أقنعوا
الشعب
داني
روبنشتاين*
تل أبيب – يُزعم أن
الإعداد لمؤتمر سلام الشرق
الأوسط الإقليمي يجري على قدم
وساق، وأن رئيس الوزراء إيهود
أولمرت ورئيس السلطة
الفلسطينية محمود عباس (أبو
مازن) اقتربا من الاتفاق على
إعلان مشترك للمبادئ. إلا أن
الأمور على الأرض تبقى واهنة
كما كانت دائماً. ونظراً للواقع
القائم في الضفة الغربية وقطاع
غزة، فإن كل الحديث عن
الإعلانات والمؤتمرات لا يساوي
شيئاً. وحتى يتسنى فهم الفجوة
الهائلة بين القول والعمل، لا
يحتاج المرء سوى لإلقاء نظرة
على العناوين في الصحافة
العربية والفلسطينية، التي
تنقل تقارير يومية عن القتلى
والجرحى و"المجازر" و"الجرائم
بدم بارد". أضف إلى ذلك تقارير
من سيدات الرقابة على الحواجز
الإسرائيلية اللواتي ينقلن
أخباراً من أعمال إساءة وأذى
وإهانة.
الانشغال القائم
بقائمة المبادئ المفصلة –
الحدود المؤقتة، أحياء القدس،
المعبر إلى غزة، ما يسمى بالحوض
المقدس (بما فيها جبل الزيتون
وحي سلوان) والتجمعات
الاستيطانية وعودة اللاجئين –
يبدو بصورة متزايدة وكأنه تقليب
صفحات كتاب مهترئ بالٍ. في
السنوات التي مضت منذ معاهدات
أوسلو، أعاد ممثلو الأطراف
مراجعة هذه الأمور مرة بعد أخرى
إلى حد الملل. قبل سنوات سبع،
انفجرت أحداث انتفاضة الأقصى،
وانتقل عرفات إلى رحمته تعالى
نتيجة لمرضه أو أنه اغتيل، وجرى
إتمام العمل بجدران وسياجات
الفصل تقريباً، وظهر نظام حكم
حماس في غزة يرفض قبول حل وسط،
الأمر الذي شَطَر الوطن
الفلسطيني إلى نصفين. أمام هذه
الخلفية، تبدو وثائق كامب ديفيد
2000 ومعها اتفاق طابا وخطة
كلنتون مثل مخطوطات قديمة قد
تنفع المؤرخين ولكنها لا تعود
بأية فائدة على رجال السياسة
الذين يتعاملون مع الحاضر.
وقد تم التأكيد على
هذه الادعاءات الأسبوع الماضي
في استطلاع للرأي العام نشره
مركز القدس للإعلام
والاتصالات، الذي عمل رئيسه
غسان الخطيب وزيراً للتخطيط في
الحكومة الفلسطينية. ومنذ أن
أخطأت الاستطلاعات الفلسطينية
في تخمين نتائج الانتخابات
البرلمانية وفشلت في توقع فوز
حماس المثير، كانت هناك نزعة
للتساؤل حول مصداقية هذه
الاستطلاعات. إلا أنه في هذه
الحالة ليس هناك مجال للشك في
نتائج هذا الاستطلاع. أكثر
نتائج الاستطلاع إثارة للدهشة
هو أن حوالي 94 بالمئة من
الفلسطينيين يعارضون أي نوع من
السيطرة الإسرائيلية على ساحة
المسجد الأقصى، فوقها أو تحتها.
ومن النتائج المثيرة للاهتمام
كذلك أن 82 بالمئة من الذين جرى
استطلاعهم ليسوا على استعداد
للسماح للتجمعات الاستيطانية
بالبقاء تحت السيطرة
الإسرائيلية. والأهم من ذلك
كله، يدعم حوالي 70 بالمئة حق
عودة جميع اللاجئين إلى وطنهم (أي
داخل حدود دولة إسرائيل)، وهم
يرفضون مفهوم التعويض أو العودة
الجزئية للاجئين أو حق العودة
فقط إلى الدولة الفلسطينية.
عندما تقارن هذه
البيانات، ونتائج أخرى مع
استطلاعات أجريت في الماضي يصبح
من الواضح أن الرأي العام
الفلسطيني أصبح أكثر تطرفاً.
حقيقة أن العملية السلمية قد
فشلت وأننا ملطخون بالأزمات
وسفك الدم المتواصل، وأن مأزق
الفلسطينيين الآخذ في التزايد
لم يجعل الشعب الفلسطيني أكثر
اعتدالاً وإنما على العكس.
النتيجة هي أن
المشكلة تكمن ليس مع السياسيين
الفلسطينيين وإنما مع الجماهير.
بمعنى آخر تستطيع الضغط على أبو
مازن وشركائه وإقناعهم بإجراء
تنازلات وحلول وسط ولكن ذلك لن
يحقق شيئاً. ما يتوجب عليك عمله
هو إقناع عامة الشعب، وهذا لا
يمكن تحقيقه إلا من خلال
الاقتصاد.
قبل أسبوعين ذهبت
مع أصدقاء لزيارة رئيس بلدية
الخليل خالد العسيلي. تحدث عن
مشاكل توفير الكهرباء والماء،
وخاصة عن ازدياد نسبة البطالة.
طالما كانت الخليل مركزاً
لصناعة الأحذية لإسرائيل
والخارج، ولكن الأحذية الصينية
الرخيصة دمرت كل شيء. وكما قال
العسيلي، سوف تنتهي المؤسسة
العسكرية الإسرائيلية قريباً
من بناء الجدران ومرافق محطة
الشحن في التركمانية، وبعدها
سيدق ناقوس الموت وتسمع أصداءه
تلال الخليل، لأن عدد الشاحنات
التي ستمر عبر المحطة كل يوم سوف
ينخفض كثيراً.
يستجدي العسيلي،
عملياً، بأن يتم إصدار المزيد
من تصاريح العبور للعمال للعمل
في إسرائيل. ويقول إنه إذا لم
يتم ذلك فستصبح الخليل غزة أخرى.
بمعنى آخر طالما أن إسرائيل
مستمرة في رفع جدار الفصل،
وطالما ازداد الفلسطينيون
فقراً، فإن مجمل الجدل حول
مبادئ اتفاقية سلام يبقى عديم
القيمة.
ـــــــــــــــــــــــ
*داني
روبنشتاين هو محرر الشؤون
العربية في جريدة هاآرتس.
تقوم
خدمة Ground
Common
الإخبارية بتوزيع هذا المقال
مصدر
المقال: هاآرتس Haaretz،
31
آب/أغسطس 2007
www.haaretz.com
تم
الحصول على حقوق نشر هذا المقال.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|