ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
باقة
من حديقة العقاد محمد
زهير الخطيب لقد
سرني أن أعلم أنه صدر ديوان شعر
للشيخ المربي الراحل محمد جميل
العقاد رحمه الله عز وجل. فهو من
أعلام علماء حلب في القرن
المنصرم، تخرج من الثانوية
الشرعية فيها ثم درس في الأزهر
وعاد إلى حلب ليمارس التدريس في
مدارسها والوعظ والإرشاد في
مساجدها إلى أن توفاه الله عام
1968م. وقد
شهدت وأنا شاب يافع أسلوب الشيخ
المبتكر والواقعي والمبسط في
الدعوة إلى الله لمن هم في أمس
الحاجة إلى هذه الدعوة من عامة
الناس، فكنت أرى الشيخ بين حين
وآخر في مساجد حلب أو حافلات
النقل العام يخاطب الناس بلغة
بسيطة محببة وجرأة إجتماعية
عالية يفسر لهم آية كريمة أو
يشرح لهم حديثاً شريفاً أو يبين
لهم حكما شرعياً، ولا يتركهم
إلا وقد أفرغ وسعه ليس فقط في
التفسير والشرح والبيان بل
يحاول - رحمة الله عليه- أن
يُحفّظهم الآيات والأحاديث
التي يسردها، ولعله تأثر في ذلك
بأسلوب الإستاذ حسن البنا في
مقتبل دعوته. ومن
الناحية الإجتماعية كان الشيخ
سليل أسرة معروفة كبيرة في حلب
له أصدقاء ومعارف ومحبون كثر في
المجتمع والدوائر الحكومية،
ولكنه كان يتعامل مع الناس كلهم
فقيرهم وغنيهم، جليلهم
وصغيرهم، بمودة وصداقة غير غافل
أبداً عن واجبه في الدعوة إلى
الله بالحكمة والموعظة الحسنة
فأحبه كل من عرفه. وما أن
وقع بين يدي ديوانه حتى عكفت
عليه أتصفحه وأسعدُ بتنوعه
وجماله، وكان أهم ما لاحظته فيه
أنه يؤرخ لحقبة طويلة من الحياة
الاجتماعية والثقافية لمدينة
حلب الشهباء، ويذكر كثيراً من
رجالاتها ومفكريها وأفراحها
وأتراحها وقضاياها اليومية،
وبدا لي أن ديوانه صنوٌ لموسوعة
حلب للعلامة خير الدين الاسدي
رحمه الله، ولا شك أن أي دارس
لتارخ حلب الحديث لا يستغني عن
هذين المرجعين. لقد
جاء الديوان في أكثر من خمسمائة
صفحة من جمع وتحقيق الاستاذ
محمد عدنان كاتبي ومراجعة
الدكتور عصام قصبجي حفظهما الله
وجزاهما عنا كل خير. وهذه
باقة من أشعاره إخترتها لكم من
ديوانه الجميل: في عام
1936م قال عن القدس، أي قبل أن
تسقط بيد اليهود عام 1967م
بأربعين عاماً: إني أرى خطرا يحيط
بقدسنا
حتم علينا في الحياة جهاد وفي
عام 1947م
تحدث عن النفط لافتا الانتباه
الى أهميته فقال: فالنفط في أوطانكم هو
روحكم
صونوه قسرا عن حماهم يصغروا يـأتونكـم متواضعيـن
أذلـة
يرجون عطفـا منكمُ أن
تنظـروا ويقول
عن نفسه: إني (جميل) وربي منه
عودني
أن أحفظ الود بل أن (أعقد)
النسبا سجية من جدودي بت
أحفظها
أرعى الجميـل وأدنو للذي
قربـا هم لقنوني الوفا
للناس أجمعهم
إن الوفـاء من الايمان قد
حُسـبا وقال
عن حلب: ذي حلب دار الأدب
ياحبذا الدار حلب كم من أديب أنبتت
فيها لقد نال الرتب وقال
لمن ينسى أصحابه إذا أيسر: رويدك لا تمل عني
المحيا
إذا أيسرت عني يا أخيا فما يسرٌ ولا عسرٌ
ببـاق
ولا يبقى سوى الديان حيا ودنيـاك التي لفتتـك
عني
غداة لقيتني في أخمصيا فإن أكُ يا أخي رقيق
حال
فلي نفس سمت فوق
الثريا ويتغنى
بمظاهر الطبيعة فيقول: جمال الزهور يهز
الشباب
وفصل الربيع يزين
الهضاب وثلج الجبـال لجين
مذاب
يُروّي الرياض كري السحاب فهذي الطيـور تحيّ
الربيع
بلحن شـجي لذيذ الخطـاب وهذي ذكـاء بـه
أشـرقت
تنيـر الربوع وكل الرحاب نسـيم الصباح يثير
الاريج
فيعبـقُ حزن وسهل وغاب وقال
في قصيدة ألقاها بمناسبة
خروج المناضلين السوريين من
السجون الفرنسية، وقد تصلح
للترحيب بالمناضلين السجناء في
كل زمان ومكان، وما أكثرهم: النصر جاء بأحرج
الأوقـات
نـور يبشـرنا بخيـر آت عاد الاسود من السجون
يحفهم
نصـر مبين ظاهر الآيات لاحت بوارق عزنا
بجهادهم
فجهودهـم عزت على أبياتي العيد قومي أن نرى
أبطالنا
تحمي العرين من
الشرور عداتي فالله معنا أن نصون
عريننا
أفديـه نفسـي باذلا وحيـاتي لا تيأسوا من روح رب
راحم
إن تنصـروهُ
فـزتُـمُ بنجاة وقال
يخاطب الشباب: قل للشباب تثقفوا
وتقدمـوا
يمنحكم رب السـما تأييـدا واخشوشنوا وتمرسوا
لجهادكم
فالله يعطي العاملين مزيدا تلك النجوم تلوح في
كبد السما
نصرا لنا أن نعشق
التوحيدا في ديننا وبجيشنـا
وبصفنـا
فبذاك يحرز شـعبنا تمجيدا وله في
مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
ملاحم وقصائد منها هذه الابيات: أشرقْ علينا يا هلال
المولد
بك مولد الهادي الرسول محمد زين الخلائق درة في
تاجهم
هادي الحيارى للطريق المسعد حمل الكتاب وفيه
إنقاذ الورى
من حمأة الشرك البغيض
الانكد لولا النبي لمـا
عرفنا ربنا
ولما سـحقنا سـلطة المستعبد وقد
حظيت فلسطين بحظ كبير من
قصائده، ومما قاله فيها: ذي فلسطين أرادوا
سلبها
ففداها يابني قومي النحور ليس للعرب حياة بعدها
وهي قطب حوله نحن ندور رفـع القرآن من
قيمتها
وإليها كان إسـراء البشير للمسيح كان فيها مولد
مدحها قد جاء في أحرف
نور وكان
الحاج وهبي الحريري من كبار
تجار حلب وصناعييها الذين أسسوا
صناعة النسيج فيها، تسلم وزارة
المالية قبل قيام الوحدة بين
مصر وسورية، وتبرع لمساعدة
الكلية الاسلامية فقال فيه
شاعرنا معبرا عن شكره وتقديره
له: (وهبي) وهبت من العطاء
كثيرا
فجزاك ربك جنة وحريرا هبـة تشـيد لديننـا
كليــة
آيات فخرك سُطرت تسطيرا بالمكرمات عُرفت في
أوطاننا
لا زال سعيك عاليا مشكورا وعن
العيد يقول: لاح نور العيد قومي
أبشروا
بعطايـا وافـرات تذكـر واذكروا أرحامكم في
يومكم
ثم عودوهم بعطف تؤجروا وانظروا الايتام في
أعيادكم
وجزيل المال فيهم فانثروا واغفروا الذنب
أقيلوا عثرة
ولعورات الصحاب فاستروا وفي
حفل ضمه و أصحابه وكان فيهم من
إسمه أديب وأحمد وحسان وسويد
وصابوني وبشير وحياني وبستاني
وعيروض ويحيى ... فقال يباسطهم: (أديب) زانـه خلـق
وحلـو قولـه صدق و(أحمد) حسنهُ ظَهَرا
يحاكي الشمس والقمرا رخيم الصوت (حسان)
له في اللحن أشجان (سويد) أنت محبوب
لدى الاخوان مرغوب نشيد الدوح يشجوني
إذا ما قلت (صابوني) (بشـير) راق أخلاقا
غدا في الفضل سباقا بشوش الوجه (حياني)
فصيح القول (بستاني) و(عيروض) سما قدرا
غدا في حفلنا بدرا فيا (يحيى) خذ الحزما
وقوّ القلب والعزما بصحبي دامت البشرى
على أيامهم تترى وعندما
توفي الشاعر رحمه الله رثاه عدد
من الشعراء منهم صديقه الاستاذ
الشاعر عمر يحيى، فقال في قصيدة
نقش منها على ضريحه: أيها القلب أفـق
تسـلما
إنما الدنيا سراب وظنون حق للأعين أن تبكي
دما
قلَّ للعقاد تذراف العيون يا أبا الفضل فقدنا
علَما
خُلقٌ يسمو ودين لا يهون رحم
الله شاعرنا الكبير واستاذنا
الفاضل الشيخ محمد جميل العقاد
وأدخله فسيح جناته، فقد كان نعم
الاستاذ والمربي وترك لنا ذخيرة
من الاشعار والتراث تؤرخ لحقبة
غنية من تاريخ حلب الشهباء بل
ومن تاريخ بلاد الشام. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |