الركض
على الكورنيش في بيروت من توضوح
الرؤية
هادي
عمرو
بيروت – بصفتي
محللا لسياسة الشرق الأوسط له
ارتباطات عائلية بلبنان، أقوم
أحياناً كثيرة بزيارة بيروت.
تدحرجت ذات صباح من سريري
وحاولت ممارسة رياضة الركض على
الطريق المحاذي للبحر والمشهور
في أوساط الطبقة الوسطى في
بيروت باسم الكورنيش، في عطلة
نهاية الأسبوع الماضي. ولكنني
فوجئت أن الأرضية الأسمنتية
البسيطة والحاجز الحديدي
المطلّ على مياه البحر الأبيض
المتوسط المتلألئة تجري
إزالتهما لاستبدالهما ببلاط
جميل فاخر وحاجز ألمنيوم برّاق.
لم تثر احتمالات الأشغال العامة
في غير محلها هذه غضبي فحسب
وإنما منعتني من ممارسة رياضتي.
إلا أنها رغم ذلك جعلتني أفكّر.
التجديد الحضري
الشامل شيء جيد بالطبع. ولكن
لبنان دولة تعاني من أعلى نسبة
مطلقة للدين لكل مواطن مقابل
الدخل المحلي الإجمالي. في حرب
السنة الماضية في لبنان
وإسرائيل قصف حزب الله والجيش
الإسرائيلي بعضهما لدرجة أن ثلث
الشعب اللبناني أصبح لاجئاً في
وطنه. أحيلت مناطق واسعة في جنوب
لبنان إلى دمار وغبار. إسأل نفسك:
إذا كنت تدير لبنان فهل تنفق
أموال الشعب لتجديد واجهة بحرية
ذات وضع ممتاز في منطقة لم تتأثر
تقريباً بالحرب بينما دمرت
الحرب ثلث الدولة؟
يجب أن تكون للدولة
اللبنانية أولويات مختلفة، مثل
مساعدة ضحايا الحرب من المدنيين
أو توحيد الناخبين. تجديد
الكورنيش، رغم محدودية كلفته
المالية، تجديد واضح للعيان
وغير ضروري إلى درجة واسعة. أضف
إلى ذلك احتجاجات صاخبة من
المناطق الشيعية الفقيرة التي
تحصل على أكثر من نصيبها من قطع
الكهرباء. إنها إشارة واضحة على
أنه يتوجب على التحالف اللبناني
القائم، المعارض لحزب الله، أن
يفعل المزيد من أجل إعادة تأهيل
الجنوب اللبناني الذي ضرب بشدة (إضافة
إلى المناطق الأخرى الأقل حظاً
في الدولة).
تصور الاحتجاج
الشعبي العارم الذي سيجتاح
الولايات المتحدة لو قام جورج
بوش، بإجراء مشاريع تنموية
بارزة للعيان في مناطق تساند
الجمهوريين بشدة لم يُصبها
إعصار كاترينا. هكذا يبدو الوضع
للطائفة الشيعية الكبيرة في
لبنان، وهي المصدر الرئيس
المساند لحزب الله.
قد تكون هذه سياسة
قصيرة النظر، ولكن ماذا يهمنا
ذلك كأميركيين؟
لأنه خلال العقدين
الماضيين، فعلت الدول التي
تداعت وتمزقت، فعلت ذلك بألم
ووسط فوضى عارمة. انقسمت
يوغوسلافيا إلى نصف دزينة من
الدويلات، لم انقسمت البوسنة
بعد ذلك إلى وحدتين إضافيتين،
إحداهما صربية يونانية
أرثوذكسية والثانية مختلطة
كرواتية كاثوليكية وبوسنية
مسلمة. انقسمت كذلك بلاد الصرب
والجبل الأسود، وقد ينفصل إقليم
كوسوفو قريباً. غزة والضفة
الغربية تحكمهما اليوم حكومتان
منفصلتان، حماس في غزة وحركة
فتح التابعة للرئيس الراحل ياسر
عرفات في الضفة الغربية. ويتحدث
المحللون اليوم عن تقسيم العراق
إلى مناطق سنية عربية وشيعية
عربية وكردية.
هل يتجه لبنان في
الاتجاه نفسه؟ هل نحن على وشك
رؤية ظهور لبنانين واحد في
الشمال وآخر في الجنوب؟ واحد
يحكمه حزب الله في الجنوب بينما
يدير السنة والطوائف المسيحية
المختلفة الجزء الثاني؟
هذا السيناريو بعيد
الاحتمال إلى حد كبير لأنه لا
حزب الله ولا الحكومة اللبنانية
يريدان ذلك. ولكن مع اقتراب
الانتخابات اللبنانية هذا
الخريف نواجه احتمالاً كبيراً
بألا يتفق قطبا البرلمان على
رئيس جديد. وإذا حدث ذلك فسيكون
للبنان حكومتان عاملتان
وبرلمانان ورئيسان يدعي كل
منهما الشرعية.
أين يترك ذلك لبنان
وأمريكا وبقية المجتمع الدولي؟
لقد علمت الحرب الأهلية
اللبنانية التي استمرت عقداً
ونصف العقد من الزمان، علمت
اللبنانيين أن العنف لا يحل
المشاكل.
علينا أن نتخذ
الخطوات للحفاظ على خطوط التحام
لبنان متماسكة. ما يحتاجه لبنان
هو أن يملك كل طرف القوة ليتوقف
عن الاعتماد على أنصاره
الدوليين لتشجيع مصالحة. بدلاً
من ذلك يتوجب على المجتمع
الدولي أن يشجع الأطراف
والفصائل المختلفة داخل لبنان
على العمل معاً لضمان ألا تؤدي
نتيجة الانتخابات الرئاسية
المقبلة إلى لبنان منقسم.
ما تحتاجه المنطقة
هو مزيد من الشركاء المستعدين
للجلوس حول الطاولة لحل المشاكل.
ما يحتاجه العالم
هو حكومة لبنانية تبني مستقبلاً
إيجابياً لجميع مواطنيها،
ودعماً من المجتمع الدولي
للبنان حيث الإنفاق الحكومي
والأنظمة الانتخابية والدستور
لا ترتكز على الخلافات الدينية
وإنما على الإنسانية المشتركة
لكل اللبنانيين. لماذا ننتظر
لبنان حتى يتداعى منقسماً؟ أليس
من الأفضل أن نتحدث الآن ونبني
مستقبلاً مشتركاً قبل أن ينتهي
مثل البوسنة أو مثل العراق كما
هو الحال قريباً؟
ــــــــــــــــــــــــ
*هادي
عمرو زميل في السياسة الخارجية
في مركز صبان لسياسة الشرق
الأوسط في معهد بروكنغز ومدير
مركز الدوحة بروكنغز في قطر.
مصدر
المقال: خدمة Common
Ground
الإخبارية، 28 آب/أغسطس2007
www.commongroundnews.org
تم
الحصول على حقوق نشر هذا المقال.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|