ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 12/02/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

من السارق

عادل العابر- الأحواز

كانت تظللني سحابة الفقر أينما اتجهت!

استأجرت منزلاً غير مكتمل إذ أجرته رخيصة،

لا تجصيص ولا صبغ ولا باب حمام!

حتى باب الحوش سرق الفقراء مصراعه حين كان المنزل خالياً من السكنة ولم يتبق من مصاريعه الثلاثة إلا مصراعان!

وقد عالجنا الأمر بستار ممزق عمره المفيد قد انتهى منذ أشهر.

كان البرد القارس يهاجم أطفالنا من كل ثقوب الشبابيك والبـيبان،

وكنت أعمل عاملاً في البناء واقبض خمسين ألف ريالاً إيرانياً في اليوم،

مبلغ ضئيل جداً لا يملأ سلة زوجتي إذا ما تسوقت لنا وللأطفال ما يحشو جوفنا!

 

وبقربنا فارسي أتت به الحكومة من إصفهان،

يسكن بيتاً ذا طابقين مبيضاً ومصبوغاً وموجهاً بالصخر المرمر الأبيض،

سيارته الـ(سمند) بهرت أعين أطفالي، وراحوا يتفحصونها من بعد بحسرة أشعلت غضبي.

وكان موظفاً في شركة النفط براتب لا يخطر لي حتى في الأحلام، عشرة ملايين ريالاً!

لديه نفس الشهادة التي أخذتها، دبلوم.

ولكن راتبه عشرة أضعاف راتبي!

سألني أحد أطفالي مرة ببراءة:

مادامت شهادتك مثل شهادة جارنا الفارسي فلماذا لا نملك ما يملكون؟

نفخت طويلاً وقلت في إنقباض:

لأنهم يحتلون أراضينا ويسرقون نفطنا ولا يسمحون لنا أن نشتغل في الشركات؟

وعضت زوجتي على شفتها السفلى توحي إليّ بإلتزام الصمت أمام الأطفال!

ولمّا سنحت لها الفرصة أمطرتني بوابل من اللوم محذرة:

لا تكلم الأطفال عن السياسة، فقد يبوحون خارج البيت ويجلبون لنا المشاكل!

 

كان الوقت أصيلاً وكنا جالسين حول دفاية كهربائية، أقص لأطفالي أسطورة قصتها لي أمي في الصغر.

وطرق الباب...

لبست سترتي وخرجت لأرى الطارق،

ولكنه كان مستعجلاً، لم ينتظر حتى أزيح الستار وأراه،

 أزاحه بنفسه ورمى فاتورة الكهرباء داخل الحوش ومضى.

أخذت الفاتورة ورجعت إلى المأوى الممزق وأنا ابحث عن رقم المبلغ،

دهشت!!! خمس مئة ألف ريالاً!

أي نصف مليون ريالاً!

من أين أدفع هذا المبلغ العاتي؟

نصف مكسبي خلال شهر!

 

حزنا كثيراً ولم أكمل القصة التي كنت أرويها للأطفال رغم إصرارهم.

قالت زوجتي لائمة:

قد بالغنا في تشغيل الدفايات!

فقلت متصلباً الملامح: وهل نترك أطفالنا يتجمدون من البرد القارس؟!

حكم البيت جو مكفهر تبادلنا فيه نظرات الفقر والحزن،

ورحت أحلم غير محتـفـل بضجة الأطفال أحلام اليقظة...

"خرج الشعب الأحوازي إلى الشوارع ثائراً يطالب بطرد الإحتلال،

فاستهدف الإحتلال شعبنا وقتل الشيوخ والأطفال والنساء،

واكتفت الأنظمة العربية بالتنديد!

ولكن شعبنا لم يتنازل ولم يخف وتابع النضال وحيداً،

فنزلت ملائكة من السماء لمؤازرته،

وانتصرنا!

وطرد الإحتلال ساحباً وراءه أذيال الخيبة،

وأصبحنا ننعم بثروات بلدنا، ولا نعاني من الفقر ولا من فاتورة الكهرباء..."

 

وبددت زوجتي أحلامي الجميلة وهي تخاطبني:

هل وجدت الحل؟

قلت وما فتأت أحداث الحلم الجميل في ذهني:

الحل في الثورة.

وصمتنا هنيهة، وعادت فاتورة الكهرباء تخرب ما تبقى من أطلال أعصابنا ورحنا نبحث مجتهدين عن حل.

ذمينا الإحتلال للمرة العاشرة أو العشرين ولمنا أنفسنا على صمتنا مقابل ظلمه،

وفكرنا وفكرنا حتى توصلنا إلى حل،

والحل أن ندفع هذه الفاتورة مهما كلفنا الأمر ثم نمد طاقـتنا الكهربائية من أسلاك الأعمدة دون أن تمر بالعداد، وننزل سلكنا في آخر كل شهر عندما يوشك مأمور الكهرباء على المجيء لتسجيل رقم العداد, عندها لم يكن العداد سجل رقماً ضخماً وستكون الفاتورة مريحة الدفع.

وسلخت رأس السلك الذي اشتريته للتو وحنيته حتى صار كحرف اللام، ثم صعدت عمود الكهرباء بتوتر وجزع لأعلقه على الأسلاك الرئيسية،

ورآني جاري الفارسي المهاجر وأنا ارتقي العمود الكهربائي!

فوقف يرمقني حتى علقت السلك،

ثم قال في وقاحة بالغة: يا سارق الكهرباء!

تلقيت كلماته الحاقدة وكأنها تحفر في صدري!

فرمقته بنظرة عربية نافذة وخاطبته في حنق تام: يا سارق النفط،

ثم نزلت من العمود وتابعت بصوت مزمجر:

يا سارق الأرض، وما يتدفق من باطنها،

يا سارق الشطوط وما تحتويها،

ثم دخلت...

وما إن وطأت رجلي الغرفة حتى تذكرت أنه ومن جاء به قد سرقوا أكثر مما ذكرت،

فركضت نحو الباب المنهوب مصراعه وكان الفارسي ما زال واقفاً فصحت مخاطباً إياه:

يا سارق نقود اليتامى والمساكين،

يا سارق الثقافة العربية والتراث،

يا سارق الكوفية والدشداشة،

يا سارق السجناء والشهداء،

ثم قلت بصوت مرير متسائلاً:

والآن كن منصفاً واقض بيننا، من السارق؟

أنا أم أنت؟

وكان الرجل الفارسي صامتاً متراجعاً وقد أدخل غضبي الرعب في قلبه،

ثم دخلت وأسدلت الستار خلفي، وأنا اتباهى أمام زوجتي وأطفالي وكأنني انتصرت عليه وأديت ما عليّ من واجب لوطني السليب!

عندها خاطبتني زوجتي بصراحة ملساء:

تحرير الأوطان لا يأتي والشعب مختبأ وراء الحيطان.

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ