ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ومضات
محرّضة : الحِكمة
هي الحَكَم ، في رعاية المصائر
والمصالح ! عبدالله
القحطاني *
مغرٍ وممتع وسهل ، الحديث عن
العنف واللاعنف ! ومتعته لايحظى
بها ، عادةً ، إلاّ أصناف من
البشر، لهم خصوصيات معيّنة !
منهم ، على سبيل المثال : 1) أصحاب
الملكات العقلية المميّزة ،
النزّاعة إلى التأمّل والتفلسف
، وحلّ المشكلات الإنسانية
المعقّدة ، بطرائق نظرية فلسفية
، عبر العقول المتمرّسة بفنون
التفكير الخصبة المعقّدة ،
والأقلام المتمرّسة بفنون
الكتابة العميقة والخصبة ،
والمحلّقة في آفاق سامية ، غير
ملتصقة بطين الأرض ، ولا معجونة
بعجينها ! 2) صنّاع
القرارات السياسية الصالحون ،
المخلصون لشعوبهم وأوطانهم ،
الحريصون على دماء البشر عامّة
، ودماء مواطنيهم خاصّة ،
ويميلون إلى أن يحقّقوا أهداف
أوطانهم وشعوبهم ، داخلياً
وخارجياً، بالسلم والهدوء ،
وبلاعنف ، ولا دماء ،
وكفى الله المؤمنين القتال !
فإذا تساوت لدى هؤلاء ، البدائل
المطروحة للعمل السياسي المجدي
، مالوا
، تلقائياً ، إلى الحلول غير
العنيفة ، بل فرحوا بها ! وهذا هو
الأمر الطبيعي ، لدى كل إنسان
طبيعي ! إلاّ أن هؤلاء يؤثرون
الحلول السلمية ، حتى لوكانت
كلفتها أكثر قليلاً ، وفائدتها
أقلّ قليلاً ! أمّا إذا كانت
الكلفة أكبر بكثير، من كلفة
الحلول العنيفة ، فلن يجدوا
أمامهم بديلاً عن العنف ، على
مذهب الشاعر الذي قال : إذا لم يكنْ إلاّ
الأسنّة مركباً
فلا رأيَ للضطرّ إلاّ
ركوبـُها 3) ضعاف
الإرادات والنفوس ، الذين تنخلع
قلوبهم من ذكر القتل والقتال ،
وترتعد فرائصهم فرقاً ، حين
تذكَر حرب قد يكون لهم إسهام
فيها ، أو لها تأثير عليهم وعلى
حياتهم ! ويمكن وصف هؤلاء ،
بأنهم أصحاب الجبن الشديد ،
أوالخالع ! فهؤلاء يجدون في
حكاية اللاعنف ، والتسلّي بها ،
متعة رائعة ..! لاسيّما حين تكون
ثمّة أمور جسام ، تحتاج إلى حلول
صعبة ، بعضها قد يكون القتال ! •
بَيدَ أن الحياة أشدّ
تعقيداً ، من أن تختـزَل ببندين
اثنين ، منفصلَين متضادّين ،
هما : العنف واللاعنف ! سواء أكان
هذا التعقيد ناجماً عن تركيبة
الإنسان الفرد نفسها ، أم كان
ناجماً عن تركيبة المجتمع
الإنساني في المكان الواحد ، أم
كان ناجماً عن طبيعة العلاقات ،
بين الدول والشعوب ، والملل
والأعراق ! ـ فالإنسان نفسه
مركّب من أخلاط عجيبة ، أمشاج ،
فيها الجانب الجسدي بكل مايحويه
من عناصر، والجانب العقلي بكل
مايتضمّنه من ملكات ، والجانب
النفسي بكل مايشتمل عليه من
مشاعر وأهواء ، وإحساسات
وانفعالات ، ونزعات خيّرة
وشرّيرة ! ـ والمجتمع خليط من
العناصر البشرية ، المختلفة في
كل مالديها من مشاعر وأهواء ،
وإحساسات وانفعالات ، ونزعات
خيّرة وشرّيرة ! واحتكاك عناصر
المجتمع ، فيما بينهم ، يولّد
أنواعاً من العلاقات السلبية
والإيجابية ، الباردة والفاترة
والحارّة ! وينتج عنها أنواع من
المواقف والسلوكات ، العقلانية
الهادئة ، والانفعالية العنيفة
! ـ والعلاقات بين
الدول والشعوب ، والملل
والأعراق .. التي تضمّ مجتمعات
متنوّعة ، ومصالح مختلفة ،
متضادّة في أحيان كثيرة ، وقوى
متباينة ، ونزعات مسالمة خيّرة
، وعدوانية صِدامية عنفية
شرّيرة ! هذه العلاقات شديدة
التعقيد ، وتحتاج إلى قدر كبير
من التأمل الواعي الحكيم ،
للتعامل الإيجابي الصحيح معها ! * فكيف يمكن فصل العنف
عن اللاعنف ، بين هذه الخلائط
كلها ، بدءاً بأبسطها ، وهو
النَزعات الفردية لدى الإنسان
الواحد ، وانتهاء بأعقدها ، وهو
الناجم عن العلاقات بين الدول
والشعوب ، ومروراً بالعلاقات
داخل المجتمع الواحد ، سواء
أكانت بين الأفراد العاديّين ،
أم بين الحكّام والمحكومين ، في
ظلال أنظمة الحكم المختلفة
،الديموقراطية منها، القائمة
على التداول السلمي للسلطة ،
والاستبدادية القائمة على
الاستئثار بالسلطة ، وحكم البشر
بالحديد والنار! * ولمّا كان الأمر على
درجة كبيرة من التعقيد ، وجدنا
أن لامندوحة لدينا ، من العودة
إلى أهل الخبرة ، وهم
المتخصّصون بالمسائل اللاعنفية
، الذين حشَدوا الكثير من
جهودهم وأوقاتهم ، لمحو نزعة
العنف من عقول البشر وقلوبهم ،
وبالتالي من مواقفهم وسلوكاتهم
وتصرّفاتهم ، وعلاقاتهم بالناس
جميعاً ، الأصدقاء منهم
والأعداء ، والمحايدين ،
والمسالمين والمعتدين ،
والناصحين والمهدّدين ..! وبناء
عليه ، فإنا نطرح الأسئلة
التالية على هؤلاء
الفضلاء المختصّين ، لعلّها
تجد لديهم إجابات شافية ،
تقنعنا بإمكانية عيش البشر
بلاعنف ، على سطح كوكب الأرض ،
المبتلى بأنواع شتّى من شياطين
الجنّ ، وأصناف شتّى من شياطين
الإنس ! وكلّ من هؤلاء وهؤلاء ،
يوحي بعضهم إلى بعض زخرفَ القول
غرورا ! فنسأل
: 1- ماذا
يفعل الإنسان العاقل الرشيد ،
مع لصّ جاء يسرق بيته ، إذا نَصح
هذا اللصّ بالكفّ عن سرقة البيت
، ومارس معه اللاعنف ، فلم يرتدع
اللصّ ، وأصرّعلى سرقة البيت ،
بل هدّد أهله بالقتل ، بما معه
من سلاح .. وإذا كان أهل البيت
قادرين على قتله ، أو ضربه
بطريقة تشلّ قدرته عن الفعل ،
وتمنعه من الإجرام .. هل العنف
جائز هنا أم ممنوع !؟ 2- كيف
يتعامل الرجل الكريم ، مع عصابة
من المجرمين، حاولت الاعتداء
عليه، واختطاف زوجته التي تسير
معه في الشارع .. إذا جرّب معهم
اللاعنف ، فلم يجده نفعاً !؟ 3- كيف
كان على الشعوب المستعمَرة أن
تفعل ، في مواجهة الدول التي
تحتلّ بلادها ، كالجزائر وسورية
، مع دولة فرنسا مثلاً .. وكالشعب
الفيتنامي تجاه العدوان
الأمريكي .. ومثل مايجري اليوم
من عمليات احتلال للدول الضعيفة
، في آسيا وإفريقيا ؛ في
أفغانستان والعراق وفلسطين
والصومال .. وغيرها !؟ 4- كيف
كان على الفرنسيين والإنجليز،
والأمريكان والروس ، وغيرهم ..
أن يقابلوا عدوان هتلر عليهم ،
بعد أن نصحوه فلم ينتصح !؟ 5- ثم
:
هل تعدّ الأمور التالية من
العنف ، أم من اللاعنف ؟ : ـ التهديد.. بسائر
أنواعه وأشكاله.. ـ الكلمات النابية
المستفزّة ، من أيّة جهة صدرت .. ـ الطعن اللساني ، أو
الكتابي ، بالكرامات والعقائد .. ـ النظرة الشزراء
العدائية .. ـ ضرب المعلم
التلميذَ تأديباً .. ـ ضرب الأب ابنه
تأديباً .. ـ الكلام ، أو السلوك
، غير العنيف ، الذي يثير لدى
الآخرين نزعة العنف ، بردّة
الفعل .. 6- ويبقى السؤال
المطروح على المفكّرين
واالمنظّرين ، الذين يقدّمون
الأفكار والنظريات ، للناس
عامّة ، ولصنّاع القرارات خاصّة
، هو : أيّ
الأمرين أجدى لكم ، ولصنّاع
القرارات ، وللبشر عامّة : أن تنصحوا الناس
باللاعنف ، وترتبكوا في تحديد
أنواعه وأشكاله وأساليبه ، وفي
تحديد ماهو خطأ منه وماهو صواب ..
ثم في تكبيل ماتبيحه من العنف
الشرائع ، وتمليه المصالح
والسياسات .. تكبيلِه بما تبتكره
من اللاعنف النظريات والفلسفات
.. متجاهلةً السنن البشرية ،
والنزعات الإنسانية وما
يقيّدها من أنواع الشرعيّات ،
بين شرعيات دينية ، وأخرى وطنية
، وأخرى قانونية دولية ؛ من شرعة
حقوق الإنسان العالمية ..! أن
تنصحوا الناس بهذا كله ، أم
تنصحوهم بالحكمة في كل الأحوال
، في حالة العنف وحالة الاعنف ،
وفي السلم والحرب ، وفي الوعظ
والإرشاد ، وفي التنبيه واللوم
والتأنيب والتوبيخ ..!؟ متّخذين
لكل حالة ، اللبوسَ الذي
يناسبها ، في سياقاتها وظروفها
.. ناظرين إلى قول القائل : ووضع الندى في موضع
السيف بالعلا
مضرّ، كوضع السيف في موضع
الندى وسبحان
القائل : ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد
أوتيَ خيراً كثيراً . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |