ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الشباب
وأزمة الاغتراب نعمان
عبد الغني إن
الشباب العربي يعيش أزمة اغتراب
حقيقي, وقد أكّدت الدراسات التي
أجريت في العديد من الدول
العربية, وبين مختلف الطبقات
الاجتماعية هذه النتيجة, إن
مواجهة الشباب بالأنظمة
البيروقراطية وأنماط السلطة
غير الديمقراطية لا تبقيه
خارجها فقط, ولكنها تجعل دوره
ينحصر في الخضوع لها والالتزام
بقوانينها مما يشعره بالعجز
وعدم القدرة على تحقيق ذاته.
والاغتراب هنا هو مرحلة وسطى
بين الانسحاب من المجتمع
والتمرّد عليه. هو يلجأ إلى
ثلاثة أنواع من التصرّفات: إما
الانسحاب من هذا الواقع ورفضه,
وإما الخضوع إليه في الوقت الذي
يعاني فيه النفور, وإما التمرّد
على هذا المجتمع ومحاولة تغييره
ولو كان ذلك بقوة السلاح. إن
استمرار تجاهل قضية الشباب في
مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة
ما يلاقيه من تدهور في مناهج
التعليم, وابتعاد الشباب عن
الاهتمام بالسياسة, وجهلهم
بتاريخ أوطانهم, وموقف
اللامبالاة مما يجري حولهم هو
نتيجة حتمية لسياسات التجاهل
لمواجهة قضاياهم, وقد حوّلتهم
تلك المشاعر المتناقضة في
داخلهم إلى مخزن يغرف منه كل من
لديه مصلحة خاصة في تجنيدهم
واستخدامهم. شبابنا
اليوم إما أن يكونوا الأداة
الأولى في بعث نهضة حديثة
لدولنا وشعوبنا, وإما أن
يتحوّلوا إلى وسيلة لتدمير ما
بنته الأجيال السابقة, ففي عصر
العلم والعولمة, ليس أمامنا
كثير من الخيارات, ولا الكثير من
الوقت لنفكّر ونقرر, فنحن
والزمن في سباق مميت, وعلينا -
حكومات وقيادات في كل المواقع -
أن نبدأ في وضع قضيتهم في مقدمة
المسائل الوطنية, ونشرع في وضع
الحلول وتطبيقها لمصلحة أجيال
الشباب, هذا إذا أردنا أن نجتاز
حاضرنا إلى مستقبلنا بأمان,
وعلينا أن نعيد تنظيم مجتمعاتنا
وحياتنا وفق واقعهم وحجم قوتهم
ومدى تأثرهم بما يجري من حولنا
في العالم, وأن نعترف بأن شبابنا
لن يكونوا أقل تأثّراً بالدور
الذي يقوم به نظراؤهم في بقية
تلك القرية الكونية, فهم
يراقبون وسيحاولون أن يكسروا
قيود الواقع ويتمرّدوا عليه,
ومؤشرات التمرّد بدأت منذ فترة
وبأشكال مختلفة وحسب ظروف كل
بلد, وسيحاولون أن يؤسسوا
سلطتهم بمعزل عن مجتمعاتهم,
وكذلك عن السلطات الاجتماعية
والثقافية التي يعيشون تحت
مظلتها, ولكي نتدارك الوضع, وقبل
أن يتجاوزنا الزمن لابد من
الاعتراف أولاً بأن نوعية
تعليمنا ومستواه لا تتناسبان مع
العصـر وطموحات الشباب, فالعالم
من حولنا يتحدث بشـكل دوري عن
(نوعية التعليم) الذي يحتاج إليه
في كل مرحلة من التطور المجتمعي,
وربط هذا التعـليم بتطوّر
الحياة في مجتمعاته, في الوقت
الذي نتحدث نحن في مجتمعاتنا عن
الأميـّة وتزايدها وتدهور
مدارسنا وتسـرّب أطفالنـا من
المدارس الذي وصل في بعض الدول
العربية إلى ملايين من الأطفال
خارج المدارس, وفـي بعض الدول
العربية يتساءلون عن مدى مواكبة
ما لديهم من تعلـيم لمتطلبات
وحاجات مجتمعاتهم التي تتطور
عشوائياً! إعادة
نظر شاملة لابد
لمواجهة هذا التدهور من إعادة
النظر في فلسفة التعليم عندنا,
والتحوّل من أسلوب الحفظ
والتلقين, من دور الطالب
متلقياً وقابلاً ومطيعاً لما
يلقّنه إياه معلمه, إلى فلسفة
التعليم عن طريق الحوار
والمناقشة والتدريب على التعلم
الذاتي, وأن ندمج التعليم
بالثقافة بشكل متواز, وأن تصبح
برامج الثقافة جزءاً من مناهج
التعليم, كالفنون بكل أنواعها
من موسيقى ومسرح ورسم وتربية
بدنية إلى الثقافة العامة
والقراءة الحرّة, وأن تصبح
المكتبة جزءاً من المنهج
الدراسي. ومن ثم
لابد من إقحام الشباب للمشاركة
وسماع رأيهم في اتخاذ القرارات
السياسية والاقتصادية
والاجتماعية, وتوسيع دورهم في
المشاركة في كل ما يتعلق
بحياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم,
ويأتي في مقدمة ذلك خفض سن
الناخبين ليصبح عند الستة عشر
عاماً, وأن يمثل الشباب في
المؤسسات الديمقراطية
والتشريعية, ويفسح في المجال
لسماع مقترحاتهم والأخذ بها عند
التطبيق, فالثقافة السياسية جزء
وشرط مهم في ثقافة الشباب إن
أردنا تدريبهم وتأهيلهم
للقيادة في مرحلة لاحقة, ونحن
بهذا ندخلهم في نسيج المجتمع
بدلاً من أن يتحوّلوا إلى أدوات
للهدم والتخريب, فوضع ثقافة
متوازنة للشباب تراعي تراثهم
وتاريخهم الوطني والقومي, وتسعى
للحاق بالثقافة الحديثة
المنفتحة على العلم
والتكنولوجيا والفلسفة
المعاصرة المتطلعة إلى مزيد من
الكشف عن الكون وأسراره أمر لا
مفر منه, وأن ندرّبهم على اكتشاف
ثقافة الشعوب والأمم المعاصرة
ليتمكّنوا من التعامل والتفاعل
معها في هذا العالم الذي بدأت
تتشابك فيه تلك الشعوب
بثقافاتها المختلفة على درب
التعاون والتلاقي والاندماج في
ثقافة كونية تسعى لإشاعة السلام
في العالم وتحتفظ في الوقت ذاته
لكل شعب بخصائصه وعاداته
وتقاليده وتراثه الديني
والقومي ضمن حركة التفاعل مع
الثقافات الأخرى. إن
نظرة سريعة على واقع شبابنا
اليوم تكشف لنا مدى عزوف الشباب
عن المشاركة في قضايا المجتمع,
والابتعاد عن النشاطات
السياسية والاجتماعية, وهذا
ناتج عن طول أمد الاستبعاد الذي
مورس ضد الشباب وعزلهم عن
الحياة العامة وخاصة السياسية
سواء في المدارس والجامعات أو
في المنظمات الشعبية
والديمقراطية المحدودة. فشبابنا
اليوم يسعى خلف الإعلام الخارجي
باحثاً عن الحقيقة, التي بدأ يشك
في صدقها في إعلامه الرسمي,
متصوّراً أنه سيجدها عند الآخر,
وهذا بداية الانسلاخ الثقافي
وفقد الثقة في ثقافته والقائمين
على تسيير شئونه, ومؤشر إلى
سهولة السقوط تحت تأثير أي
إعلام معاد له ولوطنه وتراثه
الثقافي والحضاري, وسنرتكب
أخطاء أكثر فأكثر إن نحن
تصوّرنا أن بإمكاننا الاستمرار
في إبعاد جيل الشباب في عالمنا
عن المشاركة الكاملة في إدارة
شئون حياته ورسم مستقبله,
فالكبار, في عصر يقوده الشباب,
لن يتمكنوا من ضبط إيقاع الحياة
دون الشباب ومشاركتهم الكاملة,
وقد دلت الدراسات والأبحاث
الحديثة على أن المجتمعات, التي
تتعرض للتغير التقني السريع لا
يعود الآباء فيها يملكون ما
يقدّمونه لأبنائهم, لأن معارفهم
تفقد ملاءمتها للواقع الجديد
والمستجد. فكيف بزمان كزماننا
الذي فاقت سرعة التغير التقني
فيه بملايين المرات سرعة
التغيرات التقنية التي أصابت
المجتمعات البشرية القديمة,
فجيل الآباء في زماننا ما عادوا
يملكون معظم الإجابات عن أسئـلة
أكثر وأعقد مما لا يقاس مما
توافر لمن سبقـهم, فهم يكادون أن
يفقدوا الموقع الذي يخوّلهم أن
يقـولوا للصغار ماذا يفعلون
وماذا لا يفعلون, وأصبحت
العلاقة بين الطرفين بسبب
التقنية الجديدة حواراً لا
تلقين دروس وأوامر. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |