ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
معتقلو
إعلان دمشق... أيّ ذنب ارتكبوه؟ أُبيّ
حسن* ليس
النظام السوري بالضعف الذي كان
يتوهّمه بعض الناشطين السوريين
ــ وأنا أحدهم ــ قبيل عامين،
تحديداً عقب اغتيال الرئيس رفيق
الحريري. ولعلّ الكثيرين من
المتابعين للشأن السوري
يتذكّرون كيف راهن بعض ذلك
البعض (في خلواتنا على الأقلّ)
على سقوط النظام بين ليلة
وضحاها، وخاصة في مرحلة تسلم
القاضي ديلتيف ميليس مهمات
التحقيق في قضية اغتيال الرئيس
الحريري، وهذا ما لم يحدث. صحيح
أنّ النظام كان يعاني ضغوطاً
خارجية جديّة حينذاك، وهذا كان
من شأنه أن يُقنع بعض الداخل
السوري بجدوى الاعتقالات التي
كانت تتمّ سنتذاك بحقّ بعض
النشطاء على نقيض ما هو كائن
الآن! وصحيح، أيضاً، أنّ الضغوط
الخارجية على النظام لم تتغيّر
كثيراً ولم تخفّ وطأتها، إلا
أنّه يبدو جلياً للعيان أنّه لا
غنى لذلك الخارج/الضاغط عن
الدور السوري في ما يخصّ قضايا
المنطقة المتشعّبة، تحديداً
لبنان والعراق، وهذا ما تترجمه
زيارة بعض المسؤولين الغربيّين
إلى العاصمة السورية، وكذلك
المطالبة العلنية لبعض قادة
الدول الغربية بأن يؤدي النظام
دوره في ما من شأنه أن ينهي
مسألة الاستحقاق الرئاسي
اللبناني كما أتى في تصريح
للرئيس الفرنسي منذ فترة وجيزة،
أو مسألة الحدّ من العنف في
العراق كما طالب جورج بوش منذ
فترة قريبة أثناء زيارته إلى
المنطقة، وهذا كلّه يعني أن ثمة
حاجة حقيقية للنظام السوري
ودوره حتى بالنسبة لممارسي
الضغط عليه! بكلمة
أخرى: إنّ وضع النظام واستقراره
لم يعودا بالخطورة التي توهّمها
بعضنا في حين من الزمن. السؤال
الآن، وإذا صدقت ظنوننا: ما هي
دوافع النظام أو بعضه لاعتقال
بعض قادة إعلان دمشق؟ وهل فعلاً
من الممكن أن يقتنع عاقل بفحوى
التهم التي قد توجَّه إلى بعضهم
إذا أحيلوا إلى محاكمة أمام
محكمة أمن الدولة؟ وأليس
بمقدورنا التكهّن بمضمون تلك
التهم (إذا تمّت محاكمة) سلفاً
من دون انتظار المحاكمة؟ ترى
هل تنتظر بعض السلطات السورية
أن يقتنع من يعرف علي العبد الله
وتاريخه النضالي ضدّ إسرائيل
الذي تشهد عليه بعض الحروق
القابعة في جسده حتى الآن جرّاء
شظايا العدو أنّه يعمل على وهن
نفسية الأمّة وإضعاف الشعور
القومي أو أنه يسهم في إمرار
مشروع غربي هدفه إعادة هيكلة
المنطقة؟ وما يُقال في علي
العبد الله يمكننا قوله بمعنى
أو آخر في الزميل فايز سارة
وسواه من معتقلين مثل الدكتورة
فداء الحوراني كريمة أكرم
الحوراني (هل ثمة حاجة لتذكير
البعض بدور الراحل أكرم
الحوراني في ريف حماه في ما يخصّ
المسألة الفلاحية وانعكاساتها
الإيجابية على بعض مكوّنات
المجتمع السوري الذي كان قسم
منه يرزح تحت نير الإقطاع؟)
والكاتب أكرم البنّي والقائمة
تطول... من
الطبيعي أن نتّفق أو نختلف في
الأفكار والمواقف، وليس
بالضرورة أن نكون متبنّين لرأي
هذا الزميل أو ذاك المعتقل، لكن
من المؤكّد أن الحلّ لكثير من
مشاكل الداخل العالقة، منذ
عقود، لا يكون بالطريقة التي
جرى فيها اعتقال أولئك النشطاء
والكتّاب. ولنتذكّر
أن التهم من قبيل إضعاف الشعور
القومي والعمل على وهن نفسية
الأمّة لم تؤت أُكلها، بدليل
أنها التهمة ذاتها التي حاقت
مثلاً بمفكّر قضى حياته منافحاً
عن الفكر القومي مثل ميشال
كيلو، وعلى الرغم من اعتقال
ميشال بتلك التهمة فإن قوم
العرب لم ينهضوا من سباتهم ولم
يصحوا على حقيقة وضعهم المزري
من بُعيد اعتقال من كان أحد «أسباب»
و«عوامل» إضعافهم وتشتّتهم
بحسب «منطق» التهمة، وأعني
ميشال كيلو! وقطعاً لن يزداد
العرب «قوّة» و«منعة» و»عزّة»
حال بقاء من هو معتقل من قادة
إعلان دمشق في سجنه، ولن يكون
أولئك المعتقلون هم السبب في
حالة الضعف والانهيار (المفضي
إلى التهلكة) الذي تعانيه أمّة
العرب. وإن
كنت على الصعيد الشخصي، لا
أوافق الكثير من الزملاء
والأصدقاء المعتقلين في
آرائهم، إلا أنني حتى اللحظة لا
أعرف صدقاً أي ذنب ارتكبوه حتى
يتم اعتقالهم؟ فضلاً عن أن
المعارضة السورية (الداخلية) لا
تزال جنيناً، على الرغم من
تقادم عمرها، ولا تمثّل أي خطر
على النظام، بالمعنى
الانقلابي، بالإضافة إلى أن
طروحاتها بالتغيير السلمي
والديموقراطي علنية وتحت سمع
السلطات وبصرها! حتى إن
الاجتماع الأخير لقوى إعلان
دمشق كان بمعرفة السلطات ذاتها!
فأين الخطأ الذي اقترفه أولئك
المعتقلون؟ من
جانب آخر، إنّ بعض ما جرى على
الضفّة الأخرى من ردود أفعال
على حملة اعتقال بعض قادة «إعلان
دمشق»، كان غثّاً بكلّ
المقاييس، وإن دلّ على شيء فإنه
يدلّ على خواء ثقافتنا التي
أنتجت السلطة والمعارضة وما
بينهما؛ وهو قبل أن يحيلنا إلى
استبداد السلطة وتجبّرها، فإنه
يدلّ على العقم الذي يشكو منه
خطاب بعض الناشطين في الشأن
العام ومنهم من هو في إعلان دمشق
مثل أولئك الذين طالبوا السيدة
فيروز بعدم الغناء في دمشق. حقّاً
ما معنى أن ينبري بعض النشطاء
إلى توجيه الرسائل وتدبيج
المقالات وإصدار البيانات التي
يطالبون بها السيدة فيروز بعدم
القدوم إلى دمشق بغية الغناء
فيها وتقديم مسرحية «صح النوم»؟
ألا يُفترض أن أولئك المطالبين
السيدة فيروز بمثل ذلك الطلب هم
من أدرى الناس بأن السيدة فيروز
وأصحاب الفن الرحباني عموماً لم
يغنّوا قط إلى الأنظمة أو
الرؤساء والملوك طوال مسيرتهم
الفنية (وإن ربطتهم علاقات
ودّية مع بعضهم)!، بل غنّوا
للمدن والناس، وهذا ما قاله
منصور الرحباني مراراً على شاشة
التلفزة، مؤكّداً أنّه كان من
صلب رسالتهم الفنية، هو وعاصي،
ومنذ بداياتها، عدم الغناء
للرؤساء والملوك قبالة الغناء
للمدن والناس! فأين الغضاضة في
رأي ذلك البعض إذا جاءت فيروز
وغنّت في دمشق التي طالما وقفت
إلى جانبها في بدايات مسيرتها
الفنية وبعدها؟ ولماذا يصرّ ذلك
البعض على إقحام الفنّ الخالد
والراقي بالموقف السياسي
والرأي الإيديولوجي الذي عادة
ما يتغيّر تبعاً لأهواء حامليه
ووفقاً للمتغيرات الداخلية
والخارجية الأخرى؟ ثمّ، وهو
الأهم، هل تحرّر ذلك البعض من
الأمراض والعيوب التي يراها
كائنة في بنية السلطة؟ شخصياً
أشكّ في هذا، ولأدلّل على صحة
كلامي أعيد وأذكّر بما كان قد
طلبه ذلك البعض من السيدة فيروز. قطعاً
لن يشتطّ بنا الخيال والوهم حدّ
وصفهم بالعمالة أو الخيانة للفن
وما شابه ذلك، لكن أقلّ ما يمكن
أن يقال فيهم، من خلال طلبهم
ذاك، أنهم الوجه القبيح للسلطة،
أية سلطة كانت. *كاتب سوري المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |