ربما لا زال الوقت غير متأخر جداً من أجل بشار الأسد!!

يوسف ضياء جومارت

مدير تحرير جريدة يني شفق

أول يوم وطأت فيه قدماي أرض سوريا كان عام 1981 .. تلك الأيام كان البلدان (تركيا وسوريا) أكثرا تشابها من يومنا هذا .. فبينما كان انقلاب 12 أيلول طازجا هنا كانت أجواء الانقلاب الأبدي تلقي بظلالها هناك .. وبينما كانت تعج شوارعنا في كل 50 خطوة جندي وشرطي وعنصر مخابرات , كنت هناك تجدهم كل عشرة خطوات .!

كنت في العشرين من العمر , وكنت أحاول الحديث مع السوريين بلغتي العربية المكسرة , لكن لا أحد منهم يجرؤ على الحديث معي .. في مسجد خالد بن الوليد في حمص وجدت رجلين شيخين كبيرين يجلسان بجوار المنبر اقتربت منهما مبادرا بالسلام .. لكن لما شعرا بنيتي بالحديث إليهما نهضا من مكانهما وجلسا في زاوية أخرى من المسجد بعيدة .! كل شيء كان خطرا .. المخابرات والخوف في كل مكان ..!

مررنا من حماة .. كل شيء يوحي بالتوتر , وكأن صنبور الرعب نسي مفتوحا .. شرارة بسيطة كانت تكفي لإشعال المدينة برمتها .. إلى هذا الدرجة من التوتر .!

بعد عام من مرورنا من هناك .. والد بشار الأسد أمطر المدينة بوابل من القنابل .

قبل عشرة أعوام صادفت في البايزيد تاجرين حلبيين .. كانا قريبين إلى القلب مثل بقالنا وبائع التحفيات في حارتنا .. قالا بأن سوريا تحسنت عن ذي قبل .. أردت الاسترسال في الحديث معهما لكن أحدهما رفع سبابته إلى فيه مشيرا إلى أن " للجدران آذان " .. وكأن رعب المخابرات لحق بهما إلى استانبول .!

لدى زيارتي الأخرى قبل خمس أو ست سنوات كنت سعيدا لأن سوريا قد تغيرت .. كانت البسمة تعلو وجوه الناس .. فقد تنفس البلد بعد بشار الأسد .. كان قائدا صادق النية .. هكذا كان أو هكذا كنا نريد له أن يكون ..!

كان الرجل يريد عمل أشياء جيدة لكن لم يكن لديه القوة الكافية .!

كان لا يريد التفريط بخيوط الدولة التي استلمها من أبيه .! كل شيء كان على حافة الهاوية .! وكل شيء سيتحسن بهدوء .!

عام 2008 عندما ذهبت مع خمسة من مدراء تحرير من تركيا ولما زرنا قصر بشار الأسد كنت أنا من سأل السؤال " عديم الطعم " .

رأيت أن الأسد كان يتحدث بحذر وحساسية عن سوريا العميقة (الجناح العسكري في الحكم ) .. لم يحدث التحسن البطيء , بل بقيت الأمور على ما كانت عليه في أيامها الأولى .

رغم ذلك فإن أول من تكلم عن الثورة في تونس كان بشار الأسد .. بل خاطب القادة العرب بضرورة الإسراع بالتغيير .!

كانت فرصة جيدة بالنسبة للأسد .. وربما كما يقول أصدقاؤنا السوريين لو تحول بشار الأسد إلى الديمقراطية ودخل الانتخابات فسوف يفوز بالحكم .

لم يحدث ذلك ..

مرت الأيام وتتالت الأعوام ..

وإذ بأخيه ماهر يطلق النيران على المشاة في الطريق في درعا .!

وإذ بإرهابيي النظام الذي هتفوا " بالروح بالدم نفديك يا بشار " يريقون دماء المطالبين " بالحرية " .!

الآن هل لا زال الأسد بنفس المكانة ؟ هل لو دخل الانتخابات سيفوز ؟

وهل بعد إراقة الدماء يمكن للأمور أن ترجع إلى ما كانت عليه من قبل ؟

وعندما نقول من قبل لا نقصد زمنا بعيدا .. قبل عام مثلا .!

ربما لا زال الوقت غير متأخر جدا .!

ربما يوقف بشار طغيان ماهر وشدته السادية تجنبا لعواقبها الوخيمة التي تغلق خط الرجعة . ( لاحظوا لا زلنا نقول ماهر , ونحاول أن لا نقول الأسد ) .

ربما يقوم بشار ببعض الأشياء مستفيدا من مكانة تركيا في قلوب الشعب السوري .!

ليس على طراز " إطلاق سراح بعض المساجين " أو " نحن على كل الأحوال نقوم بالتغيير " مما يعني عدم فعل أي شيء .!

وليس أبدا القول بأن الذين يقومون بالمظاهرات مندسون .

لأن صفة المندسين هذه الأيام تليق أكثر بمن يريق الدماء .

الخطوات الحقيقية هي الخطوات الشجاعة التي تليق بالقائد .

فليتحقق التغيير في سوريا قبل أن يكلف الشعب السوري آلاما أكبر , ولكي لا يتعكر صفو أجواء الصداقة بين تركيا وسوريا .!

ربما لا زال الوقت غير متأخر جدا من أجل سوريا .!

ربما لا زال الوقت غير متأخر جدا من أجل بشار الأسد .!!

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ