ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
اغتيال
عماد مغنية في دمشق: "تكتيك"
يُحرج السوريين و"غموض"
يخدم حزب الله محمد
فتوح* طوى إعلان حزب الله
عن مقتل المسؤول العسكري فيه
عماد مغنية صفحة هذا الرجل بما
اكتنفها من غموض وبما حوته من
عمليات تفجير واختطاف لم تتح
الفرصة لكي يؤكدها أو ينفي
مسؤوليته عنها، أو أنه لم يكن
راغباً بذلك. لقد بدا أن تاريخ
عماد مغنية كان "إشكالياً"
ومتداخلاً. فالرجل الذي قضى
أكثر من عقدين من حياته
متخفياً، بدأ نشاطه في صفوف
قوات تابعة لحركة فتح
الفلسطينية ومكلفة بحماية
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر
عرفات في أواخر السبعينيات، رغم
أنه لبناني شيعي من الجنوب
اللبناني، قبل أن يتحول إلى
حركة أمل ثم حزب الله بعد خروج
الفلسطينيين من لبنان عام 1982،
ليتولى بعد ذلك سلسلة من
العمليات والتفجيرات التي
تُنسب إليه في دول عديدة، قبل أن
يتولى (وخلال توليه) مناصب أمنية
وعسكرية حساسة في حزب الله. إن الانفجار الذي وقع
مساء الثلاثاء في منطقة كفر
سوسة في قلب دمشق قد يفتح صفحات
أخرى عديدة، بعضها مرتبط بظروف
مقتل عماد مغنية وأخرى تتعلق
بما يمكن أن يتبعه. وبداية، ودون السير
كثيراً وراء نظريات المؤامرة،
من الممكن وضع علامات استفهام
ليس فقط حول ظروف الجريمة التي
استهدفت مغنية، بل يمكن أن يشمل
ذلك أيضاً ما إذا كان مغنية قد
قضى في الانفجار بالفعل. وهذا
ليس من نسج الخيال أو دفعاً نحو
الأوهام، بل هو مستند إلى سياسة
حزب الله المعروفة، والهادفة
دوماً إلى دفع الإسرائيليين إلى
ترسيخ الاعتقاد بما يعتقدون به
في إطار سياسة الغموض التي
ينتهجها الحزب وقادته، لا سيما
أن الإعلان عن مقتل مغنية سيخفف
حدة البحث عنه وتقصي آثاره من
جانب مخابرات دول عديدة، على
رأسها بالطبع الولايات المتحدة
وإسرائيل، وهذا سيمنحه المزيد
من حرية الحركة، إن لم يكن قد
قضى في الانفجار بالطبع. فليس
هناك من أحد يستطيع الجزم بأن
مغنية هو من كان في السيارة لحظة
وقوع الانفجار، استناداً إلى أن
عدداً قليلاً جداً من الناس
يمكنه التعرف على شخصيته، أو
أنه قتل فعلاً إن كان موجوداً في
السيارة. وكل ذلك يضاف إلى
الغموض الذي اكتنف حياة مغنية. لقد وقع الانفجار في
منطقة لا تبعد عنها كثيراً
مقرات أمنية أساسية مثل المقر
الرئيسي للمخابرات العامة في
سورية وفروع أمنية أخرى، وهذا
بلا شك سيضيف عنصراً آخر إلى
القضايا التي ينتظر أن يثيرها
اغتيال عماد مغنية. ورغم أن مغنية لجأ
خلال العقود الماضية إلى التخفي
مع تغيير اسمه، وربما تغيير
ملامحه أيضاً عبر عمليات
جراحية، فقد تمت ملاحقته وتحديد
مكان تواجده بل واستهدافه
بقنبلة وضعت داخل سيارته، وهذا
يمثل اختراقاً أمنياً كبيراً
للساحة السورية.. ليس بسبب
الانفجار بحد ذاته بل بسبب
طبيعة الشخصية المستهدفة
والإجراءات الأمنية المفترض
اتخاذها أو جرى اتخاذها بالفعل
لحمايتها. كما أن مغنية لم يصل
إلى سورية إلا منذ أيام، فهو
اعتاد أن يقضي غالبية أوقاته في
إيران، وهذه نقطة أخرى تتعلق
بالنشاط الاستخباراتي الأجنبي
في البلاد. بل إن هذا يشير أيضاً
إلى أن عملية اغتياله ربما كانت
بتعاون بين أجهزة استخبارات
عديدة في دول كبرى، أي أنها قد
لا تكون عملية إسرائيلية صرفة. وإذا ما تذكرنا أن
هذه ليست المرة الأولى التي
تستهدف فيها شخصيات بالطريقة
ذاتها (زرع قنبلة داخل السيارة)
في سورية، حيث استهدف من قبل
المسؤول في حركة المقاومة
الإسلامية حماس عز الدين الشيخ
خليل الذي اغتيل في أيلول/
سبتمبر عام 2004 إضافة إلى
محاولات لتصفية مسؤولين آخرين
في الحركة يقيمون في سورية في
السنوات الماضية، فإن هذا يدفع
للتساؤل عما إذا كانت سورية ما
زالت "ملجأ آمناً" بعد هذه
الحوادث المتكررة، لا سيما أن
الشخصيات التي استهدفت حتى الآن
في سورية تتخذ إجراءات غير
اعتيادية للحفاظ على أمنها. والملاحظ أن طريقة
الاغتيالات المتبعة في سورية
تحتاج إلى كثير من الدقة
والاحتراف بل و"الجو المريح"
في تنفيذ المهمة، أي أن منفذي
الجريمة يتمكنون من الوصول إلى
سيارات المستهدفين ووضع
القنابل داخلها والانصراف دون
أن ينتبه إليهم أحد، ومرة أخرى
رغم طبيعة الشخصيات المستهدفة
وما تتطلبه من إجراءات أمنية
خاصة. وهذه الطريقة تختلف
كثيراً عما يجري في لبنان الذي
تستخدم فيه السيارات المفخخة
بدلاً من زرع القنابل داخل
سيارات المستهدفين، وهذا يعني
تحدياً أكبر لأجهزة الأمن
السورية. والنقطة الأساسية
الأخرى التي من الممكن أن
يثيرها اغتيال عماد مغنية في
دمشق هو وجوده في سورية بحد ذاته.
فإذا كانت استضافة قادة تنظيمات
فلسطينية كحركة حماس أو الجهاد
الإسلامي يجعل سورية تحت ضغط
دولي، لا سيما من جانب
الأمريكيين، فإن شخصاً مثل عماد
مغنية يختلف عن وضع قادة حماس
مثلاً أو حتى قادة حزب الله
الآخرين. فمن المعروف أن
الأمريكيين يتهمون مغنية
بالوقوف وراء تفجير سفارتهم في
بيروت عام 1982 واختطاف طائرة
أمريكية وقتل أحد ضباط البحرية
الأمريكية على متنها. وسبق أن
وضعت المخابرات الأمريكية
جائزة قدرها خمسة ملايين دولار
لمن يدلي بمعلومات تقود إليه،
قبل أن ترفع قيمة المكافأة إلى 25
مليون دولار بعد إحداث أيلول/
سبتمبر 2001. كما يُتهم مغنية
بالوقوف وراء تفجير السفارتين
الأمريكية والفرنسية في الكويت
ثم اختطاف طائرة كويتية بهدف
الضغط على السلطات الكويتية
لإطلاق سراح المتهمين بتنفيذ
التفجيرين، هذا إضافة إلى
محاولة اغتيال أمير الكويت
الراحل. بل امتد نشاطه إلى
السعودية بمشاركته في التخطيط
لتفجيرات الخبر التي راح ضحيتها
جنود أمريكيون، وفق بعض المزاعم.
وفوق هذا، فمغنية مطلوب
للمحاكمة في دول الاتحاد
الأوروبي واسمه كان على قائمة
المطلوبين لدى الانتربول. إن اغتيال عماد مغنية
على أرض سورية يعني إثباتاً
عملياً على وجوده هناك، ومن
المستبعد أن يكون ذلك (وجوده)
دون علم السلطات السورية
وأجهزتها الأمنية، بل على
الأرجح أن وجوده في دمشق كان
لإجراء اتصالات مع مسؤولين (أمنيين)
في سورية. وهذا ما قد يضع دمشق في
موقف غير مريح وربما يتبعه ضغوط
(وحتى إجراءات) من جانب القوى
الدولية التي ترى نفسها متضررة
من نشاطات مغنية السابقة. ولعل هذا يفسر سبب
امتناع الحكومة السورية عن
الإعلان عن مقتل مغنية حتى بعد
مقتله بساعات طويلة، فاكتفت حتى
قبيل مساء اليوم التالي لمقتله
بالإعلان عن مقتل "شخص واحد"
قبل أن تضطر لتأكيد هوية
الشخصية المستهدفة، ولكن بعد
بعض وقت طويل من إعلان حزب الله
عن مقتله. والسؤال: هل كان
السوريون سيعلنون مقتل مغنية لو
لم يسبقهم إلى ذلك حزب الله؟ من
المرجح أنهم لم يكونوا يريدون
فعل ذلك نظراً لما يمكن يترتب من
آثار قد تضرهم. والواقع أن
المسألة هنا معقدة قليلاً،
فالإعلان عن مقتل الرجل يخدم
حزب الله بلا شك للأسباب التي
ذكرناها بداية إضافة إلى أن
الإعلان عن مقتله يمنح الحزب
نوعاً من التبرير لعمليات تخرج
عن نطاق المعركة "الطبيعي"
الذي تحدث عنه الأمين العام
للحزب حسن نصر الله. لكن الإعلان
عن مقتله قد يُضر - في ذات الوقت -
بالنظام السوري الذي سيجد نفسه
محاصراً بين اتهامه بالتقصير
الأمني وبين اكتشاف شخصية
مطلوبة للانتربول الدولي على
أرض يحكمها بقبضة من حديد. وفي المقابل، ليس من
المتوقع أن يعلن الإسرائيليون
مسؤوليتهم عن العملية صراحة،
وهذه هي سياستهم أيضاً في مثل
هذه الحالات، حيث يتركون الأمور
للتكهنات والتسريبات الإعلامية.
بيد أنهم يعتقدون – بلا شك - بأن
استهداف مغنية في دمشق سيمثل
"ضربة" كبيرة نظراً لموقعه
في حزب الله، كما أنه سيحرج
السوريين في الآن ذاته، دون أن
تتمكن الحكومة السورية حتى من
تقديم شكوى للأمم المتحدة (كما
تفعل باستمرار بعد كل اعتداء
إسرائيلي). كما أنها لن تقوم،
وهذا من صلب السياسة السورية
المعهودة، بالرد بشكل مباشر على
إسرائيل. بل ستترك دمشق مهمة
الرد لحزب الله الذي أعلن أمينه
العام استعداده لحرب مفتوحة مع
إسرائيل. وعلى أية حال، فإن
إعلان الحرب المفتوحة لا يعني
الشيء الكثير نظراً لأن الحرب
هي مفتوحة أصلاً، فإسرائيل لم
تتوقف عن اغتيال مسؤولي
التنظيمات المناهضة لها في أي
بقعة من العالم، كما أن اتهام
القضاء الأرجنتيني حزب الله،
ومغنية بشكل خاص، بتنفيذ الهجوم
على مركز يهودي في بيونس آيرس
عام 1994 والسفارة الإسرائيلية
قبل ذلك بعامين يشير أيضاً إلى
أن الحرب كانت وما تزال مفتوحة.
لكن يبقى أن إعادة "استنساخ"
مثل هذه العمليات من جديد سيضع
حزب الله تحت ضغوط دولية جديدة،
رغم أن حزب الله يرى في التعرض
لعماد مغنية في دمشق تغييراً في
قواعد اللعبة مع إسرائيل. *كاتب
سوري – لندن ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |