ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 23/01/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

سوريا في الزمن الصعب:

أين هو موقعها ؟ و ما هي خياراتها؟

احمد سليمان*

تواجه سوريا في هذه المرحلة تحديات على المستويين الخارجي و الداخلي, نتيجة تناقض المشروعين الأمريكي و الإيراني بعد هدنة طويلة و اتفاق في العراق انقلب مؤخرا إلى تحضيرات للمواجهة  بالمنطقة تحيط أخطارها بسوريا من كل جانب, فمن فوضى و احتلال و حرب أهلية في العراق و فلسطين , إلى لبنان خاصرة سوريا التي أصبحت على شفير الهاوية بالإضافة إلى فرض الضغوطات على سوريا و عزلها عربيا و دوليا بغرض تقليص دورها الإقليمي و وضعها في موقع ضعيف و متهالك تفاوضيا في مباحثات التسوية و السلام التي يطالب النظام السوري بإلحاح, للبدء بها بأسرع وقت, على أمل أن يساعده الانخراط في عملية التسوية بالتخلص من لعنة المحكمة الدولية المسلطة كالسيف على رقبته!

لذلك, من مسؤولية جميع السوريين نظاما و شعبا السعي لاعتماد انسب الطرق في المحافظة على استقرارنا الداخلي و وحدتنا الوطنية, لحماية استقلالنا و أمننا و الحفاظ على حقوقنا و ثوابتنا في مواجهة هذه الظروف الصعبة, فماذا فعل النظام ؟ و ماذا فعلت المعارضة ؟

المشكلة و الخلل في آليات عمل النظام:

يعتمد النظام السوري في آلية عمله خارجيا على مبدأ اللعب على الحبال, فهو يحتفظ بالعلاقة مع حزب الله و إيران و بعض الفصائل الفلسطينية كأوراق ضغط لمواجهة ما يطلب منه غربيا من تنازلات مذلة تفقده العديد من الذرائع التي يستخدمها في تدعيم شرعيته و وسائل السيطرة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي يستخدمها على المجتمع السوري, أبرزها :

اعتماد النظام السوري في تثبيت سلطته و إضفاء طابع الشرعية عليها من خلال طرحه لنفسه كنظام ممانع للمشاريع الغربية و مساند للمقاومة, فيشهر سيف التخوين و العمالة فورا في وجه أي بوادر تغيير وطنية في الداخل, كما يعتمد أيضا على حجة الممانعة و المقاومة في السيطرة على الاقتصاد السوري, من خلال توزيع موارد الدولة بالطريقة التي تناسب الطبقة الحاكمة, فيتم صرف معظم الميزانية على المجهود الحربي و الذي يتضمن مصاريف أجهزة الأمن, بالإضافة إلى مشكلة خدمة العلم المفتعلة و التي تؤرق الشباب السوري "عصب التغيير" و تلهيه عن المطالبة بالحقوق و تحسين الظروف من خلال وضعه أمام خيارين : الالتحاق بالجيش, ليتعرض إلى عملية إذلال و تدجين, ليتم تسريحه بعد أن أصبح آلة مطيعة متلقية للأوامر, أو الهرب و الخروج من البلد إلى المنفى و الاغتراب.

كما أن النظام السوري يبدي باستمرار استعداده للتفاوض مع الغرب من اجل الانخراط في عملية التسوية التي تضمن عدم عرقلته للمشاريع الغربية في المنطقة, و يبدو هذا الأمر واضحا من خلال الدعوة السورية المستمرة للحوار و التفاوض مع الغرب و إسرائيل, و عدم تفويت فرصة حضور أي قمة أو مؤتمر يروج للمصالح و المشاريع الغربية و الإسرائيلية و آخرها في انابوليس الذي ترافق مع إلغاء سوريا لمؤتمر قوى المعارضة في المنطقة – رد قوى المقاومة على انابوليس- و الذي كان من المفترض انعقاده في دمشق؛ و يستفيد النظام السوري من هذه الورقة في ابتزاز المشروع الإيراني و قوى المقاومة و الممانعة الحقيقية, التي تسارع إلى إرضائه بما تستطيع من دعم مادي و معنوي و سيل من المدح و شهادات الوطنية و الصمود بهدف جذب النظام السوري من الانزلاق و الميل أكثر مع المشروع الآخر, و احد الأسباب أيضا في فتح الباب مواربا أمام الغرب و إسرائيل, هو تجنبا للمواجهة المباشرة التي قد تؤدي إلى أضرار بالغة في نظام غير محصن شعبيا في الداخل, فالنهاية المأساوية لصدام حسين وأولاده و عائلته هي المثال لما قد يحدث للنظام السوري نتيجة القطيعة النهائية مع الغرب و إسرائيل من دون التفاف شعبي في الداخل لحمايته.

أسلوب المناورة بين المحاور المتصارعة زاد من عمر النظام سنوات عديدة و ساعده على تجاوز العديد من الفترات العصيبة, لكن أسلوب الابتزاز هذا يحمل أيضا بذور فناء النظام, لأنه يضع صاحبه في مأزق عند لحظة الحسم و بداية الصراع المباشر, فيقع النظام في موقف حرج و مفترق طرق, و عليه عندها الانحياز إلى طرف من الأطراف, وتحمل تبعات هذا الموقف دون أي استعداد مسبق, فالنظام السوري مقاوم لكنه لم يطلق فشكه منذ عشرات السنين و هو غير مجهز عسكريا بشكل يكفي للمواجهة, كما انه أعلن مرارا التزامه خيار "سلام الشجعان" و "السلام كخيار استراتيجي" منذ أوائل التسعينات, دون الالتزام بتسوية تلحقه بشكل مباشر مع المشروع الغربي و حلفائه في المنطقة, كما ان الاستمرار في الوقوف بين الطرفين أثناء الصراع قد يعرض النظام للضغوط و المواجهة مع كلا الطرفين, مما قد يسبب كارثة أكبر على النظام و الدولة ؛و قد حدث هذا المأزق أول مرة في حرب الخليج الأولى, مما اضطر النظام السوري إلى الانحياز تماما للتحالف الغربي, و إرسال جنود سوريين في مواجهة إخوانهم العراقيين, لكن هذا الموقف لم يسبب أي تأثير ملموس على النظام السوري نظرا لان العراق و الأطراف المعارضة لضربه كانت محدودة الـتأثير, فمن دول عربية مهلهله إلى الاتحاد السوفيتي و الكتلة الشرقية التي كانت تشرف على نهايتها, أما داخليا فقد كان هامش الحرية محدودا و هامش القمع كان واسعا جدا, لذلك لم تتبلور أية تبعات داخلية أو خارجية ذات تأثير ؛ المرة الثانية كانت في احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية و ملحقاتها, فانحاز عندها النظام السوري إلى الطرف "الممانع" و "المقاوم", لأنه اعتبر القضاء على نظام عربي بهذا الشكل سابقة خطيرة, و إذا نجحت التجربة في العراق, لن يتردد الأمريكيون في تكرارها مع النظام السوري حين لا يستجيب لمطالبهم المتطرفة في الانبطاح و التي قد تؤدي إلى فقدانه لأحد دعامات شرعيته و أدوات حكمه التي ذكرناها سابقا؛ لكن هذه المرة لم تمض على خير, فالطرف الآخر قوي, و المحور الأمريكي و مؤيديه في المنطقة متماسك و ذي تأثير, و قد ترتب بعد هذا الموقف طرد النظام السوري من لبنان و ممارسة ضغوط شديدة و تهديدات مستمرة له و لرموزه من خلال المحكمة الدولية, بالإضافة إلى عزله عربيا و دوليا , و البدء بحصار اقتصادي يستهدف بعض أركان سلطته. أما المرة الثالثة  فهي المأزق الأكبر, لان الاختيار بين المشروع الأمريكي أو المشروع الإيراني أو الوقوف على الحياد بينهما سيترتب عليه نتائج كارثية, نظرا لعدم جهوزية النظام السوري أو نيته خوض أي صراع أو عملية تسوية, و بالتالي اخذ قرار حاسم في الالتحاق بأحد المحورين بعد كل هذه السنين الطويلة من سياسة اللعب على الحبال كآلية للعمل الخارجي.

إن بقاء النظام السوري في هذه الحالة المذبذبة الابتزازية, يضع البلد في حالة انتظار و ترقب منذ سنين طويلة, و يضعف الموقف و الثقل الإقليمي لسوريا و يهدد استقرارها الداخلي الذي أعيته إجراءات اللا حرب و اللا سلم و ما لها من ذيول على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي, يضاف إلى ذلك آليات عمل النظام في "فرض" الاستقرار الداخلي و التي تعتمد على المؤسسات الأمنية من خلال استخدام القوة و القمع, و فرض السيطرة الكاملة على مؤسسات المجتمع و الدولة –في سوريا يتواجد عناصر المؤسسات الأمنية في جميع دوائر الدولة و المؤسسات بلا استثناء و يتدخلون بأتفه الأمور المعاملات الروتينية-, هذه السيطرة التي أدت إلى ضمور و شل فعالية مؤسسات الدولة في الإسهام بأي تقدم أو نجاح أو تطوير, و بالتالي ليس لها ي دور في "التنفيس" أو في دعم و تلطيف الاستقرار "الوهمي" المفروض بالقمع, بل بالعكس تحولت من مؤسسات لخدمة المواطن إلى أدوات معرقلة بفعل الروتين و العرقلة الأمنية و الفساد المستعصي, كل ذلك يؤدي إلى ازدياد حالة النقمة و الكبت دون أي تفريغ, مما يضع سوريا على فوهة بركان داخليا و خارجيا.

أما عن المعارضة :

منذ استلام الرئيس بشار بعد وفاة والدة و إعلانه في خطاب القسم رغبته في تنشيط الحوار و الحراك الداخلي, حاولت المعارضة الاستفادة من هذا التوجه و بدأت بإنشاء منتديات حوار للنقاش شارك فيها بعض ممثلي النظام, و للأسف سرعان ما أغلقت هذه النافذة و تم اعتقال رموزها حيث ما يزال المفكر عارف دليلة يدفع ضريبة نشاطه ضمن ذلك الإطار, و قد كانت موجة الاعتقالات تلك ردا على رغبة المجتمع و المعارضة و إيمانهم بضرورة الحوار و حق التعبير عن الرأي و المطلب, رغم ذلك لم ييأس المعارضين و استمروا في تنظيم أنفسهم إلى أن توصلوا إلى صيغة إعلان دمشق, و التي تتمثل بانتهاج آلية عمل تدريجية و سلمية دون الاستقواء بالخارج, ضمانة و حماية للوطن و استقراره الداخلي, و انتهاج أسلوب الحوار مع السلطة و رفع الصوت عاليا في المطالبة بالحقوق و الإشارة إلى مواطن الخلل و الفساد مهما كلف الثمن, و قد خشي النظام السوري من هذا الائتلاف العريض بين جميع شرائح الشعب السوري, يساريين ليبراليين قوميين إسلاميين أكراد آشوريين الخ ..... كما ارتبك نتيجة تبني المعارضة السورية -بشكل غير مسبوق في عالمنا العربي- آلية عمل سلمية و تدريجية تعتمد على مناورة السلطة والجهر بكلمة الحق, دون استغلال العلاقات مع الخارج لإضعاف موقع النظام إقليميا و الضغط عليه؛ كل ذلك اثبت وطنية المعارضة السورية في الداخل و اكسبها تعاطفا شعبيا ربما يكون بذرة لقاعدة شعبية في المستقبل؛ كما سحبت آلية العمل هذه الذرائع التي كان يتخذها النظام في قمعه, مما يفسر ارتباكه بعد تورطه في اعتقال أعضاء من إعلان دمشق و قيادته المنتخبة ديمقراطيا بشكل غير معهود في سوريا "الأسد", و في مقدمتهم رئيسة إعلان دمشق د. فداء الحوراني "وردة سورية الأسيرة", ابنة الزعيم التاريخي أكرم الحوراني , صاحب الإرث المشرف في النضال ضد الاستعمار و النضال الديمقراطي في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية حيث أصبح رئيسا للمجلس النيابي  عام 1954 , بالإضافة إلى رموز الكفاح في سبيل الديمقراطية و المجتمع المدني في سوريا المعاصرة السادة المعتقلين: علي العبد الله , أكرم البني, فايز سارة , احمد طعمه , وليد البني , ياسر العيتي , محمد درويش, و قبلهم بفترة ميشيل كيلو؛ كما تدعم إعلان دمشق بعضوية أحزاب تاريخية في النضال الاجتماعي و الديمقراطي و مناهضة الاستعمار و هي الاتحاد الاشتراكي –أسسه المناضل الوطني المعروف د. جمال الاتاسي- , الشعب الديمقراطي , الاشتراكيين العرب , العمال الثوري , و العمل الشيوعي, هذه العوامل دعّمت جبهة إعلان دمشق و نضاله العقلاني فأعطته بعدا نضاليا تاريخيا.

 و الآن , و بعد صياغة ملامح إعلان دمشق و تنظيم آليات عمله, يتوجب على المعارضة في الخطوة التالية التعامل مع بعض العثرات, و التي تتمثل بتجميد "نشاط" حزبي الاتحاد الاشتراكي و العمل الشيوعي , و ليس "عضويتهما" كما روج بعض المغرضين –انظر: الهيئة المركزية لحزب العمل الشيوعي ا ف ب 5-1-2008 و بيان اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي 29-12-2007-, و هناك فرق كبير , فتجميد النشاط هو نوع من الحرد و الاحتجاج على بعض الأمور الإجرائية في إعلان دمشق "المطالبة باعتماد التوافق لاتخاذ القرار", و على المعارضة تطويق هذا الإشكال و الانطلاق بمسيرة التغيير, من اجل تخليص سوريا من مآزقها الداخلية و الخارجية.

لكن ما هو الحل للخروج من هذه المآزق؟

باختصار, الحل متلازم في تغيير آليات العمل داخليا و خارجيا, و تقع مسؤوليته على المعارضة في المطالبة و النضال لهذا التغيير, و على النظام السوري من خلال تخليه عن آليات المؤسسات الأمنية و أسلوب القمع و الاعتقال, و تبني منهج الحوار و الشراكة مع الشعب السوري بمختلف فئاته من معارضة و فعاليات اقتصادية و أحزاب و شخصيات عامة الخ ..... , و ذلك من خلال إطلاق العنان لمؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية تهتم بشؤون المواطن و مشاكله الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية, إلى التجمعات السياسية التي تقترح و تشارك في صنع القرار بما يمس المواطن وهمومه بشكل مباشر, مما يؤدي إلى آلية تستعيض عن عمل المؤسسات الامنية بالحراك الاجتماعي في الداخل السوري, فتفرغ الاحتقان و الكبت المتراكم منذ سنين طويلة, من خلال إفساح المجال للمواطنين بحرية التعبير عن مطالبهم و حقوقهم و أوجاعهم, و الإشارة بلا تردد إلى مواطن الفساد, مما يحمي وطننا سورية من انفجار هذا الاحتقان و الكبت بأشكال متخلفة و مضرة اثنية كانت أم طائفية, من خلال تفريغها بأشكال مطلبية محقة و مفيدة.

و لا بد من أن يترافق تحصين جبهتنا الداخلية, بالتخلص من أسلوبنا و آليات تعاملنا مع المتغيرات و الأخطار الخارجية, من خلال رفض كلا المشروعين الأمريكي و الإيراني, و تأسيس لمشروع مستقل و وطني يراعي مصالحنا العربية و القومية بما لا يتناقض طبعا مع مصالح شركائنا في الوطن من أقليات و اثنيات أخرى, و يواجه أخطار المشاريع الأخرى متحصنا بانفتاحنا و حراكنا الداخلي, لتكون سوريا بذلك نواة لمشروع عربي مستقل, فتسترجع بذلك دورها كقلب العروبة النابض.

*عضو إعلان دمشق

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ