لا
مجال لوجود أمن عالمي في غياب
"الجواريّة"
غسان
ميشيل ربيز
نيويورك – هناك 1،3
مليار من البشر من أتباع النبي
محمد (ص). يواجه كل خامس إنسان في
العالم مكة المكرمة عندما يصلي،
وتحتفل كل خامس دولة في العالم
بشهر رمضان الكريم. في المستقبل
القريب سوف يستمر سكان العالم
من المسلمين في التزايد، كما
ستزداد أهمية العلاقات بين
المسلمين والغرب والتبادلات
الاقتصادية بينهم.
النمو السكاني
السريع بين الطبقات الأكثر
فقراً في بعض الدول ذات
الغالبية المسلمة، وبين
المهاجرين من العمال إلى العالم
الغربي تجعل من الصعوبة بمكان
لهؤلاء المسلمين أن يزدهروا
اقتصادياً. في الماضي، كان من
الممكن للأغنياء أن يتجاهلوا
الفقر. لم يعد ذلك ممكناً، فقد
حولت شبكة الإنترنت ووسائل
الإعلام وأساليب المواصلات
الجديدة العالم إلى "قرية".
لذا، لم يعد هناك مكان للأمن
العالمي في غياب "الجوارية".
أصبح الفقر أكثر
صعوبة مما كان عليه في الماضي.
وهو لا يعني فقط انعدام
الموارد، وإنما هو كذلك تجربة
من الندرة النسبية. يعيش الكثير
من المسلمين في مجتمعات محلية
من المصاعب الاقتصادية
والسياسية من أجل البقاء،
أحياناً في ظلال النخب التي
تبذر الثروات. وحسب آخر تقرير من
مؤسسة التنمية البشرية، تقع
غالبية العالم الإسلامي في
المنزلة المتوسطة أو المنخفضة
على سلم التنمية البشرية؛ لم
تُحرز سوى خمس دول إسلامية
نقاطاً جيدة في مؤشر مشترك
لقياس توقعات الحياة ومعرفة
القراءة والكتابة والتعليم
والدخل، وحصلت 27 دولة إسلامية
على نقاط متوسطة و25 دولة أخرى
على نقاط سيئة.
عندما يتم الشعور
بالحرمان على شكل جوع ومرض
ومأوى بائس فهذا أحد أنواع
التجارب، إنها تجربة فعلية.
ولكن عندما يتم الشعور بالحاجة
على شكل تناقض حاد مع الجار، في
بلد الإنسان أو عبر الحدود، فإن
ذلك يتحول إلى حالة سياسية
حقودة وخبيثة.
إذا قام الفقراء
بتنظيم أنفسهم بشكل مفتوح ظاهر
فقد يؤدي ذلك إلى تحسين حالتهم.
ولكن أحياناً لا يستطيع
المعدمون أن ينتظموا سياسياً في
مجتمع مفتوح في دول يُعاقَب
فيها التنظيم السياسي بشدة
أحياناً. يعيش المسلمون أحياناً
في دول ذات طابع استبدادي ظالم.
على سبيل المثال وكما ورد في
تقرير الحرية في العالم 2007، جرى
تصنيف 11 دولة شرق أوسطية على
أنها "غير حرة" وست دول
أخرى على أنها "حرة جزئياً".
في هذه الدول بالذات تظهر
النشاطات السياسية تحت الأرض
وتترعرع.
وتعمل السياسة
الدينية السرية تحت الأنظمة
الاستبدادية بمناعة، فالحاكم
لا يشعر بأمن كافٍ لمعاقبة
الأتقياء، وبالتالي يعتنق
أفراد هذه الجماعات الأقل حظاً
الإسلام كغطاء لشكاوى وتظلمات
أخرى. ورغم أن هذه التظلمات
الأخرى شرعية في بعض الأحيان
إلا أن الأصولية المتطرفة
تترعرع في الخفاء. ويتولد
تمويلها ومواردها البشرية في
الأوساط غير الرسمية، دون أي
حكومة أو قيود اجتماعية، ويعيش
أعضاء هذه الجماعات أحياناً
بعزلة أو احتجاز، بينما يعيش
بقية أفراد المجتمع حياتهم
اليومية العادية غير قادرين أو
مستعدين لمواجهة هذه المجموعات
السرية التي تميل نحو التطرف
والعنف بينما تصارع مع اهتمامها
ومصادر قلقها الحقيقية الخاصة
بها.
ولا يستطيع الجمهور
العام ممارسة الضغط الاجتماعي
للحد من وجود هذه المجموعات
وتأثيرها. لذا فإن أفضل سبيل
للحد من الإسلام المتطرف السرّي
هو العمل مع الدول الإسلامية
لإيجاد الحرية والمساحة
الضرورية لتطور نظام سياسي
تقليدي، أجبر انعدامه النشطاء
في الخفاء على التطور والتوسع.
ليست هناك ضرورة
لتعليم المسلمين الديمقراطية،
فلديهم القيم السياسية
الضرورية لبناء ديمقراطية
تناسب مضامينهم الاجتماعية
النسبية. إلا أن المجتمعات
المسلمة سوف تستفيد من التمكين
الصناعي والتعاون الثقافي وجو
من التنسيق الإقليمي. مثلاً،
تبيع بعض الدول في الشرق الأوسط
النفط وتشتري المنتجات
الاستهلاكية وكمية لا نهاية لها
من الأسلحة والمعدات الحربية
للدفاع عن أنظمة مُتزعزعة الأمن
إلى درجة بعيدة. في تلك الدول،
يشكل ذلك الاقتصاد حالياً
الخلفية للعنف. ولكن مع بعض
التعديل والتأقلم في
الاستثمارات الدولية، يمكنه أن
يفتح الباب لبعض التحسينات
السياسية.
تفتقر هذه المنطقة
بالذات إلى البنية الأساسية
الصناعية لإنتاج سلعها
الأساسية. لماذا لا ينظم الشرق
الأوسط نفسه في سوق مشتركة على
الطريقة الأوروبية أو يقوي
الكتل التجارية الإقليمية
القائمة مثل جمعية تجارة الحبوب
والأعلاف ومجلس التعاون
الخليجي؟ بالطبع، يُعتبر
التعليم المناسب والتدريب
متطلبين مسبقين لتخطيط إقليمي
متقدم كهذا. فالتعليم والتدريب
في المنطقة ليسا مؤهلين نحو
الوظائف المطلوبة لإجراء هذا
التخطيط وإنتاج بنية أساسية
مناسبة. هنا يستطيع الغرب
مساعدة الشرق الأوسط على إعادة
هيكلة استثمار بشري هائل. لا
يستطيع سوى اقتصاد يوازن
الاستثمار في الزراعة وغيرها من
السلع الأساسية مع الاستثمار في
الصناعة والخدمات أن يولد فرص
عمل جيدة، وضمانا اجتماعيا
واستقرارا سياسيا.
خذ بالاعتبار مثلاً
ما فعلته الجامعة الأميركية في
بيروت لإيجاد ثروة من العلاقات
الحسنة بين العرب والغرب. أنا
أحد خريجي مؤسسة التبادل
الثقافي هذه. في ذلك الحرم
الجامعي تعلمت كيف أقدّر
مسيحيتي وأحب الإسلام وأدافع عن
أميركا. لقد قامت الجامعة
الأميركية في بيروت بتدريب مئات
الآلاف من القادة في العالمين
العربي والإسلامي منذ إنشائها
عام 1866. كلفة دعم الجامعة
الأميركية في بيروت خلال
السنوات المائة والأربعين
الماضية توازي ما تدفعهُ
الولايات المتحدة في العراق في
شهرين أو ثلاثة.
المسلمون في الشتات
هم عملاء للتغير عبر الثقافات
مع الغرب. من الأرجح أن تعطي
البيئة السياسية المفتوحة
فرصاً للجالية الإسلامية في
الخارج للمساهمة في ابتكارات
سياسية في بلدانهم الأصلية.
وبما أن الدول الصناعية سوف
تستمر في احتياج عمالة
المهاجرين ومواهبهم فإن
الجاليات الإسلامية في أوروبا
والولايات المتحدة سوف تكبر
وتزداد عدداً. يمكن للشتات أن
تسرّع الحوار مع المجتمعات
المضيفة، إذا تم التوجه نحوها
بصورة صحيحة. سوف يميل
المهاجرون إلى الاعتدال إذا
ووجهوا بسياسات عامة ودودة.
الإسلام في الغرب هو "تجربة"،
وبدعم من المجتمعات الإسلامية
في الخارج، نستطيع المساعدة على
نزع فتيل الطاقة السالبة
للإسلام المتطرف في الوطن وفي
الغرب.
ـــــــــــــــــــ
*غسان
ربيز محلل لبناني أميركي للشرق
الأوسط. وقد كان قبل ذلك
سكرتيراً لمجلس الكنائس
العالمي للشرق الأوسط ومركزه
جنيف.
مصدر
المقال: خدمة Common
Ground
الإخبارية، 4 أيلول/سبتمبر 2007
www.commongroundnews.org
تم
الحصول على حق نشر هذا المقال.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|