ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المستبدون
يشوهون صور شعوبهم !! علي
صدر الدين البيانوني الغارديان
في
حديثه مع (الوول ستريت جورنال )
أكد الرئيس بشار الأسد أن مهمته
الأساسية هي فتح عقول أبناء
الشعب السوري المغلقة، وأن هذه
العقول هي العقبة التي تعيق
مشروعه للإصلاح، وأن الأمر
يحتاج إلى جيل قادم لكي تكون
سورية قابلة للإصلاح. لم تكن
هذه هي المرة الوحيدة التي يلجأ
فيها مستبد إلى الحديث عن شعبه
بطريقة سلبية. ولم يكن بشار
الأسد هو المستبد الوحيد الذي
يفعل ذلك. فمنذ عقود استمر
المستبدون ومنهم حافظ أسد وولده
بشار من بعده على تقديم أنفسهم
على أنهم ( قامعو الأصولية )
والإرهاب في المنطقة، وفي سورية
بشكل خاص، وعلى التأكيد أن
الشعب السوري غير مؤهل
للديمقراطية، وأن البديل
الديمقراطي للنظام هو مجموعة من
الأصوليين البدائيين المعادين
للتطور العصري، وللحوار
الحضاري، وللشرعية الدولية،
والعلاقات الإنسانية والسياسية
والاقتصادية.. ومن
خلال تكريس صورة البديل المرعب
المهدد لكل ما استقرت عليه
الأوضاع في المنطقة ظل
المستبدون ومنهم حافظ الأسد ومن
بعده الرئيس الذي ورث (جمهورية )
بحضور لافت لكل من شيراك بوصف
فرنسة الدولة المنتدبة من قبل
على سورية، ومن مادلين أولبرايت
كذلك بوصف الولايات المتحدة
القوة الأعظم. لقد كانت مباركة
عملية التوريث على المستويين
الدولي والإقليمي واضحة جدا
لأبناء الشعب السوري الذين
اضطروا إلى السكوت عن العمل
بشعور شديد من الإحباط؛ هل حقا
أن الشعب السوري غدا عاجزا عن
تقديم شخص بديل؟ واستتبعت هذه
المباركة بالطبع تأييدا دوليا
وإقليميا، مع آمال في غير محلها
فيمن وصف بالرئيس العصري والشاب!! وصانعوا
القرار الدولي يصدقون
الدكتاتور لأنهم يريدون تصديقه.
ربما لديهم أسباب تاريخية أو
ثقافية ليفعلوا ذلك. لم يحاول
أحد لا من رجال السياسة ولا من
رجال الثقافة أن يتعامل مع
دعاوى المستبدين بالمنهج
الديكارتي. هناك تجربة كانت في
سورية وفي مصر وفي العراق قبل
الأنظمة الفردية ( الثورية ).
كانت هناك تجارب ديمقراطية، وإن
تكن غير كاملة. وكانت هناك شراكة
وطنية. لم تكن الصورة مرعبة.
وكانت الأوضاع العامة، في مجمل
أقطار المنطقة، أفضل بكثير مما
هي عليه في عهد هؤلاء المستبدين.
وكان المزاج العام للشعوب أكثر
وسطية واعتدالا. في
سورية مثلا كان هناك برلمان
يعبر عن الحالة الوطنية. كان
الطيف الوطني بكل ألوانه
مشاركا، ولم يكن القبول بقواعد
العمل الديمقراطي موضع جدل.
كانت تلتقي في البرلمان الأحزاب
العلمانية والإسلامية
واليسارية أيضا. وكان كل فريق
يقبل بحظه الديمقراطي ويمارس
العمل حسب قواعده. دائما كان
الإخوان المسلمون جزءاً من
المعادلة الوطنية. وكانوا
يكسبون جولة ويخسرون أخرى
ودائما يسلمون بقواعد اللعبة.
لم تكن تحتاج سورية أبدا إلى
القانون 49/ 1980 الذي يحكم على
أبناء جماعة الإخوان المسلمين
بالإعدام بسبب معتقداتهم
وافكارهم. وكما
لا يدرس صاحب القرار الدولي
التاريخ القريب للتجارب
الوطنية القطرية، ولا طريقة
تصرف الأحزاب والقوى والجماعات
فيها، ؛ فإنه أيضا يرفض الإصغاء
إلى أحاديث الشعوب المتهمة على
ألسنة مستبديها. لقد
حدث في سورية سنة 1980 نتيجة
سياسات القهر والكبت وإغلاق كل
قنوات التعبير عن الرأي، تفجرات
عنيفة فردية. ومثل هذه الأحداث
تجري في كل المجتمعات. وكان يمكن
تلافيها ومعالجتها بأبسط كثيرا
مما عالج به البريطانيون تحركات
الجيش الجمهوري الإيرلندي وفي
زمن أقصر. لقد حول الدكتاتور تلك
الأحداث إلى محنة اجتماعية
قاسية وزج بالمجتمع السوري أجمع
في حرب قاسية. لسنا في وارد
الدفاع عن تلك الأعمال، ولا
تحليل أسبابها. ولكن سنتوقف فقط
عند نتائجها والموقف منها. فمع
ما يقارب خمس مائة ضحية سقطت على
أيدي المتمردين كان هناك خمسون
ألف إنسان من أبناء المجتمع
السوري مع أمثالهم من المشردين،
لا يزال هناك حتى اللحظة سبعة
عشر ألف مفقود، اعتقلوا من قبل
أجهزة النظام، ويرفض النظام
الكشف عن مصيرهم مع مرور ثلاثين
عاما على اعتقالهم.
وصاحب كل ذلك موجة من القمع
العام أخرجت الشعب السوري من
السياق السياسي والمجتمعي
العام. وطالت كل الناشطين، وبنى
المجتمع المدني. ويومها اتهم
الدكتاتور المعارضين على
المستويين الوطني والعربي أنهم
عملاء( كامب ديفيد ) إشارة
إلى اتفاقية (كامب ديفيد) التي
وقعها السادات في ذلك الوقت.
وقيل عنهم على المستوى الدولي
إنهم متطرفون مهددون للأمن
والاستقرار في المنطقة. لقد نعم
الدكتاتور حافظ الأسد بما يكفي
من الدعم والغطاء الدوليين
ليقمع كل فئات المجتمع السوري،
ويصادر تطلعاته. هل لأحد أن يفكر
في ثمرات سياسات القمع والكبت
والتمييز والاستئثار بالثروة
والفرصة الوطنيتين. لم يرث
بشار الأسد عن والده فقط الدولة
السورية ( الأرض والشعب والنظام
) وإنما ورث أيضا السياسات، وورث
وكرس كل ملفات القسوة والآلام.
حاول الضحايا أن يخففوا عنه.
قالوا له أنت لم تكن مسئولا
عندما وقعت كل تلك المآسي
المطلوب منك فقط أن تفك القبضة
عن أعناق الضحايا. ولكنه لم
يفعل، بل ربما في وضع المواطن
كان أشد قسوة.. مع
الأحكام القاسية التي صدرت بحق
المدونة ( طل الملوحي ) التي
حوكمت أمام محكمة عرفية واتهمت (بالتجسس
) وهي في سن الثامنة عشرة ومع
الحراك الذي يتنقل بين أرجاء
العالم العربي ؛ فإن الشعب
السوري قرر أن يتحرك. وحين
ينطلق الشعب السوري في دورة
جديدة للدفاع عن حقوقه تحت
المظلة الوطنية متبنيا الوسائل
السلمية والدعوة إلى الحرية فإن
المنتظر ألا تظل كلمة الدكتاتور
هي المسموعة، وألا تطلق يده في
سفك الدماء كما أطلقت يد أبيه من
قبل. نتحدث عن أكثر من خمس مائة
شهيد بعد الشهر الأول للحراك
الوطني. الرقم موثق بالأسماء
حتى ساعة كتابة هذا المقال.
الشعب السوري ما يزال في مرحلة
إحماء. يبدو أن تجربة النظام في
تدمر وحماة وحلب مع عشرات
الآلاف من الضحايا، ما تزال
تمثل أسلوبا ناجحا في وعي رجال
النظام. ليس
للعالم أن يصدق الدكتاتور.
هاهنا شعب حضاري حر أصيل أبسط ما
قدمه للحضارة الإنسانية ابجدية
الحرف التي نظم بها الشعراء بكل
اللغات قصائد الحب والسلام.
المطلوب رسالة دولية صارمة تؤكد
أن ما حصل في عصر الحرب الباردة
سنة 1980 لا يمكن أن يتكرر في عام
2011 في عصر الفضائيات، ووسائل
التواصل الحر باختلاف قنواته. ----------------- نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |