ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ما
بعد بوتو جون
إسبوزيتو* واشنطن
العاصمة – سوف يتذكر العالم
ولفترة طويلة بناظير بوتو
كامرأة مسلمة حضارية عملت
لفترتين كأول رئيسة وزراء
لباكستان. امرأة ذكية جميلة
جذابة مفوهة موهوبة شجاعة تتمتع
بشعبية، وسياسيّة بارعة وزعيمة
سياسية نادت بباكستان
ديمقراطية علمانية. تمتعت
بناظير بجميع هذه الصفات، ولكن
مثلها مثل والدها ذو الفقار علي
بوتو، وعدد من القادة
الباكستانيين الآخرين، تركت
أيضاً مساراً سياسياً ناقصاً
عكس العديد من مشاكل الباكستان
وكذلك ساهم بها. كانت
بناظير بوتو مُصلحة مُجاهرة
فشلت في فترتين رئاسيتين في
إقرار تغييرات سياسية أو
اجتماعية رئيسية. فقد كانت
زعيمة لم تفعل سوى القليل للعدد
الكاسح من الباكستانيين
الفقراء الذين يعيشون في مجتمع
إقطاعي، وزعيمة نسائية بارزة لم
تفعل سوى القليل، رغم وعودها
كرئيسة للوزراء، لتحسين وضع
المرأة أو عكس ما يسمى بسياسات
ضياء الحق في نشر التوجه
الإسلامي. كما كانت ديمقراطية
علمانية عكست قيادتها لحزب
الشعب الباكستاني وحكمها
كرئيسة للوزراء سياسات
الباكستان الإقطاعية، مع سجل من
الفساد الواسع وانتهاكات حقوق
الإنسان انتقدتها المنظمات
الدولية بشدة. ومثلها
مثل والدها ذو الفقار علي بوتو،
فرضت بناظير السلطة عبر أسلوب
أوتوقراطي مستبدّ وهيمنة شخص
واحد. أعلنت نفسها زعيمة لحزب
الشعب الباكستاني مدى الحياة
ولم تترك مجالاً للقيادة من بين
زعماء الحزب الموهوبين، حيث
أرادت للحزب أن يبقى تراثاً من
أسرتها، كما ظهر من خلال "اختيار"
ولدها وزوجها. وتبرز
ردود الفعل السياسية الأخيرة
حيال اغتيال بناظير بوتو
المشاكل الرئيسية وخطوط الخلاف
المتأصلة في السياسة
الباكستانية اليوم، وهي مشاكل
تفاقمت بشكل متزايد في عالم ما
بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
أسرع كل من الرئيس بوش والرئيس
مشرّف في إلقاء اللائمة على
تنظيم القاعدة وغيره من
المتطرفين الإسلاميين، ووضع
عملية الاغتيال ببساطة في مضمون
الحرب على الإرهاب الدولي
والقوى المعارضة للديمقراطية. ولكن
رغم خطورة هذه القوى، وخاصة مع
نمو أعداد المقاتلين
الباكستانيين وليس الأجانب،
فإن هذا السيناريو أحادي
التفكير يتجاهل التيارات
المتضاربة القديمة في السياسة
الباكستانية: مشكلة هوية، معمقة
ومتأصلة لم يجرِ حلها، فيما
يتلعق بالإسلام والهوية
الوطنية الباكستانية والسياسة،
ودور الأحزاب والتحركات
الإسلامية وصداماتها مع النخب
التي تصطبغ بالغرب، وجيش قوي
برز من سنوات طويلة من الحكم
العسكري وليس الديمقراطي، ودور
الزعماء الإقطاعيين السياسيين. ورغم
أن محمد علي جناح، مؤسس
الباكستان وأول زعيم لها، رأي
الباكستان كوطن مسلم إلا أن
فهمه الأكثر اجتماعية - ثقافية
لم يكن هو فهم الكثيرين الآخرين
من الزعماء ذوي العقلية الأكثر
تديناً. لذا، وبينما تبنّت
الباكستان هيكلاً سياسياً
غربياً، أخذ العديد من
الباكستانيين الهوية الإسلامية
للدولة بشكل حرفي وجاد، كما
اكتشف أيوب خان، الزعيم العسكري
السابق الداعي إلى الحداثة،
عندما اضطر لأن يتراجع عن
محاولته إلغاء اسم الباكستان
"جمهورية الباكستان
الإسلامية". كما أن ذو الفقار
علي بوتو، الاشتراكي العلماني،
تحول نفسه إلى الإسلام بعد
الحرب الأهلية بين باكستان
وبنغلادش عام 1971 حتى يستطيع
بناء جسور مع الدول العربية
ومجابهة حزب الجماعة الإسلامية
وغيره من الأحزاب السياسية
وتعزيز قاعدته الشعبية. إلا أن
التوجه نحو الإسلام أثبت أنه
سلاح ذو حدين، حيث استخدم زعيم
الجيش الذي عينه بوتو، وهو
الجنرال ضياء الحق، الإسلام
لإضفاء الشرعية على انقلابه
وإعدام بوتو ونشر "التوجه
الإسلامي" في الباكستان. ومما
يثير السخرية أن نواز شريف
استخدم بعد سنوات طويلة ورقة
الدين كذلك في كفاحه السياسي مع
بناظير بوتو وحزب الشعب
الباكستاني. إلى
أين نذهب من هنا؟ الواقع أنه نتج
عن حرب الباكستان والولايات
المتحدة "على الإرهاب" و"تشجيع
الديمقراطية" زيادة خطيرة في
الإرهاب وتهديداً للديمقراطية.
لقد نما التطرف الديني في
الباكستان كما نما الإرهاب كذلك.
لن تؤدي الأزمة الراهنة إلا إلى
فائدة المتطرفين ومصلحتهم. لقد
زاد السياسيون الإسلاميون
والأحزاب الإسلامية (في التيار
الرئيس والمتطرفون منهم) من
شعبيتهم الانتخابية، في كل من
انتخابات عام 2002، وبالتالي على
الصعيد القومي، بما في ذلك
السيطرة على إقليم الحدود
الشمالية الغربية وبلوشستان.
تشجيع مشرف للديمقراطية كان
ورقة توت في أفضل حالاته، من حيث
معالجة السياسة الانتخابية
ببراعة ودور المؤسسة العسكرية.
ورغم أن مشرف قد نزع بزته
العسكرية، يبقى الجنرالات سلطة
قوية مؤثرة قادرة على التدخل في
أية لحظة. ومما يؤسف له أن موت
بناظير بوتو المأساوي نتجت عنه
مرحلة جديدة من زعامة عائلة
بوتو الإقطاعية لحزب الشعب
الباكستاني، إلا أنه خالٍ الآن
من الشعبية والمواهب والتجارب
التي كانت بناظير تتمتع بها. يتطلب
التحرك قدماً زعامة متنورة. في
الوقت الذي أصبح فيه العداء
الواسع للأمركة (وبتحديد أكثر،
المعارضة لإدارة الرئيس بوش) في
الباكستان محصنا أكثر فأكثر،
كما حصل في أجزاء العالم
الإسلامي وغير الإسلامي،
يستطيع المرء على الأقل أن يأمل
بإرساء بعض العمل الأساسي لظهور
قادة جدد. يتوجب
على مشرف أن يبدأ بإعادة إرساء
قواعد شبيهة بلديمقراطية من
خلال إعادة تأسيس محكمة
الباكستان العليا، والإعلان عن
جدول زمني أكثر دقة للانتخابات
الوطنية والسعي للعمل عن كثب مع
الزعماء السياسيين ومن التيار
الرئيس بدلاً من استغلال الوضع
الحالي المضعضع وبالتالي
المساهمة بالمزيد من عدم
الاستقرار. تستبقي الولايات
المتحدة، إذا أخذنا بالاعتبار
سلطتها السياسية والعسكرية،
القدرة والفائدة المضاعفة للعب
دور بناء بصورة أكبر في
الباكستان، ولكن ذلك سوف يتطلب
ليس مجرد البحث عن "مرشح
أميركي" آخر يعين زعيماً
للباكستان. ------------------------------ *جون
إسبوزيتو أستاذ جامعي والمدير
المؤسس لمركز الأمير الوليد بن
طلال للتفاهم المسلم المسيحي
بجامعة جورجتاون، وهو كذلك مؤلف
مشارك لكتاب "من يتكلم لصالح
الإسلام، ما يفكر به مليار مسلم".
تقوم
خدمة Common Ground
الإخبارية بتوزيع هذا المقال
الذي يمكن الحصول عليه من
الموقع www.commongroundnews.org.
(مصدر
المقال: مجلس بحوث العلوم
الإجتماعيّة Social
Science Research Council،
2
كانون الثاني/يناير 2008) www.ssrc.org/blogs/immanent_frame تم
الحصول على حقوق نشر هذا المقال.
----------------- نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |