ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عملية
السلام عارية: تآكل
السلطة الفلسطينية ورد الفعل
الدولي للكاتب
ناثان بروان في هذه الدارسة
يرسم (ناثان براون) صورة قاتمة
جداً لمستقبل عملية السلام،
ليخلص إلى القول بأن إعادة
إحياء الحلّ القائم على إنشاء
دولتين هو الأمثل في ظلّ عدم
جدوى الحلول الأخرى وخطورتها،
ويدعو إلى التحرك من أجل إيجاد
شريك فلسطيني قوي، وإعادة بناء
المؤسسات الفلسطينية عبر سلسلة
خطوات ومعايير، ويرى أن بناء
السلطة ومؤسساتها لا يُمكن أن
يتمّ ما لم تكن "حماس"
شريكة في الحوار. قبل شهر واحد من
اندلاع الصراع الأكثر دموية بين
الفلسطينيين و(الإسرائيليين) في
غزّة، قدّم (الجنرال كيث دايتون)
شهادة أمام الكونجرس محاولاًَ
تبرير التدخّل الأمريكي في
الحدث الفلسطيني إلى جانب "فتح"،
مستخدماً عبارات صارت مألوفة في
الدبلوماسيّة (الإسرائيلية) ـ
الفلسطينيّة، حيث شُرح بأنّ
الولايات المتحدة سعت إلى دعم
قوّات الحرس الرئاسي الشرعية،
التي تعمل على الإيفاء
بالالتزامات الفلسطينية وسط
خطّة "خارطة الطريق" وضدّ
قوى الفوضى. قد يبدو هذا الكلام
مقنعاً وذا مغزى وفق المنطق
المتبنّى في واشنطن، ولكنّه غير
مرتبط بتاتاً بالحقائق على
الأرض، فـ "فتح" مسؤولة
تماماً كما "حماس"، إن لم
نقل أكثر، عن تعميق الفوضى في
المجتمع الفلسطيني، والسياسة
الأمريكية أسهمت في تعميق
الفوضى بشكل أساسي ومتعمّد.
ليـس هناك عمليـة سـلميـة
لتختلف عليها "فتح" و"حماس"؛
فخطـة "خارطـة الطريق"
كانت، منذ التوقيع عليها،
مفارقـة تاريخيـة خارج الزمان
والمكان، ولم يلتزم بها أحد من
الأطراف المتنازعـة بشـكل جدي
منذ البدايـة. ومن ناحية أخرى،
فإن وصف (الجنرال دايتون) للوضع
كان خاطئاًَ أيضاً، فالدستور
الفلسطيني عُدّل عام 2003 تحت
إصرار الإدارة الأمريكية، لجعل
الأمن الداخلي مسؤولية حكومية
وليس مسؤولية رئاسية. وفيما كان
المسـؤولون الأمريكيون يتحدثون
رسـمياً عن السـلام والنظام،
كانت السـياسـة الأمريكيـة في
الواقع تُسـهم في تفتيت المجتمع
الفلسـطيني، وجعله ينحدر نحو
الحرب الأهليـة. ويبدو أن (الجنرال
دايتون) ليس وحده الذي يدّعي أنه
يعيش في عالم تخطو فيه العملية
السلمية (الإسرائيلية) ـ
الفلسطينية باتجاه جعل الحلّ
القائم على إنشاء دولتين حقيقة
واقعة على الأرض. ففي جلسة
الاستماع نفسها، قدم (ديفيد ولش)،
مساعد وزيرة الخارجية
الأمريكية شهادة أخرى قال فيها
"بأن الناتج القومي في الضفـة
الغربيـة وقطاع غزة انخفض
بنسـبـة 40 % في السـنوات السـبع
الماضيـة، وأن 60% من العائلات
الفلسـطينيـة تعيـش تحت خطّ
الفقر، أي أنها تعيـش على أقل من
دولارين وأربعين سـنتاًَ
يومياً، وأن 50% من الفلسـطينيين
يعتمدون على المسـاعدات
الغذائيـة لإطعام عائلاتهم". ولكنه، وبعد
الاعتراف بهذه الوقائع
المريرة، أخذ يتحدث بتفاؤل عن
دبلوماسية دولية واعدة. وشرح
بأن الولايات المتحدة كانت تعمل
من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني
وليس الحكومة التي تُديرها "حماس"،
وهو ادعاء شديد الغرابة في وقت
أدّت فيه العقوبات الدولية على
حكومة "حماس" إلى نتائج
كارثية سياسياً واقتصادياً،
كان (ولش) نفسه قد شرحها في بداية
كلامه. ثم تحدث (ولش)، كما
دايتون، عن دعم جهود الرئيس
الفلسطيني محمود عباس "لاستعادة
القانون والنظام في الأراضي
الفلسطينية، ولبناء شراكة مع (إسرائيل)
في إطار السعي لتحقيق السلام".
وفي الوقت الذي كانت فيه
الأراضي الفلسطينية تغرق أكثر
فأكثر في العنف والفوضى والفقر
واليأس، شرح (ولش) قائلاً: "هدفنا
المساعدة لإيجاد ظروف مناسبة
لتحفيز عملية السلام (الإسرائيلية)
ـ الفلسطينية على أساس خطة "خارطة
الطريق"، مما يعني دعم الأمن
والاستقرار والازدهار في
الأراضي الفلسطينية، وتمكين
الفلسطينيين المعتدلين." من الصعب أن نرى كيف
يُمكن أن يتحقق كل ذلك في ظلّ
سيطرة "حماس" على قطاع غزة،
والانقسام السياسي بين الضفة
والقطاع، وفي ظلّ هذه الأزمة
السياسية الفلسطينية العصيّة
على الحلّ. في الواقع، إن الذين
يُروّجون لمثل هذه الأوهام لم
يعد بإمكانهم أن يخدعوا أحداًَ،
ولا حتى أنفسهم. فهم يتشبثون
بلغة المفاهيم التي عفى عليها
الزمن، ليس من باب اقتناعهم
بها، أو من باب استشرافهم لأمل
ضعيف بتحقيق نجاح ما، بل من باب
المخادعة والجمود والخوف من
البدائل؛ والنتيجـة، سـياسـة
أمريكيـة مبنيـة على مجموعـة من
المعايير المتبعـة من أجل
محاولـة تحقيق أهداف غير
واقعيـة على المدى البعيد. البدائل إن الحديث عن
العملية السلمية وبناء
المؤسسات، وخطة "خارطة
الطريق" في ظلّ التطورات
الدائرة على الساحة
الفلسطينية، وفي ظلّ انهيار
وتحلل مؤسسات السلطة
الفلسطينية التي تعد من إفرازات
"أوسلو"، وبعد تفاقم
الأزمة الإنسانية والسياسية
والاقتصادية الفلسطينية نتيجة
تخبط جميع الأطراف، ونتيجة
السياسات الخاطئة التي انتهجها
المجتمع الدولي، والتي أسهمت
بسبب غياب استراتيجية واضحة
لها، في التآكل البطيء للسلطة
الوطنية الفلسطينية. يبدو الحديث عن
العملية السلمية وبناء
المؤسسات وخطة "خارطة الطريق"
مفارقة خارجة عن إطار الزمان
والمكان؛ فإطلاق العملية
السلمية في التسعينيات كان
مبنياً على الافتراض بأن
القيادات الفلسطينية و(الإسرائيلية)
سوف تُفاوض على حلّ سيكون
مقبولاً لدى الطرفين. ومن
الواضح أن هذا الأمر أصبح
مستحيلاً في الوقت الحاضر.
وبالتالي فإن الاستمرار
بالعملية السلمية وفق قائمة
المفردات التي كانت سائدة في
التسعينيات، مضافاً إليها
معايير محاربة الإرهاب، لن يؤدي
بنا إلى أي مكان. والواقع أنه من
المرجح أن تؤدي السياسات
الحالية إلى المزيد من التدهور
بدل إحراز أي تقدم. وليـس من
الحكمـة أن نسـتمر بالادعاء بأن
المجتمع الدولي مسـتمر في دعم
بناء السـلطة الفلسـطينيـة وفي
رعايـة عمليـة دبلوماسـيـة
قابلـة للحياة. فحتى قبل أزمـة
غزة، كان يتمّ إضعاف السـلطـة
الفلسـطينيـة بشـكل بطيء، ولم
يكن هناك عمليـة دبلوماسـيـة
قابلـة للحياة أصلاً. لقد حان
الوقت لنعترف بأن العمليـة
السـلميـة عاريـة. ولكن هذا الاعتراف
بالحقيقة الصارخة، لا يُساعد
كثيراً في البحث عن خيارات،
فالعديد من المراقبين بدؤوا
يعترفون بأن أُطر العمل الحالية
لا تؤدي بنا إلى أي مكان، ولكن
على رعاة العملية السلمية،
وخصوصاً الولايات المتحدة
وأوروبا، أن يبحثوا عن رؤية
استراتيجية طويلة المدى تُحرك
هذه الجهود، ولكن المشكلة أن كل
الخيارات المتوفرة نجد أن فيها
إما مخاطرة كبيرة، أو أنها غير
واقعية. فالخيار الأردني
الذي أُعيد إحياء الحديث عنه من
قِبَل أكثر من طرف منذ فترة،
بحيث تحوِّل (إسرائيل) مسؤولية
إدارة شؤون الفلسطينيين إلى
الأردن، على أن تتولى قوة عربية
مشتركة تسيير الأمور في غزة، لا
يُمكنه أن يحلّ أي مشكلة من
المشاكل الواقعة، فكيف يُمكن
للأردن أن يتولى حكم
الفلسطينيين دون اتفاق بين
الطرفين، وهل الأردن مستعدٌ لأن
يتحمل أعباء جديدة تُضاف إلى
المشاكل التي تولّدها تداعيات
الوضع الفلسطيني على الوضع في
الأردن؟ ولماذا يقبل الأردن بأن
يُعيد روابطه مع الفلسطينيين
بعد سنين من العمل على خلق وجود
فلسطيني مستقل في المجتمع
الدولي؟ ولماذا تثق (إسرائيل)
بالجيش الأردني الآن وما الذي
يُمكن أن يُحققه هذا الجيش الآن
مما لم يُحققه في السابق؟
ولماذا تُريد الدول العربية أن
تتولى مسؤولية قطاع مليء
بالمشاكل مثل غزة!؟ في الحقيقة،
إن خيار إعادة الارتباط مع
الأردن سيولد المشاكل أكثر مما
سيحلّها. أما الحديث عن حلّ
الدولة الواحدة التي يعيش فيها
الفلسطينيون و(الإسرائيليون)
وفق قوانين مواطنة موحدة، فإنه
أشبه بالفكرة الطوباوية مع
استحالة قيام دولة تضمّ كل هذا
الكم من الأطراف المتصارعة
والمتناقضة والمختلفة مع بعضها.
والكلام نفسه ينطبق على فكرة أن
يكون هناك إدارة دولية، فأي
تحالف دولي سوف يرضى أن يقوم
بفرض الأمن والنظام وتسلم
مقاليد الحكم، في مناطق يرفض
الجيش (الإسرائيلي) نفسه أن يدخل
إليها. ومن ناحية أخرى،
فإن حلّ السلطة الفلسطينية، على
الرغم من الحديث الكثير عنه، لن
يكون أمراً مرغوباً، فعلى الرغم
من أن (إسرائيل) لا يهمها أن ترى
سلطة فلسطينية معادية لها،
ولكنها أيضاً لا يهمها أن تقوم
بإدارة الشؤون المدنية
للفلسطينيين، ولن تفعل ذلك. أما الحديث عن بناء
دولة فلسطينية في الضفة، وترك
"حماس" تحكم وتفشل في غزة،
فهو خيار ليس مستحيلاً، ولكنه
صعب جداً، فمن غير الواضح إذا ما
كان بإمكان "فتح" أن تُدير
الضفة بشكل فعال، ومن الصعب أن
تقوم (إسرائيل) بتقديم تنازلات
حقيقية في ظلّ حكم ضعيف وغير
فعال لحركة "فتح" في تلك
المنطقة. أما بقاء الوضع على
ما هو عليه، أي مشاهدة السلطة
الفلسطينية تنهار ببطء ودعمها
من قِبَل المجتمع الدولي بما
يُبقيها بالكاد على قيد الحياة،
مع الادعاء بأن هناك بدائل أفضل
سوف تبرز قريباً، فهو خيار سوف
يحوّل الضفة وغزة إلى صومال
أخرى، فاتحاً المجال أمام العنف
محلّياً ودولياً. هل إعادة إحياء
الحلّ القائم على إنشاء دولتين
أمر ممكن؟ يبدو العمل على
إحياء الحلّ القائم على إنشاء
دولتين، هو الحلّ المناسب،
خصوصاً في ظلّ عدم واقعية كل
الحلول الأخرى، على الرغم من
الصعوبات التي تقف في وجه هذا
الحلّ، فكل من يتكلم عن الحلّ
القائم على دولتين يواجه
بالكثير من الشك، خصوصاً مع
الظروف الحالية، ومواقف جميع
الأطراف. وقبل الحديث عن أي خطوة
في هذا المجال، فإن الحلّ
القائم على إنشاء دولتين يتطلب
وجود قيادة فلسطينية قوية
وفاعلة وإعادة بناء مؤسسات
السلطة الفلسطينية بشكل فعال،
ومن أجل تحقيق هذا الهدف
الاستراتيجي فإن إعادة إحياء
مؤسسات السلطة الفلسطينية
يتطلب: ـ وضع حدٍّ
للعقوبات الدولية على
الفلسطينيين، حتى تتمكن
المؤسسات الفلسطينية من إعادة
الحصول على دعم مادي. ـ محاولة إعادة
تشكيل حكومة وحدة وطنية، حتى
يُمكن إعادة دمج الضفة الغربية
وقطاع غزة. ـ بذل جهد دولي أكبر
للعمل مع المؤسسات الفلسطينية
القائمة حديثاً، مثل منظمة
التحرير، والسلطة الفلسطينية
والوزارات والإدارات،
والجمعيات الأهلية والأحزاب
السياسية. بدل العمل على تحريض
الشعب الفلسطيني ضدّ بعضه
البعض، وعزل وتجويع المؤسسات
التي تسيطر عليها "حماس"،
من أجل ضمان تغلب معسكر
المعتدلين على معسكر المتطرفين. ـ التوصل إلى وقف
إطلاق نار طويل المدى بين (إسرائيل)
وكافة الفصائل الفلسطينية. ـ قيام الولايات
المتحدة بقيادة جهود دبلوماسية
تُعطي المجتمع الفلسطيني فرصة
لتجديد بنيته السياسية بمساعدة
دولية. ـ تقديم دعم مادي
دولي ضخم للمؤسسات الفلسطينية. ـ طرح مبادرة
دبلوماسية عربية قوية ومستمرة،
يُمكنها أن تُعطي الغطاء
الأيديولوجي لإعادة تشكيل
حكومة فلسطينية قابلة للحياة،
وتؤكد (للإسرائيليين) أنهم
سيستفيدون أمنياً من التعاون.
كما أن مثل هذه المبادرة
يُمكنها أن تُمهد لظهور قيادات
فلسطينية جديدة على الساحة
الدولية. ـ المراقبة الجدية
لتطبيق الاتفاقات، بالترافق مع
دعم دبلوماسي قوي لهذا النوع من
الرقابة. وهو الخيار الذي سيمنع
الطرفين من مطالبة الطرف الآخر
بالإيفاء بالتزاماته، فيما
يتجاهل هو ما يتوجب عليه، وهو
الأمر الذي أسهم بشكل كبير في
إضعاف التسوية السلمية في
التسعينيات، وأفقدها الدعم
الشعبي. وكل هذه الأمور لا
يُمكنها أن تنجح إلا من خلال
إشراك "حماس" في الحوار بدل
السعي إلى القضاء عليها. صحيح أن
"حماس" لا يُمكن التغلب
عليها بسهولة في هذا الوقت
بالذات، خصوصاً وأنها تُشكل
جزءاً كبيراً وعميقاً من النسيج
الفلسطيني، ولكن الحركة يُمكن
أن تخسر في الانتخابات، فقط إذا
وُجد أن الحركة مسؤولة عن الفشل
في تحمل مسؤولياتها الحكومية،
وحينها يُمكن أن يبرز بديل عنها
قابل للاستمرار. ــــــــــــــــــــ المصدر:
مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي التاريخ:
حزيران/ يونيو 2007 عرض:
الزيتونة ----------------- نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |