يمين نتنياهو", مما يعني بالضرورة ديمومة الدعم المادي والسياسي لإسرائيل.

*المؤسسة التشريعية: يستطيع المرء في الولايات المتحدة الأمريكية أن يتقدم للانتخابات البرلمانية. لكنه حتما لن يحقق النجاح ما لم تتوفر له الأموال الطائلة لتمويل حملته الانتخابية, من هذا الباب يتدخل AIPAC ليقدم الدعم المشروط, فيغرق المترشح للانتخابات بالأموال ووسائل , و تقنيات الدعاية والتشهير السياسيين.

هذه الخطة تتكثف في اجتماعين أساسيين, يعقدهما AIPAC مع المرشحين,اجتماع قبل الفوز وفيه تقدم شروط الدعم والمساعدة و اجتماع بعد الفوز. وفيه يقدم برنامج AIPAC وطرق أجرأته.

ورغم أن المؤسسة التشريعية, تحتل المرتبة الرابعة على صعيد الدائرة القرارية مما يحكم على دورها بالمحدودية, حيث لا تتدخل إلا في نهاية المسلسل القراري, وبالتالي تبقى تعديلاتها سطحية, إلا أنها بالنسبة لفاعلي AIPAC   تعد بمثابة موردا أساسيا حيويا, لكون أهداف اللوبي أهدافا خارجية, يسهل على الكونغرس رفضها أو قبولها. دون أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على الكتلة الناخبة.

في هذا الاتجاه صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور فولبرايت. في مقابلة مع برنامج"أمام الأمة" الذي تبثه شبكة C.B.S. وذلك بتاريخ 7 أكتوبر 1973 م حيث قال:" إن الإسرائيليين يراقبون سياسة الكونغرس ومجلس الشيوخ, بل إن سبعين في المائة من زملائنا في مجلس الشيوخ, يتخذون مواقفهم تحت ضغط اللوبي" .وبعد هذا التصريح, وتحديدا في الانتخابات الموالية, فقد "فولبرايت"منصبه كعضو في مجلس الشيوخ, نتيجة لتحقيقه هذا.

وفي كتاب"لقد تجرؤوا على الكلام" الصادر عن لورانس هير وشركاؤه سنة 1985, وصف "بول فين لي" العضو في الكونغرس الصهيوني الأمريكي لمدة 22 سنة .النشاط الحالي للوبي الصهيوني وكذا قوته, قائلا:"هذا فرع للحكومة الإسرائيلية  يراقب الكونغرس ومجلس الشيوخ. ورئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية و البانطاكون(وزارة الدفاع) ووسائل الإعلام نفسها, إضافة إلى التأثير الذي يمارسه على الجامعات والكنائس".

وفي سنة 1984 م ألغى مجلس النواب, بأغلبية%98كل تقنين للتبادل التجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة, رغم سلبية التقرير الصادر عن وزارة التجارة وكافة النقابات.

أكثر من هذا, استطاع النفوذ الإسرائيلي أن يصل إلى  التقنوقراط العسكري,في شخص الأميرال الأمريكي "طوماس مورير" رئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الأمريكية,  الذي صرح سنة 1973 م. بخصوص علاقته مع الملحق العسكري الإسرائيلي "موردخاي غور" "طلب هذا الأخير من الولايات المتحدة الأمريكية طائرات حربية مزودة بصاروخ جد متطور يسمى مافريك" فرد عليه الأميرال"لا يمكنني أن أسلمكم هذه الطائرات,  ليس لنا إلا سربا واحدا وقد أقسمنا أمام الكونغرس بأننا في حاجة إليها " فرد عليه "غور" "سلمنا الطائرات, أما فيما يخص الكونغرس, فأنا سأتكلف به" وهكذا يضيف الأميرال:"أرسل السرب الوحيد المجهز بمايفريك إلى إسرائيل"

نخلص من كل ما سبق, إلى أن هناك سلطة أحادية الجانب pouvoir unilatéral  في السياسة الخارجية الأمريكية, هي سلطة اللوبي الصهيوني, خاصة في الشق المتعلق بالشرق الأوسط.

هذا التأثير المباشر الذي يستهدف المقررين السياسيين, الحكومة, البرلمان, والإدارة  وخاصة التقنوقراط العسكري, يجد دعمه في القوة النوعية التي يتوفر عليها AIPAC والمتمثلة في سيطرة جل أعضائه على الملكية الخاصة أي الرأسمال المادي كالشركات والأبناك ووسائل الإعلام. وكذا وحدة رأسماله الرمزي.  على مستوى المعتقدات الأساسية croyances fondamentales والتي تحدد من خلالها الأولويات المختارة من بين القيم الأساسية والتي تأتي من بعدها المعتقدات السياسية, التي يكون موضوعها العلاقات بين الفاعلين. لتمرير القيم الأساسية داخل قطاع السياسات المعنية. والتي هي السياسة الخارجية في حالتنا هاته,  ثم بعد ذلك يأتي المستوى الثانوي وهو الذي يهم القرارات الاداتية والمعولمة الضرورية لتحقيق المعتقدات السياسية.

على هذه الأرضية يلجأ AIPAC إلى تعبئة الرأي العام. كآلية للضغط غير المباشر على المقررين السياسيين .فالرأي العام هو القاعدة الخلفية التي غالبا ما تؤثر على صانع القرار العام. في الدول  الديموقراطية.

 

2-تعبئة الرأي العـــام:

يلعب الرأي العام في الدول الديمقراطية .دورا لا يستهان به, وذلك بسبب منطق المنافسات الانتخابية. فمن خلال الجدل العام وحملات الاتصال يمكن التأثير على صانع القرار العام بواسطة الدعاية العلانية, التي يتم  تمريرها  عبر وسائل الإعلام كالصحف والقنوات التلفزيونية. وكذلك توظيف دور النشر والسينما. فهذه الممارسات تبقى شيء أساسي وناجع في أسلوب  التعبئة الذي تعتمده اللوبيات بشكل عام وAIPAC بشكل خاص, من أجل فرض أهدافها على المقررين الرئيسيين.

فمن وراء استهدافه الرأي العام, يسعى AIPAC إلى خلق الاعتقاد لدى أغلب مكونات المجتمع بأن المسألة المرفوعة من طرفه, تهم الجميع. كتصوير المسلمين مثلا بأنهم خطر يهدد المسيحيين واليهود على السواء. وبالتالي تتم صياغة التحالفات على أساس معادلة صديق صديقي هو صديقي, وعدو عدوي هو صديقي.

يبرز هذا المنطق بشكل قوي, بخصوص التحالف القائم اليوم بين صفوف الإدارة الأمريكية ذوي المرجعية اليمينية المحافظة واللوبي الصهيوني باعتباره تعبير عن النظام السياسي المتنفذ في إسرائيل.

نفوذ AIPAC هذا جاء نتيجة للحرية الكبيرة التي تتمتع بها اللوبيات في الولايات المتحدة الأمريكية عكس فرنسا التي تعمل فيها بشكل غير متعين.

ما يلفت الانتباه هو أنAIPAC ليس له لون سياسي واضح, حيث يمارس ضغوطه على كل من الحزبين. الجمهوري و الديمقراطي- رغم أن أوجه التلاقي الإيديولوجي بينهما أكثر من أوجه الاختلاف- نتيجة علاقاته الخاصة وتغلغله داخل أوساط الرأي العام.

وقد توفرت له هذه الإمكانية, لكون القاعدة اليهودية التي يرتكز عليها تتشكل منها %11 ممن يطلق عليهم اسم الصفوة من مجموع النخبة.

و 25 % من صفوة الصحافة والنشر. وأكثر من 17%  من رؤساء المنظمات التطوعية والعامة, وأكثر من % 15 من المناصب الرسمية الهامة.

وقد أورد "ستيفن شتاينلات"" stephen steinlight" المدير السابق للشؤون القومية باللجنة اليهودية الأمريكية"أن لليهود قوة سياسية لا تتناسب مع عددهم, وهي أعظم من قوة أي مجموعة عرقية أو ثقافية في أمريكا" ويضيف أن النفوذ الاقتصادي لليهود وقوتهم يتركزان بصورة غير متناسبة في هوليود والتلفزيون. وفي مجال الأخبار. ونفس الشيء أكده الكاتبان اليهوديان المعروفان"سيمور ليبست"و"إبرل راب" في كتابهما"اليهود والحال الأمريكي الجديد" المنشور سنة 1995 م, حيث قالا :"شكل اليهود خلال العقود الثلاثة الماضية %50 من أفضل 200 مثقف بالولايات المتحدة الأمريكية, 20% من أساتذة الجامعات الرئيسية 40%من الشركاء بالمكاتب القانونية الكبرى بنيويورك وواشنطن, 59% من الكتاب المنتجين للخمسين فيلما سينمائيا التي حققت أكبر إيراد ما بين عامي 1965 –1982, و58% من المديرين والكتاب والمنتجين لاثنين أو  أكثر من المسلسلات بوقت الذروة التلفازية رغم أن اليهود لا يشكلون إلا 2% من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الإمكانيات الجبارة يشكل بواسطتها اللوبي الصهيوني الرأي العام الأمريكي وفقا لمصالح إسرائيل.

أما في  فرنسا فاللوبي الصهيوني منتعش أساسا على صعيد وسائل الإعلام, وهذا ما أقر به الجنرال "شارل دغول" "يوجد في فرنسا لوبي قوي مؤيد لإسرائيل, يمارس تأثيره على الخصوص داخل الأوساط الإعلامية".فرابطة مناهضة الميز العنصري ومعاداة السامية  تعد القوة الإعلامية الكبرى,  التي يسيطر عليها الصهاينة, ذلك أن بإمكانها ضبط الرأي العام الفرنسي حسب هواها, لكون التلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة والسينما ودور النشر في يد اللوبي.

هذه القوة الإعلامية تبرز من خلال الاهتمام الذي يوليه رؤساء فرنسا لها. فكل مرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية وكيفما كان انتماؤه الحزبي من "ميشل روكار" إلى "جاك شيراك", مرورا ب"ميتران" إلا وقام بزيارة لإسرائيل للحصول على المساندة الإعلامية.

وفي إطار بلورته للوقائع المناسبة لمصلحة إسرائيل, يلجأ هذا اللوبي بواسطة وسائل الإعلام, إلى تقديم تأويلات مشوهة للمعاني, مثلا تم اعتبار الاعتداء على ديبلوماسي إسرائيلي في لندن, إرهابا, رغم أن "تاتشر" أكدت أمام مجلس العموم, بأن منفذ الاعتداء لا ينتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية, أما اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان, وحصده لآلاف القتلى فتم اعتباره عملية للسلام في الخليل. وفي مايو 1990 م تم تدنيس مقابر روضة اليهود"بكاربتنراس",  حيث إنتشل جثمان أحد الأموات ونقل إلى قبر آخر, وبعد ذلك وفي يوم 14 مايو 1990 م خرج إلى شوارع باريس ثمانين ألف متظاهر حسب مصادر الشرطة ومائتي ألف حسب المنظمين, وقد دقت نواقيس كنيسة"نوطردام" على شرفهم.

"لا يعلم في الحقيقة أي متظاهر بهوية مرتكبي هذه الجريمة  الشنعاء ! إذن تظاهروا ضد من,التحقيق وحده كان بإمكانه الكشف عن ذلك, لكنه لم يفعل " . هذه المظاهرة التي جيشها اللوبي الصهيوني, كانت بطبيعة الحال, لصالح اسرائيل, حيث رفرفت أعلامها ورموزها  بكثافة فوق رؤوس المتظاهرين, وتصافح فيها"جورج مارشي" مع"فرونسوا ليوتار". رغم أنه لم يتم الكشف عن الجاني إلى يومنا هذا.

مسألة معاداة السامية تعد  الشعار القديم الجديد الذي يكسب به اللوبي الصهيوني الرأي العام, في أمريكا وفرنسا وغيرهما من الدول المتنفذ فيها. فيستخدم"الهولوكست". في كل ما يتعلق بإسرائيل, لوقف النقد السياسي وكبت النقاش, فالهولوكست يدعم الشعور بأن اليهود قوم محاصرون إلى الأبد, لا يمكن لهم إلا الاعتماد على النفس, لكي يدافعوا عن أنفسهم. فعادة ما تحل استثارة المعاناة التي تحملها اليهود تحت ظل الحكم النازي, محل النقاش المتزن, فيكون متوقعا أن يقتنع بذلك من لديه شك في شرعية السياسية الحالية للحكومة الإسرائيلية.

وقد صرح بهذا الصدد"نورمان فنكلشتين" Norman finkelsten  أستاذ العلوم السياسية بكلية هنتر hunter college التابعة city university of new york بما يلي "استثارة الهولكوست. خدعة تهدف إلى تحريم كل انتقاد لليهود –فعقيدة الهولكوست الراسخة بإضفائها البراءة التامة على اليهود- تعطي المناعة لإسرائيل ويهود أمريكا ضد النقد المشروع... لقد استغلت التنظيمات اليهودية هولكوست النازية لصد انتقاد اسرائيل وسياساتها التي لا يمكن أن يكون هناك دفاع أخلاقي عنها" .

هذه المكانة التي يحتلها AIPAC جعلته يوجه تهمة معاداة السامية لكل من لا يشاطره نفس الآراء المؤيدة لإسرائيل. وما الحملات الإعلامية التي تعرض لها البروفسوران"ستيفن والت"من جامعة هارفرد و"جون ميرشايمر" من جامعة شيكاكو الامريكيتين, إثر عرضهما لورقة تقر بأن الدعم الامريكي لدولة إسرائيل يتناقض مع المصالح القومية الامريكية, ولا ينبع من اعتبارات أمريكية استراتيجية أو أخلاقية بل من تغلغل اللوبي الإسرائيلي في امريكا, إلا دليل على قوة هذا اللوبي, الذي جعل الدكتور"ستيفن والت"عميد كلية كنيدي للسياسة في جامعة هارفرد, أحد مقدمي هذه الورقة, يتعهد بتقديم استقالته اعتبارا من نهاية العام الدراسي 2006 .

 نستشف مما سبق ذكره,أن قوة اللوبي الصهيوني, ترجع إلى ملكيته الضخمة لوسائل الإنتاج, ونفوذه بالسينما والصحافة والراديو والحكومة والكونغرس.

هذه القوة لا تتلخص فقط في AIPAC, (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة ) لكونها مجرد جزء من الأجزاء في ظاهرة أكبر بكثير هي ظاهرة القوة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية.

بيد أن هذه القوة ليست مقتصرة على وسائل الإعلام والترفيه فحسب, فالمال اليهودي تركز تقليديا في القطاعات غير المنتجة, لا في الصناعات الثقيلة مثل صناعة الفولاذ والسيارات أو البناء. بل في المصاريف والتمويل والأسهم والمستندات والعملات الصعبة. وبعد أن فك الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب عام 1973 م, ازدهر الرأس مال المضارب, مما دفع بالمصالح الصهيونية إلى الأمام, قطاعا بعد قطاع في الاقتصاد المعولم. وبالتالي  أصبح هذا الرأسمال الصهيوني جزء عضوي من البنية الاقتصادية, الاجتماعية للرأسمال الإمبريالي, المالي المضارب والمرابي, أي الرأسمالية في عصر العولمة. لذلك فإسرائيل هي امتداد موضوعي ونوعي للبنية الرأسمالية العالمية وليست مجرد امتداد سياسي أو ظرفي في المنطقة.

 

هذا الوزن الذي شهد تحولا نوعيا في المرحلة, يتضح من خلال أجرأة بعض المخططات الإستراتيجية في الشرق الأوسط, كاحتلال العراق والسعي الى تقسيمه, وكذلك ما يجري في السودان , خاصة أزمة دارفور و بوادر الصراع بين المسلمين والاقباط في مصر,وما قد يحدث في ليبياغدا...الخ , بعدما كانت بعض اللوبيات الصهيونية قد وضعتها في أجندتها. وهذا ما يتضح من خلال هذه التوصية التي أصدرتها المنظمة الصهيونية العالمية في القدس, أواخر عقد الثمانينات من القرن المنصرم.

"إن مصر كجسد مركزي أصبح جثة هامدة, خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الصراع الذي يزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين, وتقسيمها إلى مقاطعات جغرافية مختلفة يجب أن يصبح هدفنا السياسي في التسعينات على الجبهة الغربية. وبمجرد تفكيك مصر وحرمانها من السلطة المركزية, ستعرف دول مثل ليبيا والسودان, ودول أخرى نائية نفس المصير.إن إنشاء دولة قبطية في مصر العليا وخلق كيانات جهوية ضعيفة الأهمية. يعتبر مفتاحا لتطوير تاريخي تأخر في الوقت الراهن, بسبب اتفاقية السلام, ولكنه آت حتما على المدى البعيد.

ورغم ما يظهر, فإن الجبهة الغربية تمثل مشاكل أقل من تلك التي تمثلها الجبهة الشرقية. ثم تقسيم لبنان إلى خمسة مقاطعات يعد تجسيدا مسبقا لما سيحدث في العالم العربي برمته. كما إن تفجير سوريا والعراق إلى مناطق على أساس عرقي أو ديني, يجب أن يصبح  على المدى البعيد هدفا أوليا بالنسبة لإسرائيل. والمرحلة الأولى لذلك هي تحطيم القدرة العسكرية لهذه الدول.

إن البنيات العرقية لسوريا تعرضها لتفكيك قد يؤدي إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل وإلى قيام دولة سنية في منطقة حلب  ودولة أخرى في دمشق. وكيان درزي قد يتمنى تكوين دولة خاصة به- ربما فوق منطقتنا (الجولان) وعلى كل حال مع حوران وشمال الأردن... إن مثل هذه الدولة  على المدى البعيد, قد يكون ضمانة للسلم والأمن في المنطقة إنه هدف في متناولنا.

إن العراق كدولة غنية بالبترول وعرضة لمواجهات داخلية توجد على خط التسديد الإسرائيلي, ذلك أن تفكيكها يعتبر أكثر أهمية من تفكيك سوريا, لأن العراق تمثل على المدى القصير التهديد الأكثر جدية بالنسبة لإسرائيل.ُ

---------------------------------

*باحث في علم السياسة ،كلية الحقوق مراكش المغرب.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ