رسالة
النبي (صلى الله عليه وسلم)
واضحة: تعايشوا
هشام
الزبير
واشنطن العاصمة –
بينما يراقب العالم الاندلاع
الرهيب للعنف بين السُنة
والشيعة في العراق، ويتعرض
لتصريحات وبيانات بين الفينة
والأخرى من قبل من نصّبوا
أنفسهم حماة ينادون بالعنف ضد
أعدائهم داخل المجتمع الإسلامي
وخارجه، قد يُسامَح العديدون
ممن هم ليسوا على حسن معرفة
بالإسلام والمسلمين لأنهم ظنوا
الأسوأ بالدين وبأتباعه. إلا أن
سابقة التعايش الديني في
الإسلام والتاريخ الإسلامي
أساسية وأصلية.
المنظور القرآني
لذلك النجّار من الناصرة واضح
جلي: المسيح عليه السلام يدعى
روح الله تعالى والمخلّص، ويوصف
موسى عليه السلام بأنه النبي
الذي تحدث إليه الله تعالى
مباشرة دون أي ساتر أو حاجب. وما
زال المسلمون يبجلون ويحترمون
هذين الرجلين، ويتمتع أتباعهما
بمراكز خاصة في كتاب الإسلام.
لقد أظهر لنا النبي
العربي محمد (صلى الله عليه وسلم)
، الذي أُرسل حسب التقليد
الإسلامي "رحمة لجميع
العالمين" كيف تمثلت هذه
الأمور النظرية التجريدية
فعلياً في أول لقاء أديان بين
المسلمين والمسيحيين الذي عقد
قبل حوالي أربعة عشر قرناً.
فقد قام وفد مكون من
ستين مسيحياً من جالية تقيم على
بعد حوالي 450 ميلاً إل الجنوب من
مدينة الرسول (صلى الله عليه
وسلم) ، المدينة المنورة،
بزيارة النبي (صلى الله عليه
وسلم) سنة 631. أثناء ذلك اللقاء
الذي استمر ثلاثة أيام بين
ممثلين عن دين ومجتمع مع مؤسس
دين آخر، تم توضيح نموذج
الأخلاقيات المسلمة حيال "الآخر"
الديني لجميع الأوقات والأزمان.
هناك دروس عديدة يمكن استنباطها
من هذه المواجهة، يبرز ثلاثة
منها:
الأول أنه لا
المسلمين ولا المسيحيين
تظاهروا بأنهم غير ما هم عليه
فعلاً. المسيحيون أصروا على
اتباعهم مبدأ الثلاثية
المقدسة، ورفضها الرسول (صلى
الله عليه وسلم) على أنها قضية
إيمان. كلا الطرفين آمنا أن
المسيح عليه السلام هو المخلص،
وأنه وُلد دون أب، وأنه تسلم
الرؤيا والوحي من الله تعالى. لم
يكن هناك ابتعاد عن الخلاف
وإنما أُعطيت الأهمية الأولية
للبحث عن أرضية مشتركة. تذكَّر
ثقافة تلك الحقبة: كانت للرسول (صلى
الله عليه وسلم) اليد العليا
كقائد لمجتمع يتمتع بالسلطة
والقوة. إلا أنه لم يسئ احترام
ضيوفه الذين كانوا فاقدي القوة
والسلطة السياسية..
الدرس الثاني هو أن
الخلاف لم يكن سبباً في نزاع
ديني. عندما اقترح المسيحيون
الخروج إلى الصحراء لإقامة قداس
ديني صلاتي، دعاهم الرسول (صلى
الله عليه وسلم) لإقامة صلاتهم
داخل مسجده. لم يشاركهم في
شعائرهم، ولكنه دعاهم إلى داخل
مكان العبادة الخاص به لإقامة
هذه الشعائر. لم يكن هذا مجرد
تسامح، بل كان احتراماً، وإن لم
يكن قبولاً. قابلهم بما اعتبره
حقائق مطلقة، ولكن ليس كمتعصب
أعمى.
أخذت الأجيال
التالية من المسلمين تصرفه هذا
بجدية كبيرة: عندما قال إن حقوق
غير المسلمين تحت حماية حكومة
الدولة مقدسة إلى أبعد الحدود،
وإنه سيكون شاهداً عليها يوم
القيامة، أصغى المسلمون له.
ويشهد الملايين من غير المسلمين
الذين ما زالوا جزءً أساسياً من
العالم الإسلامي على ذلك. لم يكن
الوضع كاملاً، ولكن المؤرخين من
غير المسلمين سجلوا أن هذا
النموذج هو الأفضل في زمانه.
الدرس الثالث هو أن
الفروقات لم تعنِ أن التعايش
على المستويين الاجتماعي
والسياسي كان مستحيلاٍ.
المسيحيون رغم ذلك قبلوا النبي (صلى
الله عليه وسلم) كضامن لهم في
المجال السياسي، وفي القرون
الأربعة عشر التي تلت قبلت
الجاليات المسيحية الأخرى
الحكام المسلمين كُضامنين لهم
يحمون حياتهم وممتلكاتهم
ودينهم لقاء ضريبة تماثل
الضريبة التي يدفعها المسلمون
للسلطة القائمة.
لم تكن المواجهة
المذكورة أعلاه مع مسيحيي نجران
أبداً حدثاً معزولاً في حياة
النبي (صلى الله عليه وسلم) ،
الأمر الذي يشير إلى علاقة
مستمرة عبر الديانات. تظهر
معاهدة سبقتها وما زالت وثائقها
موجودة مع مسيحيي سيناء، هذه
الممارسة:
هذا كتاب كتبه محمد
بن عبد الله ... لأهل مكّة
النصارى ولمن ينحل دين
النصرانية من مشارق الأرض
ومغاربها قريبها وبعيدها
فصيحها وأعجمها معروفها
ومجهولها.
فأنا أكون من
ورائهم أذب عنهم من غيره لهم،
بنفسي وأعواني وأهلي وملتي
وأتباعي، لأنهم رعيتي وأهل ذمتي
وأنا أعزل عنهم الأذاء في المؤن.
ليس عليهم جبر ولا
إكراه على شيء.
لا يغير أسقف من
أسقفيته ولا راهب من رهبانيه
ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم
وبيعهم ولا يدخل شيئاً من مال
كنائسهم في بناء مساجد المسلمين.
فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نكث
عهد الله ورسوله.
وهم في ذمتي
وميثاقي وأماني من كل مكروه.
من المؤكد أن ذلك لم
يكن نداءً من العصور الوسطى
للتوفيق بين المعتقدات
الدينية، كما يجب ألا يفهم بأنه
إنكار بأن الإسلام، ذلك الدين
الكوني، ناشد المسلمين أن
يشهدوا لدينهم. بل إن هذا الحدث
إنما يكرس في أخلاقيات السلام
الحاجة لاحترام تديّن الغير عن
طريق مشاركة الآخر.
عرف عن النبي (صلى
الله عليه وسلم) أنه قال إنه لم
يأتِ إلا ليجعل الأخلاق الحميدة
كاملة" وأثبت أنه نموذج
للاحترام والتعايش التي أصبحت
اليوم معدومة بشكل مؤلم في
أنحاء عدة من العالم. لقد نسي
بعض أتباعه ذلك بعد وفاته، ولكن
ممارساته وضعت بشكل واسع،
سابقات نحن في أمسّ الحاجة لها
اليوم، كما كان العرب في حاجة
لها في القرن السابع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*هشام
الزبير باحث في الفكر الإسلامي
الكلاسيكي، وهو يحمل شهادة
الدكتوراة في مجال تاريخ
المسلمين الأوروبيين ويكتب حول
العلاقة بين المسلمين والغرب.
هذا
المقال جزء من سلسة عن الردة
والهداية
مصدر
المقال: خدمة Common
Ground
الإخبارية، 25 أيلول/سبتمبر 2007
www.commongroundnews.org
تم
الحصول على تريح حقوق نشر هذا
المقال.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|