ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
في
وداع عام هجري واستقبال آخر
د.
ياسر سعد لم يكن العام الهجري المنقضي
سعيدا علينا ولا هانئا لنا بكل
المقاييس, كان عاما داميا
وحزينا وقاسيا بل إنه يغادرنا
وقد أسلمنا إلى مجهول يكاد يكون
أشد هولا وقتامة وبؤسا. العراق
المحتل, ازدهرت فيه تجارة الموت
والقتل وعلت على مشاهده أصوات
التفرقة والطائفية البغيضة
والمدمرة. أطفال العراق يعانون
الأمرين وقد حرم الاحتلال
وتداعياته أكثرهم من التعليم
والغذاء المناسب والأجواء
الآمنة. وفي الوقت الذي يزداد
دخل البلاد من مبيعات النفط
المرتفعة أسعاره, تعلو الأصوات
لتنذر من مجاعة وشيكة وتحذر
المنظمات الإنسانية من أحوال
غالبية العراقيين صحيا وغذائيا
ونفسيا وأمنيا, ولا يكاد يمر
علينا أسبوعا حتى نقرأ أو
نسمع تقريرا عن الفساد المستشري
في العراق الأمريكي وعن سياسي
الاحتلال والذين ينهبون في بلاد
الرافدين الأخضر واليابس. لبنان يدخل العام الجديد بلا
رئيس, والبلاد تعاني فراغا
سياسيا وصراعا محتدما بين أطراف
لبنانية بتحريض خارجي لا يهدأ
ولا يكل. كابوس الحرب الأهلية
يتراقص في مخيلة اللبنانيين
والذين يضعون أيديهم على قلوبهم
خوفا وجزعا من مستقبل لا يبدو
مبشرا. الصراع الصومالي والذي
شهد العام الماضي انعطافة كبيرة
بدخول القوات الأثيوبية على خط
الحرب الداخلية بتشجيع أمريكي
بعد أشهر معدودات نعمت بها
البلاد باستقرار وأمن إثر سيطرة
المحاكم الإسلامية على زمام
الأمور. أثيوبيا تجد نفسها في
مستنقع قد تمتد آثاره وتداعياته
إلى أديس أبابا ذاتها. عام ينقضي
وقد ذاق الصوماليون فيه مجددا
أهوال الحرب وويلاتها وشهدت
عاصمتهم نزوحا كبيرا جراء القصف
والاشتباكات المتواصلة. السودان ينتقل من أزمة إلى
أختها, فما أن تهدأ الأمور في
جبهة حتى تشتعل في أخرى. السودان
البلد الممتلئ بالخيرات
والثروات والمستنزف بالصراعات
والاختلافات مهدد هو الأخر
بالتفكيك والتقسيم. أزمة صحراء
البوليساريو عادت أيضا إلى
الواجهة وبدا ما كان أملا في
نهاية سلمية لصراع عبثي ينزو
خجلا من عودة محتملة لحرب تهلك
الحرث والنسل. الانفجارات
الدامية هزت الجزائر أكثر من
مرة في عامنا الراحل, لتطيح
بآمال سلام اجتماعي منشود
لمصالحة معلنة عالجت ظواهر
الأزمة وأغفلت جذورها ومكامنها. القضية الفلسطينية انتقلت إلى
مرحلة مؤلمة بدخول الصراع بين
الأشقاء الألداء مرحلة الحسم
العسكري وحوار الرصاص
والبندقية, وتم تجاوز ما كان
يُعتبر خطا أحمر وسال الدم
الفلسطيني والذي ما توقف عن
النزف منذ عقود ولكن هذه المرة
بأيدي فلسطينية. سلطة رام الله
تحاور الإسرائيليين وتفاوضهم
بإصرار وعناد رغم تفشي سرطان
الاستيطان بشراهة واستمرار
مسلسل الاغتيالات والاعتقالات
فيما ترفض التفاوض مع حماس
وتتمسك بمواقفها منها بصلابة
تمنينا لو رأيناها منها مرة في
مواجهة التعنت الإسرائيلي. غزة
تحت حصار لا يرحم ومرضاها
يموتون من نقص الدواء والغذاء
والعالم يعرض عن معاناتها ويصم
أذنيه عن آهات أطفالها وشيوخها,
فيما يتحدث بصوت عال عن حاجة
إسرائيل للأمن دون اعتبار
للحاجات الفلسطينية الأساسية,
وهكذا تقلب الحقائق في عالم
تتحكم به القوة ويسود منطقها. انتخابات برلمانية وبلدية في
العام المنقضي في غير دولة
عربية, أصابتنا بخيبة أمل كبيرة
من تغيير سلمي لأحوال عسيرة
وأوضاع شائكة, مما يعزز تيار
العنف والتغيير بالتفجير, ويوهن
دعاة الإصلاح التدريجي والسلمي
والذي يحرص على الحفاظ على
الأمن الاجتماعي, مما يزيد من
كوارثنا وأزماتنا ويزيد
أحوالنا توترا وإرهاقا. الشعور بالخوف من الحاضر
والفزع من المستقبل يمتزج
بمرارة الانكسار السياسي والذي
يتجرع علقمه السواد الأعظم من
الشعوب العربية والإسلامية,
يضاف إلى كل ذلك فقر وفاقة
وحرمان. فالبطالة متفشية في
كثير من مجتمعاتنا والطبقة
الوسطى في طريقها للانقراض, وفي
الوقت الذي نتصدر عربا قائمة
الأثرياء عالميا, تستقر العديد
من دولنا في القاع دوليا من حيث
التنمية الاجتماعية والأحوال
الاقتصادية والأوضاع التعليمية. إسلاميا, تدخل باكستان العام
الهجري بخطوات متعثرة وأوقات
حرجة. خوف من صراعات داخلية
وحروب محلية قد تؤدي إلى تفكيك
البلاد وفي أحسن الأحوال إلى
إضعافها وحرمانها من نعمة
الاستقرار. الأوضاع في باكستان
هي واحدة من الثمار المرة
للسياسة الأمريكية والتي تعيث
في بلاد العرب والمسلمين فسادا
وتدميرا, لتضغط على الحكومات
وتُخيرها بين اتخاذ مواقف تؤدي
إلى احتقانات وصراعات أو
تصنيفها ضمن محور الشر وفتح
أبواق الإعلام عليها تشهيرا
وتعريضا. باكستان التي شكلت
بثقلها البشري وإمكاناتها
العسكرية داعما استراتيجيا
للدول الإسلامية وظهيرا هاما
لقضايا المسلمين, تحتاج بدورها
العام القادم إلى دعم إسلامي
وعقول إستراتيجية لتخرج من
أوضاعها الحرجة والصعبة. العام القادم لا يحمل بشائر
بالتغيير للأفضل, بل إن هناك
إرهاصات لانفجار اجتماعي في غير
دولة عربية مع تدهور الأوضاع
الحياتية واليأس من الخروج من
الأنفاق السياسية والمعيشية
والأمنية. ما لم يتحرك المثقفون
وينشط الإصلاحيون ويستفيق
السياسيون وتنزوي ثقافة النفاق
والتطبيل من حياتنا الإعلامية
والاجتماعية فسنبقى نردد كل عام
رب عام بكيت منه فلما مضى بكيت
عليه.
بقي أن نذكر ونستذكر نقطة مضيئة
وتجربة رائدة في العام الماضي
والتي أفضت إلى دخول تركيا
العام الهجري الجديد وقد
استعادت البلاد هويتها
ومكانتها ودورها بعد انتخابات
كسح فيها حزب العدالة والتنمية
صناديق الاقتراع وأعاد رسم
خريطة البلاد سياسيا وفكريا
بطريقة يصعب إلغاؤها وتغييرها.
تركيا والتي حققت تقدما
اقتصاديا مذهلا وموقعا بارزا
على الخريطة السياسية الدولية
والإقليمية وتقدمت بخطوات
واسعة وكبيرة صناعيا وعلميا,
أعطتنا درسا بليغا وعبرة واضحة:
قيادة مخلصة مع حرية في
الاختيار الشعبي والتعبير تؤدي
إلى تقدم وازدهار وأمن واستقرار
ومكانة دولية معتبرة ومقدرة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |