ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الشّباب
والتحدّي بقلم:
محمّد عادل فارس ليس
كالتّحدّيات شيءٌ يُحفّز
الهمم، ويدفع إلى الإنتاج
المميّز. فالنّبتة
في أوّل نشوئها يجب أن تتعرّض
لشيء من الجفاف والعطش حتى
تمتدّ جذورها وتبحث عن الماء،
وبهذا المدّ يقوى الجذر وتنمو
النّبتة. والتّلميذ
الذي يتلقّى درساً جديداً في
النّحو، أو في الفيزياء، ويأخذ
معه الأمثلة الموضّحة... لا
يتعمّق فهمه للدّرس إلا إذا
أسهم في حلّ بعض التّمرينات
بنفسه، ووجد نفسه أمام تحدّيات
تكشف قدرته على فهم الدّرس
واستثمار معارفه. وهكذا
شؤون الحياة كلّها. ومرحلة
الشّباب أمام جملة عظيمة من
التّحديات، تحفز فيه القدرات
الفكريّة والنّفسيّة والجسديّة
للشاب، حتى يتجاوزها ويصل إلى
طموحاته. وبئس
الشّاب الذي يخور أمام
التّحدّيات، ويؤثر القليل الذي
يناله من غير جدٍّ وجهدٍ
ومخاطرةٍ. وهذا المعنى هو الذي
عبّر عنه الشّاعر فقال: شبابٌ
قنّعٌ لا خير فيهم
وأحبِبْ بالشّباب
الطّامحينا الشّاب
الطّموح واثقٌ من نفسه، مستعدّ
لاقتحام كل عقبة، يحبّ أن يغيّر
المألوف، ويبتدع الجديد.
فالواقع الذي يُحيط به قد صنعَه
الجيل السّابق، بعقليّة ذلك
الجيل، وبإمكانات ذلك الجيل...
وهو قادر على أن يصنعَ الواقعَ
الذي يُناسبه. وهذا
الأمر يُشكّل أحياناً علاقة
توتّر بينه وبين الجيل السابق،
جيل الكهول والشّيوخ. الشّباب
يحبّون الانطلاق بخفّة ورشاقة,
بعيداً عن قيود الماضي
ومواضعاته، ليبنوا المستقبل
الذي يُحبّون... وجيل الكهول
والشّيوخ يُريد أن ينصح جيل
الشّباب ليستفيد من تجارب من
سَبَقَه. في
الأخلاق مثلاً، يتمسّك الكبار
بِقيَمٍ نشؤوا عليها، ويُريدون
أن يُنشّئوا عليها أبناءهم.
والأبناء يُريدون أن يعيشوا وفق
قيم جديدة عصريّة! وفي
السّياسة، ينظر الكبار إلى
الأحداث من منظار الموازنات
والمواضعات التي خبروها من خلال
التّجارب والتّحليلات
الطّويلة، بينما يرى الأبناء أن
العالم متجدّد، وأنّ أصول
السّياسة تتبدّل بين جيل وآخر. وإذا
لم يكن من العقل والصّواب أن
يفرض الشّيوخ قِيَمَهم
وطرائقَهم على الأجيال
الناّشئة، فليس من العقل
والصّواب كذلك أن يغترّ الشّباب
بما عندهم من علم، ويُعرضوا عن
تجارب الآباء وخبراتهم. ويكفي
أن يتذكر الشّباب أنّ ذخيرة
البشريّة من المعارف حصيلة
تراكميّة نامية لا تتوقّف. وكما
أن أهل كل علم وفن يأخذون ما
أنجزه أسلافهم، ثمّ يزيدون عليه
ويُعدّلون... فكذلك في تجارب
الحياة المختلفة. على
أن لميدان القيَم والأخلاق
خصوصيّة. فإذا كانت معظم
المفردات في العلوم الماديّة
ممّا يمكن التحقق من صحّته في
المختبر ونحوه، وتظهر نتائجه
بشكل سريع عادةً، وتكون إذاً
مما يتّفق عليه النّاس غالباً،
فإنّ القيم والأخلاق جزء من
ثقافة كل أمّة، تُبنى على
عقيدتها وتراثها، وتراعي
خصوصيّتها، وتختزنه ذاكرة
أجيالها... وليس ما يَصلح منها
لأمّة، يَصلح بالضّرورة لأمّة
أخرى، إلا إذا تخلّت هذه الأمّة
عن أصولها. وعودة
إلى علاقة الأجيال: هل
الصّيغة الصّحيحة لهذه العلاقة
هي التوتّر والصّراع؟ أم
التّعاون والتّكامل؟ إن
سوء التّواصل أحياناً بين أبناء
الجيلين المتعاقبين يدعو إلى
تصرّفاتٍ نَزِقة، يصرّ الشاب
فيها على أن يمضي ويجرّب بنفسه،
مستهيناً بتوجيهات الآباء...
ويقول الآباء: فليذهب هؤلاء
الأبناء الطائشون، وليجرّبوا...
حتى يقتنعوا في النّهاية أن
آراءنا هي الصّائبة، وأنّ
آراءهم فجّة فطيرة!. ويكتشف
الفريقان بعد حين أنّهما خاسران.
فريق الشباب أضاع سنواتٍ زاهيةً
من عمره في
عبث وغرور، وصحا بعد أن فاتَه ما
لا يمكن استدراكه: فاتَه بعض
عمره! وفريق الآباء أضاع
أبناءه، ثم لم يجدْهم، أو
وجدَهم بعد أن أصابهم الحطام. ونحن
إذ نتحدّث عن الشّباب، لا
نتحدّث عن أطفال غير مسؤولين،
بل عن رجال المستقبل الذين
يسألهم ربّ العالمين عن شَبابهم
فيما أبلَوه، وعن عمرهم فيما
أفنَوه... ويسألهم أهلوهم عن
الأمانة التي وضعوها بين أيديهم:
هل رعَوْها حقَّ رعايتها؟
وتسألهم أمّتهم عن الأمل الذي
عَقَدَته عليهم ليكونوا بُناة
نهضتها. فهل
يَقبل شبابنا تحدّيات الحياة؟
وهل يكونون على مستوى
المسؤوليّة؟ وهل يُحافظون على
صِلتهم بربّهم سبحانه، وعلى
دينهم وخُلقهم، ويستفيدون من
تجارب من سبقوهم؟ وهل يحرصون
على مستقبلهم، ويرسمون لأنفسهم
وأمّتهم آفاق مستقبل زاهر،
تتخلّص فيه من الظّلم والكفر
والفسوق والعصيان، وتنعم فيه
بالعدل والرّفاه وحكم القرآن؟! ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |